اقتربنا خطوة من المهلة الأولية المحددة لانتهاء الحوار، مما يدفعنا للقيام بوقفة قصيرة لتقييم ماجرى حتى الآن والخروج بالاستنتاجات الضرورية للتقدم اللاحق.
أولاً: إن تحليلنا المتجدد للقضايا مثار الاختلاف سابقاً قد بدأ يظهر جلياً في الحوارات، الشئ الذي أدى إلى تفاعل الآراء واقترابها من فهم مشترك مما سيساعد لاحقاً على تحديد مسار توحيد الشيوعيين السوريين الذي نطمح إليه والمهام الرئيسية في الفكر والسياسية والتنظيم.
ثانياً: ثمة سؤال يطرح نفسه: هل يمكن وقف الحوار أصلاً حول القضايا الأساسية التي تهم الشيوعيين السائرين بطريق وحدتهم، طبعاً لا، ولكن الذي قررناه هو إنهاء النقاش من حيث المبدأ حول الأوراق التي أطلقت في الفترة الزمنية المحددة وهذا شيء آخر، هذه الأوراق التي تهدف إلى الوصول إلى هدف محدد وهو باختصار استمزاج آراء الشيوعيين حول القضايا الأساسية بهدف إشراكهم في صياغة الوثائق التوحيدية اللاحقة التي ستناقش بكل جدية لبحث النصوص والصياغات.
إن الحوار الرفاقي الجاري الآن على مساحة الوطن، وضع بداية النهاية لحالة الصراع الداخلي، ورفض الآخر وتوزيع الاتهامات بين المختلفين بالرأي كما دفع الحوار بين الشيوعيين إلى حالة جديدة غير مسبوقة تؤمن مقدمات ضرورية للتوحيد.
ثالثاً: يتبين من خلال النقاش الدائر في ندوات المحافظات أو على صفحات «قاسيون» أن القضايا المتفق على نسبة كبيرة منها هي القضايا الآنية أي القضايا السياسية الملحة بينما يتسع هامش التباين أحياناً حول قضايا تتصل بالماضي البعيد أو المستقبل البعيد وهو شيء طبيعي و متوقع.
هذا كله يطرح أمامنا قضية جدية هي المسعى التوحيدي اللاحق، مثلاً هل يجب الاتفاق حول كل القضايا الفكرية والسياسية والتنظيمية من أجل الوصول إلى تلك الوحدة المنشودة من تحت؟ أم يمكن إبقاء بعض القضايا مفتوحة، وإلى جانب ذلك الوصول إلى صياغات واضحة وملموسة في المهام السياسية الراهنة مما سيفتح الطريق واسعاً للاتفاق حول الأشكال التنظيمية للتوحيد التي يجب نقاشها عندما يحين أوانها.
انطلاقاً من هذه الرؤية توصلنا إلى رأي مفاده أنه يجب صياغة ورقة سياسية بشكل مكثف تجمل الحوار الجاري أي ورقة تحدد القواسم المشتركة بين الشيوعيين السائرين على طريق وحدتهم مما سيمسح لنا بتقييم حجم وأهمية هذه القواسم الأمر الذي سيفضي حتما إلى استنتاجات تنظيمية موضوعية، مسؤولة، غير متسرعة ولكنها غير متمهلة ومتأخرة عن حركة الواقع نفسه.
فيما يلي نطرح عليكم مسودة هذه الورقة التي يمكن اعتبارها مشروع وثيقة مستقبلية لإنجاز مهام آنية مما سيستدعي صقلها وتشذيبها وتطويرها لنصل إلى الشكل الأمثل لها.
مسودة الورقة السياسية:
1. موقف الشيوعيين السوريين من الإمبريالية (الشكل الأعلى للرأسمالية) هو موقف ثابت مستمر لا حياد عنه في النضال الدائم ضدها وضد مخططاتها وأساليبها المتوحشة بهدف السيطرة على العالم تحت مسميات العولمة والحرب على الإرهاب، والتي ازدادت إلى أقصى حد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بمختلف الأشكال المناسبة المتوفرة، وهو يشكل جوهر موقفهم في كل القضايا والمهام المنتصبة أمامهم.
