عملية الفرملة السياسية التي قام بها السيد عبد العزيز الحكيم داخل مجلس الحكم المعين من قبل الحاكم الأمريكي بول بريمر والتي اعترض خلالها على وثيقة "تسليم السلطة " شكليا إلى العراقيين المعينين أمريكيا مع بقاء القوات الغازية في قواعد محصنة داخل العراق والتي وقع عليها الثنائي المرح "جلال الطالباني وبريمر " ، تلك الوثيقة التي أسماها الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف بحق " وثيقة استسلام وتسليم العراق " الى المحتلين ، عملية الفرملة هذه استندت في رفضها الخجول للوثيقة إلى عدة أسباب منها تغييب إرادة الشعب من خلال التعيين بدلا من التأكيد عليها والتعبير عنها من خلال الانتخابات ، وثانيا عدم إعطاء أية أهمية لهوية الشعب العراقي الإسلامية ..
وبصدد السبب الثاني ، نكرر التساؤل الذي طرحناه قبل بضعة أيام لدى مناقشنا لأحد الدساتير " السندويج " المتكاثرة هذه الأيام ، ونقول : لماذا يصر السيدان المحترمان الحكيم والسيستاني على الهوية الدينية المحترمة للمجتمع العراقي ،والتي لم يولد بعد من يريد الإساءة لها أو الانتقاص من حضورها واحترامها في العراق ويهملان هويته القومية والحضارية العربية السامية التي تتعرض للتغييب والتشكيك وبإصرار وقح وعلني من طرف حلف عريض يبدأ بالماسونية و قد لا ينتهي بشقيقتها الصهيونية العالمية ؟ ومنطقيا ،هل تعرَّف المجتمعات المعاصرة تبعا لطائفة ودين أغلبية السكان أو تبعا لهويتهم القومية والحضارية ؟ ماذا يقال مثلا عن الشعب الفرنسي ، هل يقال إنه شعب مسيحي كاثوليكي في أغلبيته الساحقة أم شعب فرنسي آري ؟ وماذا يقال عن أكراد هل يقال إنهم شافعية أو نقشبندية.. أم إنهم أكراد آريون ؟ وماذا يقال عن الإيرانيين ذاتهم هل يقال إنهم فرس آريون في أغلبيتهم أم شيعة اثنا عشرية ؟و أيهما كان السابق والأصل في الهوية بالنسبة للعراقيين واليمينين والسورين .. الخ هل هو العروبة (كانتماء حضاري أساسه اللغة وليس كانتماء عرقي عنصري أساسه الدم والعنصر ) أم الإسلام كدين الأغلبية ؟ لماذا هذا الإصرار على تغييب الهوية القومية للعراق والتأكيد على الهوية الطائفية الدينية ؟
لقد كنا عربا قبل الإسلام ،وظللنا عربا خلال نشرنا له بين شعوب الأرض ، وسنبقى عربا معه إلى ما شاء الله ، فلماذا هذا التغييب لهويتنا وهوية بلادنا ؟
وأخيرا ، إلى أين ستنتهي عملية الفرملة التي قام بها الحكيم والسيستاني ؟
هل ستنتهي إلى انتخابات فعلية و نزيهة يعبر الشعب خلالها عن إرادته الحرة كخطوة حقيقية نحو الاستقلال واستعادة السيادة ،وعندها سيدخل الاثنان – السيستاني والحكيم - التاريخ من بابه الواسع كجزء من عمل مقاوم شجاع أحبط المشروع الاستعماري الذي يتهدد العراق اليوم ، أم إن هذه الفرملة ستنتهي إلى صفقة عفنة مع المحتلين يضمن فيها أصحاب المشاريع الطائفية والولاء المزدوج حصتهم من الكعكة ويبيعون إرادة الشعب إلى برلمان معين أو نصف معين أو شبه معين ؟ ألن يتولى برلمان الصفقة القادم دفن المقاومة العراقية وتسليم العراق كمستعمرة مدجنة للغزاة الإنكلو سكسون أعداء الإسلام والعروبة والحرية ؟ وإذا كان بعض المعممين قد بدأ يورث الامتيازات والوزارات إلى أبنائه وأحفاده كبحر العلوم منذ الآن وقبل أية انتخابات فما الذي سيحصل بعدها ؟ هل سيعيدون العراق إلى عصر الرق وبيع البشر بالكيلو غرامات ؟
سننتظر ونرى إن كان عصر المعجزات قد ولى حقا أم أن بعض سياسيينا الوطنيين وعلمائنا الشجعان من آل الصدر والخالصي لديهم إجابات عراقية أخرى وما زالوا قدها وقدود ؟