|
هل سقطت موضوعة الدولة لماركس أم أنها لا تزال حية؟
محمد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2166 - 2008 / 1 / 20 - 11:21
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يجري حاليا في أوساط الماركسيين والتقدميين، النقاش حول موضوعة الدولة، وأسباب نشوئها، ودورها التاريخي. وينقسم هؤلاء بين منتقد لنظرية ماركس، وبين مؤكد لصحتها المطلقة. وكما أصبح معروفا، أن ماركس عندما ناقش مسألة الدولة رأى: أولاً: أن الدولة لم تنشأ مباشرة مع نشوء المجتمع البشري. وإنما ظهرت في مرحلة محددة من مراحل تطور هذا المجتمع، عندما انقسم إلى طبقات متناحرة مع ظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وظهور مستثمِرين ومستثمَرين. وبالتالي، كان لا بد للمستثمِرين من أداة تحافظ على مصالحهم، وكانت هذه الأداة هي الدولة. وقد اختصرها ماركس، بأدوات القمع، والمؤسسات التي تحافظ على هذه السيطرة. وبالتالي، تكون هذه الأداة، هي الضامن لمصالح هذه الطبقة. أي، إن الدولة هي أداة بيد طبقة المستثمِرين للحفاظ على مصالحهم بوجه الجماهير المستثمَرة. بمعنى أن الدولة أداة قمع واضطهاد، فقد ظهرت بمرحلة تاريخية محددة من مراحل التطور البشري، نتيجة الملكية الخاصة، وانقسام المجتمع إلى طبقات متناحرة. ثانيا: بما أن الدولة لم تكن موجودة في ظرف تاريخي محدد، وأن وجود المجتمع البشري قد سبق وجود الدولة، وأن عدم وجود طبقات اجتماعية متناحرة في المجتمع، ينسف أساس وجود الدولة، كما كانت الحال في المجتمعات المشاعية، فإن الدولة إذا، هي ظاهرة تاريخية مشروطة بظروف محددة، وتضمحل هذه الدولة بزوال هذه الظروف، أو، الشروط. أي، إن وجود الدولة ليس عملية مطلقة. ثالثا: لقد رأى ماركس، أن الدولة كانت سمة للمجتمعات الطبقية، بدءًا من مجتمع الرق، وانتهاءً بالمجتمع البرجوازي، وأن هذا المجتمع هو آخر المجتمعات الطبقية، وسيأتي بعده المجتمع الشيوعي الخالي من الطبقات، والقائم على أرضية قوى منتجة عالية التطور، وستزول آنذاك الدولة(ستضمحل)، وسيحل محلها أشكال من التنظيم الاجتماعي العالي المستوى، لم يتحدث عنه ماركس بالتفصيل. تلك هي باختصار نظرية ماركس عن الدولة. إن من يؤيد هذه النظرية، يستند إلى التجربة التاريخية للمجتمعات الطبقية، التي كانت تستخدم الدولة باستمرار، لقمع كل التحركات المناهضة للطبقات السائدة. وهناك الكثير من المعطيات حول ذلك لسنا بصدد التطرق لها في هذه المقالة، وبضمن ذلك أمثلة كثيرة عن واقعنا المعاصر. أما من يوجه نقدا لهذه النظرية، فيستند إلى معطيات أخرى، وخصوصا تلك التي تركز على الجانب المؤسساتي للدولة، وانفصال هذه المؤسسات، وتطورها المستقل عنها نسبيا. وخصوصا أن الكثير من هذه المؤسسات، حتى في حال سقوط النظام الرأسمالي، ستبقى، وستجد لنفسها تطورا لاحقا. بمعنى آخر: إن الدولة ليست أداة طبقية فقط، وإنما هي أيضا، مجموعة واسعة من المؤسسات التي ستجد تطورا مستمرا لها لاحقا، بصرف النظر عن النظام الاجتماعي القائم. تلك المؤسسات التي لم يتطرق ماركس لها، أو لبحثها، وإنما حصر تركيزه على جانب آخر ألا وهو، مسألة الصراع الاجتماعي فقط، وتدخل الأجهزة القمعية في هذا الصراع. وكذلك، إن ماركس لم يأخذ بالحسبان، الارتقاء المجتمعي الحضاري، الذي يمكن أن يصل ـ حتى في ظل النظام الطبقي ـ إلى منع جهاز القمع من استخدامه ضد الجماهير الشعبية. وحتى موضوعة الانتقال السلمي البرلماني من تشكيلة اجتماعية إلى تشكيلة اجتماعية أرقى، والتي لا تزال تأخذ حيّز جدلٍ واسعًا في الحركة الماركسية إلى وقتنا الحاضر، هي من حيث الجوهر توجه ضربة إلى مفهوم ماركس حول الدولة. كما أن الدولة تاريخيا، في عدد من اللحظات التاريخية، قد استطاعت أن تكون حيادية بين الطبقات، وخصوصا، عندما كان الصراع الاجتماعي يأخذ منحىً متوازنا في هذا البلد أو ذاك. وقد حدث ذلك في روسيا نفسها، بعد ثورة شباط عام 1917. إذا، وانطلاقاً من هذا النقاش الجاري، ربما نستطيع القول: إن مسألة الدولة، لا تزال تحتاج إلى تعميق أكثر فأكثر، من منطلق أن مناقشة هذه الموضوعة، لا يجب أن تجري انطلاقا من حدة الصراع الاجتماعي في ظرف تاريخي محدد، وإنما يجب مناقشتها من خلال الصيرورة التاريخية لها. ومن خلال التطور الاجتماعي والحضاري للبشرية. وتطور المؤسسات نفسها التي تغتني نتيجة هذا التطور بمضامين جديدة باستمرار. وبالتالي، يجب أن لا ننطلق أبدا من مناقشة أي موضوعة، من المنطلق السكوني، وإنما من منطلق الحركة والتطور المستمرين إلى الأبد.
#محمد_الزبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|