|
فصل الدين عن الدولة والمواطنة، لماذا؟ في أهمية تأكيد علمانية الدولة الديمقراطية
يهودا كوبرمان
الحوار المتمدن-العدد: 2163 - 2008 / 1 / 17 - 11:54
المحور:
ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع
تعرّف دولة إسرائيل نفسها كـ"دولة يهودية". معنى ذلك: دولة المواطنين اليهود فقط، ودولة أيّ إنسان في العالم تعرّفه هي كـ"يهوديّ". ولكن كيف يمكن تعريف أولئك اليهود أنفسهم الذين يُفترض أن هذه هي "دولتهم"؟ لقد تخبط هذا الكيان منذ إقامته عام 1948 حول هذا السؤال؛ "من هو اليهودي؟". بحثوا وبحثوا ولم يجدوا سوى التعريف التالي: "اليهودي من هو يهودي وفقًا للشريعة (الدينية)". وملخص الأمر إذن: دولة إسرائيل تعرّف نفسها كدولة جماعة دينية. ومثلما في معظم الحالات في دول العالم، فإن التقوقع ضمن جماعة دينية هو غطاء للفصل العرقي. في جنوب إفريقا الأبارتهايدية كان خط الفصل العرقي القامع هو لون بشرة الناس، وهنا الدين.
يجري الحديث هنا عن جماعة دينية إثنية تموضع دولة إسرائيل في مكانة الطبقة المهيمنة والمضطهدة لأبناء الشعب الفلسطيني جميعهم: الذين في حدود48 والذين في حدود67 ولاجئي48. إذن لا يمكن أن يوجد نظام ديمقراطي في أرض فلسطين إذا لم تنقطع الصلة بين الدين والدولة والمواطنة.
ماذا يعني ذلك؟
الدولة – بكل مؤسساتها، فروعها، وموظفيها، وسلطاتها العامة بما فيها المحلية – نقية من أي تعامل مع أي دين. يكون الدين – إن يكون – شأنًا خاصًا بالفرد وبتنظيمات خاصة فقط. المشتغلون بالشئون الدينية، لا يشغلون مناصب رسمية أيًا كانت. لا تموّل الدولة بأي شكل من الأشكال مؤسسات دينية – حاخاميات، كُنس، كنائس، مساجد، جمعيات دينية، محاكم "ربانية" أو محاكم "شرعية"، "يشيفا" أو مدارس دينية من أي نوع كان. جهاز التعليم الرسمي يكون علمانيًا، ولا يدرّسون فيه الدين، ويُمنع دخول المشتغلين بالدين إلى المؤسسات التعليمية الرسمية. لا تشغـّل الدولة - براتب أو بدون راتب، ولا بأي شكل كان – ربانيّين، قضاة دينيين، مراقبي الحلال "كوشر"، أئمّة، قضاة شرعيين، قسسًا، رهبانًا، طلاب "يشيفا"، طلاب مدارس القرآن، أو طلاب مدارس كنائسية. جميع هؤلاء يكونون أفرادًا وبصفتهم الخصوصية فقط ولا تكون لهم مكانة رسمية أيًا كانت. أيام الأعياد العامة لا تحمل أي طابع دينيّ. لا تخصّ الدولة نفسها بأيام صوم أو أي تواريخ دينية مهما كانت. السلطات المحلية، وحدها فقط، تقوم بتسجيل التجديدات والتغييرات في الأحوال الشخصية: ولادة، زواج، عهد زوجية، طلاق، وفاة. والسلطات المحلية أيضًا وحدها المسؤولة عن بناء المقابر وصيانتها. الحركة الصهيونية، ومن بعدها دولة إسرائيل، مرتبطتان بالدين اليهودي ارتباطًا لا يُفصَم. فهما تدّعيان وجود "شعب يهودي" عالمي ولا-تاريخي بحيث أن دولة إسرائيل هي دولته. إن التعبير "شعب يهودي" هو محاولة فاشلة لعلمنة التعبير الديني "شعب إسرائيل" والذي هو أيضًا قد دبّت فيه الحياة منذ 1967(1). ولذلك، فإن البنية السياسية الرامية إلى تبرير وجودها أمام الجماهير اليهودية في مناطق48، تقوم وتسقط على وجود المصطلح "شعب يهودي"؛ وهنا تتجلى وظيفة الدين بملء قوّتها. لأنه، ما الذي سوف يوحّد في داخل الكيان الإسرائيلي أناسًا قدموا من صنعاء ومن لوس أنجلوس؛ من موسكو ومن الرباط؛ من كوتشن في الهند ومن بازل في سويسرا؛ من طهران ومن نيويورك؟ ما هو العامل الذي سيوحّدهم ويدفعهم لأن يكونوا – هم أيضًا، وكل حسب مقاسه – ضحايا حرب لا تنتهي منذ 60 سنة؟ إن موضوع الدين هو الإسمنت الوحيد الذي يمكن عرضه على جميع هؤلاء المهاجرين. وبعد فنحن نتحدث عن جماهير غير متدينة - أنظر المهاجرين من الاتحاد السوفياتي سابقًا أو القادمين من شرق ومركز أوروبا. من هنا أنشئت أسطورة الشعب الواحد، ذي المصالح المشتركة - بمقياس عالمي - وبالطبع في داخل دولة إسرائيل. وقد أتاح الانعزال الطائفي- الديني في البلاد بناء قاعدة اجتماعية للجيتو اليهودي في فلسطين.
