أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علي ثويني - كلاب بافلوف والكلاب العراقية- الجزء15















المزيد.....

كلاب بافلوف والكلاب العراقية- الجزء15


علي ثويني

الحوار المتمدن-العدد: 2175 - 2008 / 1 / 29 - 00:37
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


1. الغرائز والحيوان في الإنسان
ثمة إحساس بأن ما يحدث في العراق اليوم هو أقرب الى عالم الحيوان ووحشية الغابة ،و ضاري التكالب على الإحتياز والإنحياز ،وأن الضعيف في خضمه تدوسه الحوافر بوعي أو دونه كما الحال للنساء والأطفال والفئات الأقلية. ولاينطبق قانون عقلي أو نقلي ، ديني أو عرفي على ظاهرة التقتيل الجزافي والتفخيخ المستشري. وما يظهر للعيان ويبطن في الخفاء محض تجسيد عملي على تطبيقات ثقافة(الاتجاه المعاكس) وعراك الديكة الذي بشر بها الأمريكان منذ عدنان القيسي حتى قناة الجزيرة وفتوتها فيصل القاسم . وأحرق لظاها الرعاع والنخب على حد سواء ،وطغى فيها قانون الضرب على صوبي الحزام، فلم يعد لعباد الله المسالمين من أمثالنا ملاذ إلا الهرب أو الانزواء أو التسليم للقدر. وثمة إيحاء لذوي الألباب بأننا مثل فئران المخبر يجرب فينا أو قل "دون حرج" مثل الكلاب التي تثار غرائزها و يرمى لها عظم لتنشغل به عن الحقيقة المخبئة هناك.
الأكيد والثابت فيما يحدث أنه غياب مبرم للوعي، والوعي بالنسبة لنا سطوة العقل بعد أن يرتقي بمكتسب الثقافة، فيروض النفس ويغلب الغرائز على قدر الغوص في أعماقها . و أمست (الثقافة) ما يميز الإنسان عن الحيوان، كتراكم معرفي يضطلع به الإنسان كل مرة وكل جيل ،وينمو مع الأجيال. وثمة تساؤل عن العبرة في عدم زرع الغريزة في جسد الإنسان مثلما يحصل مع الحيوان، وتخليصه من التجريب والتشذيب لأفعاله كل عمر وعصر. ويبدو أن الخالق سبحانه أراد أن يميزه عن الحيوان من خلال تصاعد أداءه وتطوير وسائل عيشه، لذا لا يمكن زرع الغريزة الثابتة في بيئات ووسائل متغيرة، على عكس الحيوان الذي مكث منذ الأزل ثابتا في بيئات ثابتة. و أمسى الوعي ووسيلته الثقافة تناطح الغرائز، وتمثل الصراع بين الأصلي والمكتسب ، بين الوحشية والتهذيب.و"كذا" أمسى المثقف دالة التسامي فوق سطوة الغرائز ،التي تنأى عن البريق الكاذب والجاذب.
و تميز الحيوان عن الإنسان باعتماده على نفسه بعد مدة قصيرة بالمقارنة مع الإنسان الذي يلج الحياة ذاتا منفصلة مشيميا ،إلا أنه يقضي ثلث عمره إتكاليا حتى النضوج وإعلان الذاتية. وهو وقت طويل نسبيا ،وبذلك فأن ما يتبقى من عمره لا يكفي أن يطأ الكمال، ومنهم من يستدرك مواهبه وملكاته متأخرا، فيلهث لتجسيدها كاملة دون طائل،حتى أن جل المسنين تتقمصه روح البخل وكأنه سيكتب له عمر جديد.و الأنكى من كل ذلك أن كل ما يتبع ويخضع له الإنسان من مؤثرات لا يسجل في غريزته الشحيحة إلا بعد أجيال أربع ،وهو أمد طويل ،لا يمكن أن ينتظره الإنسان اللجوج المفطور على القلق والفضول، كونه لا يعيش ليرى الجيل الرابع من نسله.
ولم يتجرد الإنسان من الغرائز كلها،ولم ينأى عن أخيه الحيوان بعيدا ،فقد اختير له بعضها وأقصيت أخرى. و في رأينا أن الغرائز تحاكي الرقائق(Chip) التي تودع في الأجهزة الإلكترونية وتزال عند الحاجة،وأنها تحتفظ بمعطيات تحريك وبرمجة الجهاز،ونجزم أن من أخترع تلك الشريحة أراد بها محاكاة(الغرائز). فالغريزة اندفاع داخلي، قاسر، متوجّه نحو هدف نوعي مشخّص، يحدّد تعاقباً غير منقطع من الحركات المعقّدة، المتناسقة جيداً، الخاصة بكل أعضاء نوع واحد، وتختلف اختلافاً قليلاً من فرد إلى آخر. والغريزة مهارة وراثية تظهر بالتأثير المتضافر لعناصر داخلية المنشأ (وسط داخلي، نضج) وعناصر خارجية المنشأ (منبهات مثيرة أو "منبهات إطلاق"). لقد ترك الخالق في النطفة، تلك "الرقيقة" حاوية معلومات تسير الكائن لحين اعتماده على نفسه، وإذا كان السلوك الغريزي تنقصه المرونة، فإنه غير ثابت.و خير مثال على ذلك البيض الذي تتركه الإناث يفقس في الخلاء ، ليجد الكائن الجديد نفسه وحده دون خبرة سابقة تعلمه كيف يأكل وينمو وينتقل ويتناسل ويبيض،فقد تبع لسطوة مدركة دون لمسها تسيره وتحاكي أثر"الرقيقة" عليه. وقد رصد (كانت) الفيلسوف الألماني بأن منذ اللحظة الأولى التي يخرج بها طائر الخطاف من البيضة ومازال أعمى، نجده يذّرق خارج العش، فكيف وصل الى تلك القناعة ومارس ذلك السلوك(المثقف) دون أن يرى أو يعي أو يتعلم. ونقرأ تجربة قام بها نيكولاس تانبرجن (مولود عام 1907) على عش طائر النورس حيث يجرب تانبرجن أن يسحب بيض العش ويضعه جانباً ، خلال غياب الطائر. وحينما يعود النورس، يستقر في العش ليحضن البيض دون اكتراث به. ونعرف أن الزنبور البنّاء يبني على شكل عنقود حجيرات من الصلصال يبيض في كل منها بيضة ويضع الغذاء لها.فإذا ثقبنا حجيرة منها،فإن الحشرة تباشر إصلاحها بما تحتاجه من الصلصال (ج.ب. بيراندز، 1941).
وكلما ارتفعنا في السلم الحيواني، تبدو الغرائز قابلة للتأثر بالتعلّم. وهكذا تتخلى القنادس، التي يلاحقها الصيادون، عن بناء أكواخها لتتوارى في الجحور. ويبدو أن هذا الهامش الضئيل، هامش التعلّم، يكّون مرحلة انتقال إلى الذكاء. ويمكننا النظر إلى الغريزة أنها "ضرب من منطق الأعضاء الحيوية (منطق تناسق الأعمال والعمليات)، استمد منه في درجة عليا منطق التصرفات الحسية الحركية المكتسبة، ومن هنا الذكاء الحسي الحركي" (جان بياجه، 1965، ص 435). إرتكاسات فطرية (منعكس الرضاعة لدى الوليد، على سبيل المثال). فكل السلوكات على وجه التقريب يتعلمها الإنسان، وحتى الميول الطبيعية، كغريزة الأمومة، وهي تتلقى تأثير التنشئة الاجتماعية.

