أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي فريدي - تأملات في الحالة العراقية (4)















المزيد.....


تأملات في الحالة العراقية (4)


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 2163 - 2008 / 1 / 17 - 02:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دين.. دولة ومجتمع
(المجتمع المتقدم يفسر دينه تفسيرا متقدما، والمجتمع المتخلف يفسر دينه تفسيرا متخلفاً.) – سمير أمين
(فن الحرب الراقي يدلّ على رقي الأمة والمتخلف منه دليل على تخلفها.)- العقيد الركن أحمد الزيدي

في مناقشة ملابسات العلاقة بين الشرق والغرب، تم تغييب مسائل الوعي الحضاري وحاسة الزمن ومستواها بين الجانبين. بدلاً منه جرى تصوير الأمر في زاوية عقدة المظلومية والعدوان التي تلتبس فيها الرؤية الاجتماعية والدينية بالرؤية السياسية والقومية. وكان هذا النمط من التفكير سببا مباشراً في عدم بلوغ حل عقلاني لمتعلقات العلاقة بين الطرفين. وبالتالي استمرار عقلية الثأر والضغينة التاريخية بين الجنوب والشمال.
ان بلدان الجنوب ليست سعيدة بأوضاعها الراهنة، ولكن السؤال هنا كيف كان وضعها سيبدو لو كانت استمرت في اتباع أنماطها الاجتماعية والسياسية التقليدية دون دخول بصمات الحضارة الغربية في حياتها!.. سيبدو هذا الرأي بالمنظور الكلاسيكي نوعا من التبرير لما يدعى بالظاهرة الاستعمارية، بيد أن الغاية ليست التبرير وانما البحث عن مستوى من التفكير ينسجم مع روح الحياة ومتطلباتها العصرية المتجددة. ان عجز الشرق والجنوب عن تلبية استحقاقات التطور والتغير والتمدن في معاملات الانسان مع الطبيعة والمجتمع والآخر، حقيقة أساسية تتمحور حولها معاناة الناس من جهة، وتبعات هذه المعاناة على العصر الحديث والمدنية المعاصرة، من جهة أخرى. وبينما تستمر أفكار المواجهة والثأر تشغل امكانيات الجنوب، يستمر الغرب في بحث استحقاقات مستقبل البشرية والحياة الجديدة.
ان فكرة المواجهة والصراع من أقدم توصيفات العقل البشري لعلاقة الانسان بالطبيعة والآخر، وهو نفس المنظور البدائي الذي ترسخه النخب السياسية والدينية والثقافية لبلدان الجنوب في العلاقة مع الآخر (على الصعيد المحلي والدولي). الانسان المتطور لم يعد بحاجة للقتل لغرض الحصول على الغذاء، ولا التدمير للمحافظة على حياته. فقد انتج العقل البشري شبكة هائلة من البدائل التي ترفع نمط الحياة عن المستويات البدائية المباشرة.
فكرة الصراع والمواجهة (المظلومية والعدوان) تدفع للتعمية عن إدراك أوجه الاستفادة من الحالة الجديدة وتوظيفها في خدمة تحسين نمط الحياة المحلية.
بمنظور آخر، أن فكرة المواجهة والصراع يمكن توظيفها في مجال حضاري يأخذ بنظر الاعتبار المستوى النوعي لعوائد المواجهة، والتركيز على مبدأ أفضل البدائل وأقل الخسائر. فالمواجهة بين اليابان والغرب لم تكن تقليدية مباشرة وانما حضارية تقنية وهو ما اتبعته المانيا في مواجهة الغرب (الحلفاء) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. بينما احتلت اليابان وألمانيا دعامة الاقتصاد العالمي في مجالات المنافسة الصناعية والالكترونية اليوم، أين هي بريطانيا وفرنسا وروسيا منها؟!!.
العقلية البدائية ترفض التغيير والتجديد، وتعتبر أية فكرة من هذا النوع خروجا على الجماعة وتراث الآباء وتعاليم الآلهة. فكانت كل حلقات التغيير وإعادة التركيب قرينة بالظروف الخارجية. وفي بلد مثل ميسوباتاميا بأرضه السهولية المنبسطة المكشوفة في كل الاتجاهات بدون موانع طبيعية تحميه من الخارج، فقد كان –وما زال- هدفا لموجات عسكرية واستيطانية متواصلة. فاجتمعت عوامل الجذب والاستقطاب المحلية من غير شروط الحصانة الطبيعية أو السياسية الكفوءة، ناهيك عن عدم ظهور فكر سياسي دبلوماسي مرن في التعامل مع القوى الاقليمية والدولية، على غرار نمط سوريا (أرام) التاريخية، أو غرار النمسا (الهابسبورغ) التاريخية في المجال الأوربي، جعل من العراق –على مدى التاريخ-، مصداقا لمقولة (من لم يكن ذئبا أكلته الذئاب). ففي فترات القوة السياسية والعسكرية (سرجون الاكدي ونبوخذ نصر البابلي وسنحاريب الآشوري) كانت ميسوبوتاميا قوة عظمى، فإذ تراجعت، وقعت تحت نفوذ الفرس والروم والعرب.
