أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - سياسة الميزانية والهروب إلى الأمام















المزيد.....


سياسة الميزانية والهروب إلى الأمام


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 2160 - 2008 / 1 / 14 - 11:23
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


عرفت الاستحقاقات الانتخابية التشريعية الأخيرة مقاطعة عارمة للشعب المغربي حوالي 80 % من الناخبين المغاربة أغلبهم من الشباب قاطعوا هذه الانتخابات وهو ما يعني أن البرلمان المغربي بأغلبيته ومعارضته الشكلية لا يمثل سوى 20 % من الناخبين، كما يعني ذلك أن الحكومة التي تم تنصيبها لا تمثل سوى 10 % من الناخبين على أكثر تقدير.
إذن فنحن أمام برلمان وحكومة أقلية، فما هي السياسات التي تبنتها؟ وما هي الاستقراءات التي يمكن الخروج بها؟
لا يكفي التصريح الحكومي لاستقراء نوايا الحكومة، ولو أن هذا التصريح يغلف توجهاتها الحقيقية بجملة من الوعود التي عاهدناها في التصريحات الحكومية السابقة. غير أن قراءة التصريح يبين بوضوح مكامن العجز والتخلف الذي يعاني منه المغرب، فمختلف المجالات التي يشير إليها التصريح تعاني فعلا من الانهيار، يبقى أن استقراء التدابير المعلن عنها لتجاوز العجز توقعنا في الوهم، لأنها تدابير تقود إلى الاستغلال البشع للرأسمال للطبقات الكادحة، فعندما يتم الحديث عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فإن الأمر في نهاية المطاف هو ايجاد تمويل خارجي ضخم يصرف لدعم شركات رأسمالية للقيام بتجهيزات تسير في اتجاه تعظيم الأرباح الرأسمالية وليس تقليص العجز الاجتماعي المريع الذي تشهده المدن والقرى والمداشر المغربية.
أكثر من ذلك تؤكد بنود الميزانية العامة التوجه العام للسياسة الحكومية وهو خدمة المصالح الرأسمالية بغض النظر عن مصدرها على حساب العمل المأجور والطبقات المسحوقة وذلك سواء على مستوى الانفاق العمومي أو المداخيل العمومية، وهو ما يؤكد بالواضح الصراع الطبقي الذي تخوضه الرأسمالية الدولية والمحلية ضد حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة بمختلف مشاربها الصناعية أو التجارية أو الفلاحية أو موظفي القطاع العمومي، وبمن ترتبط بهم هذه الطبقة من معطلين وفئات مسحوقة مهمشة تشتغل في اطار مطلق من الهشاشة.
إذن فالدائرة المفرغة للتخلف والفقر التي يعيش فيها المغرب تنبع من تلك الهيمنة التي يباشرها الرأسمال الامبريالي والمحلي من أجل صناعة قرارات لا علاقة لها بالاختيارات الشعبية، لأن الشعب قد قال كلمته خلال الانتخابات الأخيرة وهو يقولها يوميا عير الاحتجاجات الشعبية العفوية في كل مكان من البلاد.
وحتى نبقى في حدود سياسة الميزانية وميزانية 2008 للتأكيد على التوجه اللاشعبي للسياسات الحكومية سنتناول من خلال ما سيلي سياستي الانفاق والمداخيل العموميتين.


أولا: سياسة الانفاق العمومي
تعرف سياسة الانفاق العمومي أحد مظاهر السياسات الحكومية التي تخدم المصالح الرأسمالية على حساب العمل بكافة أنواعه، ويظهر ذلك على الخصوص من خلال الاختلالات المفتعلة للنفقات العمومية وللضرائب على الانفاق.

1 – اختلال النفقات العمومية
أ – الاختلالات الهيكلية للإنفاق العمومي:
إن الاختلال الذي يطبع هيكل الإنفاق العمومي وهل هو إنفاق لغرض التسيير أو لغرض خدمة الدين العمومي أو من أجل الاستثمار أصبح مزمنا، حيث تميل الكفة لجانب نفقات التسيير بحوالي ثلثي مجموع النفقات العمومية تليها نفقات الدين العمومي التي تقل عن ثلث الميزانية بقليل وفي الأخير تأتي نفقات الاستثمار التي لا تتجاوز 13 % .
ويؤكد هذا الاختلال أن الدولة تستهلك أكثر مما تنتج، وأن استهلاكها هذا تمتصه الطبقة الحاكمة كما سنرى ذلك فيما بعد على حساب القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. فقد حافظت الدولة على نفس وثيرة الاستهلاك منذ عقود، لذلك من البديهي أن تعرف عجز مزمنا ولجوءا متواترا نحو المديونية بشقيها الداخلي والخارجي. وبطبيعة الحال فإن عدم القدرة على سداد الديون ومطالبة الدائنين بجدولتها يجعل الدولة تخضع للتكييفات التي تفرضها الامبريالية عليها من أجل خدمة مصالحها.
وفيما يلي هيكل النفقات العمومية:

ستعرف النفقات العمومية في ظل القانون المالي لسنة 2008 زيادة بنسبة 7,05 % مقارنة مع سنة 2007 أي بمبلغ 208 مليار درهم.
ويمكن النظر إلى بنية النفقات العمومية من عدة جوانب، فيمكن تقسيمها إلى نفقات التسيير ونفقات استثمار ونفقات خدمة الدين العمومي الداخلي والخارجي، كما يمكن تقسيم هذه النفقات إلى نفقات اجتماعية ونفقات اقتصادية ونفقات سياسية وأمنية. ونشير هنا إلى الإختلالات التي تميز كل تقسيم على حدة.
فبالنسبة لتقسيم نفقات الميزانية إلى نفقات التسيير ونفقات الاستثمار ونفقات الدين يمكن أن نلاحظ اختلال مزمن يتمثل في هيمنة نفقات التسيير والدين العمومي على حساب نفقات الاستثمار المنتج:
فحصة نفقات التسيير تبلغ في مشروع القانون المالي لسنة 2008 حوالي 60 % أي بمبلغ 124 مليار درهم؛
بينما تحضى نفقات خدمة الدين العمومي بالمرتبة الثانية بحوالي 23 % أي بمبلغ 47 مليار درهم منها 24 % مخصصة لمدفوعات المديونية الخارجية و76 % مخصصة لمدفوعات المديونية الداخلية.
أما نفقات الاستثمار العمومي فتضل في أسفل السلم بنسبة 13 % فقط أي بمبلغ 36 مليار درهم، علما بأن هناك رصيدا بمبلغ 9 مليار درهم من اعتمادات الاستثمار المقررة في إطار ميزانية 2007 لم يتم الأمر بصرفها إلى الآن. ويؤكد لنا وجود هذا الرصيد بأن نسبة إنجاز الأهداف التنموية المعلنة في إطار ميزانية 2007 لم تتعد 65 %، نفس الشيء بالنسبة لميزانية 2006 حيث تم نقل رصيد بمبلغ 8 مليار درهم. كما يؤكد لنا هذا الرصيد بأن القانون المالي يضل مجرد توقعات لا يمكنه أن يؤكد لنا مصداقية الأهداف الحكومية في العديد من القطاعات، والتي لا بد من أن تتوفر لدينا حسابات ختامية حديثة للتعرف على مدى إنجاز الأهداف المرسومة(ومعلوم أن آخر قانون للتصفية قدم للبرلمان هو المتعلق بميزانية سنة 2000).
ب – الاختلالات التي تطبع اعتمادات الانفاق العمومي:
الاختلال الآخر الذي يطبع النفقات العمومية يتمثل في توزيع الاعتمادات المالية بين القطاعات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية. فالقطاعات الادارية والتي يمكن وصفها بقطاعات السيادة أو ذات الطابع السياسي والأمني تحضى بالأولوية على حساب القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
فالملاحظ على هذه النفقات هو هيمنة النفقات السياسية على حساب النفقات الاقتصادية والاجتماعية. فميزانيات البلاط والداخلية والخارجية والدفاع والعدل والوزارة الأولى والبرلمان والاقتصاد والمالية تصل إلى حوالي 134 مليار درهم وتحضى بالأولوية بينما القطاعات الإقتصادية والمتعلقة بميزانيات الطاقة والمعادن والصناعة والتجارة والشؤون الاقتصادية والعامة والتجارة الخارجية والمندوبية السامية للتخطيط والتجهيز والنقل واعداد التراب الوطني والماء والبيئة فلا تتجاوز 18 مليار درهم.
من جهة أخرى إذا ما استثنينا قطاعات الصحة والتعليم والإسكان فإن القطاعات الاجتماعية وتشمل عشرة وزارات هي التشغيل والتنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن والثقافة والأوقاف وقدماء المقاومين والشباب والرياضة والسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري ومنذوبية المياه والغابات فنجدها لا تتجاوز 9 مليار درهم وهذا في الوقت الذي تستفرد فيه وزارة الداخلية بمفردها على 14 مليار درهم وهو ما يؤكد مرة أخرى أولوية الهاجس الأمني على القطاعات الاجتماعية كيفما كان نوعها حتى وإن تعلق الأمر بقطاع مثل وزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري.
وعموما فإن الاختلال والتفاوت الحاصل في النفقات العمومية، يقوم أساسا على عدد من العوامل نجد من بينها ما يلي:
اعتماد سياسة التمويل بالعجز كوسيلة من وسائل التراكم وتكوين رأس المال الثابت. وتقوم هذه السياسة على أساس الاستدانة المفرطة الداخلية والخارجية وكذا طبع الأوراق النقدية على أساس أن هناك موارد عاطلة كثيرة كالأراضي الزراعية والثروات الطبيعية ومنها الفوسفاط ، سيتم العمل على تثمينها وبالتالي خلق وفورات داخلية لتدارك العجز المفتعل
وتقوم هذه الفرضية على أن سياسة التمويل بالعجز ستؤدي إلى زيادة طلب الدولة على الموارد الأولية مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتحويل الموارد لصالح تراكم رأس المال. وقد أثبت الواقع أن سياسة التمويل بالعجز قد فشلت في تحقيق أهدافها (أي الزيادة في تراكم رأس المال الثابت) بل شكلت وسيلة لمراكمة الثروات في أيدي الأقلية وبالتالي اثقال فاتورة المديونيتين الداخلية والخارجية وتفاقم عجز الميزانية العامة وارتفاع معدلات التضخم وكل هذه النتائج تنعكس على الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للطبقات المسحوقة من خلال ارتفاع العبء الضريبي والكساد والبطالة.
كما لعب الإنفاق العسكري دورا أساسيا في تزايد النفقات العمومية بمعدلات كبيرة. ونلاحظ هنا أن استمرار النزاع في المناطق الصحراوية منذ أكثر من ثلاثين سنة وما رافق ذلك من استنفار عسكري دائم، يقدم دلالة كبيرة عن دور الإنفاق العسكري في تكريس عجز الميزانية، خصوصا وأن هذه النفقات غير مولدة للمداخيل، فهي تذهب فقط كمخصصات الأجور والرواتب والمستلزمات السلعية والخدماتية الضرورية للقوات المسلحة. واستيراد السلاح والذخيرة وصيانة المعدات العسكرية. وخطورة في هذا النوع من النفقات أنه لا يتم فقط بالعملة المحلية وإنما أيضا بالعملات الأجنبية.
ويمكن أن نظيف هنا التبذير كعامل أساسي في نمو الإنفاق العمومي وبالتالي في العجز المالي. ويظهر التبذير على الخصوص في مجال الإنفاق على المباني الوزارية الفاخرة والمطارات الفخمة وشراء الآثات الفاخر والديكورات الغالية وسيارات الوزراء الفارهة، والصرف بسخاء وبالعملات الأجنبية على البعثات الوزارية والموظفين الكبار وعلى الحفلات والمآدب التي تقيمها السفارات في مختلف البلدان الأجنبية خلال الأعياد الوطنية، والسخاء الحاتمي على أعضاء السلك الدبلوماسي في الخارج ... الخ.
كما يمكن الاشارة إلى حجم نهب الموارد العمومية عبر الانفاقات المبالغ فيها أو الصفقات الخيالية، فتقدير تكاليف باهضة للمشاريع العمومية مثل السدود والطرق السيارة والبنيات التحتية يرفع من حجم النفقات العمومية ويكرس المزيد من عجز الميزانية.