في إحدى نشرات "هـ بَمَه هـ دموقراطِيت" (المنصّة الديمقراطية) – لسان حال اللجنة لأجل الجمهورية العلمانية الديمقراطية في كامل فلسطين – الصادرة منذ 9 سنوات، عرضنا تحليل النتائج التي جلبها المشروع الصهيوني على جماعة المهاجرين؛ لقد ادّعت الحركة الصهيونية توفير حلّ للمسألة اليهودية في أوروبا، وأقامت فعليًا دولة جيتو. ودولة الجيتو هذه، محاطة بجدار الكراهية الأكثر اشتعالاً الذي عرفه أيّ جيتو يهودي. ولكن، حينها كان ذلك بسبب الطابع الإجرامي للسلطات الرسمية القامعة في تلك الدول (الأوروبية)، أما هنا فهو بسبب جرائم قيادة الجيتو نفسه التي قرّرت أن تحوّله إلى دولة. فسلب وطرد وقمع شعب بأكمله، هي أمور من طبيعة الدولة الإثنية الدينية. أمّا غضب وتمرّد المسلوبين والمطرودين والمضطهدين، فهما الضربة النقيضة المتوقعة لهذه الدولة.
من هنا فإن الدين اليهودي هو مرتكز التعامل الرسمي للجيتو الإسرائيلي. ليس هنالك أي حزب سياسي سيعترض على الصلة الجوهرية بين الدين اليهودي والدولة اليهودية. اليسار الإسرائيلي - الصهيوني و"اللاصهيوني" – يطالب بـ"تصليح" يستفيد منه جمهوره اليهودي، أي يطالب بتخفيف "الإكراه الديني"، ولكن لن يستطيع تحقيقه. تقول الأسطورة أن "الإكراه الديني" هو اضطراريّ وناجم عن حاجة الحكومات إلى الحصول على أغلبية في الكنيست، وخاصة حكومات اليسار. ولكن ليست هذه هي الحقيقة. الحقيقة هي أن المضمون الديني هو الصيغة الوحيدة التي يمكن إضفاؤها على "الدولة اليهودية"؛ هي الصياغة الوحيدة التي يمكنها توفير الوحدة – الشكلية – لـ"مفرّق" إنساني جمعه هنا المشروع الصهيوني. هذا اليسار لا يناضل من أجل فصل الدين عن الدولة والمواطنة؛ وحالة عدم الفصل تجلب بالضرورة الإكراه الديني. هذا التسليم باستمرار حالة "الأدوات المستطرقة" بين الدين والدولة هو مشترك للجميع، وأيضًا لأولئك الذين رفعوا منذ 1979 صيغة "دولتان لشعبين" - الحزب الشيوعي الإسرائيلي "ماكي"، وأولئك الذين يدعمون دولة الأغلبية الإثنية (اليهودية) والأقلية الإثنية (العربية) ونعني حزب "التجمع الوطني الديمقراطي".. وفعلاً، إن لم تقلْ دولة علمانية، فإنك قد سلّمت بوجود نظام الفصل العرقي، وبالقمع، وبسلب الحقوق.
ومقابل هذا كله، فالجمهورية الديمقراطية ستصادر من المؤسسات الدينية هيمنتها على الاحوال الشخصية. السلطات المحلية والقضائية ستهتم بتسجيل الزواج والطلاق، وبتشغيل المواصلات العامة في كل أيام السنة، في الشوارع وعلى سكك الحديد، وفي الجو، وفي شوارع المجمعات السكنية اليهودية. وهي سوف تلغي أي أساس دينيّ إثني لوجود الجماعات في البلاد. أبناء البلاد هم مواطنون بوصفهم أبناء البلاد. هم مواطنو الجمهورية مباشرة، وبدون حلقة الوساطة المتمثلة بالانتماء الديني الإثني. وبكل بساطة لن تضفي الدولة أية صبغة رسمية على تلك الطوائف ومؤسساتها، لأن هذا الأمر – إن كان – فهو شأن الناس الخاص. وعلى ذلك، سيُمنع أيضًا سَجن قطاعات سكّانية في مواقع محدّدة أو مدن أو قرى محدّدة. فمن حق كل مواطن/ـة السكن وممارسة حياته/ـا في أي مكان في البلاد.