2. الإمبريالية الأمريكية هي القوة الأكثر عدوانية من الإمبريالية العالمية وتشكل الصهيونية العالمية رأس حربتها ضد حركة التحرر الوطني العربية وضد الشيوعية العالمية، وهي للحفاظ على مواقعها المتقدمة في ظل أزمتها الاقتصادية المستعصية تلجأ إلى أكثر الحلول وحشية وعدوانية ضد الشعوب مستخدمة القوة العسكرية كحل شامل دون التخفيف من خطر كل ما تطرحه منظومة الدعاية الإمبريالية من مفاهيم ورموز ومصطلحات تضليلية حول الحرية والعدالة والرفاه الاقتصادي إلخ....
3. الوضع العربي: يتميز الوضع العربي والإقليمي بتخبط شديد ويتأثران إلى أقصى حد بالوضع الدولي لما للدوائر الإمبريالية من هيمنة كلية أو جزئية على معظم دول المنطقة وهنا لابد من ملاحظة المؤشرات التالية:
أ?- ضعف الموقف العربي الرسمي من القضية الفلسطينية والتحالف المشين لمعظم قادة النظام الرسمي العربي مع المخطط الأمريكي – الصهيوني ضد الانتفاضة على النقيض من الموقف الشعبي العربي الذي ينادي بخيار المقاومة والمحاصر داخلياً وخارجياً.
ب?- رعب الأنظمة العربية من إختلال ميزان القوى على المستوى العالمي وإذا اضفنا إلى ذلك نتائج الحرب على العراق واحتلاله وعدم ثقة الأنظمة العربية ببقاء أنظمتها في ظل الحديث عن تغير لون الخرائط وتغيير البنى السياسية في المنطقة.
ت?- ضعف الحركة الجماهيرية الشعبية العربية بسبب القمع والاضطهاد الذي تمارسه الأنظمة على حركة الجماهير وقواها السياسية الوطنية الحقيقية، مما يؤكد من جديد أهمية تحويل شعار التضامن العربي من تضامن بين الحكام إلى تفعيل وإطلاق الطاقات الجبارة للجماهير ضد التحالف الإمبريالي – الصهيوني.
ث?- إن ما حدث ويحدث في العراق وفي فلسطين ليس نهاية التاريخ، فالشعب العراقي انتقل من تحت نير حكم الطاغية إلى مقاومة الاحتلال الأمريكي البريطاني، والشعب الفلسطيني يتصدى للمجازر والإجرام الصهيوني بمزيد من المقاومة والتمسك بحقوقه الوطنية الثابتة في الاستقلال وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
ج?- لا رهان إلا على الشعب وقواه الوطنية في أي بلد عربي لمواجهة الغزاة سواء في العراق أو في فلسطين أو في أي بلد عربي آخر قد يتعرض للعدوان أو التهديد ومن هنا وفي مواجهة التهديدات الجدية ضد سورية من قبل التحالف الصهيوني – الإمبريالي لا خيار أمامنا إلا المقاومة عبر تعزيز الوحدة الوطنية وتعميق ثقافة المقاومة بكل أشكالها للدفاع عن الوطن وكرامة المواطن.
ح?- في ظل ازدياد مقاومة الشعوب للعولمة المتوحشة، وفي ظل صمود المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، تتهيأ الآفاق لنهوض حركة التحرر العربية مما يفرض على الشيوعيين أن يوحدوا صفوفهم وأن يلعبوا دورهم الحقيقي في معارك الدفاع عن الوطن في أي مكان كانوا.
4. ترتدي قضية الحفاظ على السيادة الوطنية وعلى وحدة التراب الوطني، أهمية خاصة في هذه الظروف إذ تشكل جوهر القضية الوطنية مرة أخرى بعد الانتصارات التي تحققت بعد الحرب العالمية الثانية بانهيار النظام الاستعماري القديم.
