الحزب الشيوعي اللبناني أمام مفترق حاسم في غضون الساعات القليلة المقبلة. فالمجلس الوطني للحزب ينعقد مساء اليوم في جلسة يفترض بها أن تحسم عددا من المسائل التنظيمية العالقة على مستوى الإجراءات التنظيمية التي تمهد لانعقاد مؤتمر الحزب في نهاية الشهر الحالي والتي هي موضع خلاف حاد بين أعضاء في المكتب السياسي وبين أعضاء معارضين بينهم أعضاء في المكتب السياسي ورموز تاريخية في الحزب كالأمين العام السابق جورج حاوي وجورج بطل وغسان الرفاعي والياس الهبر وهم بين الموقعين ال21 على الكتاب الذي رفع قبل أيام إلى الأمين العام للحزب فاروق دحروج ورئيس المجلس الوطني للحزب موريس نهرا ويطالبون فيه بالتريث في إجراءات عقد المؤتمر التاسع للحزب في ظل الأجواء الانقسامية الحادة التي باتت تهدد وحدة الحزب وهي الرسالة التي لقيت ردا سلبيا قاسيا من المكتب السياسي.
وعشية انعقاد المجلس الوطني، بدت أجواء الحزب الداخلية في غاية التوتر والتشنج. الأمين العام للحزب معتصم بالصمت الكامل <<فإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب>> ونصيحته إلى الجميع في الحزب <<تعالوا لنعالج قضايا الحزب في الأطر الداخلية وليس عن طريق الإعلام>> رافضا الرد على كلام قيل بحقه أو نسب إليه في بعض الاجتماعات المغلقة في الأيام الأخيرة.
الاجتماع الأزمة
يوم الجمعة الماضي ختم جورج حاوي حديثه السياسي في برنامج <<نهاركم سعيد>> من على شاشة <<ال.بي.سي>>. وتوجه من هناك على الفور الى لقاء عقد في منزل جورج البطل ضمه ودحروج ورئيس المجلس الوطني موريس نهرا وغسان الرفاعي وجوزف ونسه وآخرين ولفت الانتباه غياب نائب الامين العام سعد الله مزرعاني من بين المدعوين وتبين لاحقا ان مزرعاني كان مرتبطا باجتماع مع وفد اجنبي لا سيما ان موعد الاجتماع كان مقررا في الاصل يوم الخميس وتأجل بسبب مشاركة قيادة الحزب في مأتم تشييع الشيخ أبو حسن عارف حلاوي.
حسب المعلومات فإن حاوي بادر في خلال الاجتماع إلى تقديم رزمة اقتراحات تشكل برأيه مخرجا للازمة الحالية في الحزب لكن دحروج ظل متمسكا بالصيغة التي أقرها المكتب السياسي في القضية الأكثر خلافية والمتعلقة بحوالى مئة شيوعي خارج التنظيم قرروا العودة الى الحزب قبل أسابيع من موعد انعقاد المؤتمر <<وتبين أن مشاركتهم مناقضة لنص المادتين التاسعة والخامسة عشرة في النظام الداخلي للحزب التي تحدد مهلة ستة اشهر كحد اقصى لتجديد البطاقة الحزبية من تاريخ انعقاد مؤتمر الحزب>> كما يقول مزرعاني مشيرا إلى أن المكتب السياسي وافق على اقتراح الأمين العام بقبول هؤلاء الأعضاء كهيئة انتخابية قائمة بذاتها تجتمع وتنتخب مندوبيها الى المؤتمر العام وفي أثناء المؤتمر يعرض الأمر من الناحية الدستورية على الهيئة المؤتمرية مجتمعة فإذا وافقت على شرعية مشاركتهم تنتفي مبررات الاعتراض من الآخرين وإذا حصل طعن يكون مقتصرا على الهيئة الواحدة التي انتخبتهم اما القبول باقتراح حاوي القاضي بدمجهم في المنظمات حيث يقيمون فيعني في الحالة الثانية الطعن بمجمل المؤتمرات وبالتالي بشرعية المؤتمر برمته، يقول مزرعاني نافيا ان يكون الهدف من اقتراح المكتب السياسي انتخابيا <<لان ميزان القوى في الحزب لم يعد من النوع الذي ينقلب بمجرد انتساب مئة حزبي جديد>>.