هذا النظام، نظام المساواة المدنية المطلقة لمجمل الجماعة السكانية الفلسطينية، سيتيح تطورًا منسجمًا للثقافتين وللغتين. ستتحطم الحواجز بينهما. في المؤسسات التعليمية والتربوية في الأماكن المختلطة (وعمليًا في الجانب الغربي من الخط الأخضر اليوم) تنال اللغتان مكانة متساوية، وتكون هذه المؤسسات التعليمية مشتركة ومختلطة بقدر الإمكان.
ولذلك، فإن المصطلح "قومية" كما قصدت دولة إسرائيل ترسيخه هو مصطلح كاذب. القومية، في معناها الحديث، هي جماعة المواطنين في الدولة. هي لا تعرّف وفقًا للغة ولا وفقًا للثقافة – أنظر حالة بلجيكا (3 لغات)، وحالة الهند (أكثر من مائة لغة)، والصين (لغتان: المندرينية والكانتونزية)، وسويسرا (4 لغات)، وحالات كثيرة أخرى. في البلاد هنالك قومية واحدة - هي الفلسطينية، وفيها جماعتان لغويتان. وأكثر من ذلك: كلاهما معًا هما الشعب الفلسطيني، الذي كان ضحية القمع القومي الفائق الوصف طيلة نحو مائة سنة – بهدف منع نشوء القومية الفلسطينية في بلاد حرّة، تكون هي طليعة النضال.
اليسار الإسرائيلي على فصائله يرى لزوم تقسيم البلاد، وهذه هي الصيغة الأساسية للاضطهاد القومي، من حيث هي تؤبّد واقع التمييز الجذري على أساس ديني إثني. ويُستنتج من هذا أيضًا: لن يعود اللاجئون إلى هنا. والأمر نفسه صحيح أيضًا في صيغة "الدولة ثنائية – القومية"، والتي لا تعدو كونها تمويهًا لصيغة "الدولتان"، كونها تتحدث عن إطار فدرالي بين كيانين رسميين مختلفين، تربطهما مؤسسات مشتركة. وكل ما قيل هنا عن صيغة "دولتان" ينطبق على هذه الصيغة أيضًا.
يمكن القول إن المكانة الرسمية التي تعطى للدين، وخاصة في فلسطين، هي علامة فارقة تشير إلى حالة الاضطهاد القومي؛ وإن فصل الدين عن الدولة وعن المواطنة هو شرط التحرر من الاضطهاد وهو شرط السيادة القومية.
--------------- هوامش:
(1) الفئة المصنّفة "شعب إسرائيل" لها مضمون ديني خالص. معناها: جماعة المؤمنين بالرب اليهودي. نشأ هذا المصطلح في بداية القرون الوسطى، ويقابله "بوبولوس كريستيانوس" (=الشعب المسيحي) والأمّة الإسلامية. أمّا الشعب اليهودي القديم الذي سكن البلاد فقد تبعثر (ولم يُطرَد) بين القرنين الثاني والخامس ق.م. إلى الدول التي على شواطئ البحر المتوسط: آرام نهرايم، فارس، وشبه جزيرة العرب. وكانت نتيجة ذلك أن اليهود تحولوا من مجمّع جيو-سياسي إلى طوائف دينية. ومثل كل الديانات التوحيدية فقد ضلعوا في التبشير باليهودية. وفي القرن الأول للميلاد تنافست الديانتان اليهودية والمسيحية بينهما على جذب عدد أكبر من المنتسبين إلى كل منهما، إلى أن تنصّر القيصر فمنع اليهود من التبشير باليهودية. ولحماية أبناء الديانة اليهودية من أحكام الإعدام التي شرّعها القانون، منع الربانيم هم أيضًا التبشير باليهودية، وعمليًا استمر الوضع كذلك إلى اليوم.
خاص بالملف المشترك لأجراس العودة والحوار المتمدن عن العبرية: رجاء زعبي عمري - أسرة تحرير أجراس العودة
بروفسور يهودا كوبرمان - تل أبيب -------------- * محاضر وباحث في علم الألسنيات – جامعة تل أبيب اللجنة لأجل اللجنة لأجل الجمهورية العلمانية الديمقراطية المؤتلفة ضمن جماعة "مؤتمر فلسطين48 لاجل حق العودة والدولة الديمقراطية العلمانية في كامل فلسطين"
#يهودا_كوبرمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
|