5. يتطلب الدفاع عن الوطن في ظل مخططات إعادة صياغة خريطة المنطقة التي أعلنتها بكل وقاحة الإمبريالية الأمريكية، التهيئة للمقاومة الشاملة لأنها تبقى السلاح الوحيد الذي فرض على الشعوب اختياره، هذه المقاومة التي لها أشكال متعددة والتي يجري استخدامها حسب الظرف الموضوعي الملموس، وأهمها تأمين السياسيات اللازمة والقادرة على تعزيز الوحدة الوطنية والتضامن الشعبي العربي الواسع.
6. تستخدم الإمبريالية أيضاً أساليب غير عسكرية لتهيئة مقدمات هيمنتها اللاحقة وأهم هذه الأساليب هي الأساليب الاقتصادية ـ الاجتماعية والتي تشكل جوهرها اليوم السياسات الليبرالية الجديدة والتي تدعو إلى إطلاق حرية حركة الرساميل بكل الاتجاهات، مع ما يحمله ذلك من ضرر خطير على الأوضاع المعاشية للجماهير الشعبية، ومع ما يعنيه ذلك من إلغاء أي دور للدولة في الحياة الاقتصادية ـ الاجتماعية وتحويلها إلى مجرد شرطي سير يضبط حركة الرساميل حسب القوانين المصاغة لتلبية مصالحها. إن هذه السياسات تحاول أن تصور أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتجربته التخطيطية لم يعد هنالك خيار إلا خيارهم أي خيار الفوضى الشاملة.
7. من المعروف أن علاقات الإنتاج الرأسمالية التي يغلب عليها الطابع الطفيلي قد سادت اقتصادياً منذ أواسط السبعينات في بلادنا، وأدى ذلك اجتماعياً إلى ازدياد دور البرجوازية الطفيلية والبرجوازية البيروقراطية الذي تجلى باستيلائها على حصة هامة من الدخل الوطني من خلال عملية توزيعه وإعادة توزيعه، كما أدى بالمقابل إلى تدهور مستمر في مستوى حياة الجماهير الشعبية، وقد ازدادت حدة هذا الموضوع في التسعينات من القرن الماضي مع النضوب التدريجي للموارد المتوفرة سابقاً خصوصاً في فترة الطفرة النفطية، مما أدى إلى ركود في التطور الكمي للاقتصاد الوطني الذي شهد قفزات هامة في السبعينات والثمانينات حتى ولو لم تنعكس إيجابياً على مستوى معيشة الجماهير الشعبية.
لذلك فإن المشاكل المتداخلة للاقتصاد الوطني من نقص في النمو إلى التوزيع غير العادل للثروة، قد خلق الأرضية والمبررات كي تقوم قوى البرجوازية الطفيلية (القوى الكبرى للسوق) والمرتبطة عضوياً مع قوى الرأسمال المالي العالمي بالضغط للوصول إلى أمرين:
- إعادة اقتسام الحصص مع البرجوازية البيروقراطية باتجاه زيادة حصتها لأنها ترى أن الظروف الإقليمية والعالمية المستجدة تسمح بذلك.
- الوصول إلى مواقع القرار السياسي للحصول على الضمانات الكافية لحماية الشكل الجديد لتوزيع الثروة الذي تريده.
8. ويصطدم هذا التوجه بأمرين:
- مقاومة بعض أوساط البرجوازية البيروقراطية له، انطلاقاً من حرصها على إبقاء الأمور على ماهي عليه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً من أجل الحفاظ على امتيازاتها، هذا الأمر الذي يتناقض مع اتجاهات التطور الموضوعي وقد أثبتت الحياة والتجارب في المنطقة والعالم أن الأنظمة التي لا تستند إلى الجماهير الشعبية في إدارة المجتمع سياسياً، والتي بحكم ذلك لا مستقبل لها، تضطر بالتدريج للتكيف مع برنامج قوى السوق عن طريق المساومة على برنامج حل وسط يعيد توزيع المصالح والمكاسب والمواقع، الأمر الذي لم يتحقق إلى الآن بسبب إصرار القوى الكبرى للسوق على موقفها.
