أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليلى فريد - غلوش... يغلوش ... رسالة لمحاورى قداسة البابا














المزيد.....

غلوش... يغلوش ... رسالة لمحاورى قداسة البابا


ليلى فريد

الحوار المتمدن-العدد: 2168 - 2008 / 1 / 22 - 06:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فى لغتنا الدارجة ألفاظ عبقرية، لا تجد ما يؤدى نفس وظيفتها فى الفصحى ( وإن كنا لا نستغرب أن يكون لها أصل فصيح فى أحد معاجم اللغة). من ضمن هذه الألفاظ كلمة "غلوشة".
هل هناك كلمة أصدق تعبيرا عما نقرأه ونسمعه، ليل نهار، من أساليب لى الحقائق أو تزويقها، التلاعب بالأرقام أو التحايل فى استخلاص نتائج التقارير، الانحراف بالمناقشة فى اتجاهات فرعية أو خلط الأمور ببعضها ؟!
تحدث الغلوشة بغرض التهرب من المواجهة، وإرباك المتلقى وتشتيت انتباهه، عندما يجد الكاتب أو المتحدث نفسه عاجزا عن الدفاع عن آرائه المتهافتة، أو تصرفاته المشينة، أو دحض حجة المخالف له فى النظرة إلى الأمور.
والغلوشة ليست صفة مقصورة على العرب أو العجم، الجهلة أو المتعلمين، بل هى حيلة دفاعية قد يلجأ إليها أى إنسان يجد نفسه "مزنوق" فى ركن.
طبعا تختلف آلياتها باختلاف درجة الرقى؛ فنراها فى صورتها البدائية فى حوارات القنوات الفضائية إياها، وحتى أثناء مناقشات بعض المجالس البرلمانية الموقرة: صياح ومقاطعة وتشويح، ولا مانع من تبادل الشتائم واللعنات، وعندما تفشل هذه الوسائل السلمية فى تحقيق الغلوشة المطلوبة، يتم التشابك بالأيدى والتلويح بما يلبس فى القدم. فى مقابل هذا يصل فن الغلوشة على يد السياسيين والدبلوماسيين إلى مستوى رفيع من الذكاء والدهاء والمناورة، مع المحافظة على رقى اللغة والحركات والإيماءات.
وبينما نجد أن مهمة الإعلاميين فى الغرب هى التصدى لأى محاولة للغلوشة يقوم بها من يتحدثون إليه (لا فرق بين رجل الشارع و رئيس الدولة)... لاأمل فى النجاة من أسئلتهم الفاحصة، والويل لمن يظن أن بمقدوره تمويع النقطة المثارة... تجد أن المحاورة الوديعة قد تنمرت، ووجه المحاور المبتسم قد اربد... تراهم وقد انقضوا عليه بلا رحمة ولا رأفة، يعيدون السؤال المحرج مرارا وتكرارا بأعصاب باردة وإرادة فولاذية، ولا يتركونه إلا بعد أن ينتزعوا منه الحقيقة كاملة.
أما فى حالة محاورى برامجنا فالوضع ينعكس: هم القوامون على الغلوشة والتى تبدأ حتى قبل أن يفتح الضيف الذي جلبوه فمه... طريقة صياغتهم للسؤال لا تسمح بأى مساحة للحرية فى الرد. ولو جاءت مقولات الضيف مختلفة عن الإجابة النموذجية المتوقعة، تبدأ مرحلة مكثفة من الغلوشة قد تصل إلى درجة إعادة ما يفترض أن الضيف قد قاله - منذ دقائق معدودة- بعد تعديله تعديلا جذريا ، على مسمع منه و بلا خجل ولا حياء، والضيف جالس يحدق بذهول، ولكن هيهات أن يعطى فرصة أخرى للكلام بعد أن ثبت أنه غير"مذاكر" لنموذج الإجابة.
نستطيع فى كثير من الأحيان أن نضحك من قلوبنا، ونعتبر هذه البرامج الحوارية كالتمثيليات الفكاهية التى تسرى عن المشاهد، ولكن عندما يصبح هذا الأسلوب هو الغالب على الحوارات مع قداسة البابا شنودة، فإن الموضوع يصبح مؤسفا ومخجلا.
لم يعد يمر عام، إلا وتتسابق وسائل الإعلام المحلية والقنوات الفضائية، فى إجراء حوارات مع قداسته فى مختلف المناسبات. ويتراوح مستوى الأشخاص الذين يتم اختيارهم لهذه المهمة ما بين إعلاميين متميزين و آخرين يتمتعون بنصيب شديد التواضع من القدرات والثقافة، أو حتى الحضور والجاذبية (ورغم ذلك أصبحوا نجوما!!)
