برز التعصب المقيت للمذاهب الدينية والقومية بارزاً في العراق مع الأسف الشديد،بعد سقوط النظام اللاإنساني، والفاشي، وانهياره، وإلى ما لانهاية.
ألتعصب مرض لصيق بالتخلف،والحمق، والبدائية، والانحطاط، والتبعية، وبالمقارنة بين وضعنا الثقافي والاجتماعي الحالي بوضعنا قبل نصف قرن، نرى أننا لم نتطور حسب، بل رجعنا القهقهرى، كان الوضع في زمن المرحوم عبد الكريم قاسم بعيد عن الطائفية، سواء أكانت قومية أو دينية، لم أسأل أحداً قط أ أنت سني أم شيعي، ولم يلق نفس السؤال علي أي كان.
كنت، وما أزال لا أومن بأي دين أو قومية، أومن بوحدة الإنسان، وبالوطن فقط، ومن دون تعصب، وبذلك أحس بالاشمئزاز عندما يسألني شخص ما عن مذهبي، أو عندما يسألني آخر من أي مدينة في العراق أنا، فالسكان في مدننا معروفين باتجاهاتهم المذهبية، ولمن في قلبه مرض سيعتبرني سنياً إن قلت له أن من الأعظمية على سبيل المثال، أو شيعياً إن قلت له أنني من النجف، وسيبدأ بمعالتي على أنني عدو أو صديق، وهذا وضع أحتقره، ولا أقره البتة، إن من يحشرني في خانة مذهبية معينة يظلمني، ويسئ إلي.
من يقرأ بعض المواقع ويرى كتابات البعض يبلغ به الاشمئزاز حدا أقصى، فهناك الكثير من الكتاب يهاجمون السعودية ودول الخليج لأن سكانها وهابيون، وهم يكرهون ويسبون الوهابية والوهابيين من دون تعمييز.بمناسبة ومن دونها
لست هنا في معرض الدفاع عن الوهابية، أو دول الخليج، فالوهابية مذهب من مذاهب المسلمين، كما أن المذهب الشيعي مذهب من مذاهب المسلمين، وبالرغم من كوني علمانيا لا أومن بأي دين أو مذهب أو قومية، فأني أخذت أدرس المذهب الوهابي، وبقية المذاهب لأطلع على الحقيقة: وكان أني اكتشفت ما يأتي:
1- لم أجد في المذهب الوهابي ما يكفر بقية المذاهب ولم أطلع على رأي بهذا الخصوص، لكن المذهب يصر على توحيد الله توحيداً كاملاً، وعلى نبذ الشفاعة والتشفع، والتوسط بالموتى للتقرب إلى الله، وربما كان هذا السبب الذي جعل الشيعة بالذات يعتبرون الوهابيين يكفرونهم.فمن يذهب للعتبات المقدسة الشيعية سيجد الكثير من هذه المناظر، فالشيعة يعتبرون الآئمة الاثني عشر أولياء يقربون الناس إلى الله زلفى. وهذا يتناقض مع الوحدانية، بالنسبة لمحمد عبد الوهاب ، فهو يعتبر الاسلام دين الوحدانية الرئيس،لكني لم أعثر على أي كلمةله تكفر الشيعة وبقية المذاهب، بل يعتبر الشيعة روافض، لأنهم يرفضون التوحيد النقي أنا ضد هذا اارأي، فللإنسان الحق أن يعبد ما يشاء حتى لو بقرة، وأنا علماني وديمقراطي حتى النخاع، لكن الوهابيين يرونها نوعا من الشرك،
الوهابيون في العراق قليلون جداً لذا لم يحدث أي تصادم بينهم وبين الشيعة قبل زوال حكم التافه صدام حسين، وجد الخلاف الآن في العراق وبدأ الهجوم على الوهابية لقدوم بعض أفراد القاعدة من خارج العراق، وأظن أن قيام نظام حكم ديمقراطيفي العراق سينهي هذا الاتجاه، ويقضي عليه.
