|
الواقع السيكولوجي للحرب العالمية على غزة
سعاد جبر
الحوار المتمدن-العدد: 2173 - 2008 / 1 / 27 - 10:48
المحور:
القضية الفلسطينية
تشهد غزة واقعاً مأساوياً في الآونة الأخيرة ، وبالأخص عند انقطاع الإمداد بالوقود والغذاء ، حيث يهدد أهل غزة بالموت ، وتلك المعطيات مؤلمة للغاية ، ولكنها في الوقت ذاته ، تعطي دلالات سياسية ، عن حجم الانهزام السياسي الذي بلغته النظم السياسية العربية ، وبالأخص مع تيارات الاعتدال العربي التي بدأ نشازها في رقصاته الهائمة ، يكشف عن حجم بشاعة تلك التيارات التي تتهاوي في الغرام مع الصهيونية العالمية ، وتتمادى في العداء لفكر المقاومة ، مع أن الذكاء السياسي يفترض استخدامها كورقة ضغط في الحوارات العالمية ولكن أنى للمنهزمين أن يفقهوا ذلك .
ومعطيات الخريطة العربية ، بما يتأجج فيها من أزمة فهم ، في مجالات متعددة ، وما تفرزه من خلل سيكولوجي في الذات السياسية لهذه النظم العربية ، وخلل سياسي في مفرزات الثقافة السياسية لها ، التي انحدرت في مسلسل التنازلات السياسية ، وفي مقدمتها حق العودة للشعب الفلسطيني ، تحت معطيات المبادرة العربية للسلام ، وما تم من التغريد والدعاية لها ، وهي متهافتة جملة وتفصيلا ، ولمعها بوش مؤخراً بدعوته لإلغاء حق العودة وتقديم التعويضات بوقاحة سياسية ، هي معطيات لغة السياسة العالمية والعربية ، التي تضع خطوطها واستراتيجياتها في ضوء لغة التضليل والكذب العالمي وفي مقدمتها سياسات بوش ، الذي لفظه شعبه واتهمته الصحافة الأميركية علنا ، وشنت عليه حملة صحفية في ربيع 2007 ، تحت عنوان" بوش الرئيس يبني سياساته على الكذب والتضليل" .
لقد شهدت خارطة الأحداث السياسة العربية ، حالة من السقوط السياسي في مستويات الفهم للواقع والأحداث واستراتيجيات المستقبل مدىً بعيداً، يشير إلى خلل في العقليات السياسية واستثمار الأحداث، وخلل سيكولوجي في مكونات الكرزيما لهم من جهة ، التي أصبحت متهافتة ، تلفظها الشعوب كل يوم ، وخلل في المواجهة السياسية ، الذي غدا في مسافات التهافت على أمريكا والغرب ، وتعالي عقدة النقص بين يديهم ، وتضخم نزعة الأنا السادية الاستبدادية تجاه شعوبهم ، في صراعات سيكولوجية ، واضطرابات شخصية ، بين ورقة ساقطة يدوسها الأخر ، و(أنا) متوحشة ضد شعوبها .