ان الاستمرار في دور الغالب أو المغلوب هي عملية اجترار تستنزف الامكانات الذاتية وتشلّ القوى الاجتماعية والفكرية عن الاهتمام بتبعات الحياة والتطور والاضافة الحضارية. وبعد مرور أربع سنوات على الغزو الامريكي للعراق، تسجل ارقام الخسائر معدلات جنونية في مختلف الصعد، يقابلها تردي أنماط الحياة والمعيشة الى درجات دنيا، هي الوحيدة في كل العالم، ناهيك عن استشراء الفساد والتخلف في كل مجالات التعامل الرسمي وغير الرسمي. عند وضع كل هذه المؤشرات في الدراسة، تتجاوز الخسارة الحضارية والفكرية والانسانية في العراق، مجرد الارقام والبيانات العسكرية والاقتصادية ذات العلاقة بالحرب والمواجهة. فإذا أضيفت إليها تبعات العقود الثلاثة السابقة من الحروب والحصارات والتصفيات المحلية، فأن بلدا مثل ميسوبوتاميا، في طريقه للانقراض الحضاري والنوعي. وليس العامل الخارجي وحده الفاعل في ذلك، وانما العوامل المحلية المستندة إلى أنماط التفكير البدائي والعصبيات الطائفية. وهو ما يقتضي التأشير والاعتبار في قراءة الراهن والمستقبل.
*
ما قبل السلطة والما بعد..
طيلة التسعينات، وتحديدا.. بين شتاء 1991 حتى ربيع 2003 كانت القوى السياسية العلمانية تتصدر المشهد السياسي (للمعارضة)، ورغم ظهور ثلاثة انشقاقات رئيسية داخل التحالف الرئيسي، فأن التيارات الدينية بقيت أسيرة وضعها الاقليمي وتبعيتها السياسية الضيقة التي قللت من قدرتها على المنافسة السياسية الوطنية. وكانت تبعات الموقف الأميركي من ايران تلقي ظلالها على الأحزاب الشيعية المتوطنة فيها، ولم يكن مواقف تلك الأحزاب وممثليها لتختلف سياسيا أو فكريا عن مواقف وتصريحات ساسة ايران من السياسة والحلول الاميركية. بيد أن ما حدث عشية الغزو كان أسرع من حركة الرصد والمتابعة، - وربما خارج المشهد وزاوية الكامره-، ففي غمرة صدمة الاحتلال وتوقعات الردود العسكرية والسياسية، كان الناس يصحون على حقيقة أكثر غرابة من التوقعات. ولم يزل الغموض يلتبس الصفقة الاميركية، ليس مع النظام السابق، ولكن مع ايران وممثلياتها السياسية والدينية في (قطر) العراق.
رفضت تركيا السماح بدخول قوات الغزو الاميركي من الشمال (على الطريقة الأفغانية). فتم استبدال المنفذ نحو الجنوب (الكويت)، التي لا تتيح غير منفذ صغير لا يتناسب وحجم القوات الأميركية وترسانتها الهائلة. الأكثر أهمية من ذلك وقوع جنوب العراق وكل اقليم الخليج تحت السيطرة المباشرة للعسكرية الايرانية. ومعروف، ان منطقة البصرة والقاطع الجنوبي، كانت أسخن مواقع الصراع خلال حرب الثمانينيات، وبالمعايير العسكرية كانت ساقطة عسكرية تحت رحمة المدفعية الايرانية القريبة، وكانت التنومة والزريجي وابي الخصيب والعشار أكثر المناطق تضررا، بعد أن غادر كثير من أهلها نحو وسط العراق والغرب،.
ولم يكن اعتماد المنفذ الجنوبي للعراق، بدون تغطية ايرانية وصفقة سياسية غير بريئة بين ايران والادارة الامريكية. وفيما كانت بعض فصائل المعارضة العلمانية تهلل على دبابات الغزو، كان الحكيم يتقمص دور (تيتو) و(سعد زغلول) في العودة من المنفى إلى السلطة. وهو ما تعكسه دلالة الأجواء الاحتفالية المرسومة بدقة لترسيم الحكيم بطلا وطنيا بلا منازع، على سدة الرئاسة العراقية الايرانية باعتباره (القائد العام للثورة الاسلامية – القطر العراقي). استغرقت رحلة عودة الظفر اكثر من شهر من البصرة إلى النجف، بينما استغرقت الدبابات الأميركية ثلاثة أسابيع من حدود الكويت إلى بغداد. وخارج تقديرات رومانسيات المخابرات الايرانية فقد استفزت طقوس العودة الاحتفالية دائرة الصراعات داخل البيت الشيعي الذي رسم نهاية أكثر واقعية لسينما المخابرات الايرانية.
