طلال احمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2183 - 2008 / 2 / 6 - 11:17
المحور:
ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع
نشر على موقع الحوار المتمدن نداء من اجل بناء الدولة الديمقراطية المدنية في العراق . وقد وقع النداء الاف العراقيين من مثقفين وكتاب واساتذة جامعة واطباء ومهندسين وساسة وغيرهم . وبلغ عدد الموقعين اكثر من عشرة الاف لغاية يوم 31 / 1 / 2008 .
النداء يدعو الى اصلاح العملية السياسية وتطويرها , واجراء التعديلات على الدستور بما يفضي عليه الطابع المدني الديمقراطي , وتكريس المصالحة الوطنية , وبناء دولة القانون والمؤسسات . الدولة المدنية الحديثة . والدعوة لاقامة دولة مدنية تعني بالضبط اقامة دولة علمانية بدلا عن الدولة الدينية القائمة حاليا .
ان اقامة الدولة المدنية في العراق هو طريق الخلاص فهي الدولة الوطنية التي تمثل كل العراقيين عربا واكرادا سنة وشيعة , مسيحيين وصابئة وغيرهم , وهي الدولة التي تحترم الدين وتصونه طبقا للموروث العراقي . الدولة المدنية ضرورة من اجل عراق الجميع عراق موحد بعيد عن التقسيم عراق بعيد عن الكراهية , عراق بعيد عن الخوف , عراق بعيد عن الاحتقان والتشظي , عراق بعيد عن الطائفية والمذهبية .
عندما يصدر نداء بهذا الوضوح من قبل مجموعة كبيرة من العراقيين يدعو لاقامة الدولة المدنية في البلاد , فانه يزعم ان الدولة القائمة حاليا هي دولة دينية , والدولة الدينية في العراق كانت من اهم مخاضات الاحتلال عام 2003 , فعندما تم تقويض واسقاط الدولة الديكتاتورية القائمة منذ اكثر من ربع قرن , دون تخطيط لما ستؤول اليه الامور بعد سقوط النظام , اعتقد الاميركيون ان القهر سوف يولد الديمقراطية , وان الحرية يمكن ان تكون وصفة جاهزة يمارسها الجميع بلا حدود , وغاب عنهم حقيقة ماكان قائم في البلاد . التيار الديني كان موجودا في العراق قبل الاحتلال , وقد احتضنه النظام السابق في نطاق ماسمي بالحملة الايمانية , وقام النظام بتشييد المئات من دور العبادة , واغلق النوادي والجمعيات ومنع تناول المشروبات الكحولية في المطاعم والمحلات العامة , واتخذ العديد من الاجراءات لنشر الفكر الديني واصبحت ارض العراق مهيأة لاحتواء ونمو التيار نظرا للاحباط والفقر والتشرذم والضياع الذي سببته حروب النظام والحصار الاقتصادي المدمر , الذي خلف شعبا يفترش الارض ربع سكانه تركوا البلاد ينشدون لقمة العيش في بقاع الارض الاخرى بعيدا عن ارضهم .
تلك المسببات ساعدت انذاك على ظهور ما يمكن ان نطلق عليه التيار الديني الشعبي , الذي ظل بعيدا عن السلطة الحقيقية ولم يخرج عن نطاق الطقوس الدينية المعتادة , وكان طبيعيا ان يخرج هذا التيار الى الشارع بقوة بعد سقوط النظام , فاحتوته الاحزاب الدينية التي عادت ناشطة من خارج الوطن , وتم تسيسه بسرعة فائقة واصبح العمود الفقري لنشاط تلك الاحزاب والمحرك الاساسي واللاعب المهم في انتخابات عامي ( 2004 , 2005 ) , وتم باتقان توضيف المشاعر الدينية الى ولأت مذهبية تسيرها الفتاوي التي سادت الساحة السياسية . واهم ماتمحض عنه ذلك الوضع هو الفوز في الانتخابات وظهور فكر يدعو الى العودة الى الماضي واقامة نظام شبيه لما كان قائما قبل تاسيس الدولة العراقية عام 1921وهو تاريخ اقامة الدولة المدنية . وبدأ تحويل المجتمع بعناية فائقة الى مجتمع تسيطر عليه النعرات الطائفية والعرقية والمذهبية , ويخيل الي ان المحتل كان له دورا واضحا في ذلك التوجه , وتحولت تلك النعرات الى بدائل عن دولة المؤسسات الحديثة وافرغت الدولة من صفاتها الاساسية كراعية للمواطن وتحولت الى دولة طوائف وطبقت المحاصصة بابشع صورها وقد تجلى ذلك بصورة لا تقبل اللبس في كل تشكيلات الدولة بدء بمجلس الرئاسة حتى اصغر هيئة في مجلس النواب .
اخذت الهوة تتسع يوما بعد اخر بين المجتمع والدولة وانعدمت الثقة بين الحاكم والمحكوم وكثر الكلام عن الثروات الطائلة التي حققها البعض بعيدا عن المسالة والحساب . العراق صار بأمتياز بلد الازمات , وانتصر شعار العودة الى الماضي , فكبت الحضارة واضمحل العلم لتحل محله الخرافة , ووئد الفن وحرمت الموسيقى واسدل ستار المسرح الى الابد . واصاب المرأة القسط الاكبر من الاضطهاد والعنف , ووصل الامر الى ممارسة القتل ضدها في الشوارع تحت حجج واهية , واخذت عصابات الجهلة تجوب الجامعات ومعاهد العلم لترهب الطالبات بقصد ابعادهن عن التعليم .
