سدة الكوت
سعدي يوسف واحد من شعراء العراق الكبار وهذا شئ لا غبار عليه، لكن في بلد رئة من الشعر على حد تعبير معين بسيسو، المكان الوحيد له يأتي في الصف الثاني في الشعرية العراقية، ولكن ذكاء سعدي وموهبته، وفهمه الجيد للخارطة السياسية- الثقافية استطاع أن يكّون مجداً يفوق الآخرون، فنحن نعرف أن العراق حتى نهاية السبعينيات كان المُسيطر على الوسط الثقافي هو الحزب الشيوعي، فالمثقف العراقي كان أمام معادلة صعبة الاختيار فإما الشيوعية أو الأحزاب القومية، وعلى حد تعبير أحدهم اخترنا أفضل السيئ.لهذا كان الحزب الشيوعي كالقبيلة يحتاج إلى شاعر ولم يجد خلال الثلاثين عاما الأخيرة بهذا التوافق سوى سعدي يوسف لكي يكون شاعر الحزب، وقد أصبحت قصائد سعدي يوسف أحيانا مادة ثقافية ملزمة للخلايا وللجان...وبفعل الضخ والتكرار المبرمج وحجب المُخالف تولدت قناعة لدى الكثير على ان سعدي اكبر شاعر عراقي..فمانشيت كل قصيدة يبدأ بالشاعر الكبير..أما الآخرون فكانوا غير ذلك وفق منهج السياسي في صناعة النجوم...وأنا شخصيا حملت في توجهي إلى كوردستان مع ملابسي وقطعة السلاح المجموعة الكاملة لسعدي يوسف ولحد هذه اللحظة أعتز بكون الشعر حاضرا في مخيلة كل مناضل...ولكن عندما تحررت من الايدولوجيا ووعيت إلى معادلة فن صناعة النجوم على مقاس السياسي، وعلى مقاس حزب الأيدولوجيا وجدت ان هناك عراق ملئ بالشعراء الكبار والأكثر شعرية من سعدي وهذا ليس رأي شخص متواضع مثلي ولكن رأي النقد والنقاد ذوي الإختصاص وقد قرأت الكثير من المقارنات عندما فاز سعدي بجائزة سلطان ابن عويس..فهناك البياتي ونازك الملائكة وبلند الحيدري والبريكان رغم ان الأخير مُقلّ ولكن ليس العبارة بالغزارة بل بالأثر، متذكرين المحاولات الأفترائية الكثيرة لتقزيم شاعر مثل السياب والتي طالت كذلك حتى الجواهري العظيم...واليوم- سعدي- بعد ان أصبح الحزب الذي صاغه شعار لا يمتلك ذلك البريق الثقافي، وعندما تحرر كل المثقفون من عقدة البيان والمنظمة التي وراؤها قائمة الحزب وأصبحوا يقولون رأيهم بكل حرية بدون الرجوع إلى سعدي وعندما رأى ان طريق الشعب لم تعد تلك الصحيفة التي رفعته عاليا وان صاحب المدى يمتلك أفضل صحيفة في زمن( الاحتلال)…، بدأ يلجأ إلى القومية وإلى وسائل العربان الإعلامية وإلى اتهام الناس بالجملة بالخيانة وأغلبهم رفاق وزملاء الأمس، على أنهم عملاء المخابرات الأمريكية، بنفس الوقت بدأت وسائل الإعلام القومية تجري له المقابلات وتصدره على انه الرجل الوحيد الملئ بالوطنية وما عداه خونة وأصبح كاتب القدس الأول ومقالاته تزين موقع الكادر للمرادي بين ليلة وضحاها، مدافعا عن جلادي شعبنا في الفلوجة وتكريت الذين حاولوا وضع شعب كامل تحت التراب…. من حق سعدي ان ينتقد أي سياسي عراقي، فنحن نسعى إلى التخلص من المزج الغرائبي المُشين بين الوطن والحزب أو هذا السياسي أو ذاك. أنا مثل سعدي لدي ملاحظات كثيرة على جلال الطلاباني وحزبه ولكن ليس من حق أحد ان يختصر الشعب الكوردي بهذه العبثية وأن يضع العراق بهذا التعارض مع جزء من شعبة عندما يقول ان العراق العربي يضيع من أجل كويسنجق، إلى هذه الدرجة أيها الأستاذ وأنت الذي دوختنا بالأممية تنظر إلى شعب يشكل ثلث سكان العراق وبالتالي كيف يمكن لبلد ثلث سكانه ليسوا عربا ان ُينظر له على انه بلد عربي خالص؟؟؟؟؟ كيف وأنت تعيش في بلد أوربي ورغم ان المُهربين مثل حالتك وحالتي لا يشكلون، أقلية حتى بمقدار الكلدان في العراق ولكن لا يوجد قانون أو دستور يتحدث عن سيادة أمّة هناك...
