أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صبحي حديدي - الحجاب والمحجوب














المزيد.....

الحجاب والمحجوب


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 670 - 2003 / 12 / 2 - 02:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الجزائرية خديجة بن قنة، المذيعة البارزة في قناة "الجزيرة" القطرية، تباغت المشاهدين بالظهور مرتدية الحجاب، وسط ذهول تلقائي امتزجت فيه مشاعر الفرحة لدى البعض والاستياء لدى البعض الآخر. في اسرائيل، صبية يهودية تعتنق الإسلام وترتدي الحجاب، وحين يتمّ وضعها أمام خيار الحجاب أو الطرد من المدرسة، تختار الحجاب وتغادر المدرسة لا تلوي على شيء. وفي فرنسا، في غمرة نقاشات محمومة حول جدوى سنّ تشريع جديد ضدّ ارتداء أو إبراز الرموز الدينية في المدارس العلمانية، يقرّر وزير العدل استبعاد سيّدة من عضوية لجنة محلّفين لأنها ترتدي الحجاب. وأخيراً، ولكن ليس آخراً أبداً، المحكمة العليا في ألمانيا تقرّر منح السيدة فريشتا لودين الحقّ في ارتداء الحجاب أثناء العمل، مادامت القوانين المرعية لا تنصّ على العكس، فتسارع معظم الولايات إلى صياغة مشاريع قوانين جديدة تحرّم الحجاب...
وبالطبع، قرار ارتداء الحجاب مسألة شخصية في أوّل الأمر وآخره، وهو قرار يخصّ الحرية الفردية وحرّية التعبير وحرّية المعتقد وحرّية العلاقة مع الجسد، الخ... لكنه، للأسباب هذه تحديداً، ليس قراراً شخصياً مجرّداً من عواقب اجتماعية، وجَمْعية في الواقع، تستدعي مناقشة أكثر تعقيداً، وأكثر احتشاداً بالمعاني والدلالات والمظانّ، من المناقشات المعتادة حول ممارسة هذه أو تلك من الحرّيات الفردية. وعلى سبيل المثال الأقرب، ليس قرار خديجة بن قنّة فردياً وشخصياً فقط، لأنّه يُنقل إلى الملايين من خلال فضائية عابرة للقارّات، وهو بالضرورة سوف يشكّل أمثولة ــ سيئة أو حسنة، حسب قناعات العباد ــ كما سيشكّل عامل ترجيح في سجالات هذه الأيّام بالذات.
وكنتُ قبل سنوات قد راجعتُ، في "القدس العربي"، كتاب الباحثة التركية ميدا ينيوغلو "استيهامات كولونيالية: نحو قراءة نسوية للإستشراق"، والذي يخوض في واحدة من أعمق المجابهات مع الخطاب الغربي الإستشراقي (التنويري إجمالاً، والنسوي بصفة خاصة)، حول موضوع حجاب المرأة المسلمة. وينيوغلو تتوصل إلى استنتاجات عديدة معمّقة وخطيرة، بينها مثلاً أنّ حرص الغرب على هتك الحجاب يبدأ أوّلاً من الإفتتان الغربي بالمرأة الشرقية المحجّبة (الأمر الذي عكسه أدب الرحلات والنصوص الأدبية والأنثروبولوجية الأخرى)، ولكنه لا ينفصل أبداً عن الرغبة الجامحة في اختراق "السطح المحجّب" لهذا الآخَر المستعمَر، ضمن إطار أعرض هو عقلية الإخضاع التي ينقلب إليها المستعمِر.
هذه الخلاصة تذكّر بما كان فرانز فانون قد توصّل إليه حول حجاب المرأة الجزائرية بالذات، وليس مفاجئاً بالتالي أن ينيوغلو تعتمد في كتابها مثالَيْن تطبيقيين في دراسة إشكالية الحجاب: المرأة المحجبة في الجزائر، والمرأة المحجبة في تركيا. وفي مقاله الممتاز حول الحجاب كرمز وأوالية ثقافية، يبدأ فانون من وصف المحاولات الأوروبية لتحديث الجزائر عن طريق تحسين أوضاع المرأة، معتبراً تلك المحاولات شكلاً مقنّعاً من العدوانية: الرغبة في نزع الحجاب تعني الرغبة في ممارسة الإغتصاب، ولكن الإغتصاب ذاته ليس سوى تشخيص تفصيلي للرغبة في إخضاع المجتمع بأسره، في استعمار البلد والثقافة.
