|
لعب الأطفال بين براءة الأمس و عنف اليوم
علي عبد الرحيم صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2165 - 2008 / 1 / 19 - 11:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(يرى عبد العزيز القوصي أستاذ علم النفس أن اللعب وسيلة لأعداد الكائن الحي للعمل الجدي الذي يقوم به في المستقبل ). أذ أن اللعب على أنواعه يفسح للطفل فرص التعلم و تحقيق الذات و تنمية القدرات و الأنشطة ، من بدنية قائمة على القوة العضلية و قدرات التحمل و النشاط ، و عقلية قائمة على الذكاء و الابتكار و التفوق و التخيل ، و أنشطة اجتماعية قائمة على روح التآلف و التجمع و الاتصال و المنافسة و اكتساب القيم و القواعد الخلقية و الاجتماعية . فعندما نريد التمعن في الألعاب القديمة ، نجدها تتميز بهذه القدرات و المهارات و الأنشطة ، باللعب الفكري و البدني و الاجتماعي البسيط ، و التي طالما كانت تتميز بالإخلاص و حب الآخرين و الود و العلاقات الروحية و التعاون و العطف و المساعدة و الصداقة ، أذ كانت مبنية على حب الجماعة و أطاعة و تطبيق قوانينها و تنفيذ أوامرها ، فكانت تنمي لدى الأطفال ضبط النفس و تنمية التفكير و تقوية الذكاء و كيفية مواجهة المشكلات و حلها ، و الاتجاه نحو السلوك القويم الذي يرغب فيه المجموع و الاتجاه أيضا نحو الشعور بالمسئولية و زيادة الثقة بالنفس . من أمثلة هذا الالعاب الشعبية مثل القفز على الحبل و شرطة وحرامية و الغميضه ، و لعب دور الأم و الأب..... الخ . أما لعب اليوم فقد اختلفت شكليا ً أو جذريا ً عن الأمس ، في البساطة و طريقة اللعب و تنمية القدرات لدى الطفل ، العقلية و الحركية و الاجتماعية ، أذ أصبحت بعيدة كل البعد عن تشجيع روح التعاون و المحبة و الألفة و سيادة حب المجموع و التواصل و التقارب ، و أن كان البعض منها موجود في العاب اليوم و لكنها في المعظم الكبير لا تجسد ألا فكرة أو أسلوب واحد و هي ( كيف اقتل الأخر). و خير دليل على ذلك ما نشاهده الآن في لعب الأطفال التي تشجع و تحبذ و تحاكي و تطبع على ممارسة سلوك العنف و استخدامه ، من مسدسات و بنادق بلاستيكية و العاب فيديو عدائية ، تعمل على تنمية القدرة على الكيفية التي نقتل و نقهر بها الآخر، ليس من أجل حماية النفس و الدفاع عن المجموع من أي خطر داهم ، بل كوسيلة تنمي لدى الطفل ارتكاب أعمال العنف القائمة على القتل و التعذيب و في صور من الغش و الخداع و المكر، فهذه الألعاب قد أبعدت أطفالنا عن كل ما هو أنساني و أخلاقي ، فأصبحت تبني شخصية الطفل على مشاعر الكراهية والحقد و البغض و ممارسة العداء، و أماتت المشاعر تجاه الآخرين ، ففي الأمس كان الاطفال عندما يمارسون لعبة معينة كان هدفهم هو المتعة و التسلية ، و لكن في نفس الوقت هي وسيلة لتنمية قدراتهم و أنشطتهم ، فالطفل عندما يريد لعب دور الطبيب أو الشرطي أو الجندي كان غرضه التسلية و لكن كان مع هذا اللعب شيء مهم و هو أن لعب الطفل كان يتمثل في تقمصه فكرة و شخصية سليمة و صحيحة من الناحية العقلية و الحركية و الانفعالية و الاجتماعية ، و كانت تنصب في كيفية أداء الخدمة و الواجب و المعالجة و الحماية للأفراد الأسرة و الأصدقاء و الجيران ..... أن الأطفال في هذا اللعب كانوا يستمتعون به و يكتشفون ادوار جديدة بالإضافة إلى تنمية الثقة بالنفس و حب الآخرين و مساعدتهم . أما اللعب الآن فقد انقلب رأسا ً على عقب و أصبحت العاب العنف هي المحبذة ، أما أسباب شيوع تحبيذ الأطفال للألعاب العنف فالتداعيات كثيرة هي : ـ 1. عسكرة مجتمع الطفل : ــ يعد عسكرة الطفل في المجتمعات العربية من أهم الأسباب وراء تحبيذ الطفل للألعاب العنيفة ، فنظام الفتوه والطلائع حبذ الطفل على العنف ، و الذي من خلاله تعليم الطفل مبادئ و قواعد القتل ، إضافة إلى تحويل مؤسسات الطفل التربوية إلى أجندة عسكرية ، فهذه العوامل تبني شخصية الطفل على كافة إشكال سلوك العنف و مشاعر الكراهية ، و استمرت هذه الأساليب إلى الوقت الحاضر رغم تطور الاساليب التربوية الحديثة . 