مجلس الحكم الانتقالي يمثل الشعب:
مجلس الحكم الإنتقالي مثل، مازال يمثل بحق، كل الشعب العراقي، ولكن لم ينل من الشرعية ما يمكن أن يكف الألسن عنه، حيث تم صياغة خطابا إعلاميا من قبل فلول البعث وأعداء شعبنا، يحط من قيمة المجلس، رددتها دول وحكومات لها مصلحة بإفشال المشروع الديمقراطي في العراق، ساهمت بصياغته كل الفضائيات ووسائل الإعلام المعادية لشعبنا. المجلس الذي مثل كل الطوائف بما يماثل نسبتها في التركيبة السكانية، والقوميات ممثلة بشكل لم يره العراقيون منذ أن نشأ العراق، ومثل مجلس الحكم التيارات السياسية تمثيلا لا سابقة له في تاريخنا المعاصر، وليس له مثيل على مستوى الدول العربية والإسلامية، بل وكل دول العالم الثالث، ففيه اليسار واليمين والوسط الديمقراطي والتيارات الدينية ذات المشاريع السياسية الديمقراطية، كلها ممثلة بشكل يتطابق مع الواقع السياسي في العراق، وما يسجل له حقا، كونه أستثنى من تركيبته فلول البعث القذرة وكل تيار سياسي يحمل مشروعا سياسيا عنصريا أو طائفيا، لأن وجود مثل هذه العلل في تركيبة المجلس، يمكن لها أن تشل من حركته وتفشل مشروعنا ببناء عراق ديمقراطي منذ اليوم الأول. المجلس أيضا كان فيه من رؤساء العشائر، لما لهم من دور إيجابي في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العراق المتمثلة بفراغ السلطة، والذي ينشأ في العادة، بعد سقوط الدكتاتوريات، وفيه من النساء ما يكفي. مجلس كل من شارك فيه، هو من الكفاءات العراقية التي يشار لها بالبنان.
مجلس بهذه المواصفات ولم يستطع أن يحصن نفسه عن الألسن القذرة التي لم تتوقف عن النهش به، فأسست قاموسها الخطابي المتمثل بسيل من الشتائم وعبارات التشكيك والإهانة المبطنة والاستخفاف إلى آخره من وسائل النيل من هذا المجلس، الذي كل ما فيه، يمثل بحق شعبنا العراقي.
الأساس الذي بدأ منه أعداء الشعب هو إن المجلس لم ينتخب، وكأن صدام حسين كان منتخبا! أو إن الحكومات العربية كانت كذلك أيضا! المهم في هذا الأمر، إن نقطة البداية كانت هي مسألة الشرعية التي يمكن اكتسابها من الشعب عبر انتخابات حرة وديمقراطية. فقد كانت كلمة حق، وإن أريد بها باطل.
الحكومة الانتقالية هي الأخرى ضحية:
الحكومة الانتقالية هي الأخرى قد نالت نصيبها من أعداء العراق، فالدكتور صفاء الحافظ لم يكن بكفاءة حسين كامل الذي يقال عنه، إنه يعرف كيف يكتب أسمه!!!! ويقسم على ذلك من نقل هذا الخبر المثير للعجب!!!!! فقد وضعوا هذه المقارنة من قبل أن يعرف الدكتور الحافظ الطريق إلى مكتبه حيث سيدير منه شؤون التخطيط في البلاد، وقد أثبتت الأيام إن ما ذهبوا إليه، وهكذا بلا خجل، يقولن إن حسين كامل كان أكثر كفاءة من هذا الرجل، بكل المؤهلات التي يملكها، فاعتبروه لا يملك من الماضي السياسي ما يؤهله لنيل منصب جندي أول في الجيش العراقي. وهكذا كل الوزراء في الحكومة الانتقالية كانوا أقل كفاءة من بائعي الثلج ونواب العرافاء وأبناء الشوارع من (الشقاوات البغدادية) في الأداء، كل ذلك من قبل أن يتم تأسيس الوزارات التي سيعملون على إدارتها.
المضحك في الأمر، إنني كنت أشاهد برنامجا على فضائية الجزيرة يقدمه فيصل القاسم وكان ذلك قبل أن تعلن الأسماء التي تؤلف الحكومة، فكان أحد المحاورين من الأردن، يجد إنهم ليسو أكفاء بما فيه الكفاية، تصوروا حتى فيصل القاسم، أحد أهم الجراثيم المنتجة للقذارة الفكرية على كوكبنا الأرضي، حتى القاسم هذا ضحك من التعليق، وطلب من المتحدث والمحلل السياسي العبقري من الأردن الشقيق أن يتريث ليعرف الأسماء أولا قبل أن يطلق هذا الحكم، الذي أعتبره القاسم جائرا!!!!. ربما كانت هذه الإلتفاتة التاريخية من فيصل القاسم، هي كلمة الحق الوحيدة في حياته، فتصورت إنه سيموت بعدها، إذ إنها مخاض أكبر من عسير بالنسبة لأمثاله، ولكنة مازال يرفع عقيرته كل يوم وينتج أنواعا جديدة ومحسنة من القذارة.
