|
نفق غوانتانامو الذي لا ينتهي!!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2183 - 2008 / 2 / 6 - 11:08
المحور:
حقوق الانسان
النسيان واليأس هما الحالة التي تسيطر على بشر يقال أنهم "سجناء" في غوانتنامو، فلا أحد يعرف لأي التشريعات يخضعون وأي القوانين الدولية تنطبق عليهم وأي شهود يقابلون وأي قضاء سيواجهون وأي عدالة ينتظرون. هكذا مرّت الذكرى السادسة لسجن غوانتنامو حيث يقبع بضع مئات منذ سنوات دون محاكمة وأحياناً دون تهمة محددة باستثناء ضبابية "تهمة" الارهاب الدولي، التي يمكنها أن تغيّب قسرياً أشخاصاً كل جريمتهم أن حظهم العاثر أوصلهم الى تلك القاعدة العسكرية الامريكية النائية في كوبا، سواءًا كانوا متدينين أو أعداء للولايات المتحدة أو حتى مرتكبين، لكن بينهم وربما هو القسم الأعظم منهم، أبرياء حتى الآن، إذ لم يتم إدانتهم، ووسط هذا الحشد الكبير والغامض يرزح صحفي من تلفزيون الجزيرة اسمه سامي الحاج. قد تتحرك الضمائر والصحف ومحطات التلفاز وتنظّم المدوّنات القانونية عند مقتل جندي امريكي أو بريطاني أو عندما تتعرض عربة نقل عسكرية اسرائيلية لهجوم مسلح من طرف المقاومة، بعد انتهاء مهمتها غير الانسانية وتدمير الاحياء والبلدات الفلسطينية وجعلها ركاماً، لكن بقاء العشرات والمئات خلف القضبان في ظروف قاسية وببدلاتهم البرتقالية التي أصبحت رمزاً للذل، أمراً شائعاً وربما "مألوفاً" ومسكوتاً عنه، ولعله وهنا المفارقة لا يحظى بالقدر الكافي من الاهتمام الذي يستحقه من جانب المنظمات الحقوقية الدولية بما فيها المنظمات العربية. أثارت قضية سجناء غوانتنامو أسئلة قانونية وسياسية بخصوص شمول بعضهم باتفاقيات جنيف أو عدم شمولهم، خصوصاً من أعضاء تنظيمات القاعدة، إضافة الى المعاملة القاسية التي تعرضوا لها وما سببته من انتهاكات جسيمة وصارخة لمواثيق حقوق الانسان ولاتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977، بخصوص ضحايا المنازعات الدولية المسلحة وضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية. وتلقي صورة سجناء غوانتاناموالكالحة ظلالاً من الشك والاتهام على ما جرى ويجري حالياً تحت يافطة " مكافحة الارهاب الدولي" لاسيما التعارض السافر مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان وبخاصة من جانب الدول التي لديها أسرى أو معتقلين. وبرغم مطالبة المملكة العربية السعودية واليمن ودول أخرى وزيارات متكررة لمسؤولين عرب الى سجن غوانتانامو بتحسين حالة السجناء والأسرى وتطبيق الاتفاقيات الدولية عليهم واحترام حقوق الانسان، الاّ أن أوضاعهم ما تزال تثير الكثير من المخاوف والشكوك إزاء هذا الهدر السافر والصارخ تحت بصر وسمع العالم أجمع. وهنا لا بدّ من وضع قضية سجناء (أسرى) غوانتانامو تحت الأضواء لاسيما بمرور أكثر من ست سنوات على تدشينه استقبال أعداد من الأسرى أو المعتقلين وذلك في إطار القانون الدولي وقواعد حقوق الانسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية. لقد أصدر الرئيس الامريكي بوش أمراً عسكرياً في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 يحدد فيه كيف يجب أن يعامل من يعتقل من غير المواطنين الامريكيين في إطار مكافحة الإرهاب الدولي، ويمنح هذا الأمر السلطات العسكرية حق الاحتفاظ بهؤلاء السجناء الذين يعتقد في انتمائهم الى " تنظيم القاعدة" أو انخراطهم في أعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة، وأن يحاكم هؤلاء وفق القانون العسكري، في محاكم عسكرية مؤلفة من الضباط، لا تشمل قضاة أو محلفين. واستند الرئيس بوش في قراره هذا على سابقة مماثلة هو القرار الصادر العام 1942 الذي اتخذه الرئيس روزفلت إزاء بعض " المخربين" الألمان الذين وصلوا الى الشواطئ الأمريكية، بيد أن روزفلت نفسه قام بتصحيح هذا الخطأ عام 1944 عندما رفض نصيحة وزير الخزانة هنري مورغيننتو لقتل (2000) الفين أو (3000) ثلاثة الآف من القادة الألمان دون محاكمة، وبمجرد التأكد من هويتهم وذلك بناءًا على نصيحة وزير الدفاع في حينه وهو هنري سيستمون، الذي أوصى بتأسيس محكمة تحترم القانون لمحاكمة هؤلاء. وبقراءة ارتجاعية للحدث فبعد تدمير السفن في ميناء بيرل هاربير الامريكي من جانب القوات اليابانية، أصدر روزفلت قراراً بتاريخ 19/2/1942 وبرقم 9066 بتسريح الجنود الامريكيين من أصل ياباني، وكان عددهم نحو 5 الآف باعتبارهم " غرباء أو " اعداء" وتم إلقاء القبض على العديد منهم ورميهم في المعتقلات وتصفية أملاكهم. لكن هذه الحادثة ظلّت موضع جدل فقهي قانوني وسياسي حتى جرى بعد حين إلغاء الأمر الرئاسي ولكن بعد 34 سنة، حين اتخذ الرئيس فورد قراراً برقم 4417 عام 1976 اعترف