حاوي: بوادر حلحلة
<<لا يجوز اختزال المعارضة بمطلب محدد يتعلق بتسعين عائدا الى التنظيم>> يقول قيادي شارك في اتصالات الساعات الاخيرة التي لم تفض الى اية نتيجة. وتردد ان حاوي قدم الى دحروج عددا كبيرا من الاقتراحات لضمان انعقاد المؤتمر المقبل <<بالحد الادنى من الآليات الديموقراطية وبهدف كسر الصيغة المركزية البيروقراطية الصارمة القائمة على مبدأ <<نفذ ثم اعترض>> لكنها رفضت كلها بحجة ان الفريق الآخر في الحزب يرفضها>>. وتقول المعلومات ان هذا الامر اثار استياء حاوي والآخرين الذين كانوا يراهنون على دور مختلف للامين العام ورئيس المجلس الوطني.
ويقول احد المشاركين في هذا الاجتماع انه في ضوء انسداد كل قنوات الحل تم الاتفاق على مخرج محدد مفاده قيام الفريق المعارض بالاتصال مباشرة بالفريق الرسمي للحوار معه قبل انعقاد المجلس الوطني مساء اليوم وإن الامين العام رحب بأي مخرج يتوصل اليه الطرفان وتم بالفعل الاتصال بأحد رموز المكتب السياسي لكنه ابلغ المعارضين بأن <<لا حاجة الى الحوار وبالتالي اقفل جميع ابواب الحوار وبات المجلس الوطني متجها حتما الى اقرار الصيغة الخاصة لتنظيم بعض الشيوعيين العائدين الى التنظيم وفق تفسير المكتب السياسي وليس الهيئة الدستورية التي كانت قبلت عضويتهم في المنظمات بلا شروط>> كما يقول احد اعضاء المجلس الوطني للحزب.
لكن بوادر حلحلة او اعادة نظر في الحسابات او تلبية لضغوط معينة ظهرت قبيل منتصف ليل امس حيث قال جورج حاوي ان هناك تحولا ما افضت اليه اتصالات ربع الساعة الأخير واعتقد أن الجو مقبول وهناك بوادر حل ما قد يؤدي إلى تأجيل انفجار الموقف في الحزب>> وردا على سؤال قال حاوي <<ليس بالضرورة تأجيل موعد المجلس الوطني بل تأجيل القرار وإعطاء فرصة جديدة للحل>>. وختم بالقول <<المفاوضات تهدف إلى تأجيل انفجار وحدة الحزب الشيوعي اللبناني>>.
السيناريوهات المتداولة
ويقول قيادي تاريخي معارض: <<المخرج الوحيد من عنق الزجاجة يكون في تأجيل موعد المؤتمر المقرر في 26 و27 و28 الحالي وتشكيل لجنة إنقاذية تضع على عاتقها مهمة إنقاذ الحزب ومنع انقسامه>>. يسارع مزرعاني إلى الرد على هذا الطرح بالقول: <<المؤتمر المنتخب من الهيئات الحزبية مباشرة هو الوحيد الذي ينقذ الحزب وفي موعده المقرر>> آخذا على الآخرين قولهم إن الهيئات الحالية فقدت شرعيتها بمجرد تأجيل المؤتمر.. كيف نحن لم نعد شرعيين بمنظورهم لأننا استجبنا لمطلبهم وهم يطالبوننا مجددا بتأجيل المؤتمر؟>>.
