|
الدين والتطور الإجتماعي
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 2173 - 2008 / 1 / 27 - 10:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ركز الظهور المرتبط بدين السيد المسيح انتباهه أولاً وقبل كل شيء على خلاص الفرد وتهذيب سلوكه، ونبّه على ما يُعَدّ موضوعه المركزي: ألا وهو ضرورة تلقين مستوى عال من الخلق والسلوك للإنسان بوصفه الوحدة الأساسية في المجتمع البشري. ونحن لا نستطيع أن نجد في أي موضع من مواضع الإنجيل إشارة واحدة إلى وحدة الأمم أو إلى توحيد الجنس البشري ككُلّ واحد. فكان السيد المسيح إذا تكلم إلى من حوله خاطبهم باعتبارهم أفراداً قبل أن يكونوا عناصر داخلة في تكوين وحدة عالمية لا تتجزّأ. كما أن سطح الأرض كان غير مستكشف آنذاك وعلى هذا فلم يكن جمع كل أمم الأرض وشعوبها في وحدة واحدة من الممكن إدخاله في الحساب. فما بالك بإعلان ذلك الجمع وإقامته ؟! وإلا فأي تفسير آخر يمكن أن نفسّر به كلمات بهاءالله التي خاطب بها أتباع الإنجيل خاصة فأقام لهم بها إقامة قاطعة الفرق بين رسالة السيد المسيح المتجهة نحو الفرد أولاً وبين رسالته المتجهة خاصة إلى البشرية ككل واحد: "إنه (أي المسيح) قال تعاليا لأجعلكما صيادي الإنسان؛ واليوم نقول تعالوا لنجعلكم علة حياة العالم."؟
أما الإسلام - وهو الحلقة التالية في سلسلة الظهور الإلهي فقد أدخل في حسابه - كما يشهد بهاءالله - فكرة الأمة كوحدة وكمرحلة حيوية في تنظيم المجتمع البشري وإدراجها في تعاليمه. هذا في الواقع هو ما يعنيه بيان بهاءالله القصير العظيم الدلالة المنير رغم قصره: "من قبل (أي في دورة الإسلام) قال: حب الوطن من الإيمان." ولقد أقام رسول الله هذا المبدأ ونبّه عليه بقدر ما تطلب تطوّر المجتمع البشري آنذاك ولم يكن في الإمكان أن تدخل مرحلة فوق هذه في الحساب لأن الأحوال العالمية التي يتطلبها إقامة لون أعلى من ألوان النظام لم تكن متوفرة بعد. وعلى هذا فيمكن أن يقال بأن فكرة الوطنية أو البلوغ بالنسبة إلى حالة الأمة كانت الخاصة المميزة للظهور المحمدي الذي استطاعت من خلاله أمم الأرض وأجناسه ولا سيما في أوروبا وأمريكا أن تتحد وتحصل على استقلالها السياسي.