فيه بخطأ ذلك الإجراء، بل إنه اعتبره خطأ قومياً وتم دفع 20 الف دولار لكل عائلة متضررة. الغريب أن أمريكا أعلنت عدم انطباق اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 وبخاصة الاتفاقية الثالثة (المادة الرابعة) على السجناء، وهو الأمر الذي قادها الى رفض منحهم صفة الأسرى أي " أسرى الحرب" . وهذه المقاربة تعدّ مخالفة صريحة للقانون الدولي الانساني، وتترك الباب مفتوحاً لاتهام هؤلاء السجناء بإطلاق النار على الجنود الامريكيين وهو اتهام لا يصح وفقاً للمادة الرابعة( الاتفاقية الثالثة) إذا ما اعتبروا أسرى حرب، بيد أن احتجاجات حقوقية دولية ومن اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهي هيئة دولية محايدة قد حملت الإدارة الامريكية على تغيير جزئي في موقفها إزاء السجناء. في 7 شباط (فبراير) 2002 قام الرئيس بوش بالتمييز بين مقاتلي طالبان الأفغان الذين حاربوا دفاعاً عن بلادهم ضد قوات أجنبية، واعتبارهم أسرى وبين أعضاء تنظيم القاعدة الذين لا تنطبق عليهم هذه الصفة. وهذه النظرية رغم أنها ليست مرضية أو مقبولة حقوقياً إلا أنها هي مجرد محاولة تكييف قانونية أمريكية إزاء بعض السجناء. التطور في الموقف الأمريكي لم يضع حداً للخلاف القانوني والعلاقة بين القوة والعدالة من وجهة النظر الاوروبية، ذلك أن اختيار قاعدة غوانتانامو خارج الإقليم الأمريكي يترك ضلالاً من الشك والإبهام حول النوايا الأمريكية. كما أن تقارير المراسلين الصحفيين وبخاصة مراسل صحيفة ليبراسيون الفرنسية كشف الطبيعة اللاإنسانية واللاأخلاقية واللاقانونية لأوضاع هؤلاء السجناء، حيث وصف المعسكرين اللذين يضمان هؤلاء وهما معسكرا (شقة X) و" الفابرافو" بأنهما " معسكران خارج القانون"، استناداً الى طبيعة الإجراءات الأمنية الصارخة والإدارة المعلنة والمضمرة لنزع صفة الإنسانية عنهم وإذلالهم، فهم موضوعون في أقفاص وسلاسل ولا يعفون الليل من النهار حيث تضاء كشافات قوية ومسلطة عليهم ويعاملون كأنما كائنات قادمة من كوكب آخر لا علاقة لهم بالقوانين والاتفاقيات الدولية. خلف هذه التفاصيل الخاصة بالأمن ومعاملة هؤلاء السجناء، تكمن إشكاليات وقضايا قانونية إنسانية ليس بمقدور قوة تجاهلها أو غضّ البصر عنها، إذ أنها اختبار حقيقي لفلسفات ومبادئ وتوجهات عالمية، يحق لنا أن نلحق بها صفة التحضّر أو عدمه لدرجة قربها أو بعدها من احترام حقوق الانسان وكرامته. وإذا كان اسم غوانتانامو يسبب حرجاً كبيراً للادارة الأمريكية حالياً التي تحاول إغلاقه أو التخلص منه فإن سجون مثل باغرام وقندهار في افغانستان وابو غريب وبوكا في العراق والسجون السرية الطائرة في بعض دول اوروبا الشرقية، تشكل علامات مثيرة على اصرار الولايات المتحدة على نهجها في انتهاك حقوق الانسان.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب الاستباقية واحتكار العدالة: حالة غزة
-
أور أو -مدينة القمر- والشبكة العنكبوتية
-
جورج حبش: الاستثناء في التفاصيل أيضاً!!
-
صورة المجتمع المدني بين التصادم والتواؤم
-
دولة مواطنة أم مواطنة دولة ؟!
-
المجتمع المدني بين الاقرار والانكار !!
-
راية الليبرالية الجديدة!!
-
العقدة النفطية في المشكلة العراقية!!
-
العلاقات العراقية- الامريكية .. والعودة الى نقطة الصفر!!
-
اللاجئون العراقيون : مسؤولية من؟
-
سيناريوهات الاجتياح التركي للاراضي العراقية!!
-
سيناريوهات الوجود أو الانسحاب الامريكي من العراق!!
-
العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا!!
-
شط العرب.. وصاعق التفجير!!
-
هل الديمقراطية مثالية؟!!
-
المكتب البيضاوي: انه الاقتصاد يا غبي!!
-
التنوع الثقافي والنخب الفكرية والسياسية!
-
العرب والتنمية!!
-
العراق: من إرث الماضي الى تحديات المستقبل
-
العرب ومفارقات العولمة
المزيد.....
-
السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة تدين عنف المستوطنين الإس
...
-
الأمن الروسي يعلن اعتقال منفذ عملية اغتيال كيريلوف
-
بين الأمل والتحديات.. هل سوريا مهيأة لاستقبال اللاجئين؟
-
بالفيديو.. جنود سوريون -فارّون- يتظاهرون في العراق
-
بـ-طريقة مجهولة-.. أول إعدام بولاية إنديانا منذ 15 عاما
-
ألمانيا.. حكم بالسجن 10 سنوات على سوري لارتكابه جرائم حرب
-
وزير العدل المغربي يعلّق على تصويت المملكة في الأمم المتحدة
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى انتخابات حرة وعادلة في سوريا
-
عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة يعيشون حالة عدم يقين رغم زيا
...
-
اعتقال قبطاني ناقلتي النفط الغارقتين في البحر الأسود
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|