إذاً أين سعدي والشياب الذين يدعوه في مهرجانات في ستوكهولم وعواصم أوربا الأخرى في فهم الواقع العراقي والعالم...؟ وأين رفاق الأمس بالرد على أطروحاته وهم الجاهزون دوما للرد على أي فكر مناوئ وكيف بمن يخونهم يوميا...؟ أين العراقي الفصيح وغير الفصيح ومعارك الإنترنيت ضد وبين أشخاص لا يشكل رأيهم تأثيرا كما سعدي مع احترامي للجميع …
من الممكن أنهم عارفون بان تلك إحدى زعلات المثقف وكثيرة هي زعلات سعدي على حزبه ولكن للمدلل كل الغنج أما الآخرون مثل حالتي فلهم السب والذم جاهزا ولو بتواضع ان أفكارنا ليست مسموعة كما سعدي، فالجميع جاهز لتغييب رأي الإنسان العراقي البسيط – وأنا بكل حرص واحد من هؤلاء الذين شبعوا موتا وقهرا- الذي تكاتف الجميع لوضعه على حائط الموت المستمر…
أنا أعرف ان العرب قديما يحتفلون بولادة الشاعر في القبيلة لأنه مع قومه ويتقدم الصفوف بسيف شجاع ورايات عالية ويجترح المآثر من أجل الحق، أما شعراء يعيشون في أوربا وتحتفل بهم صحف موبوءة تتجنى يوميا على الشعب العراقي فتلك مسألة أخرى...
ولنا في تاريخنا هذه الحكاية- قال عمر بن الخطاب للحُطيئة: كيف كنتم في حرِبكم؟ قال: كنا ألفَ حازمٍ. قال: وكيف يكون ذلك ؟ قال : كان قيس ابن زهير وكان حازماً، فكنا لا نعصيه. وكان فارسنَا عنترة، فكنا نحَمِل إذا حَمَل ونحجم اذا أحجم. وكان فينا الربيعُ بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نُخالفه. وكان فينا عروه بن الورد فكنا نَأتُّم بشعره فكنا كما وصفتُ لك. فقال عمر: صدقت.
أين نحن من ذلك، فنحن أمام شاعر يضع نفسه من مكان آمن متحدثا باسم الجميع دون أن ينظر إلى تنوع الأفكار والأجتهادات حتى التي تتعارض مع أفكارنا.....
بودي ان اسأل سعدي هل أنصار الحزب الشيوعي أوباش ؟ وهم الذين أفنوا أجمل سنوات عمرهم في الجبال القاسية للتخلص من الفاشية، هل يعتقد أن العراق لم يكن بلا مليشيات أيام السفر الخالد لمجرمي العوجة؟ ماذا يسمى حرس جمهوري، وأمن خاص، وفدائي صدام، وسرايا القدس وووو...؟ ألم تكن مليشيات قذرة سقت الناس الرعب الذي لم نذقه نحن أبناء اللجوء …؟ أنا أرفض بقوة ان يكون العراق بلد مليشيات ولكن ما الضرر إذا أُستُفيد من تجربة هؤلاء الناس بتشكيل شرطة وطنية لا تنتمي لحزب بل لوزارة الداخلية وتندمج مع سائر أفراد الشرطة ولوائح عملها وتصبح خليط من كل القوى الحية والتي ناضلت وقدمت الشهداء من أجل الخلاص من الدكتاتورية، وحتى من أفراد المؤسسات القديمة والذين أيديهم غير ملطخة بدماء الشعب العراقي...، رغم أني مؤمن بمقولة ( هل يتساوى السافل والنجمة)، مع احترامي الجليل للناس الذين ناضلوا بصمت في مؤسسات النظام وهم كُثر بكل تأكيد… لماذا لا نُعلم الناس بعد أن أصبح الوطن حراً على ان الولاء للعراق هو أسمى من الولاء للحزب أو العشيرة أو القومية....
