|
هل الديمقراطية مثالية؟!!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2168 - 2008 / 1 / 22 - 12:07
المحور:
المجتمع المدني
كثيراً ما يتحدث البعض عن الديمقراطية باعتبارها مفتاحاً سحرياً لحل جميع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، أو هكذا يتصوّرأيضاً بأنه بإشارة واحدة يمكن انتهاج سبيل التطور الديمقراطي وتحقيق الرفاه والعدالة والتقدم، وكأن الديمقراطية عصا سحرية يمكن بواسطتها شفاء أوضاعنا من الأمراض المزمنة التي نعاني منها، وهذه النظرة الآيديولوجية للديمقراطية باعتبارها حاملاً لوعد، مثلها مثل شعارات الاشتراكية أو الوحدة أو " الاسلام السياسي" ليست حاملاً لبرهان دون توفير المقوّمات الاساسية لتحقيقها !! ورغم اللبس والابهام حول ماهية الديمقراطية، التي يقصد بها البعض الحريات الفردية أو الانتخابات أو التعددية الحزبية أو حكم الاغلبية أو حقوق الاقليات أو مساواة المرأة أو اقتصاد السوق أو غير ذلك، الاّ أن هناك معاييراً أصبحت دولية في الحديث عن الديمقراطية، باعتبارها مساراً كونياً وسياقاً تاريخياً لا يمكن عزل هذا البلد او تلك الدولة او ذلك المجتمع عنه بعد أن أصبحت ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها وحاجة ماسّة لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة بدونها. وقد ذهبت الامم المتحدة في قرارها رقم 81 الصادر في 4 كانون الاول (ديسمبر) عام 2000 وهو القرار الذي حمل عنوان "تعزيز الديمقراطية وتوطيدها"، والذي لم تعترض عليه أية دولة عربية الى وضع معايير Criteria للديمقراطية: المعيار الاول- لا يوجد نموذج عالمي واحد للديمقراطية، أي ليس هناك موديل محدد لاختيار سبيل التطور الديمقراطي، فلكل شعب هناك خصوصية في اختيار طريقه الخاص للديمقراطية، مع اعتماد الشروط العامة للانتقال والتحوّل الديمقراطي. المعيار الثاني- ان الديمقراطيات تتقاسمها خاصيات مشتركة، وذلك من خلال تفاعل الثقافات وتداخل الحضارات وتشارك الفلسفات والأفكار لإنضاج الفكرة الكونية للديمقراطية. المعيار الثالث- ان هناك طبيعة غنية ومتنوعة للمجتمعات البشرية في تحديد مسارات الديمقراطية مع مراعاة خصوصياتها ودورها في رفد الفكرة الكونية. المعيار الرابع- هو ان الحديث عن الديمقراطية والنظام الديمقراطي يتطلبّان وجود مجتمع مدني حيوي وناشط، راصداً ورقيباً ومشاركاً للحكومة في رسم سياساتها، خصوصاً اذا استطاع التحوّل الى قوة اقتراح للانظمة والقوانين واللوائح وليس قوة احتجاج حسب، ويمكن ان يكون دوره توافقياً وليس تعارضياً أيضاً. المعيار الخامس- ان الديمقراطية تفترض وجود حكم صالح وهو وسيلة الوصول اليها، بمعنى مكافحة الفساد والرشوة وتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة والقضاء المستقل. ان افتراض وجود نظام ديمقراطي ودولة ديمقراطية يعني: اجراء انتخابات حرّة ونزيهة ليستطيع المحكومون اختيار حكامهم واستبدالهم من خلال قوانين ومؤسسات وضمانات للمحاسبة والرقابة، وهذه تفترض بحث الشروط العامة مثل ان الدولة الديمقراطية تستوجب وجود ممارسة انتخابية ديمقراطية وحق اقتراع عام، ووجود حق للافراد للانتماء الى أحزاب وجمعيات وحق التعبير عن الراي بحرية وحق النشر والتظاهر والاضراب، وبالتالي حق الاعتقاد وحق المشاركة في ادارة الشؤون العامة، بما فيها تولي أعلى المناصب دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو لأي سبب آخر. وهكذا فإن الدولة تسمى ديمقراطية عندما تؤمّن حماية الحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين على حد سواء وفقاً لمبادئ المساواة والمواطنة الكاملة. ولكن هل الديمقراطية مثالية وهل هي خالية من المشاكل والعيوب والمثالب؟ فلعل الكثير من الديمقراطيات وبخاصة الناشئة تواجهها الكثير من العقبات والعراقيل، ذلك ان انتهاء أنظمة الاستبداد أو الأنظمة المحافظة والمغلقة، لا يقود بالضرورة واتوماتيكيا الى دخول حلبة الديمقراطية أو ناديها مرة واحدة، لأن الديمقراطية بحاجة الى تقاليد راسخة وتراكم تدريجي طويل الأمد وتطوّر في الوعي الحقوقي، فهل ديمقراطية أوروبا الشرقية التي لم يمضِ عليها عقدين من الزمن هي مثل ديمقراطيات أوروبا الغربية التي مضى على بعضها قرنين من الزمان أو ما يزيد على ذلك!؟ لقد جلبت " ديمقراطيات" اوروبا الشرقية وبعض البلدان النامية عليها الانقسامات العرقية والدينية والمذهبية والحرب الأهلية أحياناً، والبطالة والركود الاقتصادي والارتفاع الحاد في الاسعار وفقدان السيطرة على مقدّرات السيادة الوطنية بالانصياع لنهج الاستتباع أمام القوى المتنفذة في السياسة الدولية والبنك الدولي والمؤسسات الاقتصادية الدولية العملاقة وآليات العمل الدولي، ناهيكم عن ذلك فانها خلقت شعوراً بعدم قدرتها في الحفاظ على استقلالها. لكن هل هذه المشاكل والثغرات تقتضي الابتعاد عن الديمقراطية او ادارة الظهر لها؟ فالطريق الى الديمقراطية قد يجلب معه الكثير من المنغصّات والمتاعب، والديمقراطية لا تأتي دفعة واحدة وانما بالتدرّج والتراكم وكل شيء نسبي بالطبع، من درجة المشاركة الى الحريات، ومن المساءلة الى تداولية السلطة سلمياً، ومن سيادة القانون الى مبادئ المساواة، لكن رسوخ هذا الخيار خصوصاً تمثيل ارادة المجتمع بانتخابات دورية حرة والاتيان بالحكام واستبدالهم طبقاً للعبة الديمقراطية، وتأمين حقوق الاقليات واحترام حقوق الانسان وإشاعة الحريات، واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات وتحقيق استقلال القضاء والرقابة والمساءلة ومبدأ المساواة وعدم التمييز، كفيل بتجاوز العقبات الحالية والمستقبلية للنظام الديمقراطي رغم بعض سلبياته وعيوبه. لكن النظام الديمقراطي يبقى أفضل الأنظمة التي وصلت اليها البشرية حتى الآن من خلال الدولة المدنية الحداثية العصرية ومشاركة المجتمع المدني وتنمية دور الفرد والاعلاء من شأنه واحترام وتأمين قيم الحرية والتقدم والعدالة. ان قضية الديمقراطية هي قضية وطنية وحقوقية وانسانية وهي بحاجة الى فضاء رحب لاحترام حقوق البشر والاوطان والى شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع، تتجاوز المعوقات الداخلية والخارجية في الحال والاستقبال!!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المكتب البيضاوي: انه الاقتصاد يا غبي!!
-
التنوع الثقافي والنخب الفكرية والسياسية!
-
العرب والتنمية!!
-
العراق: من إرث الماضي الى تحديات المستقبل
-
العرب ومفارقات العولمة
-
القضية العراقية بين التدويل والتأويل
-
الدولة العراقية: سياقات التماسك والتآكل
-
اختلاس الزمن في ظاهرة الاختفاء القسري!
-
البصرة هل هو ثمن الحرية!
-
الهوية الثقافية: الخاص والعام
-
حين يختفي الاعلامي مؤرخ اللحظة !!
-
مجتمع الايتام والآرامل!!
-
اللاجئون العراقيون: مسؤولية من!؟..
-
شهادة حية على التعذيب في سجن ابو غريب
-
الاقليات والحقوق الثقافية
-
المساءلة والحقيقة في تجارب العدالة الانتقالية
-
التنوّع الثقافي والشعية الدولية !!
-
التنوّع الثقافي: الاقرار والانكار !
-
بعد 90 عاماً: هل تعتذر بريطانيا عن وعد بلفور ؟!
-
الديمقراطية : أزمة وعي أم أزمة ثقافة ؟
المزيد.....
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|