|
انقلاب 8 شباط البعثي عام 1963 صفحة سوداء في التأريخ
موسى جعفر السماوي
الحوار المتمدن-العدد: 2184 - 2008 / 2 / 7 - 11:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في تأريخ العراق المعاصر صنع الشعب أحداثاً وأخرى صنعها أسلافه أيامها خالدات لا تتقادم، نغبط من أستشهد من أجل أهدافها ومن أسهموا فيها نستذكرها كل عام ونعد ما يليق للاحتفاء بها لما تحتله من مكانة عزيزة في حياتنا كثورة العشرين الخالدة من أوائل ثورات التحرر الوطني في العالم وكانت نبراساً لما أعقبها من أحداث كوثبة كانون 1948 وانتفاضتي تشرين عامي 1952و1956 وثورة 14 تموز الخالدة عام 1958، حققت للشعب العراقي منزلة متميزة في حركة التحرر العالمية المناهضة للامبريالية وماتزال ذكرى تلك الأحداث تشكل حافزاً يؤسس إلى صنع حدث يوقد شعلة النضال الوطني والديموقراطي لتحقيق تحرير بلادنا من الاحتلال ودوامة العنف والإرهاب والمحاصصة الطائفية والعرقية والفساد والواقع المأساوي الذي يزداد عمقاً وتعقيداً وغذ السير نحو الإعمار وبناء دولة الوحدة الوطنية والقانون والديموقراطية. إن أحداثاً كثيرة مرت في حياة العراقيين لكن حدثاً كان أكثرها وحشية وسوءاً وقع في صبيحة يوم الجمعة الموافق 8 شباط 1963 حيث قاد البعثيون انقلاباً عسكرياً غاشماً أطاح بحكومة ثورة 14 تموز الوطنية وإعدام قائدها الزعيم عبد الكريم قاسم مع مجموعة من الضباط الأحرار رمياً بالرصاص بعد محاكمة تشفي وشماتة غير قانونية لم تستغرق أكثر من نصف ساعة وتكتموا على قبورهم، مما يؤكد شدة الحقد الأسود الذي اختزنه الانقلابيون ضد الثورة ومنجزاتها ورجالها والقوى التي ساندتها. ومارسوا ضد الشعب وقواه الوطنية والديموقراطية من إرهاب وتدمير وسفك دماء واغتصاب واعتقالات وتصفيات جسدية وتعذيب شرس يترفع البرابرة الهمج والطغاة وعتاة الاستبداد والظلم عن الإتيان بمثلها. وكانوا يتباهون بارتكاب الجريمة ويغالون في أساليب التعذيب من أجل توسيع نطاق الخوف والرعب بين الناس، لقد اغتالوا الثقافة والقيم الإنسانية والوطنية وكل ما يمت إلى الأخلاق والأعراف والعادات والتقاليد التي نشأ عليها أهالي العراق وعلى امتداد تسعة شهور استغرقه حكمهم الجائر. كانوا يرددون شعارهم البغيض "سحقاً... سحقاً حتى العظام" الذي لم تجرؤ النازية ولا الفاشية على رفعه أو التباهي به. وقد اتضح جلياً أن ما حدث كان من صنع الامبريالية الأمريكية وبدعم منها، أوعزت إلى أعداء ثورة 14 تموز الوطنية للبدء بالتنفيذ؛ لأن حكومة الثورة قد حققت إنجازات وطنية وديموقراطية لا ترى الامبريالية الأمريكية فيها ما يخدم إستراتيجيتها مما يشكل خطراً على مصالحها في المنطقة. لقد أعلن عن هذا الارتباط الذليل "علي صالح السعدي" الذي كان يقود حزب البعث واحتل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة الانقلابيين بقوله: "لقد جئنا إلى الحكم بقطار أمريكي" والأشد غرابة أن البعثيين رغم كل ما ارتكبوه من جرائم قد أطلقوا على انقلابهم المشين "عروس الثورات". والسؤال: أما كان باستطاعة الزعيم عبد الكريم قاسم وهو قائد الثورة ورئيس الحكومة الوطنية والقائد العام للقوات المسلحة أن يعد وسائل مواجهة التحرك المشبوه لأعداء الثورة ويجنب البلاد كوارث لا حصر لها؟ الجواب: كلا! فقد استطاع أعداء الثورة استغلال ضعف الوعي السياسي لدى الزعيم عبد الكريم قاسم وبأساليب شيطانية أن يوهموه أن الخطر على سلطته يأتي من القوى الوطنية والديموقراطية وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي! وأنهم معه سيكونان ضحايا المد الشيوعي المتعاظم. وبهذا الاتجاه استغلوا هفوات وقعت سببها حرص الجماهير على سلامة الثورة فضخموها وأضافوا عليها بما يوحي لعبد الكريم قاسم أنه على وشك الغرق! لقد حمله إحساسه الخاطئ إلى معاداة القوى الوطنية والديمقراطية وملاحقتها بوسائل القمع والسجن بتهم كاذبة ومحاكمات صورية وقرارات بالعزل والفصل من الدراسة والعمل والوظيفة وكانت انتكاسة أحدثت فجوة واسعة بين الزعيم عبد الكريم قاسم وبين قوى الثورة الحقيقية التي آزرته في الأوقات الحرجة. يضاف إلى ذلك سعي دول الجوار والدول العربية، لاسيما مصر، مصحوباً بحملات إعلامية تهويشية تناصر قوى الردة والضلالة لإسقاط سلطة حكامها الموالين للاستعمار، وفي نفس الوقت كانت مخابرات الامبريالية البريطانية والأمريكية تعملان بنفس الاتجاه بإصرار لتعيد (الحصان الجامح إلى الحظيرة!). من كل ذلك نشأ وضع غير طبيعي أظهر عزلة الحكومة وضعفها ومنح أعدائها فرصة العمل المنظم وتجميع قواهم بأمان بعد أن كانت خائفة ومترددة ومهد لهم طريق التآمر والاستيلاء على السلطة بيسر وكأنها هدية من لدن الزعيم عبد الكريم قاسم! وحدثت الكارثة وامتدت إلى يومنا هذا. المجد والخلود وتحية إجلال وإكبار للشهداء الذين استبسلوا في مقاومة الانقلاب البعثي الغاشم.
#موسى_جعفر_السماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكرى وثبة كانون الثاني المجيدة عام 1948
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|