2 – اختلال الضرائب على الإنفاق
لا يقتصر الاختلال على هيكل واعتمادات النفقات العمومية، بل نجد هذا الاختلال كذلك في مجال الضرائب على الإنفاق كالضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركيةو ورسوم التسجيل والتنبر والضرائب على الاستهلاك. ويبدوا هذا الاختلال من خلال كيفية تعامل هذه الضرائب مع طبيعة السلع والخدمات وهل هي سلع وخدمات أساسية حيوية أو سلع وخدمات أساسية وسيطة أو سلع وخدمات عادية أو سلع وخدمات كمالية.
فتعامل الميزانية العامة مع هذه الأصناف من السلع والخدمات ضل دائما يتسم بالحيف على مستوى السلع والخدمات واسعة الاستهلاك نظرا لحيويتها للمواطنين ونلاحظ كيف تحاول الدولة رفع الضرائب على هذا النوع نظرا لأنه عديم المرونة وتستهلكه أوسع فئات المجتمع مما يحقق للدولة مداخيل كبيرة تعوضها عما تفقده من مداخيل نظرا للاعفاءات التي تجريها على الرسوم الجمركية وسلع التجهيز والسلع الكمالية.
فعند اقرار الضريبة على القيمة المضافة لتحل محل الضريبة على المنتوجات والضريبة على الخدمات كان هناك سعر ضريبي بقيمة 30 % كان يفرض على المواد الكمالية. لكن معارضة الطبقات الحاكمة لهذا المعدل لأنه يطال استهلاكاتها البدخية أدى إلى تقليص هذا المعدل لكي يصبح كأي سلعة أو خدمة عادية تخضع لمعدل 20 %.


