|
دولة مواطنة أم مواطنة دولة ؟!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2169 - 2008 / 1 / 23 - 11:26
المحور:
المجتمع المدني
ما زالت هوية الدولة تثير التباساً وغموضاً مشروعين خصوصاً في ظل الحوار والجدل اللذين يثوران بخصوص أية دولة نريد؟ وما هي مواصفات المواطنة فيها؟ وكيف السبيل لضمان حقوق جميع التكوينات في الدولة؟ فهل الاساس القومي او الوطني او الديني هو معيار الدولة التي نسعى اليها، وقد تبنّت تيارات مختلفة قومية ويسارية ودينية مفاهيم مختلفة بخصوص الهوية. وكان هذا الجدل والنقاش ينطلقان من قاعدة قانونية واجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية منذ أكثر من أربعة عقود من الزمان، وأصبحا أكثر راهنية الآن بعد وصول العديد من التجارب القومية واليسارية والإسلامية الى طريق مسدود، الأمر الذي طرح بإلحاح البحث في الأسباب والشروط التي أدت الى ذلك والسبيل لمواجهتها وتجاوزها. ورغم التقارب الذي حصل أحياناً بين قيادات قومية وإسلامية، الاّ ان هذا التقارب ظل حركياً سياسياً ولأغراض محدودة، دون ان يحصل إطمئناناً فكرياً ومساحة مشتركة بوجود مرجعيات يمكن الركون اليها لا على أساس تكتيكي أو ظرفي، وإنما لاعتبارات استراتيجية بعيدة المدى وقناعات مشتركة. ولذلك لا بدّ من تنحية الشكوك والارتيابات المسبقة، والسعي لاعتماد الحوار لتجسيد الفجوة، انطلاقاً من حق الاختلاف والاعتراف بالتنوّع والتعددية، إضافة الى النقد الذاتي، خصوصاً بعد وصول التجربة الى الانغلاق وعدم القدرة على التطور. ومثل هذا الامر كان موضوع نقاش، على مستوى رفيع، في ندوة فكرية نظمها مركز دراسات الوحدة العربية والمعهد السويدي بالاسكندرية في 9-11 كانون الاول (ديسمبر) الجاري، بحضور نخبة متميزة من المفكرين والباحثين العرب والأجانب، انطلاقاً وربما عودة الى فكرة الدولة.. هل هي عابرة للطوائف والاثنيات؟ أي دولة مساواة وحقوق مواطنة كاملة بما فيها حقوق الاقليات وحقوق المرأة، الأمر الذي يستوجب توسيع دائرة المشاركة في الحوار، وتحديد نقاط الخلاف والسعي لحل الاشكالات الفكرية والعملية، أم دولة تعتمد على مرحلة ما قبل الدولة بما فيها من عصبيات طائفية ومذهبية واثنية وعشائرية وجهوية وغير ذلك. ومثل هذا الحوار ينسحب على ما هو علماني أو غير ديني، وبين ما هو ديني أو اسلامي، خصوصاً وان فكرة المواطنة ترتبط في البلاد العربية والاسلامية تاريخياً بفكرة الهوية، وكيف السبيل للحديث عن غير المسلمين في دولة أغلبيتها من المسلمين، فهل يحق لهم توّلي الرئاسة أو احدى الرئاسات (رأس الدولة أو رأس جهاز التشريع أو رئاسة جهاز القضاء، إضافة الى رئاسة الجيش؟!) وسواءًا كان غير المسلم عربياً أم غير عربي، فهل يحق لغير العربي تولي الرئاسات في دولة غالبيتها الساحقة من العرب؟ والأمر باختلافاته يدور أيضاً حول دور المرأة وقضايا دار الحرب ودار السلام أو الاسلام، ناهيكم عن إقامة الحدود تلك التي تعتبر من الموروث الذي يتعكز عليه البعض ليشكل عائقاً أمام قيام دولة عصرية حداثية تستجيب لروح العصر. وفي الدولة الحديثة تدور مشكلة المواطنة بالعلاقة بالهوية وبالجنسية ايضاً اذ ظلّ مواطنون ولدوا في البلدان العربية والاسلامية وعاشوا فيها لسنوات طويلة وربما لأكثر من جيل أو جيلين هم وآباؤهم وأجدادهم، لكنهم هل لم يحصلوا على جنسية البلد الذي ولدوا فيه ولم يعرفوا وطناً سواه، بل ان بعضهم في النزاعات المسلحة وبخاصة مع الجيران جرى تهجيرهم أو سحب جنسياتهم، بما أضعف الشعور بالمواطنة وطرح موضوع الجنسية كعلاقة حقوقية وسياسية بالدولة الحديثة وموضوع هويتها خصوصاً وان الجنسية تمنح اما على اساس الولادة (أي على اساس الدم) من اب يتمتع بجنسية البلد أو على أساس الارض (الولادة في الاقليم) فتعطيه الحق في الحصول على الجنسية على أساس المساواة، وتلك أهم نظريات الفقه القانوني الدستوري بذلك. لعل العلاقات بين الدول تقام على أساس الرأي والموقف والمصلحة وليس المبادئ وحدها أو الطوائف فقط، وأياً كان الأمر فالدولة العصرية تفصل عن المواطنة العضوية في هويات مصغّرة كالطائفة والقومية والعشيرة، إذ أن المواطنة هي للدولة وليس لسواها، ولذلك فإن علاقات أبناء طائفة واحدة أو قومية واحدة في دول مختلفة، وان كان يوجد ما يوحدهم سواءًا دين أو قومية أو لغة أو مذهب، الاّ ان لدى كل منهم جنسية مختلفة وبالتالي عضوية في دولة أخرى. وبهذا المعنى تقوم الدولة على أساس عقد اجتماعي يحدد أركانه مبدآن أساسيان هما: مبدأ المساواة والمواطنة، وفي الدولة الديمقراطية هناك حقوق فردية وجماعية للأفراد والجماعات على أساس المشترك الجامع والهوية الموحدة وليس الهويات التجزيئية، بهذا المعنى ان هوية ثقافية- حقوقية تتكون في الدول العصرية من مركب جماعي، وهو ما نطلق عليه دولة مواطنة وليس دولة انتماء شعوري لأمة أو قومية، أي مواطنة محددة بشروط وحدود كيانية الدولة، وان كانت لا تمنع من الشعور بالانتماء لأمة والسعي لوحدتها وانبعاثها واستقلالها السياسي والاقتصادي وتحقيق عدالتها الاجتماعية وتنميتها المستدامة وديمقراطيتها طبقاً للمشروع النهضوي العربي. ولعل في ذلك مقاربة حقوقية لفكرة دولة المواطنة!!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع المدني بين الاقرار والانكار !!
-
راية الليبرالية الجديدة!!
-
العقدة النفطية في المشكلة العراقية!!
-
العلاقات العراقية- الامريكية .. والعودة الى نقطة الصفر!!
-
اللاجئون العراقيون : مسؤولية من؟
-
سيناريوهات الاجتياح التركي للاراضي العراقية!!
-
سيناريوهات الوجود أو الانسحاب الامريكي من العراق!!
-
العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا!!
-
شط العرب.. وصاعق التفجير!!
-
هل الديمقراطية مثالية؟!!
-
المكتب البيضاوي: انه الاقتصاد يا غبي!!
-
التنوع الثقافي والنخب الفكرية والسياسية!
-
العرب والتنمية!!
-
العراق: من إرث الماضي الى تحديات المستقبل
-
العرب ومفارقات العولمة
-
القضية العراقية بين التدويل والتأويل
-
الدولة العراقية: سياقات التماسك والتآكل
-
اختلاس الزمن في ظاهرة الاختفاء القسري!
-
البصرة هل هو ثمن الحرية!
-
الهوية الثقافية: الخاص والعام
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|