|
أصول اليهود واليهودية في العالم العربي
احمد محمود القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 2176 - 2008 / 1 / 30 - 11:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت خطواتهم ثقيلة متعبة.. وجوه أتعبها السفر والصحراء المترامية، نبي وزوجته وأحد عشر ابنًا يتجاوزون الحد الفاصل بين الجوع والشبع، كان ذلك حوالي القرن السابع عشر قبل الميلاد، حين هاجر سيدنا يعقوب-عليه السلام-وعائلته من كنعان، حيث الأزمة الاقتصادية الخانقة، إلى مصر، حيث يوسف يملك مفاتيح خزائن مصر، وانقسم بنو يعقوب إلى اثنتي عشرة قبيلة، منهم قبيلة لاوي، التي كان منها موسى وهارون و مريم وعيسى-عليهم السلام-وكان المصريون يعاملون اليهود معاملة قاسية، فقد استقروا في وادي الطليمات ومديرية الشرقية، ولكنهم تعرضوا للانتقام الشديد من المصريين، بسبب تعاونهم مع الهكسوس، غزاة مصر، حتى خرج بهم نبيهم موسى إلى صحراء سيناء، فتعرضوا للتيه فيها، بسبب عصيانهم ومخالفتهم لنبيهم، ثم استولوا في القرن الثالث عشر قبل الميلاد على بلاد كنعان، وبلغوا قمة تفوقهم في عهد داود وسليمان، ولكن بعد وفاتهما، انقسمت المملكة اليهودية إلى شطرين هما: 1-يهوذا 2-إسرائيل نشبت بينهما المعارك حتى احتلهما (نبوخذ نصر) الملك الكلداني، وهجّر أهلها إلى بابل، ولكنهم عادوا بعد خمسين عام، حين أطلق (كورش) ملك الفرس سراحهم، بعد أن سيطر على مدينة بيت المقدس، التي دمرها الرومان تمامًا، إثر ثورة قام بها اليهود عام 70م بقادة المسمى (باركوبخا)، وحقيقة أن اليهود الذين عادوا إلى مدينة بيت المقدس لم يعودوا كلهم، بل غالبيتهم بقيت في بابل، حيث كانوا ينعمون بالثراء والرخاء الفاحش، وكانت عودتم بقيادة المدعو (عزرا) والذي عمل على كتابة كتاب التوراة وهو في بابل، وسمي التوراة الذي كتبه (بالتوراة البابلي)، وفيه الكثير عن أوضاع اليهود، وهم في السبي وهذه التسمية تمييزا لها عن التوراة التي كتبت في أورشليم، والذي سمي بالتوراة الأورشليمي تمييزا عن غيرها من كتب التوراة وتبحث في أوضاع اليهود ومعاناتهم في ظل الحكم الكلداني، حيث فضلوا البقاء والمعاناة على السبي. كان من آثار نفي اليهود المتكرر، أنهم انتشروا في أماكن عديدة من العالم القديم، فظهرت منهم جماعات في الجزيرة العربية قبل الإسلام، واندمج كثير من الطوائف اليهودية في المجتمعات الإسلامية بمرور الزمان، حتى كان لهم تواجدهم الواضح في العالم الإسلامي المعاصر. جماعات اليهود في الجزيرة العربية: فيما يبدو أنه كان فرارًا من الاضطهاد، انتقلت جماعات من اليهود إلى شبه الجزيرة العربية، وكان انتقالهم يشبه موجات مذعورة، تبحث لنفسها عن شاطئ ومستقر، ولم تتم على دفعة واحدة، كما لم تستقر في مكان واحد، فهي أشبه بماء المطر المتباعد، وليست كالنهر المكتمل، وكان استيطانهم في شبه الجزيرة العربية، في تيماء و خيبر ووادي القرى ويثرب (المدينة) واليمن. يحتفظ التاريخ بأسماء بعض عشائر هؤلاء اليهود، كبني عكرمة، وبني زعورا، وبني زيد، وبني تغلب، وبني قريظة، وبني النضير، وكانت يثرب، تضم أكبر تجمعاتهم قاطبة، ومع ذلك-واستنادًا إلى الإحصاءات المتوافرة-فإن عدد اليهود في يثرب لم يكن كبيرًا. كان لليهود تجمع آخر في (خيبر)، وعلى بعد مائة ميل من يثرب، التي كان يهودها يرتبطون بعلاقاتٍ وثيقةٍ ببني النضير، وكانوا يعيشون على الزراعة، وإن