ثانيا: سياسة المداخيل العمومية
تشكل المداخيل العمومية أداة سياسية بيد الحكومة لخدمة أغراضها، وتعتبر الإختلالات التي تعاني منها المداخيل العمومية احدى أوجه السياسات الطبقية في المغرب.

1 – اختلال المداخيل العمومية
تزايدت الموارد العمومية في ظل مشروع القانون المالي لسنة 2008 بنسبة 12,60 % عن سنة 2007 أي بمبلغ 239 مليار درهم. وترجع هذه الزيادة بالأساس إلى مداخيل بعض رسوم التسجيل والتنبر والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة عند الاستيرادوالضريبة على الشركات وحصيلة الرسم على المنتجات الطاقية.
أما مساهمة باقي الموارد العمومية كعائدات ومداخيل الدولة والاحتكارات والاستغلالات فهي إما ثابثة أو في اتجاه الانخفاض، وعلى العموم فإن مبالغ هذه الموارد تبقى هزيلة، أما بالنسبة للقروض فتتزايد على مستوى القروض الخارجية حيث سجلت نسبة 12,62 % بينما سجلت الاقتراضات الداخلية تراجع بنسبة 8,35 %.
فتراجع مداخيل الدولة الاستثنائية يؤدي إلى ايجاد بدائل أخرى تتمثل أساسا في توسيع الوعاء الجبائي بشكل يحابي رأس المال ويزيد من الضغط الضريبي على ذوي الدخل المحدود. وهذا هو ما تسميه السلطات الجبائية بالاصلاح الجبائي.