أحدهم يقول في مقالة يوم أمس إن هذه المليشيات فشلت في إسقاط النظام وهذا صحيح ولكن أن يقول لم يكن لها دور فتلك مسألة أخرى... لو جلس الجميع في لندن هل كان هناك سجون ومقابر جماعية وشهداء سقطوا على طريق إيقاظ ضمير العالم بمحنة شعبنا، فبدون تضحيات الآلاف من شبابنا لتحولنا إلى شعب لاجئ ملئ بالجبناء وبالتالي نفتقر إلى احترام العالم لنا... على كل من يكتب من مكان بعيد محافظا على نفسه وعائلته وهذا من حقه أما أن يسوق نفسه على انه زلمه وفاهمهه فتلك لا تنطوي إلا على مناضلي الغرف المكيفة من لندن وباريس والذين لا قيمة لما يقولوه.... لأن الجميع يعرف أن ساحة العراق كانت مفتوحة لمن يريد أن يناضل وبسبب هؤلاء الذين تفرجوا من بعيد على الجموع الرائعة من الشباب وهم يكابدون المخاطر في كوردستان والأهوار أقول بسبب ضعفهم وجبنهم وهزالتهم مضافا إليها أخطاء الطبقة السياسية المريضة في العراق هي التي دفعت بلدنا إلى العبودية سابقا وإلى الاحتلال اليوم... وعندما كنا نقول تعالوا جمعيا نشترك بهذه المعركة، كانوا يقبلون ( ال…) من أجل زمالة دراسية أو وظيفة على أن يحرروا وطن...وهؤلاء بالضبط هم الذين رفعوا أنصاف القادة إلى الأعالي في مهرجانات رفع الأنخاب في الخارج وبالتالي حرمونا من تشكيل حركة جماهيرية ديمقراطية واسعة تفرز قيادات وقوى ذات مصداقية كان من الممكن أن تؤدي إلى إسقاط الدكتاتورية بأيدي عراقية… قسم من هؤلاء وبعد أن شح الدعم الأممي أصبح مؤيدا للإرهاب…
مشكلة سعدي وغيرة من يعتقدون أنهم وصلوا للأستاذية وبهذا يتوقف لديهم ذلك المشروع والسعي الدائم للتزود بالمعرفة وفهم ان العالم أصبح غير ذلك العالم الذي تهزه شعارات وأناشيد وتخوين وأفكار سقتنا الذل...
النقد حق للجميع ولكن ليس للحدود التي يُشتم بها وطننا وأهلنا وشهدائنا، وتستحضر كل قوى الظلام لذبح البقية الباقية، فهنا أصبح الموضوع خارج عن إطار حرية الرأي والرأي الآخر، هنا الدماء تفور، تصيح بأن الوطن ليس عرضة للهوس والمتاجرة مهما كانت المبررات…
نحن مع النقد الذي ينهي روحية التخوين ويؤسس لحوار بناء في كل الإشكاليات القائمة، فالوقوف مع عراقي أخطا التصرف والرؤيا مليون مرة أفضل من الوقوف مع عربي أو أجنبي يريد أن يحقق أجنده في عراق جريح ومدمر، دون أن يكترث لوقف النزيف الذي دفعة أهلنا كل هذا الزمن الطويل...وأعتقد ان سعدي جدير بأن يلعب دورا في لئم جروحنا..مذكرا أستاذي العزيز بقول توليستوي ( لا بد لناس لم يشموا رائحة البارود أن يتصوروا أن الانتصارات أمر سهل …) لو لم يجري الذي جرى سيكون من السهل أن نكتب مقالات منمقة ونأخذ صور خلف كمبيوتر متطور، لكن وبنفس الوقت سيكون أسهل من هذا بكثير أن يذهب فقير، جائع، معزول عن الحضارة والعالم، أقول يذهب إلى حتفه في اقرب مقبرة جماعية هازئا بنا جميعا، نحن المتخمون بالنرجسية وحب الذات وفلسفة الأمور من بطون التاريخ والكتب والقواميس والقصص التي حرقها العفالقة بكل إصرار …
الجميع يرفض الاحتلال سواء جاء من أبناء جلدتنا أبناء العوجه أو من ذوي العيون الزرق لا فرق لطالما أن هناك جلاداً حاضراً لتهشيم رأس الإنسان الذين هو أثمن شئ كما يقول ماركس…فلا قيمة لوطن بلا بشر…
لقد مللنا من عظمة تختزل الناس والوطن بطريقة المعلم الأول، فليس هناك من شخص فوق النقد، لا ريشة فوق رأس أحد يعتقد ان دمنا رخيص وعقولنا خاوية لهذا الحد…لقد تخلصنا من احتلال العوجه ومهما قيل سيأتي يوم لنكتشف أنفسنا وذواتنا وسنكتب التاريخ بشئ غير الذي علمنا إياه أي مثقف عربي بائس ينظر للأطلال التي عبث بها أبناء جلدتنا بكل جنون وقبح، حيث يكفينا امرؤ قيس عظيم واحد...!!!!!!