اشتغلوا أيضاً بتربية بعض الحيوانات، وكان يهود خيبر يسكنون في جماعات متفرقة، لكل مجموعة حصن خاص بها. أما المناطق الأخرى التي سكن فيها اليهود، مثل فدك وتيماء ووادي القرى، فكانت واحات صغيرة، تقطنها جماعات يهودية محدودة العدد، وبالرغم من قلة المعلومات عنهم، فإن الدلائل تشير إلى التشابه الكبير بين طبيعة حياتهم وحياة يهود يثرب. كان يهود الجزيرة أشد الطوائف التي عادت المسلمين، ودبرت لهم المؤامرات، حتى نفاهم عمر بن الخطاب من الجزيرة أثناء خلافته. اندماج اليهود الثقافي والاجتماعي في المجتمع العربي: كضوء الشمس، كانت الحضارة الإسلامية تضيء كل حيز، طالما كانت النوافذ مفتوحة، وقد حرص اليهود من البداية على فتح نوافذهم أمام الحضارة الإسلامية، واندمجوا في المجتمع الإسلامي إلى حد كبير، فتبنوا لغته العربية، سواء في حديثهم اليومي، أم في أدبياتهم الدينية والدنيوية، كما لم يختلف التركيب الطبقي لليهود، عن تركيب المجتمع ككل، وقد تأثر التراث الديني اليهودي، بالتراث الديني الإسلامي، إلى درجة أنه لا يمكن فهم التراث الديني اليهودي في هذه المرحلة، إلا بالعودة إلى التراث الإسلامي الفلسفي والديني. ظهر عدد من المفكرين اليهود، المتشبعين بالفكر الإسلامي، مثل موسى بن ميمون. ولكن وضع اليهود تدهور بتدهور العالم الإسلامي ككل، نتيجة لانقسامهم إلى دويلات وإمارات صغيرة، وتدهور الطبقة الوسطى في العالم الإسلامي، وبعد أن توقف النمو التجاري، وقد ازداد التراجع الإسلامي بعد الهجوم المسيحي المتمثل في الحروب الصليبية، ثم الهجوم على صقلية والأندلس، واستمر التدهور حتى الفتح العثماني. الوجود اليهودي في القدس حتى القرن التاسع عشر: عند قدوم الصليبيين إلى العالم الإسلامي واحتلالهم للقدس عام 492 هـ، كانت المدينة تضم أقلية يهودية لا تجاوز المائة فرد، كان نصيبهم الإحراق في مكان واحد، بيد القوات الغازية، بصورة شديدة البشاعة.. ومع الفتح الإسلامي الجديد للقدس عام 583 هـ، سمح صلاح الدين لأقلية يهودية جديدة بالسكن فيها، وقد كان الطبيب اليهودي موسى بن ميمون قريبا من صلاح الدين في هذه الفترة، ولم تكن لليهود حينئذ أي أحلام بالعودة إلى أورشليم بالقوة. في أوائل القرن العاشر الميلادي، مع قيام الدولة العثمانية، نزحت إلى القدس ثلاثمائة أسرة يهودية، لكن الأوضاع لم تتغير كثيرا، وظل اليهود أقلية ضئيلة بالنسبة إلى المسيحيين، فضلا عن المسلمين، فلم يتجاوز عددهم عام 1793م بضع مئات من الأفراد، وبعد ذلك بحوالي نصف قرن بلغوا ستة آلاف وخمسمائة نسمة فقط. بعد عودة القدس إلى السيطرة العثمانية عام 1840م بيد إبراهيم باشا، تحسنت أوضاع الطائفة اليهودية في القدس، إذ أصبح لليهود الشرقيين (السفارديم) حاخام خاص بهم، اتخذ من القدس مقرًا له، وأدار شؤون طائفته الدينية والدنيوية. منذ هذا التاريخ شهدت القدس انقلابا في أوضاعها السكانية، فبدأ يتوجه نحو المدينة زحف يهودي منظم، خاصة مع الحماية التي كفلتها القنصليات الأجنبية في القدس للأقليات الدينية، فتحت رعاية بريطانيا والنمسا وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة، تضاعف الوجود اليهودي في القدس، حتى صار تسعة آلاف نسمة عام 1864م، وبعد ربع قرن أصبحت الجالية اليهودية في القدس عشرين ألف نسمة من أصل 45 ألف نسمة تضمهم المدينة المقدسة، ولم يغلق القرن التاسع عشر الميلادي