- استياء وبدء مقاومة أوساط واسعة من الجماهير الشعبية لهذا التوجه الذي ترى فيه خطراً كبيراً وعدواً نهب الكثير وقضى على الكثير من مكاسبها التي تحققت خلال العقود الماضية، وما تزال تجربة البلدان التي سارت على هذا الطريق ماثلة أمام أعينها، والتي تبرهن أن الانتصار النهائي لبرنامج قوى السوق لا يؤدي إلا إلى مزيد من التبعية للغرب الرأسمالي مع ما يحمله ذلك من مزيد من تدهور للمستوى المعاشي، ومن تباطؤ في التطور الاقتصادي، ومن خطر على السيادة الوطنية والأمن الوطني بمعناه الواسع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي..
إن هذا الصراع الاجتماعي يؤدي بالتدريج إلى إعادة اصطفاف القوى الاجتماعية والسياسية على أساس البرنامجين الأساسيين النقيضين لبعضهما البعض.
?أ برنامج القوى الكبرى للسوق، قوى البرجوازية الطفيلية المرتبطة بمصالح العولمة المتوحشة.
?ب البرنامج الذي يعبر عن مصالح الجماهير الشعبية والذي يصطدم مع برنامج قوى السوق ولا يرى في التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي الجاري أساساً لتوطيد الوحدة الوطنية، والسيادة الوطنية، والدولة الوطنية، كما لا يرى في برنامج قوى السوق إلا زيادة «الطين بلة» ويتجاوب هذا البرنامج موضوعياً مع مصالح بعض أوساط البرجوازية الوطنية المرتبط وجودها بالإنتاج المادي، حتى ولو كان الوزن السياسي لهذه القوى في الظروف الملموسة الحالية غير فعال.
9. لذلك ترتدي قضية صياغة برنامج اقتصادي ـ اجتماعي في الظروف الجديدة أهمية كبيرة، ونعتقد أن ملامح هذا البرنامج هي التالية:
- وقف النهب المقونن وغير المقونن لأموال الشعب التي أؤتمنت عليها الدولة وخاصة في قطاع الدولة.
- تحديد نسبة نمو عالية للدخل الوطني تسمح بمضاعفته خلال فترة زمنية (5 ـ 7 سنوات) قصيرة نسبياً. هذا الموضوع الذي لايمكن حل أية قضية اجتماعية ـ سياسية لاحقاً دون حله.
- إلغاء الهوة بين مستوى الأجور ومستوى المعيشة، هذه الهوة التي تصل إلى ضعفين وثلاثة أضعاف مستوى الأجور الحالي، خلال نفس الفترة المقترحة أعلاه، مما يتطلب إعادة النظر جذرياً بالسياسة الأجرية المتبعة وهذا سيشكل الرافعة الحقيقية لأي إصلاح اقتصادي حقيقي.
- إعادة النظر بالسياسات المالية والضريبية و الاستثمارية بما يخدم الأهداف أعلاه فقط لا غير.
إن أي برنامج اقتصادي ـ اجتماعي لا يتصدى لحل مشكلة النمو ومستوى المعيشة ضمن التزامات واضحة محددة إنما يصب الماء بشكل مباشر وغير مباشر في طاحونة برنامج قوى السوق المحلية والعالمية.
10. إن تحقيق البرنامج الوطني الاقتصادي ـ الاجتماعي والذي بدأت تظهر ملامحه الأساسية في مواجهة برنامج القوى الكبرى للسوق يتطلب ظروفاً ومناخاً مناسباً لا يمكن توفيره دون تحقيق ديمقراطية واسعة في المجتمع، التي أصبحت حاجة ملحة، إن الحياة نفسها تبرهن أنه لا يمكن تنفيذ أي برنامج وطني حقيقي دون حركة شعبية واسعة تحميه بعيداً عن وصاية أجهزة الدولة التي تحول قسم هام منها إلى عائق حقيقي أمام التطور اللاحق وساهم في نمو الفساد ووسع دائرة النهب وأبطل العمل بالقوانين وأضعف الحركة السياسية في المجتمع.
