أحنصال ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 2160 - 2008 / 1 / 14 - 11:10
المحور:
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير
محمد بوكرين معتقل الطغاة الثلاثة ..
أما آن لهذا الفارس أن يترجل ؟!
( باكرا مع الصباح ..
كان الراعي الصالح..
يقود حملانه الى المسلخ !!)
" جاك بريفير"
مع اشراقة صبح يوم :2007/06/06 اقترف نظام الحكم المغربي جريمة سياسية نذلة تنضاف إلى سجله المثخم بالفظائع , وذلك بإقدامه على اعتقال من ندر حياته لنصرة قيم ومبادئ التحرر والديمقراطية والاشتراكية : المناضل محمد بوكرين . الذي كمن له "زوار الليل" قبل أن يقتادوه إلى مخفر الشرطة ,ليبدأ فصل جديد من حلقات القمع الذي زامله منذ مطلع الستينيات . فالدولة التي تعاقب على سدتها شخوص دون أن يقع تغيير في بنيتها الاستبدادية والتسلطية , حيث السمة المسيطرة هي الانشداد للطبيعة القمعية والوفاء لها , رغم المساحيق التي يستدعيها تكتيك الصراع السياسي في الداخل والاستهلاك الخارجي . إذ من حين لآخر يتم الإيهام بيافطات غايتها التضليل : (المفهوم الجديد للسلطة , دولة الحق والقانون , دولة الحداثة والديمقراطية , المصالحة والإنصاف , طي صفحة الماضي ...), تبقى حبيسة السطح والقشرة الخارجية فيما كنه و جوهر الاستبداد هو هو .
إن اعتقال المناضل بوكرين محمد وإلباسه تهمة "المس بالمقدسات", قد أسقط كل المساحيق والأقنعة من قبيل الليبرالية والحداثة... المزعومين. فنظام الحكم الذي استند على عكاز "المقدس" – كحال أي نظام ثيوقراطي رجعي – وليس على الشرعية الشعبية أو الديمقراطية التي يفتقدها , ليوظفه في حربه الشعواء على الحريات العامة . قد جسد باعتقاله لهذا المناضل ذي الثلاثة والسبعين عاما نهجا فاشيا يتماها مع فاشية موسوليني , فالقدسية المدعات من نظام الحكم المغربي تحاكي زعم موسوليني في قوله: "القائد دائما على حق" . فيما التنكيل والقمع الذي تعرض له بوكرين بفعل مواقفه السياسية يعيد إنتاج , في عدائيته وهمجيته , ذعر موسوليني من فكر غرا مشي وسعيه لخنقه وتعطيله حين دعا زبانيته : "أوقفوا حالا هذا العقل عن التفكير". ولأن الشيء بالشيء يذكر , فبديهي أن يكون بوكرين كمناضل ومثقف عضوي في علاقة وأرضية مشتركة مع أنطونيو غرامشي , من حيث اعتماد نفس المنطلقات والأسس الفكرية المرجعية ومن حيث التوجه والهدف ; تماما كما أن النظام المغربي يعيد إنتاج فاشية ايطاليا من حيث مساوئها وإجرامها . ويبقى أن نتمعن في المآل المأساوي لموسوليني قبل أن ينصب له التاريخ مشانق النسيان ويكنسه إلى مزبلته المعلومة , وكيف أصبح غرا مشي مفخرة الأحرار أمميا يستنيرون بفكره العلمي الخلاق والمبدع , ويتمثلون تضحياته ونضاله الثوري بكل فخر . انه صراع الإرادة الواثقة من عدالة قضيتها في ضرورة تحررها , ضد إرادة الطغيان المجافي لمنحى التاريخ, والذي يعكس مستوى التناحر الطبقي الذي يعتمل في مجتمعنا .
ماذا يعني إصرار نظام حكم أن يسبغ على نفسه صفة "القدسية" في القرن الواحد والعشرين , ومعاملة الشعب كرعية لا على أساس المواطنة ؟ وكأن الإنسان المغربي هو من القصور وفقدان الأهلية إلى حد أن يصادر رأيه وحقه في التعبير وتقرير المصير , بما يذكر بنظم الشاعر العراقي الراحل ألجواهري عندما صاغ ما آل إليه انقلاب المعايير وازدراء الحقوق :
فالوعي بغي والتحرر سبة والهمس جرم والكلام حرام
ومدافع عما يدين مخرب ومطالب بحقوقه هدام
إن التمترس بالمقدس في صراع سياسي بشري هو موقف وموقع ظلامي بامتياز, لا يقل عن الظلامية التي يصم بها نظام الحكم الجماعات المتأسلمة التي يتهمها باستعمال العنف . مادام المقدس يستولد متوالية من الصفات ليس أقلها : المطلق , الاصطفاء , العصمة , القوة ... مما يجعله يتحدد كتقابل وتضاد مع المدنس الذي يستولد هو الآخر متوالية من النعوت : النسبية , الدونية , الابليسية , الهوان ... هذه التراتبية التي يراد لها خاصية الثبات الذي لا فكاك منه , كمسوغ إيديولوجي لحالة القهر والاضطهاد الطبقيين.
بيد أن استهداف بوكرين باعتقاله يكاد يتجاوز حدود الشخص إلى النيل من ضمير جمعي ومربي , بكل ما يرمز إليه في وجدان الأحرار بهذا الوطن من تعفف ومصداقية , وما يتمتع به من حصافة فكر وعمق في التحليل ونفاده إلى عمق الأشياء والتفاني في مزاوجة الفكر بالممارسة . وهي مثل وقيم قلما اجتمعت إلا لدى القادة التاريخيين من طينة : محمد بن عبد الكريم الخطابي , المهدي بن بركة , عمر بن جلون ... محمد بوكرين , الذين خلدهم الشعب كأبطال في ذاكرته الحية . وأبدا لم ولن يقلل من شأن بوكرين أو يشينه الزج به في السجن المدني ببني ملال , حيث ما يزال معتقلا وراء القضبان الصدئة والجدران المطلية بالرمادي , وإدارة سجن تجيد استظهار التعاليم المخزنية وعمادها : القهر النبذ , العزل , المنع... والتي تصل في همجيتها تخوم القتل البطيء .
لكن أبدا , سيظل لنا محمد بوكرين النبراس والقدوة , وسيبقى الكابوس الذي يطارد جلادي الشعب ويرعبهم بالرغم أنه أعزل إلا من قناعته ومبادئه . فطوبى للقابضين على جمر مبادئهم في زمن عزت فيه المبادئ .
#أحنصال_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