وإلا كيف يمكن تقديم تفسيرات سياسية مقنعة لما تشهده غزة من واقع دموي ، عقاباً لها على خيارها الديمقراطي ، فهل هو عداء للديمقراطية التي يتبجحوا بها ليل ونهار ، وهم يدسون الرقاب يوميا في أتون الديكتاتورية ، وهل هو خنوع أمام سياسات بوش البلهاء التي تتسم بالأحادية الانفعالية ، وانجرار أمام سياسات الاتحاد الأوروبي التابع للسياسات الأمريكية في أولوية حماية الأمن الإسرائيلي مهما كلف ذلك من أثمان باهظة ، والذي كشف مؤخراً في ظل سياساته الأخيرة عن حجم العنصرية والازدواجية التي يتعاطى بها مع الأحداث تأسياً بكافة منظمات حقوق الإنسان العالمية ، التي تستصرخ لانتهاكات حقوق الحيوانات في العالم ، ولا تحرك ساكناً لشعب كامل يقتل تحت ظل الحصار الظالم على غزة ، وأقولها عن دراية وخبرة عميقة وأنا متخصصة في ملف انتهاكات حقوق الإنسان في الحروب ، ودونت مؤلفاً بهذا الصدد ، نشر مؤخراً، فهل ما يحدث من تألب عالمي ضد غزة في انتهاكات يومية لحقوق الإنسان يرعاها النظام السياسي العربي والعالمي ، هو عقوبة عالمية على الخيار الإسلامي في نظام الديمقراطية، من خلال اختيار حركة حماس كممثل للشعب الفلسطيني ، أم هو عداء لفكر المقاومة الذي تتباه كافة حماس وكافة فصائل المقاومة الفلسطينية ، التي تتبنى الحل العسكري في مواجهة دولة الكيان الصهيوني الوحشية ، أم هو سحر ليفني وزيرة الخارجية الصهيونية التي خدرت النظام السياسي العربي ممثلا بدول الاعتدال العربي ، وهم صرعى همساتها السياسية ، أم هو سطوة كوندليزا رايس في تجاهلها تلك النظم ومخاطبتها النظم المخابراتية في النظم السياسة العربية المتهافتة ، فهي أكثر فعالية وسرعةً في تحقيق أحلام رايس الشيطانية على خارجة الانهزام العربي ، أم هي حماقة بوش التي احدثت عالما من الموجات الكهرومغناطيسية من الجذب لحماقات النظم السياسية في الدوران حول فلكه في عوالم الباراسيكولوجي في أمعية ذليلة ؛ وفي نشوة غيبوبة الوعي في الانهزام والتبعية .
تساؤلات دامية تغرق خارجة الوعي العربي بالدماء ، أمام المشهد المؤلم لما تتجرعه غزة من الألأم والأوجاع والموت البطئ ، ولكنها السياسات الصهيونية والأمريكية وما تبعها من النظم العربية المتهافتة ، التي تقدس المادة ، وتعتقد أنها بالحصار ، تلغي عقول وإرادة الشعوب ، والأيام دواليك ، فكم فتكت أمريكا بفيتنام ، وخرجت بهزيمة نكراء يشهدها التاريخ ، والأرض لله تعالى يورثها من يشاء ، والواقع الدموي العراقي ، لابد أن ينتهي ، على أيدي الشرفاء العراقيين في مقاومة الاحتلال الأمريكي ، والواقع اللبناني ممثلا في المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، لقن العالم دروساً عالمياً لن ينسى في البطولة والإباء ، في الوحدة المتناغمة بين أفراد المقاومة اللبنانية وكرزيما الشرف والإباء المتمثلة بالرمز حسن نصر الله ، وربما دروس السياسة واللعب على وترها بذكاء وقوة ، ممثلة بالرئيس احمدي نجاد ، واللعب بالأوراق والضغط عليها ، في تقزيم الصهيونية والسطوة الأمريكية ، تشكل درساً رائعا في الثقافة السياسية بكافة عناصر قوتها ، وكذلك في العزف على أوتارها السيكولوجية ، بطاقة انفعالية ذكية في تصويب الهدف ، وفي مقدمة مفرداتها ، الكيان الصهيوني كيان لقيط ، فهي مفردة سياسية قوية في رنينها السياسي والسيكولوجي ، تفرض وجودها في خارطة الوعي السياسي الذي يتسم بالذكاء والسيكولوجية العالية في التعاطي مع المشروع الأمريكي الصهيونية في عالمنا العربي والإسلامي ، وكذلك الواقع السياسي والسيكولوجي في غزة ، فهو مساحة مشرقة في الوعي السياسي ممثلا بحركة حماس ونظامها السياسي ، وتكاتف الشعب حولها ، وقوة في المقاومة لن تنطفئ ممثلة بحركة حماس وكافة حركات المقاومة الفلسطينية جمعاء ، فشمسهم لن تغيب ، وهم رمز الحياة والعزة في الأمة الإسلامية جمعاء .