إن سكان الخليج وهابيون باستثناء عمان، فهم خوارج، وعليه فسب الوهابيين خطأ فاحش، وعلى العراقيين شيعة أم سنة، أم مذاهب أخرى أن يربؤوا بأنفسهم عن هذه المنقصة للأسباب الآتية:
أولاً الشيعة كباقي الناس ليسوا بكاملين، ولهم أخطاؤهم، كالآخرين، وكما لا يجوز سب وشتم الشيعة، لأنهم شيعة فلا يجوز سب الوهابيين لأنهم وهابيون، وإن كان الوهابيون مخطئين بنظر الشيعة لأنهم حسبما يزعم الشيعة يكفرون بقية المذاهب الاسلامية، فالاثنا عشرية يكفرون كل الفرق الأخرى، سواء أكانوا شيعة كالاسماعيلية، أو زيدية، أم سنة كمعتنقي المذاهب الخمسة.
ثانيا:
يقارن بعض الكتاب الجهلة بين إيران "الاسلامية" حامية حمى الاسلام،و التي لها برلمان، وبين السعودية ودول الخليج، التي لا علاقة لها بالاسلام، والديمقراطية، والمعادية للشيعة،إن هذه المقارنة باطلة جملة وتفصيلاً، أعتقد أن إيران تظهر أسوأ شكل من أشكال تطبيق الإسلام، لا يفوقه سوءاً سوى نظام طالبان، أما من حيث الديمقراطية، فالبحرين، والإمارات وقطر، والكويت أقرب إلى الديموقراطية من إيران و السعودية، و أيران أفضل من السعودية لأن فيها برلمان، وهكذا نرى أن هناك تفاوتا كبيرا بين هذه الدول، ووصمنا للجميع بأنهم بعيدون عن الديمقراطية إجحاف وحمق. وتبدو المقارنة بين السعودية وبين إيران شائكة بعض الشيء، فكلاهما حكم ديني، الأول وهابي، سني، والثاني اثني عشري شيعي، في السعودية لا يوجد برلمان، وفي أيران يوحد برلمان، وهذه نقطة لصالح إيران. لكن لو تعمقنا في الأمر لوجدنا العكس تماماً، فبالرغم من وجود البرلمان الايراني فالوضع في إيران "زي الزفت" كما يقول أخواننا المصريون، ومن يخير بين السكن في السعودية وبين السكن في إيران، ويسمح له بزيارة السعودية وإيران فسيفضل العيش في السعودية حالاًً على العيش في إيران، ومن يقارن بين السعودية الخالية من البرلمان، وإيران البرلمانية فسيجد البون شاسعا بين البلدين، كالفرق بين الأرض والسماء، والخير والشر،.
من يزر إيران لا يجد أي فرق بين نظام صدام حسين المجرم وبين نظام آيات الله في إيران.
في إيران تجد أتعس أشكال المحسوبية، الوساطة، الرشوة، استغلال النفوذ، السيطرة على ممتلكات الآخرين بلا سند، القتل العشوائي، القتل بالجملة، وبما لا يقارن إلا بنظام المجرم صدام حسين، وربما كان نظام صدام أسوأ بنقطة واحدة هي المقابر الجماعية، واستعمال الغازات السامة، ولربما أيضاً بعد قبر هذا النظام المكروه من الشعب الايراني، ستظهر أشياء مشابهة لنظام صدام، لكني بعد زيارتي لايران، لم يبق عندي قناعة بأي فرق بين النظامين. زرت مع صديق لي إيراني مديرية التسجيل العقاري، وكان يسكن في دبي، واستصحبني معه لحضور عرس قريب له، رأيت صديقي يدفع رشوى لتسجيل أرض اشتراها، تعادل 120 بالمئة من قيمة الأرض، وقال لي استصحبتك معي لترى بعينيك.
سأضرب لك مثلاً آخر على سؤء الوضع في إيران وتستطيع أن تتأكد منه ببساطة، إن كنت ـعرف أنت أو أي من أصدقائك، شخصايعيش في دبي، فاطلب منه أن يزور القنصلية الأمريكية فيها، فسيجد العجب، هناك يوم لكل الجنسيات يقبلون بهاطلبات السفر إلى "الشيطان الأكبر" أمريكا، وهناك يوم لِلإيرانيين وحدهم، لا يقبلون به أي طلبات جنسيات أخرى.