ان غياب (كاريزما) الحكيم حرم الجبهة الشيعية من فرصة نادرة، شكلت عامل ضعف بنيوي على صعيد القيادة والسياسة. وفيما شكلت تولية شقيقه(عبد المجيد) عملية ترقيع يائسة، خفضت من أهمية (المجلس) في مجال المنافسة والمناورة، وزادت من حصة حزب (الدعوة) التي لم تنتبه سابقا لخصوصية (كاريزما القائد)، فحاول ابراهيم الجعفري استغلال وجوده في السلطة لملء فراغ الزعامة (الشخصية)* ما وضعه في مثلث تساؤلات وتكهنات وتعليقات انقلبت ضدّه بسرعة قياسية، دفعت الاميركان لإزاحته واستبداله بنائبه.
ففي خلال مدة قياسية محدودة، أصيبت الأحزاب السياسية الشيعية بنكسات متلاحقة، تطعن في صدقية قبولها الجماهيري وكفاءتها السياسية، منها إزاحة قائدي أكبر جماعتين في البيت السياسي الشيعي. وقد أكد سير الأحداث، أنه بدون الرعاية والدعم الاميركي، ما أمكن لرئيس الوزارة الاستمرار في منصبه، مما يعيد للذهن، قولة المستشار العسكري في السفارة البريطانية ببغداد، أنه بدون دعم أجنبي، لا تنجح حكومة في الشرق الأوسط.
أما الآثار الأخرى المترتبة على الفشل السياسي للحكم الشيعي، وبغض النظر عن مجال الادارة والواجبات التنفيذية للحكومة، فتتمثل بسلسلة الانشقاقات السياسية والحزبية وظهور قائمة جديدة من العناوين والقيادات الحزبية، القطرية أو المحلية على صعد المدن والقصبات.
ان عدم الفصل بين الزعامة الحزبية وإدارة الدولة كلّف الأحزاب الشيعية، حديثة العهد بالسلطة مستقبلها السياسي ومستوى كفاءة عملها. فاستغراقها في أزمات سياسية داخلية شائكة استنزف قدرتها وتفرغها لادارة البلاد. وهو أمر كان يمكن تجنبه، لو كانت الحكومة التنفيذية، من خارج المكتب السياسي للحزب، ففي حين تتولى الحكومة تمشية أعمالها تحت رقابة الحزب الحاكم والبرلمان، يتاح للحزب التفرغ لإدارة شؤونه الذاتية ومراقبة عمل الحكومة ومتابعة استحقاقات العملية السياسية في البلاد.
بعبارة أكثر وضوحا وفرزاً، يلزم الادارات اللاحقة العمل على فصل تعيينات الحكومة التكنوقراطية عن إدارات الأحزاب السياسية ومجال عملها المباشر تحت قبة البرلمان. إضافة إلى أهمية منع الجمع بين تمثيل الحكومة وعضوية البرلمان من أجل سلامة فصل السلطات والتزام كل جهة بأداء عملها على أفضل وجه، دون التشتت بين المسؤوليات والأعذار وتكديس المناصب والحوافز في فئة (إقطاع/ مآفيا) سياسية محدودة، تستأثر بمقدرات البلاد بالوراثة أو المحسوبيات.
*
يتبع..
دمقراطية وحكومة نصفية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- د. محمد جابر الانصاري- التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الاسلام- دار الشروق- المؤسسة العربية للدراسات- القاهرة وبيروت- ط2/ 1999
- العقيد الركن أحمد الزيدي- نظرة على إدارة الحرب في العراق- مؤسسة المعارف- بيروت- 2002
- كان ابراهيم الجعفري زعيم حزب الدعوة ورئيس الوزراء السابق يحاول تقليد شخصية صدام حسين في طريقة حديثه وزياراته للعوائل والعشائر، ناهيك عن ملامح أخرى حرية بالتأشير.

السادس من يناير 2008
لندن



#سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في الحالة العراقية (3)
- تأملات في الحالة العراقية (2)
- دين.. دولة ومجتمع
- عوامل الطرد السكاني وعوامل الجذب
- العلاقة الطردية بين التعليم والأمية
- التجارة العربية في لندن
- مندَم
- بين سقوط الحضارة ونهاية التاريخ
- مستقبل حركة الأفراد العابرة للقارات
- الجغرافيا ليست وطناً واللغة لا تعني أمة!..
- المرأة الكردية بين التطور العلماني والتطرف السلفي


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي فريدي - تأملات في الحالة العراقية (4)