ولقد وضح حضرة عبدالبهاء هذه الحقيقة في أحد ألواحه فقال: في الدورات السابقة وإن كان الائتلاف حاصلاً إلا أن إئتلاف كل من على الأرض لم يكن ممكناً قط لأن وسائل الإتحاد كانت معدومة، وكان الارتباط والاتصال بين قارات العالم الخمس معدوماً بل أن الاجتماع وتبادل الأفكار بين أمم القارة الواحدة كان أمراً متعذّراً. لهذا كان اجتماع جميع طوائف العالم على الاتحاد والاتصال وتبادل الأفكار ممتنعاً ومحالاً، أما اليوم فوسائل الاتصال كثيرة. والواقع أن قارات العالم الخمس أصبحت في حكم القارة الواحدة وكذلك أصبحت جميع قارات العالم بما فيها من ملل ودول ومدن وقرى يحتاج بعضها إلى بعض حتى أصبح لا غنى لواحدة عن الأخرى لأن الروابط السياسية وجدت بين الجميع وقامت بينها روابط التجارة والصناعة والزراعة والمعارف قياماً محكماً. لهذا أصبح اتفاق الجميع واتحاد الكل ممكناً وتوفر الأسباب من معجزات هذا العصر المجيد والقرن العظيم. على حين حرمت من ذلك القرون الماضية، ذلك لأن هذا القرن هو قرن الأنوار - له عالم آخر وقوة أخرى ونورانية أخرى وهي ما تلاحظه الآن ففي كل يوم يبدي معجزة جديدة. وفي النهاية تضيء الشموع في الجامعة العالمية." وفصّل في الشرح فقال: " لاحت في أفق العالم بارقة صبح هذه النورانية العظيمة فالشمعة الأولى هي الوحدة السياسية ولقد ظهر منها أثر جزئي إلى الآن. والشمعة الثانية هي وحدة الآراء في الأمور العظيمة وعما قريب تظهر آثارها هي الأخرى، والشمعة الثالثة هي وحدة الحرية وهذه سوف تنير بلا شك، والشمعة الرابعة هي وحدة الدين وهذه أصل الأساس وسوف يتجلى الشاهد الدال على هذه الوحدة في الجامعة العالمية بالقوة الإلهية، والشمعة الخامسة هي وحدة الوطن ولقد ظهر هذا الاتحاد والاتفاق في هذا القرن ظهوراً قوياً وسوف يعد جميع ملل العالم أنفسهم أهل وطن واحد أخر الأمر، والشمعة السادسة هي وحدة الجنس فيكون جميع من على الأرض جنساً واحداً، والشمعة السابعة وحدة اللسان أي يصطنه الخلق لساناً يتعلمونه جميعاً يتحادثون به. كل هذه الأمور التي ذكرتها محتومة الحدوث لأن القوة الملكوتية تؤيدها."
كما قال في كتابه المفاوضات: "ومن بين الوقائع الجسيمة التي سوف تقع يوم ظهور الغصن الممتاز (أي بهاءالله) أن يرتفع العلم الإلهي على جميع الأمم أي أن جميع الملل والقبائل ينضوون تحت ظل هذا العلم الإلهي وهو هذا الغصن الرباني نفسه ويصبحون ملة واحدة ويتلاشى التنازع الديني والمذهبي والتباين الجنسي والنوعي والاختلاف الوطني ويصبح الجميع على دين واحد ومذهب واحد وجنس واحد وقوم واحد ويسكنون في وطن واحد هي الكرة الأرضية.
هذه المرحلة التي يقترب منها العالم اليوم هي مرحلة وحدة العالم التي سوف تؤسس في هذا القرن تأسيساً مكيناً كما يؤكد لنا حضرة عبدالبهاء وكما يؤكد حضرة بهاءالله نفسه حين يقول: "وفي يوم الظهور نطق لسان العظمة فقال (ليس الفخر لمن يحب الوطن بل لمن يحب العالم." وحين يقول: "بهذه الكلمات العاليات تعلمت طيور الأفئدة طيراناً جديداً ومحي من الكتاب حكم التحديد والتقليد."
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فى موكب الإنسانية
-
إنسان المستقبل
-
يوتوبيا جديدة لعصرٍ جديد
-
رجال الله
-
أمانى اليوم حقائق الغد
-
دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-المقالة(6) و
...
-
القضاء الإلهي
-
السّبيل إلى السّلام
-
دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(5)
-
دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(4)
-
الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(3)
-
دين الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(2)
-
دين الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد
-
الفارق بين الحق و الباطل
-
هوّ ربنا خلقنا ليه؟؟؟؟؟؟؟-هدف الله من خلق الخلق
-
نحو إقتصاد عالمى أفضل من خلال الرؤى البهائية
-
الكلمات المكنونة
-
لوح أصل كل الخير
-
مكانة المرأة ومساواتها بالرجل
-
هذا بلاغ للعالمين -يوم الله
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|