لقد أحال أيات الله إيران إلى جحيم يتمنى فيه كل سكانه الهرب إلى أي دولة حتى لو دولة الشيطان الأكبر، كما فعل صدام المخذول، أما الوضع في السعودية فهو وضع أرسيت الحياة فيه على إمكانية العيش المحترم، ولن ترى في السعودية سخطا من قبل الشعب إلا في نقطة واحدة هي رغبة السعوديين في اقامة المؤسسات الديمقراطية
إن قطر والكويت والبحرين وعمان في طريقها البطيء نحو الديمقراطية، ولا بد أن تصلها يوماً ما، ومعظم سكان هذه الدول وهابيون كما ذكرنا، أما سكان الإمارات "الوهابيون" فقد جعلوا من بلدهم جنة يقصدها القاصي والداني ورفعوها لتكون أفضل دولة في المنطقة يمكن أن يرتع فيها المرء مهما كان دينه أو قوميته أو مذهبه، فحسبك من المقارنة، ‘إن النظر بعين الانصاف إلى أوضاع دول الخليج بما فيها إيران سيجد أن إيران هي الحلقة الأضعف بعد العراق، ففي الأقل حققت هذه الدول نموذجاً مرفها لأبناء شعبها، على عكس الحكم القومي الزائف في العراق، والحكم الديني المتهرئ في إيران، إن قمع التجمعات والمظاهرات في السعودية أمر مرفوض، وهو نقطة سوداء في واجهة الحكم ا لسعودي، لكنها بالمقارنة مع إيران، تعد لا شيء، فليس كل التظاهرات في ايران مسموحة، فقد قمعت مئات المظاهرات بدموية شنيعة في عربستان، وكردستان، وبلوشستان، وهناك من لا حصر له من معتقلي الرأي.
ثانيا: في المقارنة بين المذهبين الوهابي والاثني عشري، تبرز نقطة مهمة جدا وهي قضية السب واللعن، وهي موجودة في المذهب الاثني عشري، وغير موجودة في المذهب الوهابي، فالاثني عشرية يلعنون كل يوم أبا بكر وعمر وعثمان وبقية صحابة الرسول باستثناء مجموعة صغيرة، وفي نظر الفكر الاثني عشري فكل السنة في النار، وما نراه الآن من اضطهاد السنة في البصرة والجنوب والاستيلاء على جوامعهم، وقتلهم وترحيلهم فما هو إلا دليل لا يقبل الشك.على هذا التكفير، بالمقارنة هناك شيعة في السعودية، ولم أسمع بأنهم قتلوا، أو عذبوا لأنهم شيعة، كما يفعل الاثناعشرية في إيران وجنوب العراق.
ثالثا:سوء الأدب. لا أحد ينكر أن اللسان العفيف أفضل من اللسان القبيح، السليط السيء، تلك حقيقة، السب خلقيةهابطة لا يختلف عليها اثنان، ولا ينتطح فيها كبشان، من يعش بين الشيعة الاثني عشرية يراهم يسبون زعماء الصحابة بتصميم وتركيز، واستمرار، كل يوم تقريب! لقد كنت أسمع السباب والشتائم لأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيز أيام عاشرواء "الطبك" في كل خطوة، أنا علماني لا يهمني سوى الحقيقة، ولأني الحقيقة تهمني فأوجه هنا السؤال: ما فائدة السب ياترى، إن كان أولئك سيؤون بنظركم، فقد ذهبوا إلى من سيحاسبهم؟ وإن كانوا بنظر الشيعة أساؤوا إلى علي، فما فائدة السب، ففي الجاهلية كانوا يتندرون على من يسب بلا فائدة: أشبعتهم سباً وأودوا بالابل، فما بالك اليوم؟ ولماذا لا يلتزم الشيعة بالخلق الحسن، قضيت عشرين سنة أعمل في السعودية ودول الخليج فلم أسمع أي شخص، لا عالم ولا جاهل يسب علياًأو أحد الائمة، الاثني عشر، مع أنهم لا يؤمنون بأمامتهم، ولا يرون أحداً معصوماً، لا يسبون حتى الخميني، بالرغم من إساءاته التي لا تحصى للسنة في إيران، وإعدامه عشرات الألوف منهم، ومحاولته إثارة النعرات في السعودية أيام الحج، لم أسمع أي سباب له، وبهذا يكون للوهابية فضل درجة يعلون بها على الشيعة لأنهم لا يسبون.