أبوابه حتى بلغ تعداد اليهود في القدس، حوالي ثلاثين ألفًا، بنسبة تزيد على 60% من سكان القدس. الوجود اليهودي في القدس قبيل الاحتلال البريطاني: حين بدأ القرن العشرون سنواته، لم يكن قد بقي على البريطانيين ليحتلوا القدس سوى ستة عشر عاما وعدة أشهر، وهي الفترة التي ملأها الصهاينة بالجهد المنظم، لترسيخ تواجدهم في القدس وعموم فلسطين، وواصلوا سياستهم التي ركزوا عليها في نهايات القرن التاسع عشر بتكثيف تواجدهم في الأرض المباركة. جاءت دلالة المجهود الصهيوني جلية، في ارتفاع عدد سكان القدس من اليهود عام 1904م إلى أربعين ألفًا، تبسط القنصليات الأجنبية في القدس يد الحماية على الكثير منهم. جاء عام 1908م ليحمل الكثير من المفاجآت؛ إذ تنبهت الدولة في (ألأستانة) إلى خطر الزحف اليهودي على القدس وفلسطين، فوُضعت القيود على الهجرة اليهودية إلى هناك، لكن ذلك لم يمنع من تزايد عدد اليهود في القدس؛ فقد أزاح الانقلاب ضد السلطان عبد الحميد الثاني في هذا العام إحدى العقبات الكبرى ضد تكثيف التواجد اليهودي في الأرض المقدسة. قبل أن تصبِّح الحرب العالمية الأولى العالم بنيرانها عام 1914م، كان عدد سكان القدس تسعين ألف نسمة، تميل الكِفَّة فيها إلى اليهود كأغلبية، لكن أهوال الحرب شاركت في هجرة الكثيرين من اليهود وغيرهم، ومع خفوت صوت الحرب، ودخول البريطانيين إلى القدس عام 1917م، بدأ المستعمر رعايته القوية للتواجد اليهودي في القدس. الوجود اليهودي في القدس أثناء الاحتلال البريطاني: مكث البريطانيون في القدس إحدى وعشرين عاما، بدأت عام 1917م بخداع الثورة العربية، وإخلاف الوعود البريطانية للشريف حسين وأسرته بمعاونته على حكم البلاد العربية المستقلة في العراق والشام والحجاز، مقابل أن يثور العرب ضد الأتراك المحاربين مع ألمانيا ضد التحالف البريطاني الفرنسي. كانت فترة الاحتلال البريطاني للقدس وفلسطين هي فترة الإعداد الواقعي للدولة العبرية التي تتخذ من أورشليم القدس عاصمة لها، ففي عام 1917م أعطى البريطانيون للصهاينة وعدهم الرسمي بإقامة وطن قومي لليهود فوق التراب الفلسطيني، ورعوا الهجرة اليهودية المنظمة والكثيفة إلى القدس وفلسطين، حتى أصبح اليهود يمثلون 60% من سكان القدس. قبل أن يرحل البريطانيون عن القدس، كانت المستعمرات الصهيونية غربي السور قد نمت حتى أصبحت مدينة وحدها، وارتفع عدد سكان القدس الجديدة والقديمة إلى مائة وسبعين ألف نسمة، منهم تسعة وتسعون ألف يهودي، يتركز أكثرهم في القدس الغربية أو القدس الجديدة. الكاتب والباحث احمد محمود القاسم
#احمد_محمود_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام الاجتماعي وعلاقته بمشكلة المرأة العربية
-
دور المرأة في الفضائيات وكيف يستغله الرجل
-
التمسك بمنظمة التحرير، وانضمام الكل تحت لوائها هو الحل
-
لا يوجد في الكون شيء ثابت، التطور والتغير والتبدل سمة العصر
-
...وتبقى الأنثى هي الأصل
-
هار مجدون أو جبل مجدو
-
العنف ضد المرأة، صراع بين الذكورة والأنوثة،منذ الأزل، والباد
...
-
وجهة نظر، ردا على من يطالب بإلغاء السلطة وحلها
-
سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، من السيء إلى الأسوأ
-
الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتنافس الجمهوري والديموقراط
...
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|