راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 2166 - 2008 / 1 / 20 - 08:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان من عادة البشر كراهية التجديد والمجددين والارتباط اللصيق بالماضى العتيق , ولوكان بالياً رثيثاً0 وتلك هى نظرة السطحيين 0وربما كان اغلب الناس سطحيون 0
وقد لاقى المبرزون من العلماء وقادة الفكر والفلاسفة والرسل , حين نادوا بآراء وتعاليم جديدة ضروباً شتى من الاضطهاد والإنكار والجحد والاعتساف , على أيدى الرجعيين والإتباعيين والمتزمتين , كُرهاً منهم لتجديد الطرائق والمعتقدات والعادات التى اصبح عليها القوم ومارسوها زمنا طويلاً0 وقد استشهد فى سبيل فتح آفاق جديدة فى طريق الحياة , لملائمة التطور وتقرير هذه الحقائق آلاف وآلاف0 ولكن الحق كان دائماً هو المنتصر فى النهاية , ومايلبث إلا ان يؤمن به الناس بعد طول الاعتراض , عليه بل ويتفانوا فى نصرته0
وهكذا كان الحال عند إعلان دعوة(الباب) ومن بعده(بهاء الله)0 فحين إعلان دعوتهما وقف فى طريقهما فريق الفقهاء ,يتبعهم جموع العامة متمسكين بالقديم البالى غير راضين عن خلع ثوبهم العتيـق الرثيـث0
بل أعلنوا الحرب على كل جديد ولو ثبتت صلاحيته , فاستشهد من البابية والبهائية حوالى عشرين ألفا او يزيد ,وشرد كثيرون من ديارهم ونهبت أموالهم وهتكت حرماتهم , وقتل الباب , ونفى بهاء الله وسجن نفياً متصلاً مدة أربعين عاماً0 وكذا نجله عبد البهاء عباس0 وعلى الرغم من ذلك , فقد ارتفع الخباء عن الكلمة الإلهية وازدهرت وانتشرت فى عموم أنحاء العالم , انتشار النار فى الهشيم ,وبخطى ثابتة وطيدة 0وآمن بها معظم مفكرى العالم حتى بعض أعدائها واتبعها جمهور كبير من فقهاء الإسلام ورجال الكهنوت المسيحى المبرزين وغيرهم من علماء الملل الاخرى0
وكان يظن فى بادئ الأمر ان هذا الإصلاح الدينى الحضارى الشامل يوافق إيران وحدها ويقصدها هى لاغيرها , ولكن ثبت بعد ذلك بالدليل القاطع انه يصلح لكل العالم ,وانه مُوجه لكل العالم 0وان العالم متعطش الى مُثُلِهِ 0 فانه شمس الحقيقة عندما تضئ تشرق على كل العالم , وتحييه من شرقه الى غربه, وتظهرآثارها واثمارها بقوة وجلاء ولايمكن إنكارها او إخفائها0, مهما كابر المعارضون,او أنكر الجاحدون0
ان العامل الأساسى لرقى العالم هو القوة الكامنة فى الكلمة الالهية0 والتى تؤثر فى جميع الأحوال والملابسات , وتخلق فى البشر روحاً جديدة تتبلور عنها آراء جديدة فياضة 0
ومنذ ان ظهر بهاء الله أعلن تعاليمه المحكمة للناس كافة , ظهرت فى كل العالم حركات تهدف الى تحقيق هذه الغايات رغم عدم إلمامها بتعاليم بهاء الله 0فهؤلاء جمهور الفلاسفة والمفكرون والمصلحون ينادون بالسلام والمحبة, والعالمية , ويتخيلون نوعا من - الرجل المتفوق - (السوبرمان) الى جانب بعض الساسة والقادة الذين بحثوا مشكلة نزع السلاح وحل المعضلات الاقتصادية , فتكونت أولاً محكمة العدل الدولية فى لاهاى بهولندا , ثم عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى بجينيف فى سويسرا , واخيراً هيئة الأمم المتحدة بنيويورك فى أمريكا , ومنظماتها الدولية ومجلس الأمن وذلك بعد الحرب العالمية الثانية0
وقد سرت فى أمريكا حركة لمنع المسكرات , وظهرت حركات فى معظم أنحاء العالم تنادى بالحرية وتطالب أيضا بالحياة الدستورية النيابية القائمة على المشورة ومعرفة رأى الجماهير , وفرض التعليم الإجبارى المجانى فى كافة مراحل التعليم للذكور والإناث على السواء0 وراجت فكرة اللغة العالمية, وحدث ان استحدث الدكتور زامنهوف لغة ( الاسبرانتو ) كلغة عالمية وتقرر تدريسها للنشأ فى بعض الدول0وتكونت جمعيات عالمية تعمل للخير العام ومواساة البشرية , وتنادى بحق العمال بالحياة بحد أدنى ملائم وتمتعهم بقسط من الرفاهية , والعمل على تحسين أحوالهم المعاشية0