وكامتداد طبيعي لثقافة العودة الى الماضي التي قادتها الاحزاب الدينية وكنتيجة لهشاشة الوضع السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي وكصورة حية للصراعات المذهبية ظهرت منذ عام حركات وتنظيمات دينية راديكالية تحت شعارات من الوهم والخرافة وكان منها ما سمي بجند الله والمهداوية والصرخية واليمانية والكرعاوية واحباب الله , والبقية تاتي . وكان لظهور هذه التنظيمات ومحاربتها من قبل السلطة حصول المزيد من حمامات الدم في عراقنا الجريح .
نكاد نجزم هنا بان ما حصل ويحصل في العراق منذ خمس سنوات اصبحت له تداعيات كثيرة فان الشعب اصبح قليل الثقة بتجربة لم تقدم له اي مكسب انما اثخنت جراحة وزادت من فقرة وفاقمت من خوفه تجاه الحاضر والمستقبل . من هنا تاتي اهمية النداء الصادر من حملة الفكر الديمقراطي الحر بضرورة اقامة الدولة الديمقراطية المدنية .
السوال الان كيف السبيل لاقامة هذه الدولة ؟ لعل من نافلة القول التاكيد بان الطريق الدستوري والديمقراطي هو السبيل الوحيد لتحقيق اي شعار او طموح وان الاليات التي جاءت في دستور البلاد الدائم هي الضمانة الوحيدة للوصول الى الهدف المنشود . ولاشك ان تحقيق الهدف في اقامة الدولة المدنية يكمن اولا وقبل كل شي في حشد الوعي الجماهير ونشر الفكر العلمي ودحر الفكر السلفي والخرافة . وتقف في الصدارة مسالة توحيد القوى الديمقراطية المتشرذمة وتكريس الجهود الموحدة من اجل اشاعة الفكر الديمقراطي ودحض التهمة التي تقول ان العلمانية تفضي الى محاربة الدين هذه التهمة البعيدة كليا عن الحقيقة حيث ان العلمانية لا تحارب الدين انما تهدف الى ابعاده عن السياسة . وقد كان الدين موضع احترام في العراق منذ تشكيل الحكم الوطني قبل ثمانية عقود .
يطالب النداء باصلاح العملية السياسية واجراء التعديلات على الدستور بما يؤول الى الطابع المدني الديمقراطي . وفيما يخص العملية السياسية ينبغي اولا الاعلان صراحة مع التطبيق العملي لوقف المحاصصة الطائفية القائمة في البلاد على كل الصعد , كما ينبغي تعديل قانون الانتخاب بالغاء عملية الترشيح عن طريق القوائم المغلقة والاستعاضة عن ذلك بالترشيح الفردي او ضمن قوائم محددة ومعروفة , وبعين الوقت يجب ان تكرس جهود اكثر من اجل المصالحة الوطنية وازالت اسباب الانشقاق الذي يعاني منه الشعب , بهدف توحيد صفوفه والاستجابة الى مطاليبه المختلفة التي لها اول وليس لها اخر وتقف في المقدمة معالجة مشكلة المهاجرين والمهجرين . وقضايا الفساد والاعمار والبطالة , وتعزيز دولة القانون , والنهوض بالصناعة والزراعة , واصلاح العملية التربوية بعيدا عن الطائفية, وتحقيق التامين الصحي للمواطن , وايجاد الحلول النهائية لخدمات الكهرباء والماء والوقود وغيره . وبخصوص تعديل الدستور ينبغي اعادة النظر في الكثير مما ورد فيه والتي كانت سببا في تعقيد الوضع السياسي وعلى سبيل المثال ديباجته وما ورد في المادة (2 ) اولا ( أ ) التي تتقاطع مع الفقرة ( ب ) من نفس المادة . وكذلك يجب الغاء المادة ( 41 ) المثيرة للجدل والتي تتعلق بالاحوال الشخصية و وبنفس الوقت يتطلب اصدار اعلان سياسي ملزم من قبل الحكومة يؤكد الحقوق الطبيعية للمراة ومساواتها بالرجل وكذلك تشريع قانون واضح لحماية المرأة من الاعتداء والقهر , والتاكيد على الالتزام بقانون الاحوال الشخصية رقم ( 188 ) لسنة 1959 الذي شرعته حكومة الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم . اما ما يخص المادة (140 ) من الدستور فهي الاخرى بحاجة الى حل يرضي كافة الاطراف , حيث انها تحولت الى قنبلة موقوتة ويعود السبب الى ان هذه المادة اقرت دون دراسة وقد وضعت لها توقيتات غير واقعية يتعذر انجازها في ظل الوضع المعقد القائم في البلاد .
المهتمين بالشان العراقي يقرون ان العراق يمر بمخاضات صعبة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانسانية , وعلى الجميع تقع المسؤولية التاريخية في ايجاد السبل لانتشال الوطن من واقعه الاليم . ومما لاشك فيه ان اهم خطوة لانقاذ العراق ووضعه في المسار الصحيح هي الانتقال الى حكم الدولة المدنية الديمقراطية الممثل الحقيقي لكل العراقيين , والمدافع الامين عن حقوق المواطنين بغض النظر عن انتمائاتهم القومية والدينية والمذهبية وغيرها .
#طلال_احمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