إن البرنامج الديمقراطي المطلوب تحقيقه ما هو إلا أداة لتحقيق مصالح الجماهير الشعبية، وهو ليس بحد ذاته هدفاً نهائياً أمام الشيوعيين، وأي برنامج ديمقراطي لا يحقق مصالح الجماهير الشعبية الوطنية والاقتصاديةـ الاجتماعية هو برنامج ديمقراطي مزيف ونسخة معدلة عن برامج تقييد الحريات السياسية التي تستخدمها الأنظمة القمعية وخاصة في بلدان العالم الثالث.
لقد كان الشيوعيون رواداً في طرح برنامج ديمقراطي منذ ستينات القرن الماضي ولو لم ينشروه ويدافعوا عنه أحياناً بالقدر الكافي لاعتبارات تكتيكية أثبتت الحياة خطأ أخذها بعين الاعتبار.
إن برنامج الشيوعيين الديمقراطي هو:
- رفع الأحكام العرفية وقانون الطوارئ.
- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
- تعديل قانون الانتخابات الحالي.
- تعديل قانون المطبوعات.
- إصدار قانون عصري للأحزاب.
- إلغاء نتائج الإحصاء الاستثنائي 1962 في الجزيرة.
إن إطلاق الحريات السياسية شرط ضروري لتفعيل دور المجتمع في الحياة السياسية من أجل حشد جميع القوى في المعركة الوطنية في مواجهة التحالف الإمبريالي الصهيوني.
11. وهكذا يتبين أن القضية الوطنية والاقتصادية ـ الاجتماعية والديمقراطية هي قضايا مترابطة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض وهي أوجه لقضية واحدة هي كرامة الوطن والمواطن، لذلك تصبح موضوعة تسبيق أحد هذه الجوانب عن الأخرى في ظروفنا الحالية الملموسة موضوعة غير صحيحة تؤدي إلى خلل خطير في السياسة يمكن أن يلقي حاملها بين أيدي قوى السوق بحجة النضال من أجل الديمقراطية فقط كما يمكن أن يؤدي بحاملها إلى الانبطاح أمام البعض بحجة الدفاع عن القضية الوطنية أولاً.
إن القضية الوطنية هي اقتصادية اجتماعية وديمقراطية كما أن القضية الاقتصادية الاجتماعية هي قضية وطنية وديمقراطية كما أن القضية الديمقراطية هي قضية وطنية وقضية اقتصادية اجتماعية أيضاً.
12. إننا كشيوعيين سوريين خلال عملنا لتنفيذ سياستنا سنعمل لإقامة تحالفات سياسية مع القوى السياسية المختلفة، التي لا تتفق مع برنامج قوى السوق المحلية والدولية (أي قوى البرجوازية الطفيلية)، وهذه القوى التي يمكن التحالف معها غير محجورة في مكان محدد داخل الجبهة أو خارجها كما أن القوى التي نختلف سياسياً معها موجودة كما تبين الحياة في أماكن مختلفة ابتداءً من جهاز الدولة وصولاً إلى قوى سياسية داخل الجبهة وخارجها، وإذ يأخذ الشيوعيون على أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أنها أصبحت غير فعالة وتراجع تأثيرها والسبب الأساسي هو القرب الشديد لكوادرها الأساسية من جهاز الدولة وامتيازاته، فإنهم يرون أن القوى الأخرى ليست بأحسن حالاً من حيث النفوذ الجماهيري والقضية تعود بمجملها إلى بنية قيادات هذه الأحزاب وبرامجها التي تخلفت كثيراً عن الحركة الجماهيرية وحاجاتها. إن استرداد ثقة الجماهير بالأحزاب السياسية الجدية يتطلب إعادة نظر جدية بنشاطها وبرامجها.