وأتفق الجميع على أن ثمة غرائز متعددة أكثرها أهمية وسطوة هي (الجوف والفرج)،أي الأكل للعيش والتناسل لتستمر الحياة. ووهب الله الإنسان عقلا يعادل كفتها أو التمادي بسطوتها. ونجزم أن غريزة الأمومة هي إحدى أسمى صفات الغرائز روعة وحسا،ولولاها لانتفت الحياة.فالمرأة التي تحنوا على صغيرها،ليس من عقل بل من غريزة تكتسي مبررا عقليا. وقد وقفت الأديان والفلسفات موقف الحذر من الغرائز، وسعت الى ترويضها وتشذيبها وليس قطع دابرها من خلال المناهج والغايات الأخلاقية بوسائل توفيقية،مثلما صوم رمضان مثلا الذي يروضهما معا ،دون الغاية في شطبهما.
والهواجس الروحانية جزء من الفطرة التي ولدت قبل الأديان، لكن الأديان أستثمرتها ووظفتها خير توظيف،من خلال ربط الغيبيات بالأخلاقيات، التي أمست معادلة وكنه جل الفكر الديني والفلسفي.وإذا فسرنا أنه صراع نوازع بين الوعي والغرائز،فأننا سنصل الى فك شفرة كل الصراعات التي جرت في التاريخ البشري أو اعتبار التاريخ البشري محض نتاج ومحصول لغريزة التملك والاستحواذ بالقوة والتوسع أو الإنتقام، من خلال سحق "الخصم" أو التشبث بالعيش كما في البداوة التي أحلت قتل المنافس من أجل أنانية مطلقة في البقاء ،بعد أن شحت البيئة بما يكفي لعيش المتنافسين. بيد أن البداوة وجدت دائما غطاءا ومسوغ عقلي وأخلاقي أو حتى ديني لتبرير أفعالها، وهذا هو ديدن البشر، وفي العراق نجده على المحك كونه بوتقه تتهاجن بها البداوات كلها من عربية وكردية وفارسية وتركية وتترية،واليوم أمريكية صادرة من صحراء تكساس ومفعمة بمنطق الكاوبوي .حتى يمكننا القول وبإعتداد بأن العراق مقبرة البداوة وأن طينها طامر وفراتيها غامر لها، حتى أمست خشية كل بدوي من طينها المتحرك سليقة دفعته أن يفتش له عن جوشن يحميه من سطوتها ، كأن يكون مسوغ قومي عرقي أو ديني او طائفي، وكلها سطوة غرائز بدوية محضة، وفي ذلك شجون تفسر الكثير مما يحدث في العراق اليوم وبالأمس وربما غدا.
أتذكر في تلك الشجون شريط وثائقي متلفر أظهر حياة الأسود،وذهب الى أنها لا تحتاج للأكل أكثر من مرة كل أسبوع ،ويمكن للمرء أن يمر أمام الأسد بعد وجبته الأسبوعية دون أن يخاف خطرا ،وبذلك فهذا الحيوان الشرس المفترس ، الذي لم يستأنسه الإنسان ،يمكث أكثر وداعة وقناعة من شراهة الإنسان، الذي يجوع ويفترس بعد سويعات من وجبة الطعام . و العبرة بأن الأسد لا يدخر لغده قطعة لحم، فهو يأكل كفايته ويترك الجيف لمن دونه من بنات آوى والضباع والنسور ثم الدود،على عكس الإنسان الذي يتلذذ بإحتياز وخزن المزيد ، وكنى ذلك التحويش (الرزق) دلالا، وأمسى ادخاره ضرورة، وأوجد المبرر له، بأن (القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود)،حتى لو لم يأتي يوم اسود البته، وتلك الغريزة(التملك) التي لم تروض.
وفي عالم الحيوان ثمة جرذ أبتر ،هجن في أوربا ويقال أنه من أصول(بادية الشام) يدعوه في الغرب (هامستر)، تجده يجمع بين شدقيه أكبر كم من الأكل، ليمضغه تباعا،حتى أمسى مضرب أمثال أهل السويد لمن يدخر في الحياة ويخبأ (لليوم الأسود).وجلي أن سطوة غريزة البقاء أملت على هذا الحيوان أن (يضرب ويهرب)،أي يقتنص فرصة عدم وجود أعداء، ليأكل بسرعة،ويعود مسرعا الى جحره ويمضغه "على كيفه". بيد أن هذا الحيوان لا يستطيع أن يدخر أكثر مما يملئ شدقيه ،لا كما الإنسان الذي يكتنز كما فعل قارون بخزائنه. وأحسن مثل قريب نجده في فضائح الساسة، والعراق نموذجا سابقا ولاحقا.وأقر أن من يهرب بالميارات فأنها شراهة وليس حتما إدخار لليوم الأسود ،حتى لو تشدق الفاعل بعذر "مستقبل الأولاد"،وهو يعني غمزا دعوة للإرتشاء عند أصحاب الشأن ، حتى المقتدين بمولى الأخلاقيين الإمام علي (ع)،متناسين قوله بما معناه :أعجب من إبن أدم ،يكد الدهر شاقيا ليتركه لغيره يتمتع به من بعده.