ما هي السيناريوهات المتداولة في حال قررت قيادة الحزب المضي في موعد انعقاد المؤتمر في نهاية هذا الشهر؟
يقول قيادي حزبي معارض ان الكرة باتت في ملعب المعارضة اولا، فإذا نجحت بتشكيل قوة كبيرة وضاغطة وفاعلة، وهي تملك القدرة على تحقيق ذلك، فإن القيادة وتحديدا الامين العام سيتراجعون عن موقفهم وبالتالي سيصار الى تأجيل المؤتمر وتشكيل لجنة انقاذ تتولى التحضير لوثائق وإجراءات جديدة، هذا السيناريو، يضيف القيادي نفسه، ضعيف الاحتمال ولا مؤشرات لدى القيادة على امكانية تنازل من هذ النوع وبالتالي يصبح السيناريو الثاني هو عقد المؤتمر <<بمن حضر>> وبالتالي تكون المعارضة او المعارضات امام خيار من اثنين اما ان لا يتوحدوا وعندها يتحول الجميع الى مجموعة كتل متشرذمة بما فيهم الحزب الرسمي وإما ان يتوحد المعارضون بما في ذلك <<قوى الاصلاح والديموقراطية>> التي يقودها الياس عطا الله وكذلك المجموعة التي يقودها جورج حاوي او تلك التي تقف بين الاثنين وتكون كلها مسؤولة عن عقد مؤتمر تأسيسي لحالة يسارية جديدة في البلد وليس حزبا شيوعيا ثانيا وهناك قناعة لدى الكثيرين من المعارضين ان معارضة كهذه لا يمكن ان تتجمع اذا كان رمزها اما الياس عطا الله او جورج حاوي بل بإنتاج حالة جماعية يتنازل فيها هذان الاثنان عن مزاجيتهما وفرديتهما لمصلحة الاطار الجديد الجامع>>.
في المقابل، يقول سعد الله مزرعاني ان السيناريو الوحيد الذي يتصوره في المرحلة المقبلة <<هو سيناريو الانتهاء من الحزب المشلول المقسوم عمليا الى احزاب.. حزبنا لم يعد قادرا على تحمل هذه الشوشرة والبهدلة وحالة الانعقاد الدائم.. نحن امام تحدي الديموقراطية ونريد حزبا مستقلا بعيدا عن اية وصاية خارجية او داخلية.. نريد حزبا مؤسسة تحترم فيه الاصول حتى ولو لم تكن مكتملة او مثالية فإذا كان البعض يريد التحسين يجري ذلك من داخل المؤسسة نفسها وليس بتجاوزها نحو حالات انقسامية تضر الحزب اكثر مما تفيده.. لذلك نحن متمسكون بوحدة الحزب اكثر من أي وقت مضى ولا نضع شروطا على احد وقدمنا كل التسهيلات الممكنة بينما الآخرون يضعون شروطا للتحكم بنتائج المؤتمر ونحن نقول لهم ان المؤتمر سيد نفسه ولذلك اية تعهدات مسبقة من قبلنا تكون بلا معنى.. غيرنا تعود على انهاء المؤتمر قبل انعقاده ولن نقوم بذلك مجددا>>.
وفيما تقول اوساط حاوي بأنه ماض في خياره بالانسحاب من هيئات الحزب كافة وإنشاء <<الحركة اللبنانية للوحدة والتغيير (حلوت)>> وأنه سيضع بندا بعدم قبول انتساب أي شيوعي لم يمض خمس سنوات على انسحابه من الحزب يشير سعد الله مزرعاني إلى أن هذا يعني ان حاوي حسم امره بأنه يريد تأسيس حزب جديد <<بالتناغم مع مؤتمر الحزب.. صحتين على قلبو اما بالنسبة الى بعض الآخرين فقد حسموا امرهم بالاعلان عن تأسيس حركة يسارية.. هناك رفاق في القيادة سنستمر بالحوار معهم وهم جزء من تاريخ الحزب ومستقبله وفي الخلاصة لن نقوم بأي عمل يتعارض والنظام الداخلي للحزب.. همنا الوصول الى هيئات تنتج سياسة الحزب وتدافع عنها وليس العكس>>.
عطا الله: حسمنا أمرنا
في السياق نفسه يقول الركن الابرز في <<قوى الاصلاح والديموقراطية>> الياس عطا الله: <<نحن حسمنا امرنا منذ لقاء عين الدلب بقرار انشاء حركة تأسيسية لليسار في لبنان باتت مسودتها جاهزة وأسماء رموزها وهي تتعدى الحزب الشيوعي اللبناني وهذا قرار نهائي ولا مانع بعد التأسيس من ائتلاف ما بين هذه الحركة والحزب الشيوعي>> وينفي وجود اية شروط امام انضمام بعض المعارضين الى الحركة الجديدة ولا سيما <<البعض من الرفاق في قوى الاصلاح والديموقراطية الذين شاركوا في اجتماع عين الدلب وظلوا مراهنين على امكانية خروج الحوار مع القيادة بنتائج او تسوية ما.. هؤلاء يمكن ان ينضموا الى الحركة الجديدة كأفراد وليس كمجموعات>>.
.
©2003 جريدة السفير