وان هذه المجهودات الملموسة بوضوح فى كل مكان والتى تساعدها بعض الحكومات لمجهودات محمودة0وقد شكر عبد البهاء كل من يعمل على تحقيق هذه المبادئ , وقال ان كل شخص يعيش طبقاً لتعاليم بهاء الله الروحية , فهو بهائى ولو لم يسمع باسم بهاء الله 0
وإن لنلحظ فى هذه الأيام نزوعاً من الأفراد فى حياتهم الخاصة نحو الكمالات الإنسانية والأخلاق الفاضلة ولا شك ان هذا من تأثير الروح الإلهية والفيوضات الرحمانية التى يريد بها , الله جل وعلا ان يرشد الناس الى الطريق السليم والمنهج القويم حتى يؤسـس الملكوت الإلهى على الارض0
وفى هذا يقول بهاء الله :
[ بحركة من قلمنا الأعلى نفـخنا بأمر من لدن آمـر مقتدر حياة جديدة فى هيكل الإنسان أودعنا فى كل كلمة قوة جديدة وتنطق كل الأشياء بآثار هذا التجديد ]
أما الجامعة البهائية فهى دائبة النشاط فى سبيل تحقيق مبادئها السامية وتعاليمها الرفيعة , التى يحتاج إليها هذا العصر , عصر التجديد والتنوير , اشد احتياج , فتقدمت الحركة الروحية هذه فى كل مكان , واعترف بها فى كل بقاع الأرض , مما يبشر بمستقبل باهر للإنسانية 0وهذا من أهم الأعمال التى يدعو إليها الله , ولا شك فى نفوذها رغم تخرصات المعرضين وأعراض المنكرين0
شعر الناس فى كل مكان بالحاجة الى التجديد , وحاجة العالم الى الإصلاح الشامل , فوجدوا فى تعالـيم بهاء الله ملاذهـم وموئِلهُـم , أعلنوا اعتناقهم لها ومساندتها معتقدين ان الوحى الذى أعلنه
بهاء الله إلهى فى أساسه ذو شمول فى مداه , عالمى الأسلوب , إنسانى المبادئ , محرك للقلوب والأفكار, هؤلاء هم جند الخلاص , هؤلاء هم000 ملأ الاسـم الأعظـم0!
وهذا الدين الذى انتشر بسرعة فى الشرق والغرب , ويرغب صادقاً, ويعمل جاهداً على اتحادهما , وأسست المحافل المحلية والإقليمية , والمراكز الثقافية التى تقوم على الانتخاب العام من كافة أنحاء المعمورة , وشيدت حظائر القدس له , وكذا دور العبادة الجامعة( مشارق الأذكار), فى العديد من البلدان , منها الولايات المتحدة الأمريكية , بناحية ولمت على بحيرة ميتشجان , وبمدينة فرانكفورت على نهر الراين بالمانيا , وبمدينة سيدنى كبرى مدن استراليا , وفى عاصمة بنما بأمريكا الوسطى وبالقرب من قناتها المشهورة , وبكمبالا عاصمة أوغندا والمعتبرة لؤلؤة أفريقيا , وهناك الكثره من مشـارق الأذكار فى سبيل الانشـاء0
ومشرق الأذكار عبارة عن بناء كبير ذو تسعة اوجه وتسعة أضلاع وتسعة أبواب , تعلوه قبة كبيرة مقامة على تسعة أعمدة رمزاً للعالمية , وتحيط به الرياض من كافة الأنحاء 0وهو بيت للعبادة يؤُمُه الناس من كافة الأديان والأجناس والألوان , ليعبدوا ربـاً واحداً هو إله الجميع 0ويرتلوا فيه بتمام الخشوع الآيات التى نزلت من سماء مشيئة الله فى مراحل التطور الروحى المختلفة 0وتلحق به مؤسسات للأغراض التربوية والاجتماعية واعمال البر0
ويقبل الناس يومياً بالمئات, بل بالآلاف للانخراط فى سلك الدين الجديد , والسر فى ذلك انه يعمل على توحيد الجنس البشرى , فلا ابيـض ولا اسـود , ولا غربى ولا شرقى , ولا غـنى ولا فقـير, إذ الغاية تأسيس وحدة إنسانية عالمية , وإرساء السلام الأعظم ,ومجئ الألف سنة الذهبية0