ونزع الحجاب عقيدة حداثية غربية، وينيوغلو تتكيء هنا على أطروحات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حول واحدة من كبريات المداميك الفكرية لفلسفة الأنوار الأوروبية: المعرفة، التي هي قوّة، "ينبغي أن تُسقِط جميع الحواجز"، وأن تسلّط الضوء على "جميع البقع المظلمة"، محقّقة بعض حلم جان ـ جاك روسو بـ "مجتمع شفّاف" لا تكتنفه مناطق سوداء عاتمة داكنة... حاجبة مثل الحجاب! خذوا، على سبيل المثال، ما يقوله قاموس أكسفورد في تعريف مفردة الحجاب: "مادّة للجاذبية، ترتديه المرأة خصيصاً لكي تخفي وتحمي وجهها"، "شيء يخفي، يغطّي، أو يحجب"، "وسيط للتخفّي، ملاءة أو قناع"، "وسيلة لإخفاء أو طمس الطبيعة الفعلية لشيء ما"، "ذلك الذي يحول دون الفهم، الإدراك، أو المعرفة".
الخفاء. الحماية. التخفّي. طمس الطبيعة الفعلية. الحيلولة دون المعرفة... هذه، بالضبط، هي أوجه قراءة الخطاب الإستشراقي الغربي للحجاب، وأوجه إنشاء تمثيلاته السياسية والثقافية والأنثروبولوجية، وأوجه استخدامه في تنويع الإستيهام الإيروسي حول الشرق وجسد الشرق. إنه يغطّي وجه المرأة الشرقية، ولذلك فهو يغطّي وجه الشرق بأسره. إنه يمنع التحديقة الغربية من استكشاف الخفيّ والمخفيّ، ولذلك فهو يمنع المعرفة الغربية من التجوال الحرّ أنّى تشاء. إنه، باختصار، عائق أمام الغزو، ولا مناص من إسقاطه.
الدنيا تغيّرت؟ ليس تماماً، أو ليس كثيراً، إلى درجة إغماض العين عن الاعتبارات السالفة. ورغم ذلك، ولكي يكون موقفي واضحاً ما أمكن، أقول إنني سوف أعترض بشدّة، وسيصيبني حزن غامر، إذا قرّرت إبنتي أن تتحجّب. سوف أبذل ما في وسعي لإقناعها بأنّ هذه ليست الوسيلة المثلى لإعلان الهوية، وأنّ الهوية ذاتها باتت نسبية مفتوحة متحركة واسعة، وأنّ الحجاب خفاءٌ نقيض التجلّي، وأنها أكثر بهاء وجمالاً وألقاً من دون حجاب. ولكن... هل أملك سوى الرضوخ لقرارها في نهاية الأمر، هي البالغة العاقلة الرشيدة... الحرّة؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل بات انهيار بيت سعود هو السيناريو الأكثر مصداقية؟
- في بيت ثيودوراكيس
- فرنسا وتهمة العداء للسامية: هل انطوى عهد -المكانة الخاصة-؟
- سارتر وصنع الله
- يمارس السياسة كمَنْ يعقد صفقة خشب أو خشخاش: برلسكوني والطبعة ...
- عاصفة أخرى في فنجان
- الفارق الجسيم
- علي هامش الدعوة إلى تأسيس حزب ينفي عروبة مصرفكر اصطفائي شوفي ...
- المرتدّ الضحية
- التابعيات العربية في واشنطن: صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون!
- ج. م. كويتزي والصمت الذي ينطق عن التواريخ
- صحبة مهاتير محمد
- الشيخ حسن الترابي طليقاً: هل ينفتح القمقم؟
- الوقوف خلف النفس
- حكمة الشيشان التي تُبقي موسكو في قلب اللهيب
- الاستماع والإقناع
- ينطوي على حال دائمة من المناورة بين سِراطين مستقيمين: السبيل ...
- أحزان وأحقاد
- بعد تحليق طويل في التواريخ واللغات والثقافات: رحيل -الفلسطين ...
- الوزارة السورية الجديدة: هل يُصلح العطّار ما أفسد الدهر؟


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صبحي حديدي - الحجاب والمحجوب