#علي_ثويني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمارة البيوت في سياق الثقافة الكردية
- حينما غنوا القوميين الأكراد: يا أهلا بالمعارك
- العمارتان العراقية و الفارسية..مدخل مقارن في الريادة والإقتب ...
- ماذا جنى العراقيون من التشيع والتسنن؟ الجزء3- الأخير
- ماذا جنى العراقيون من التشيع والتسنن؟الجزء3- الأخير
- ماذا جنى العراقيون من التشيع والتسنن؟ الجزء2- من ثلاثة أجزاء
- ماذا جنى العراقيون من التشيع والتسنن؟ الجزء1- من ثلاثة أجزاء
- بلاد مابين الفدرلة والفرهدة
- 30 تموز..الأمريكان والبعث وصدام.. خصام أم وئام
- ثورة تموز... رؤية متروية بعد الحول التاسع والأربعين
- وزراء البيشمركة وعودة الى لعبة الحرب بالنيابة
- خان مرجان وعمارة الرمق الأخير في بغداد الجزء22
- خان مرجان وعمارة الرمق الأخير في بغداد-الجزء 1-2
- دهمائنا ومخراطيونا والديمقراطية الأمريكية
- فرنسا الجديدة والعراق الجديد
- تقسيم بغداد و-...خط البرغل-
- تقسيم بغداد و-خط البرغل-
- الحوار المتمدن ومصير كركوك
- حوادث -الشيخان-، ونحر اليزيديين في دولة التناحر القومي-الطائ ...
- حول صولاغ والقناة الفضائية العراقية


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علي ثويني - كلاب بافلوف والكلاب العراقية- الجزء15