وفقاً لما جاء فى وصية عبد البهاء- الفريدة فى نوعها- على مراحل التاريخ الروحى للبشرية , تولى رعاية أمر الدين بعد فراقه الى الرفيق الأعلى فى نوفمبر 1921م , اكبر أحفاده شوقى أفندى ربانى- الذي عمل جاهداً خلال ولايته التى امتدت ست وثلاثون سنة , على توحيد شئون الجامعة البهائية شرقاً وغرباً وإرساء قواعد الإدارة الروحية بما يقدمه من وسائل الهدى والتوجيه الصالح , وبذل قصاراه فى تنظيم تلك الشئون ولارتفاع كلمة الدين , ونشر هذه المبادئ , مضحياً براحته وهناءه الشخصى من اجل ذلك , الى جانب المساعدات العديدة التى قدمها للأحباء فى جميع الأقطار باثاً فيهم روح الهمة والمروءة والمثابرة لإعلاء شأن دينهم المناضل فى سبيل الحق0
والمراكز الثقافية والمحافل العاملة تعقد الاجتماعات العمومية وتوزع المنشورات وتستخدم الإذاعة المسموعة والمرئية وأفلام السينما لشرح تعاليم وأهداف بهاء الله , وتدعو الناس للمحاضرات , وتوجه الأتباع فى حياتهم الخاصة والعامة وهم بدورهم يقومون بالتعمق فى الأمور الروحية ودراسة مرامى دينهم وتوضيحها للمستفسرين بطرق شتى على وفـق مقتـضى الحـاجة0
وفى كل عام تعقد المؤتمرات البهائية العالمية , ففى عام 1944م عقد مؤتمر العيد المئوى فى كافة الجامعات البهائية احتفالا بمرور مائة عام على تأسيس دين الله القويم 0
ألقيت الخطب الجامعة والكلمات الشاملة مبينة مدى أهمية هذا الأمر وصلاحيته لاصلاح كل هذا العالم المادى الساعى قُدماً الى الخراب بابتعاده عن النداء الالهى0
وفي 9 مايو عام 1945م أقيم مهرجان السلام البهائى بسان فرانسيسكو ونشرت عنه جريدتان من كبريات صحف كاليفورنيا وخصصت فترة للإذاعة ألقيت أثناءها الخطب , أقيمت مآدب حضرها غير البهائيين بعض أقطاب أعضاء مؤتمر سان فرانسيسكو للسلام العالمى, ونظمت المعارض وعرض فيها نموذج مصغر لمشرق الأذكار بشيكاغو , وكذا عدد من الكتب البهائية والنشرات والخرائط, ووزعت حوالى 15 ألف نسخة من (نبذة السلام البهائى) وقد استمر إلقاء المحاضرات باللاسلكى ثلاثة عشر أسبوعا لبحث موضوع تأسيس السلام العالمى0 ونظم محفل سان فرانسيسكو عددا من الاجتماعات العامة والخاصة طول هذه المدة دعا إليها كثيراً من المهتـمين بهذه المسـائل الحيوية بالنسبة لعصرنا0
وفى مارس من عام 1946م أرسل المستر لاتيره رئيس المحفل المركزى بالولايات المتحدة الى الرئيس ترومان برقية يعبر فيها بحرارة ان يتجه الرئيس اتجاهاً روحياً فى سياسته وقيادته لشعوب العالم نحو تدعيم السلام العالمى0 فردت عليه سكرتارية حكومة الولايات المتحدة معبرة عن نياتها الحسنة الصادقة نحو إقرار السلام 0وقد نوَّه عن اهتمام أُولى الأمر بهذه التوصيات وكذا تقديرهم لهذا اللطف والكرم فى وضع الحلول فى متناول اليد0
ولما وصل أعضاء هيئة الأمم المتحدة الى لندن لعقد اجتماعاتهم فى صيف 1946م أرسلت بطاقات الترحيب من المحفل المركزى للجزر البريطانية , وكانت اتجاهات اجتماعاتهم دالة على فكرة إنشاء محافظة عالمية , فأرسلت الرسائل وبها مقتطفات من تواقيع حضرة شوقى أفندى ربانى الى كل من مستر بيفن ومستر إيدن 0فوصلت من مستر بيفن رسالة شكر وتقدير0
وهكذا يستمر عقد المؤتمرات العالمية , فى كامبالا عام1953م , وبنيودلهى عام 1956م وشاهده الرئيس الراحل نهرو الذى عبر عن شعوره بالتقدير والامتنان بكلمة شافيه0
وفى لندن عام 1964م , وبعدها , لايمر عام إلا ويعقد مؤتمر عالمى يحضره عشرات الآلاف من المؤمنين , وآلاف غيرهم من المستفسرين0
البهائية:
http://info.bahai.org/arabic
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