2. المحاكاة : ــ تذهب العديد من الأسر الى أقتناء و شراء الاسلحة من أجل الحماية و الدفاع عن النفس ، و ان لهذه الظاهرة تأثير مباشر وراء اقتناء الطفل العاب و الأسلحة النارية ، فقد يعجب بها الطفل ، وخاصة عندما يشاهد احد أفراد عائلته وهو يحمل السلاح ، و قد يعمد احد أفراد الأسرة إلى تعليم الطفل و تشجيعه على كيفية استخدام السلاح و ممارسته ، فهذا التصرف من قبل احد أفراد العائلة قد تدفع الطفل نحو شراء الألعاب و الأسلحة البلاستيكية و ممارسة دور اللعب من خلاله ، فهو بالسلاح لا يلعب دور الطبيب أو المعلم و أنما يلعب دور المقاتل و المحارب . 3. الوسائل الإعلامية : ــ يمارس الأعلام في الوقت الحاضر دورا ً كبيرا ً في تنمية السلوك العدائي لدى أطفالنا عبر نموذج المشاهدة وذلك من خلال ما يلاحظه و يسمعه أو يقرأه في القنوات الإعلامية المختلفة ، من أفلام و مجلات و قصص كارتونية هزلية مضحكة أو واقعية خيالية تشجع على الإيذاء و الاعتداء و استخدام العنف نحو الآخرين ،خاصة ما تبثه هذه القنوات في استراحاتها الإعلامية من دعاية لألعاب تنمي روح العدائية لدى الطفل ، فمن المؤسف أننا نجد الوسائل الإعلامية لا تعلم الطفل ألا هدف أو مثال هو أن العنف وسيلة مفيدة لحل المشاكل و المواقف التي تواجه الطفل ، و هذا بدوره يحبذ لدى الطفل اقتناء الألعاب العنيفة و شرائها . 4. رواج الألعاب النارية في أسواقنا: تمتاز أسواقنا اليوم برواج الألعاب و الأسلحة النارية مع قلة شراء الألعاب الفكرية ـ الاجتماعية الأخرى ، مما يشجع الطفل إلى اقتناء ما هو متداول من العاب ، إضافة إلى ضعف القوانين التي تحرم تجارة مثل هكذا لُعب . 5. قلة الأماكن و الساحات و المنتزهات الترفيهية التي يمارس فيها الأطفال نشاطهم الطبيعي بعيدا عن العاب العنف و التي أثرت هذه في كونها دفعت الأطفال إلى شرائها . 6. ضعف الكوادر التعليمية و التربوية في تنمية مشاعر الحب و الألفة لدى الأطفال ، للقضاء على ظاهرة شراء الأطفال لهذه اللعب إضافة إلى قلة الأنشطة المدرسية و افتقار أماكن اللعب و أدواتها . تأثير العاب العنف على سلوك الطفل مستقبلا َ ان تأثير الألعاب النارية و الاليكترونية في سلوك الطفل كبير جدا ً ، أذ تعمل على خلق شخصية عدائية تقوم على استخدام العنف كوسيلة حياتية مفضلة لحل مشاكل الحياة ، كما تولد لدى هذه الشخصية صورة مشوهه للذات ، تفتقر الحب و الرعاية و فقدان الأمن و ضعف الروابط الانفعالية وتنمية أسلوب حياتي قائم على تهديد الآخرين لإلزامهم و إخضاعهم و للسيطرة عليهم بقوة وعنف و اكراه. ففي دراسة نشرتها جريدة الصباح الإعلامية ( العراقية ) في تاريخ 2 / آذار/ 2006 أجريت على أطفال كانوا يحبذون اللعب على استخدام اللعب النارية و الاليكترونية العنيفة ، لعمر 9- 15 سنة كانت نتائجها أن: _ 5ر66 % قاموا بعمليات سرقات متنوعة . _ 5ر12 % قاموا بالاشتراك في جرائم قتل . _ 5ر60 % استخدموا الأسلحة النارية في مشاجراتهم . _ 5ر55% كانت إعمالهم الإجرامية مقصودة و بشكل متعمد . _ 45 % كانت أسباب القتل عندهم مشاجرات عابرة . _ 20% كانت أسباب القتل عندهم العبث في السلاح . _ 4 % من الأطفال قتلوا إخوانهم . _ 4 % من الأطفال قتلوا زوجة الأب . _ 2 % من الأطفال قتلوا الأب .
#علي_عبد_الرحيم_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيكولوجية اللغة بين أسرار النفوس وصدق الكلام
-
الأنسان و الخرافة و الطب النفسي
-
المستوى الإدراكي للطالب الجامعي اتجاه الوجود الأمريكي في الع
...
-
العقاب المدرسي الطريق للهرب من المدرسة
-
الاقتدار الاجتماعي سيكولوجية العيش و احترام الآخر
-
قلق الموت هل أصبح هاجساً لدى الفرد العراقي ؟
-
الذات الجسمانية سيكولوجية التوافق مع الجسد
-
الرغبة في الزواج سيكولوجية الحاجة للجنس الآخر
-
الاهتمام الاجتماعي سيكولوجية الصداقة و الحب
-
الشعور بالوحدة سيكولوجية الانسحاب الاجتماعي
-
لغة الأعراض سيكولوجية الشكوى الوجودية
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|