"طي صفحة الماضي " إنها إشكالية مازالت حاضرة بقوة على الركح السياسي بالمغرب، في وقت تعيش فيه البلاد البداية الجنينية للانتقال الديموقراطي، و في وقت تريد فيه الدولة التخلص نهائيا من التركة الثقيلة للماضي و لا سيما السنوات الرصاصية لكن خارج المعالجة القضائية و الحقوقية.
و تكتسي هذه الإشكالية أهمية بالغة بالمغرب لاسيما اعتبارا للدور الذي لعبه المناضلون السياسيون- ضحايا هذا الماضي بامتياز- في تأسيس انطلاقة النواة الأولى لحقوق الإنسان بالمغرب. و بالضبط شكل اليسار المغربي العمود الفقري للحركة الحقوقية الفعلية بالمغرب. و كانت منذ بدايتها حركة ذات أفق مفتوح و عام و إنساني بعيدة عن النزاع السياسي و العقائدي. إذ اعتمدت أساسا على المعايير الحقوقية كما هي متعارف عليها عالميا و ارتباطها بمفهوم دولة الحق و القانون. لذلك ظلت هذه الحركة تنتقد و تتصدى للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و تطالب بقوة بطي نهائيا صفحة الماضي على أساس كشف الحقيقة و المحاسبة و المساءلة و المحاكمة. مادام هذا هو السبيل الأجدى في نظرها لإدانة التجاوزات. و مما يزيد من صعوبة تطبيق هذا المطلب هو أن الانتقال الديموقراطي مازال في خطواته الأولى، إلا أن المجتمع يريد إنصافه قبل طي الصفحة حتى لا تتكرر مآسي الماضي و تغتال آمال المستقبل.
إلا أن الدولة تريد فعلا التخلص من تركة الماضي الثقيلة لكن خارج المعالجة كما يراها الحقوقيون. علما أم المرور الفعلي إلى الديموقراطية مرتبط أولا و قبل كل شيء بتجاوز جروح الماضي عبر انتقاد
موضوعي. فالدولة المغربية تراهن على بديهية تجاوز ذلك الماضي و الانتقال بأقل تكلفة و بدون اعتراف و بدون اعتذار,
و مهما يكن من أمر تظل المساءلة كحق مجتمعي، و مادام هناك ضرورة لطي صفحة الماضي فلا سبيل أجدى من الحوار الشفاف حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مادام الجميع، و بدون استثناء يقر بوجودها سواء جهرا و علانية أو بطريقة ضمنية