إذا كان مجلس حكم كهذا وحكومة انتقالية كتلك، وقد نالوا منه ومازالوا ينالون، فمن أين سنأتي بأناس أكثر كفاءة منهم لكي يديرون لنا أخطر مرحلة من مراحل التاريخ بالنسبة للشعب العراقي؟
كل ذلك لسبب واحد، هو إنهم وصلوا بالاختيار، وليس الانتخاب.
موروث النظام هو العائق:
في واقع الأمر، ليس هذا عيبا فيهم ولا بمن اختارهم، فالعراق لم يحظى بتعداد سكاني يعتد به، حيث إن النظام السابق كان يخشى أي تعداد للسكان، لكي يضع المعايير والسياسات التي يراها الدكتاتور مناسبة على مقاسه هو، وليس مقاس الشعب، فهو باختصار عيب موروث من النظام المقبور وليس عيبا بهم.
إن انعدام وجود تعداد سكاني في العراق يعتد به، يكفي لإدانة البعث، حيث إن العراق كان يتمتع بما يكفي لوضع قاعدة معلومات عريضة للشعب، منها يستطيع المرء أن يعرف ما يريد من المعلومات. إن مجرد الحديث عن هذا الخلل الذي تركه النظام المقبور، يجب أن يكون وحده كافيا لإخراس كل الأصوات الخبيثة التي ترفع عقيرتها اليوم للنيل منا ومن مقدراتنا ومستقبلنا.
بكل أسف، قد أصبح الآن غياب التعداد السكاني أمرا واقعا، وعلينا التعامل مع هذا الواقع بأفضل الصيغ والوسائل المتاحة، وذلك من أجل الوصول إلى عراق ديمقراطي يحلم به الجميع ويقض مضاجع الأعداء من فلول البعث والعابثين المرتزقة من عراقيين وغير عراقيين.
الإشكالية الكبرى هذه الأيام:
الإشكالية هي كيف يمكن أن نجري انتخابات وليس لدينا تعداد سكاني يعتد به؟ وإذا لم نقم بذلك التعداد، فالشرعية تبقى أمرا معلقا؟ وإذا كان بإمكاننا أن نجر انتخابات، فلماذا لا نختصر الطريق وننتخب الآن مجلس حكم وحاكم وبرلمان، وننهي الاحتلال؟ من هذه الإشكالية يمكن لنا الحديث عن ما هو متاح لإعطاء الانتخاب أكبر مصداقية ممكنة متحاشين بذلك عملية التعداد السكاني الطويلة والمعقدة والغير ممكنة في الوقت الحالي، وبذات الوقت يمكن أن يوفر سقفا مناسبا للشرعية بالرغم من نواقصه القليلة نسبيا. إن بهذا الأسلوب يتم أيضا سحب البساط من تحت أقدام البعث المهزوم والمدعوم عربيا بذات الوقت، وتفويت الفرصة أمام مشروعه الكارثي والمغلف بإطار طائفي، المشروع الذي يحاول أن يصور الصراع على أنه صراع طائفيا وليس صراعا بين الشعب والبعثية الأسوأ من الفاشية. فالمشرع البعثي المقدم للأمريكان من الدول العربية، والذي ربما سيكون حقيقة على أرض الواقع، كنتيجة للضغوط من قبل سلطات الاحتلال التي ترغب بحل سياسي إلى جانب الحل العسكري، بهذا النوع الممكن من الانتخاب الذي يعتمد البطاقة الانتخابية أو تعداد العام 1957 ، بهذا الانتخاب سوف لن يكون للمشروع الطائفي البعثي العربي نصيبا من النجاح.
وهذا ما يفسر اعتراض أصحاب المشاريع الطائفية، في العراق، هذه الأيام.
الفراغ السياسي والمواقف الصعبة:
موقف المرجعية الدينية، رغم صعوبة وضعه موضع التنفيذ، لكن نتائجه ستكون مضمونة وستسد الطريق على من يريد أن يتقول أو صاحب غاية شيطانية. ليس هذا وحسب، ولكن لتسد الطريق على جميع المشاريع الشيطانية التي يمكن أن تؤدي بنا إلى صراعات هامشية ليس لنا مصلحة بها، ولا نريد لها أن تكون.