ولكن فى كل الأحوال، لا يمكن أن يخلو الحديث من السؤال الذي يتم وضعه بطرق ملفوفة مختلفة، ولكن كلها تحمل فى النهاية هذا المعنى: كيف ترد قداستك على المزاعم التى تختلقها "الأيدى الخفية"، وتنشرها "المسيحية الصهيونية"، ويضخمها " أقباط المهجر"؛ للنيل من وحدتنا الوطنية؟
ولم يعد من النادر (لتعدد هذه الأحداث وتصاعد وتيرتها) أن يأتى هذا الحوار والجراح المتخلفة عن مأساة مؤلمة أصابت بعض الأقباط فى إحدى القرى أو المدن المصرية، مازالت تنزف.
ومن الطبيعى أن لا يستطيع الإعلامى اتباع أسلوب "الغلوشة المتعالية" فى توجية سؤال إلى شخصية مهيبة كالبابا؛ فهذا الأسلوب يصلح فقط لمن يمكن التأثير عليه أو تخويفه. ولذا يخرج من جعبته البديل الآخر: "الغلوشة المتملقة"؛ فتجده قبل أن يطرح السؤال الملتوى، يسترسل فى مقدمة طويلة يؤكد فيها ثقة الجميع فى وطنية البابا، وحرصه على الوحدة الوطنية، ووقوفه فى مواجهة كل من يحاول المساس بها. ويتصور الإعلامى "المتذاكى" أنه بهذه الوسيلة الساذجة سيحرج قداسته ويضطره إلى إجابة متفقة مع الخط الذي يوحى به السؤال.
وفى كل مرة يعطى قداسة البابا درسا بليغا لكل من عنده استعداد لأن يفتح عقله وقلبه للفهم. يجيب إجابة هادئة لا تزيد من اشتعال النيران، ولكنها فى الوقت نفسه تحمل رسالة واضحة: ما يتردد فى الخارج لا ينبعث من فراغ. ما يقع فى أى كفر أو عزبة فى مصر يصبح الآن فى متناول العالم كله بالصوت والصورة فور حدوثه. لم يعد فى وسع أحد منع ذلك. التعتيم لم يعد ممكنا والإنكار لا يجدى. إذن اصلحوا الصوت، ينصلح الصدى. لن يستقيم الظل طالما العود أعوج.
أبانا الروحى لا ينصب نفسه حاميا ومدافعا عن أقباط المهجر؛ فهم أبناؤه، الصالح منهم والطالح، المصيب والمخطئ، وعلا قة الأب بأبنائه ( فى الأسر الكريمة) لا تنناقش دخائلها على الملأ. ولكن هيهات أن يستطيع الإعلامى المجتهد –رغم محاولاته الدءوبة- أن يظفر بمباركته على وصفهم بالعمالة والخيانة.
ومع الكلمات الخارجة من فمه، تطل من عيني قداسته نظراته النافذه. رغم الوجه المغضن والمآقى المتعبة، فإن الإشعاع المنبعث من هذه الأعين الكليلة يحمل خليطا عجيبا من المعانى: الاطمئنان والثبات؛ رغم الحزن و الألم، الإشفاق العطوف على هؤلاء المساكين ومحاولاتهم المكشوفة، والسخرية الرحيمة من هؤلاء الأغرار وأساليبهم التى تبعث على الرثاء.
هل سيستوعب السادة الإعلاميون الذين يتصدرون لمحاورة قداسة البابا الدرس، أم علينا أن نستمر فى تحمل غلوشتهم الفجة السقيمة؟!



#ليلى_فريد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا يعودون من حيث جاءوا ؟!
- إن كان هذا هو ما يمكن لأعمالكم الفنية تقديمه للأقباط... فسعي ...
- السياحة الدينية كما يجب أن تكون
- مرحى...مرحى...أطباء وقتلة
- الجميلة ليست قادمة
- شهر العسل المر
- الأيقونة التي احتجبت
- المسيحية في بريطانيا تعلن الثورة على الغبن
- إنهم يقولون .. ماذا يقولون؟ دعهم يقولون!
- لست وحدك
- من مات غنيا مات موصوما
- عندما يعتذر البابا
- التعامل الإيماني والعقلاني مع تحدي المقدسات إنجيل يهوذا وشفر ...
- الحركة القبطية بين العمل الفردي والعمل الجماعي
- محفوظ قد سلمكم الأمانة كاملة أنتم من أضاعها


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليلى فريد - غلوش... يغلوش ... رسالة لمحاورى قداسة البابا