وستبقى صفحة غزة ، أمام أعيننا ، تكشف حجم الانهزام العربي ، بل تفضح كافة صور المساومة بالقضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى ، واليوم تنطق الصور والمشاهد المأساوية في غزة، وتفضج تهاوي النظم السياسية العربية ، وتكشف حجم الخلل المزري في الخريطة السياسية العربية ؛ وما يعترك فيها من هستيريا أزمة الفهم ، التي هي حالة من الجنون السياسي في بيع الأرض والكرامة والشعوب ، وهم يتبجحون أمام مرأى الشاشات بأنهم قمة في العقلانية ، فمن عجائب زماننا ، أن يكون الوعي شكلا من أشكال العبث الفكري ، والجنون الفكري الهستيري في الرقص السياسي؛ شكلا من أشكال التحضر التفاوضي البارد، والعقلانية السياسية في اعلي مستويات البلاهة والحمق ، والانفتاح البشع المتهاوي المتساقط على الأخر، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وصبراً صبراً للمحاصرين في غزة هاشم ، إن موعدكم النصر ، وان النصر لقريب .
#سعاد_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسلام والغرب/ رؤية سيكولوجية
-
هندسة الذات والتجرد لله تعالى
-
سيكولوجية الواقع العراقي في ضوء متطلبات المجتمع المدني
-
ثقافة الحوار في مواجهة الفتنة المذهبية والاقتتال الداخلي – ا
...
-
نهايات السياسة في خريف اللحظات
-
الصراعات العربية العربية في استراتيجيات السياسة الأمريكية
-
هندسة الذات (11) :سيكولوجية الأتصال مع الأخرين
-
المعرفة والمستقبل
-
الإبداع الأدبي بين الماهية والواقع
-
هندسة الذات 10: سيكولوجية الألوان والتواقيع الشخصية
-
سيكولوجية الحب في ثقافات الشعوب
-
محمود نجاد بين السيكولوجيا والسياسة
-
مستقبل النهوض المدني في المجتمع العراقي
-
رؤية سيكولوجية في ثلاثية ( رايس ، ليفني ، معوض ) السياسية
-
رؤية سيكولوجية في الجندي الصهيوني والمقاوم اللبناني
-
استراتيجيات النصر ( السيكولوجية ) في الحروب
-
منظومة التناقضات في الحرب على لبنان
-
مقولات سيكولوجية في ضوء مجزرة قانا / مقاربات نقدية
-
كونداليزا رايس بين نص السياسة ونص (انهم يقتلون الأطفال) مقار
...
-
هندسة الذات (9) : سيكولوجية الحرب الدائرة على لبنان
المزيد.....
-
بعد تصريحاته عن -التهجير-.. الملك عبدالله سيلتقي ترامب بواشن
...
-
جورجيا: احتجاجات في تبليسي بعد تشديد العقوبات على عرقلة الطر
...
-
بدل نقل الأسماك.. تحقيق يفضح تهريب بقايا النمور المهددة بالا
...
-
الكبد الدهني.. خضار وفاكهة تساعد في العلاج والوقاية من الإصا
...
-
تحديد هوية المسؤول عن جريمة سودجا
-
غزة.. إسرائيل تخلف معدات عسكرية مدمرة
-
بيان من الرئيس السوري أحمد الشرع بعد لقائه ولي العهد السعود
...
-
أسير إسرائيلي أمريكي محرر يوجه رسالة شكر إلى مقاتلين في -الق
...
-
النيابة الإسرائيلية تفتح تحقيقا جنائيا ضد سارة نتنياهو في أع
...
-
خامنئي: الشعب الإيراني لديه الشجاعة ليقول -الموت لأمريكا-
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|