كان من الممكن أن تأخذ هذه المهمة الصعبة الأحزاب والقوى السياسية، ولكن كلنا يعرف ما أصابها من ضعف عبر سنين القهر والملاحقة والتهجير والسجون والتصفيات الجسدية، حتى إني أتذكر تلك الأحاديث التي كانت تدور حول الأحزاب الوطنية، أياما قبل سقوط النظام، حيث الجميع لم يكن يعلم إنها فعلا مازالت تعمل، ومازال فيها عرق ينبض. من هنا جاء هذا النوع من فراغ السلاطة، فالأحزاب فعلا موجودة ولكن فقدت الكثير من رصيدها في الشارع العراقي، وتحتاج للكثير من العمل والمثابرة للسيطرة على قلوب الجماهير من جديد. الجهة الوحيدة التي لا يمكن أن تتأثر بمثل هذه السياسات الهمجية والفاشية، هي المرجعية الدينية، فما بالك وهي المرجعية التي كل ما فعلته لحد الآن، كان الاتزان بعينه، ويفتخر به أي عراقي مهما كان دينه أو مذهبه. فإنها بحق، قد أدارت الأزمة، بالرغم من تعقيداتها، إدارة سليمة ونجت العراق من تقسيم محتمل، ومن مجازر محتملة، ومن حرب أهلية كانت على الأبواب، وحقنت الدماء وحفظت، ما استطاعت، أن تحفظ من أموال وممتلكات. إنها فعلا قد ملئت الفراغ السياسي، وهي التي ينبغي أن تكون بعيدة عن السياسة ولا هدف لها بالسلطة، لأنها راغبة عنها، وذلك لأن السلطة الدنيوية (السياسية) تعتبر بالمنظور الديني، مفسدة ومرفوضة من حيث المبدأ.
الموقف سلطات الاحتلال:
الموقف الأمريكي المتمثل بسلطات الاحتلال ورجال السياسة الأمريكان والبريطانيين، وحتى موقف الرئيس الأمريكي نفسه، كانت حقا مثيرة للدهشة، حيث إنها أجمعت على احترام إرادة المرجعية الدينية المتمثلة بإرادة الشعب العراقي، بالتأكيد ليس خوفا منها، ولكن كونها قد اكتسبت احترام الجميع وليس المحتلين فقط. فالرئيس الأمريكي ترك الباب مفتوحا أمام العراقيين ليختاروا الأسلوب المناسب لهم لآلية انتقال السلطة للشعب العراقي، وهذا بحد ذاته، كان أكبر نصر يحققه الشعب العراقي الذي أكتسب ثقة الجميع من خلال مواقف المرجعية التي نجحت نجاحا باهرا بإدارتها للأزمة لحد الآن. لقد تركت المرجعية مجلس الحكم يعمل بحرية دون أن تتدخل بأمر من أي نوع، ما لم تجد إن لديها تحفظات عليه، لا من أجل مصالحها، ولكن لحفظ حقوق ومصالح الشعب الذي وضع ثقته بها وبالمجلس. فالمرجعية الدينية قد منحت مجلس الحكم دعما مطلقا واعتبرته شرعيا وممثلا للشعب العراقي، وأعطته الحرية المطلقة بالتصرف وهي تراقب وتقيم.
هذا الموقف للمرجعية الدينية، هو ما يفسر الهجمة عليها ومحاولة النيل منها من قبل أناس أقل ما يمكن أن يقال عنهم إنهم بعثيون، وهل هناك ما هو أسوأ من بعثي؟
المرحلة الأصعب:
بالرغم من أن الآلية التي ستسير عليها الأمور مازالت لم تتبلور بعد، إلا إنها ستكون حقيقة على أرض الواقع، فما يجب أن نفكر فيه هو مخاطر إجراء الانتخاب في الظروف الأمنية المتدهورة حاليا، والتي يمكن أن تعيق أية عملية انتخابية، خصوصا في المناطق التي مازال سكانها رهائن لدى البعث، تلك التي تسمى بالمثلث السني، حيث إن السكان هناك سيخضعون لأبشع أنواع الابتزاز من قبل الفلول المذعورة والمتهورة وهو ما سيؤثر على طبيعة المنتخبين وهويتهم. ولكن بالرغم من ذلك، يبقى الانتخاب هو الحل الوحيد الذي يقطع الألسن القذرة ويمنح قدرا أعظم من الشرعية لأية هيئة عراقية في المستقبل.