13. إن فكرة التحالف بين القوى الوطنية في بلادنا ليست طارئة على سياسة وفكر وسلوك ا لحزب الشيوعي السوري فمنذ النصف الثاني للثلاثينات وإبان الحرب العالمية الثانية، وفي مرحلة ما بعد الاستقلال. وفيما بعد تبلورت فكرة التحالف أكثر فأكثر في وثائق المؤتمر الثالث للحزب 1969 كأحد مرتكزات سياسته الثلاثة: (إبراز وجه الحزب المستقل، الدفاع عن قضايا الجماهير، والتحالف مع القوى الوطنية والتقدمية)!
وإذا كنا ولازلنا من أشد المتحمسين لفكرة التحالف بين القوى الوطنية الفاعلة على أرض الواقع انسجاماً مع مبادئنا ورؤيتنا للمسألة الوطنية، فإننا يجب أن نخضع تجربة الجبهة في بلادنا لمراجعة نقدية جادة ليس بهدف التسويد، بل بهدف العمل للوصول الآن ومستقبلاً إلى عودة الحياة السياسية إلى المجتمع بحيث تستعيد الجماهير دورها الحقيقي في الدفاع عن الوطن والسيادة الوطنية، بعيداً عن التضييق على الحريات السياسية، لأن في ذلك إضعافاً للوحدة الوطنية ومناعة الوطن أمام الأعداء في الداخل والخارج.
ولعله من أكبر أخطاء الشيوعيين أنهم اكتفوا بتأييد الموقف الوطني السوري على أهميته وخاصة منذ أوائل التسعينات، وبدل أن يعملوا جدياً لتطوير عمل الجبهة كي تتحول إلى مؤسسة فاعلة على الأرض عبر النضال لتوسيع الحريات السياسية، ابتلعهم شكل عمل جبهوي متخلف عن حاجات الواقع عن أداء مهامهم في المسألتين الاجتماعية والديمقراطية أمام الشعب، وبهذا تحولوا إلى قوة هامشية في التحالف وعبئاً عليه وأصابت قياداتهم ثلاثة أمراض في العمل الجبهوي:
1 النزوع نحو المكاسب الذاتية.
2 استسهال العمل من فوق والابتعاد عن الجماهير وهمومها الشيء الذي أدى موضوعياً إلى ابتعاد الجماهير عن الحزب.
3 البطش بالرأي الآخر تحت حجة الإساءة إلى الوحدة الوطنية.
فمع الحوار الرفاقي الجاري الآن بين الشيوعيين بهدف الوصول إلى حزب شيوعي واحد في سورية يقوم بدوره التاريخي ـ الوظيفي في حياة البلاد، يطمح الشيوعيون السوريون إلى أوسع تحالف وطني يحصن سورية على أساس إنجاز المهام الوطنية والاجتماعية والديمقراطية الكفيلة بالانتصار على مخططات التحالف الصهيوني ـ الإمبريالي ضد منطقتنا وبلدنا سورية، مما يتطلب قوننة الحياة السياسية في البلاد.
14. إن استعادة ثقة الجماهير بأحزابها، يتطلب أولاً وقبل كل شيء عودة هذه الأحزاب إلى جماهيرها، هذه الجماهير التي أثبتت أن دورها لابد أن يزداد باتجاه العودة إلى الشارع الذي سيصبح مركز الثقل في الحياة السياسية شيئاً فشيئاً.
إن لهذه العودة شروطها ومتطلباتها وأهمها معرفة وصياغة مطالب هذه الجماهير والعمل على ترجمة ذلك إلى أفعال ملموسة على الأرض. لقد فقدت التنظيمات السياسية الكثير من مصداقيتها ليس فقط بعدم تعبيرها عن مصالح الجماهير وإنما أيضاً بعدم تحويل هذا التعبير إن كان موجوداً إلى ممارسة يومية تربط القول بالفعل.
ومع الأسف لم يكن الشيوعيون خلال العقود الماضية استثناء من هذه القاعدة واليوم يمكن أن يكونوا القوة الأكثر فعالية إن أرادوا تنشيط الحركة السياسية وبالتالي الحركة الجماهيرية السند الأساسي في مواجهة مخططات الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية كما أثبتت كل التجارب السابقة بما فيها تجربة احتلال العراق الأخيرة.