رابعا: الوهابية لا يؤمنون بمبدأ التقية،الاثنا عشرية يؤمنون به، التقية مبدأ هابط، متخلف، منحل، يسم صاحبه بالكذب، و بالنفاق والتملق والتهافت والرذائل أجمع، الايمان التقية شيء مقزز، فلقد كان 99% من الكتاب، والشعراء، والصحفيين زمن المجرم صدام حسين من الشيعة، هم الذين ربطوا نسبه بمحمد، ورفعوه إلى درجة الله، كل ذلك جرى في الظاهر، أما في الباطن فكانوا يسبونه، أما الشعراء ا لشعبيون والمغنون فحدث ولا حرج، قائمة هولاء المنافقين أطول من أن يحيط بها مثلي، والتي تضمهم كلهم، مشهورين، ومغمورين: الجواهري،عبد الأمير معله، عزيز السيد حاسم، موسى الموسوي، اسامة مهدي، حميد سعيد، موسى كريدي، محمد خضير، حسب الله جعفر، على العلاق..الخ ظلوا يطبلون له ويزمرون، ويرفعونه وينفخون به حتى ظن نفسه أنه لا يقهر، لقد كان هناك شعراء شعبيون لا يتعبون من المديح، وآخرون من الأدباء من تخصصوا في الكتابة له، وكلهم غير مؤمن به، فيا لتفاهة التقية، ويا لسوئها.
على عكس ذلك يقف الوهابيون، هم لا يؤمنون بالتقية، وهذه نقطة لصالحهم، ولا أعتقد أن هناك من الشيعة من يرفض التقية قط، فهم على مستوى عالٍ من أية الله حتى المقلد المسكين ، يكيلون السب والشتم لأبي بكر وعمر وبقية الصحابة، لكنهم اذ التقوا أي سني، تظاهروا بالآدب
تبادلت الأحاديث مع الوهابيين ومع الاثني عشرية، فما رأيت من الوهابيين من ينكر معتقده قط، وبالمقابل لم أر أي اثني عشري لا ينكر مذهبه، ينكر أنه يسب ويشتم، وينكر أنه يؤيد إيران، لا بل يسب الخميني إن اقتضى الأمر، لكنه ما إن يغادرك حتى يسبك، ولم يكن هناك من داع لهذال التصرف، لكنها التقية مع الأسف، وإظهار شيء، وإبداء شيء آخر، وحينما سقط صدام، طفق هؤلاء يسفرون عن وجهوهم.مع الاسف الشديد، وأصبحوا بين ليلة وأخرى من المناضلين ضد صدام
على القائمين على المذهب الاثني عشري، أن ينبذوا السب والشتم، فهو لا يسيء إلى ميت، لا يسيء إلا لمن يمارسه، عليهم أيضا ان ينبذوا التقية، هذا المبدأ،الذي يمسخ الانسان إلى قرد، وعليهم أن يؤمنوا بالديمقراطية إيماناً عميقا، أن ينظروا إلى إيران ويسألوا أنفسهم ماذا قدم آيات الله لشعبهم، غير الفاقة، القتل، التشريد، النفي الاختياري.
لقد عاشت أوربا في القرون الوسطى تحت سلطة الكنيسة فماذا جنت غير المصائب، والتمييز العنصري، والمذهبي، والتنكيل، وعندما فصلت الدين عن الدولة نهضت، وسادت العالم، وسوف لن يكون عراق المستقبل إلا عراقاً للجميع، بلا تعصب مذهبي، ولا تمييز عرقي، وسيكون الكل أخوة يعيشون تحت نظام علماني ديمقراطي بسلام واطمئنان.