أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - الأخلاق و الحريات بين المنظور الحقوقي و التحريض الديني















المزيد.....

الأخلاق و الحريات بين المنظور الحقوقي و التحريض الديني


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 2170 - 2008 / 1 / 24 - 10:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تظهر الحشود في المجتمعات الإسلامية ـ التي تصنّف جميعها ضمن الدول المتخلّفة ـ قدرا كبيرا من الهياج الإنتقامي أمام بعض الظواهر الأخلاقية المرتبطة بمسلسل التحديث البطيء، و هو نزوع عادة ما يكون مضمرا و لا يحتاج إلا إلى بعض المداعبة من بعض المهيّجين، أو إلى واقعة عابرة لكي يخرج و يسفر عن نتائج غالبا ما تكون كارثية، حيث قد تصل إلى درجة الرجم الجماعي للمرأة أو للرجل و إلى القتل و الإحراق المشرعنين عندما ينفلت عقال الحشد و لا تتدخّل السلطة إلا بعد فوات الأوان، حدث هذا و يحدث في بلدان ما زالت مفاهيم مثل "الشرف" و "الثأر" و "العفّة" و "الرجولة" و "الغيرة" قيما توجّه السلوك و تحكم الذهنية الجماعية، رغم كونها في الأصل مفاهيم مرتبطة بالحياة القبلية القديمة، و كلما كانت القبيلة حيّة بتنظيمها القديم و سلطتها على الأفراد و حتّى الدولة، كلما كانت القيم القديمة أكثر بروزا و استمرارا، ففي عدد من البلدان الشرقية لا يعاقب القانون على قتل الرجل لأخته أو زوجته التي يضبطها متلبّسة في خلوة مع شخص غريب، كما أنّ العائلة و "العشيرة" تسانده و تحميه و تلحّ عليه بالثأر إن هو تردّد أو تراجع، هذا يدلّ على مقدار تأخّر هذه البلدان التي لا قيمة فيها لحياة الإنسان أمام قيم الجماعة التقليدية و سلطتها.
و المعتاد أن تقوم السلطة ـ عوض التوعية بالقانون و رذع جرائم الشرف ـ بانتهاز الفرصة السانحة لإحكام قبضتها على المجتمع، و شرعنة عنفها الرسمي ضدّ الحريات الفردية و الجماعية، بوصفها حارسة "التقاليد العريقة"، و التماسا منها لشرعية مقدّسة في غياب الشرعية الديمقراطية. و إذا كان التيار السلفي يجد في وضعية كهذه، التي يطبعها الإستبداد و اللاتسامح، ما يوفر له المناخ المناسب للعمل، في تحالف مكشوف أو مضمر مع السلطة، فإن الخاسر الأكبر هو القوى ذات الطموح الديمقراطي التحرّري، التي تجد نفسها في كلّ مرّة مضطرّة إلى إعادة الكرّة من جديد لإخراج البلد من الحجر السلطوي و وضعه على سكّة البناء الديمقراطي الحديث.
و إذا كان المغرب يحظى بموقع جغرافي يبعده عن تخلف العشائر النفطية بستة آلاف كيلومتر، و لا يفصله عن أوروبا إلا بـ 13 كيلومترا فقط، فإنه رغم ذلك و لأسباب تاريخية معروفة لم يكن في منجاة من عدوى نمط التدين البدوي الذي تمثله السلفية الوهابية، (مذهب بادية نجد المسلح بأموال النفط)، غير أنّ استيراد إيديولوجيا أجنبية متشدّدة و لا إنسانية سرعان ما أعقبته مقاومة من تقاليد التديّن المحلّي بالمغرب تحت شعار "وسطية الإسلام المغربي"، سواء في الأوساط الشعبية ـ في البوادي و الحواضر ـ أو لدى النخب، و تجلّى ذلك بصفة خاصة في الصورة التي رسمها المجتمع للإسلاميين في نكاته و معجمه وأحاديثه اليومية، و هي الحقيقة التي يخفيها مروجو التطرف الديني ، الذين عكسوا الآية بمحاولتهم تقديم عقيدتهم الوهابية على أنها "ثوابت البلد" و "أسس تماسكه"، و جعل ردود الأفعال المضادة لهم مجرد بدع غربية و مؤامرة أجنبية و محاولة "للتطبيع مع المنكر". بهذا المنطق المبني كله على الإستعمال المكثف لنظرية المؤامرة كما هي عادة التيارات السلفية، أصدرت حركة التوحيد و الإصلاح نداءها من أجل ما أطلقت عليه "العفة و الكرامة"، في مواجهة "الجرأة في الفساد" و المجاهرة بالمعصية" التي استفحلت بالمغرب في هذه الأيام حسب رأي محرّري النداء، الذين زعموا بأن الرأي العام المغربي "اهتزّ لها"، و يذكر النداء بأن هذه المعاصي المنكرة التي "اهتزّ" لها المغرب هي حفل تذوق الخمور بمكناس، و حفل الشواذ بالقصر الكبير (كذا). و رغم أسلوب التعمية و التهويل الذي استعمل في تناول الواقعتين العاديتين جدّا، و اللتين لم تصلا إلى أهمية واقعة وفاة 25 طفلا بأنفكو من جرّاء البرد القارس، أو انتفاضة الخبز بصفرو و عدد من مناطق الجنوب الشرقي المهمش، و غيرها من الوقائع المأساوية التي لا يبدو أنها تثير المشاعر الدينية للسلفيين، و رغم أن الواقعتين موضوع النداء لا تختلفان عن العديد من الأخبار التي تتناولها صحف الإثارة في كل يوم تقريبا، فإنّ النداء في مبناه و معناه يظهر بأنّ المتطرفين الدينيين قد بذلوا جهدا كبيرا لصرف النظر عن حقيقة المشكل، و الذي يكمن في الواقع في أمرين اثنين:
ـ اقتراب موعد الإنتخابات الجماعية .
ـ حدوث الواقعتين في مدينتين يتمتع فيهما حزب العدالة و التنمية ( حزب إسلامي) ببعض النفوذ و الأتباع، و يشرف فيهما على تسيير جماعات محلية.
و إذا أضفنا الحملة التي يقوم بها في هذه الأيام أحد نواب الحزب ضدّ فتح سوق ممتاز بمدينة وجدة تكتمل الصورة، فإدانة "المعصية" و التعبئة ضدّ "المنكر" لا تتعلق في الواقع إلا بمناطق نفوذ الإسلاميين، و التي يريدونها أن تظلّ فضاء مسيّجا لأنشطتهم و خزانا لأصواتهم الإنتخابية.
إن الأمر مرة أخرى و كما كان عليه أيام الصراع حول خطة إدماج المرأة في التنمية، لا يتعلّق بالدين أو بالأخلاق، بل بحسابات سياسية يُوظف فيها التيار الدعوي خدمة لمآرب الحزب السياسي، الذي خسر في الإنتخابات الأخيرة ما يقرب من مائتي ألف صوت، غير أنه لا يبدو بأن قيادة الحزب الإسلامي قد أخذت العبرة مما جرى في السابق، حيث سقطت مرّة أخرى في إعادة إنتاج نفس الخطأ المتمثل في التهييج الشعبوي عبر البوابة الأخلاقية لاقتطاف ثمرات سياسية، و مكمن الخطإ في هذا النهج هو أنّه يفقد الحزب ثقة الطبقة السياسية و النخب الفاعلة، حيث يرسم عنه صورة الحزب الذي لا يتورع عن المغامرة بزرع بذور الفتنة في المجتمع ابتغاء مآرب سياسية، و هو أمر يفسد بشكل كامل لعبة السياسة بمعناها الديمقراطي الحديث، كما أنه يفقد الحزب ثقة الجماهير الشعبية نفسها التي تنتظر المعجزات الإسلامية في الإقتصاد و المجال الإجتماعي، و هما المجالان اللذان لم تبرز فيهما للحزب صولات أو جولات تذكر، فجميع الفتوحات السياسية التي حققها الإسلاميون من محترفي السياسة، و أتباعهم من التيار الدعوي ، كانت زوابع في فنجان لا تتعدّى استنكار لباس إحدى الصحفيات داخل قبّة البرلمان، ووصف الحكومة بالصهيونية عندما اقترحت خطة إدماج المرأة في التنمية، و إقامة الدنيا ضد كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، و المطالبة بفرض الحرف العربي على الأمازيغيين، و استنكار قصيدة حب في امتحانات الباكالوريا، و الضغط من أجل منع فيلم "ماروك"، و تنظيم حملة ضد موسوعة علمية تربوية تتضمن ضمن موادها فقرة عن التربية الجنسية، و التنديد بالمهرجانات الفنية و الموسيقى الشبابية، و تنظيم حملة لتوعية المغاربة بأن كارثة تسونامي غضب من الله على القوم الفاسقين و ليست ظاهرة جيولوجية، و توعّد المغرب بكارثة مماثلة، و الجهاد ضد مهرجان حب الملوك و ملكات الجمال.. ثم أخيرا الفتح العظيم بتنظيم "الإنتفاضة الشعبية" بالقصر الكبير، ليس من أجل إصلاح سياسي و دستوري أو لضمان الخبز للجوعى، أو لتوفير مناصب الشغل للعاطلين، أو للصراخ في وجه مافيات الإدارة و الإقتصاد الوطني الهش، فأهل الدعوة لا طاقة لهم بهذه الأمور الجسام، و إنما كانت قومتهم ضد حفل قيل إنه للمثليين داخل بيت مغلق.
يتضح من هذه الحصيلة من العمل السياسي و الدعوي بأن مشكلة السلفيين الحقيقية إنما تتمثل في ضيق الهامش الذي تُرك للنخبة التقليدية لتتحرك فيه بعد ظهور الدولة المركزية الحديثة بالمغرب، و التي أسندت كلّ ملفاتها و دواليبها منذ الإستقلال للأطر العصرية تاركة للفقيه مهمة الوعظ و الإرشاد الأخلاقي و تكفين الموتى، فرغم محاولة الإسلاميين و قوى التقليد عموما إقناع الناس بأن الدين مرجعية شمولية تلهم كل الحلول ، إلا أنهم عمليا لم يوفقوا حتى الآن في اقتراح حلول "خصوصية" غير ما هو سائد في الفكر السياسي و الإقتصادي الحديث، ليبقى المجال الوحيد لتميّزهم هو المجال الأخلاقي الذي يطمحون عبره إلى فرض نمط تديّنهم على المجتمع و الدولة.





#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -إسلام- الجالية
- لكم دينكم ! إلى فضيلة الدكتور أحمد الريسوني
- سلطات الملك بين الظرفي و الإستراتيجي
- -فتنة الحنابلة- بين الأمس و اليوم
- الأمازيغية و التعديل الدستوري بالمغرب
- حكومة حزب الاستقلال ( بالمغرب ) ، هل يعيد التاريخ نفسه ؟
- صورة الإسلام بين محاضرة البابا وأفعال المسلمين
- العرب وتغيير الثقافة


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - الأخلاق و الحريات بين المنظور الحقوقي و التحريض الديني