قد كنت أشرت في مادةٍ سابقةٍ إلى المخاطر الواضحة في خطة بريمر الثالث ، ملك العراق ، التي وقّـعَ عليها جلال الطالباني باسم " مجلس المحكومين" ، ومن بين هذه المخاطر تمهيدُ السبيل إلى الحرب الأهلية .
خطة بريمر تُـشْـرعُ الباب على متوازيين :
البقاء شبه الأبدي لجيوش المحتلين ، وضرب العراقيين ببعضهم .
في ما يتصل بالأمر الأول ( بقاء الإحتلال ) ، يدور الحديث عن اعتبار التواجد العسكري الراهن أمراً واقعاً ، وعن احتمال تَـمَـوضعٍ ما في وقتٍ غير منظورٍ يتخذ شكل قواعد كبرى ثابتةٍ ( خمس قواعد في الأقل ) ؛ وممّـا يعزز هذا الرأيَ ما نشهده من تعزيزٍ متواصلٍ للقوات الأجنبية يبلغ الآلاف في كل دفعةٍ . كل هذا يتـمُّ في أجواء الحديث عن الإلغاء الكامل لفكرة الإنتخابات ذاتها ، بدعاوى فارغة معروفة ، من قبيل أن العراقيين غير مؤهّـلين حتى الآن لممارسةٍ من هذا النوع ، أو أن الإنتخابات ستأتي بنتائجَ غير مرضيّــة : صعود الوطنيين والإسلاميين...
وهكذا تنَـصَّبُ مجموعة من العملاء تحكم العراق وتتحكم بشعبه ، نيابةً عن المحتل المباشر ، وبحمايةٍ من دباباته وطائراته .
سوف تكون هذه المجموعة ، الدرعَ البشري للمحتلين ، الآمنينَ في قواعدهم المنتشرة على امتداد البلاد .
المتوازي الثاني الذي تنفتح عليه خطة بريمر الثالث هو وضعُ البلاد في ظروف حربٍ أهليةٍ ، ساخنةٍ ، أو غيرِ ساخنةٍ ( حسب الحاجة ) ،
ومن مستلزمات هذه الظروف إذكاءُ التمايزِ والفُـرقةِ ، التقريب والإبعاد، استغلال النعرات المذهبية والدينية والقومية ... وصولاً إلى تمزيق النسيج الوطني للشعب العراقي باعتباره شعباً ذا خصائصَ ومصالحَ مشتركةٍ وكيانٍ متبلورٍ ؛ هذا المتوازي الثاني يجعل المحتل
يحظى بمقام الضرورة ، أي أنه سيكون الضمانة العليا للأمن والأمانِ وسط أناسٍ محليين متوحشين مستعدين لِـحَـزِّ رقاب بعضهم في أول
فرصةٍ .
في رأيي أن المتوازي الثاني شــرعَ يدخل مرحلة التطبيق :
عبد العزيز الحكيم هو الذي أعلن هذا ، بتشكيل " القوة الضاربة " ، التي ستتولّــى الإغارةَ على مكامن " الخطر" ، حفاظاً على سلامة
أرواح المحتلين .
أوباشُ إياد علاوي والجلبي ، وبقايا فيلق بدر المنحل ، وعناصر خاصة من مسلّـحي البارزاني والطالباني ...
أعتقدُ أن قوماً كثيرين يشعرون مثلي بفداحة الخطأ ، ويتمنون من أعماقهم أن يراجع الأشخاصُ الأكثرُ شعوراً بالمسؤولية
هذه الخطوةَ ، قبل فواتِ الأوان .
لندن 4/12/2003