2 – اختلالات الضرائب على الدخل
منذ خروج الاستعمار والنظام الضريبي يحابي رأس المال على حساب العمل ونجد ذلك على الخصوص بالنسبة للمصادر الاقتصادية للضريبة وهي أولا التجارة والصناعة والمداخيل العقارية والفلاحية وثانيا مداخيل المهن الحرة وثالثا مداخيل العمل المأجور. ويظهر الاختلال هنا جليا حيث تحابي الضريبة المداخل الأولى وتعامل المداخيل الثانية معاملة متميزة بينما تقع بقوة على النوع الثالث لكن عبر محاباة المداخيل العليا وتشديد الضريبة على المداخيل الصغرى عبر لعبة التصاعد الضريبي.
ونتيجة لهذه العوامل تتدهور مداخيل الدولة سنة بعد أخرى في الوقت الذي تتزايد في النفقات العمومية نتيجة الأسباب التي تمت الاشارة إليها، ومن بين الأسباب المباشرة لتدهور موارد الدولة هناك ما يلي:
- ضعف الطاقة الضريبية في المغرب، ونعني بالطاقة الضريبية هنا حصة المداخيل الجبائية بالنسبة للناتج الداخلي الاجمالي، حيث لا تتعدى هذه الطاقة 20 % وذلك بسبب انخفاض المستوى العام لمداخيل الأفراد، وعدم خضوع أصحاب المداخيل والثرواث الكبرى للضريبة نتيجة المحاباة والنفوذ السياسي والاقتصادي؛
- جمود النظام الضريبي وعدم تطويره وتطويعه لخدمة أهداف التنمية ، فالإصلاحات الجبائية المتنوعة التي تم اعتمادها منذ عقد الثمانينات استهدفت الشكل فقط عبر تغيير الضرائب النوعية بضرائب عامة كالضريبة على القيمة المضافة والضريبة العامة على الدخل والضريبة على الشركات؛ إلا أن أسلوب وقوع هذه الضرائب على المصادر الاقتصادية المختلفة لم يتغير، فلازال الاختلال كبيرا يظهر من خلال هيمنة الضرائب غير المباشرة على الضرائب المباشرة كما أن العبء الجبائي لا زال يقع بكل قوة على الرواتب والأجور الصغيرة والمتوسطة وعلى المواد والخدمات واسعة الاستهلاك مقارنة بالمصادر الاقتصادية الفلاحية والعقارية والتجارية والصناعية والمهن الحرة التي تحتكرها الطبقات المهيمنة.
- من أسباب تراجع المداخيل الضريبية التراجع عن مبدأ التصاعد الضريبي سواء بالنسبة للضرائب على الشركات أو الضريبة على القيمة المضافة واستبدالها بضرائب نسبية تستهدف تطبيق نفس المعدل الضريبي على جميع المكلفين وهو حيف واضح في حق ذوي المداخيل الصغرى ومحاباة لأصحاب الثروات والمداخيل الكبرى في ظل غياب ضريبة على الثروة والتركات.
- انتسار الغش والتهرب الضريبي، وهي ظاهرة ملازمة للنظام الجبائي المغربي، فارتفاع حجم التهرب الضريبي يؤدي إلى تدهور واضح في حصيلة الضرائب، حيث يتمكن الفرد المكلف بالضريبة من التخلص نهائيا منها، بعدم دفعها، أو بتقديم إقرارات ضريبية غير صحيحة؛ والمثل الواضح هنا تلك الممارسات التي يقوم بها أصحاب رخص الصيد في أعالي البحار الذين يبيعون مصائدهم في عرض البحر لبواخر أجنبية من دون إفراغها في الموانئ المغربية قصد التهرب من أداء الضرائب المستحقة عليها، وهناك أيضا التهرب القانوني من الضرائب كذلك الذي يستفيد منه كبار ملاكي الأراضي الفلاحية والذين يصدرون منتجات فلاحية عديدة دون دفع درهم واحد كضريبة لخزينة الدولة، بل نجد هؤلاء أكبر المستفيدين من مساعدات الدولة ويقودون استغلالا بشعا لاستغلال للأيدي العاملة الزراعية.
- تراجع مداخيل الرسوم الجمركية سنة بعد أخرى نتيجة تفكيك هذه الرسوم تطبيقا لإملاءات اتفاقيات مراكش حول التجارة الدولية واتفاقيات الشراكة الأورومتوسطية التي تلزم المغرب بإزالة كل الحواجز الجمركية في أفق 2010 وكذا التزامات المغرب اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية برسم اتفاقية التبادل الحر. فعواقب تراجع هذه المداخيل لن تستشعر بحدة إلا حينما لا يتبقى للمغرب ما يبيعه من مقاولات عمومية مربحة وحينما يعجز عن أداء مستحقات موظفيه ومتقاعديه.
- ويمكن أن نضيف إلى تراجع المداخيل الضريبية انعكاسات الخوصصة وبيع الدولة للمرافق العمومية، حيث أصبحت الخوصصة تطال بعض الوظائف التقليدية للدولة مثل تأمين الخدمات العمومية كالصحة العامة والتعليم الأساسي والمرافق العامة كالشوارع والجسور والمصارف والموانئ والمطارات والسكك الحديدية ومحطات الكهرباء والمياه ... الخ. فكل هذه الجوانب بدأت في إطار الخوصصة تسلم للشركات الأجنبية على الخصوص مع ما يستتبع ذلك من تحويل الأرباح بالنقد الأجنبي نحو الخارج وتكريس عجز ميزان الأداءات.
- وإذا كانت الخوصصة تؤدي إلى بعض المداخيل الاستثنائية فإنها تؤدي بالمقابل إلى حرمان الميزانية العامة من المداخيل العادية التي تدرها ممتلكات واحتكارات الدولة. ومعلوم أن مدا خيل الخوصصة إما أن تستعمل لتغطية عجز الخزينة العامة فلا يتم توظيفها في مجال الاستثمار أو توضع في صناديق لا توجد مراقبة ديموقراطية عليها ولا علاقة لها بميزانية الدولة.
- وعموما فإن المداخيل العادية تتراجع أمام تزايد المداخيل الاستثنائية لميزانية الدولة. فالمداخيل الضريبية أصبحت لا تمثل سوى 59 % فقط من ميزانية الدولة، وتعتبر هذه الظاهرة خطيرة بالنسبة للمستقبل، لأن النفقات ستبقى في تزايد مستمر.
- وأمام التدهور الحاصل في مداخيل الميزانية فلن تجد السلطات العمومية أمامها سوى المزيد من الاستدانة الداخلية والخارجية، أو الزيادة أكثر في معدلات الضرائب غير المباشرة التي تعتبر وسيلة سهلة وتستنزف القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود.
- ويخول القانون المالي الحالي إعفاءات ضريبية مهمة لقطاعات العقار والفلاحة والتصدير والسياحة ومناطق التبادل الحر، وهناك تقرير حول النفقات الجبائية يبرز حجم ما تتخلى عنه الدولة من امتيازات واعفاءات بلغت حوالي 15 مليار درهم سنة 2005، وهو ما يمثل 3,4 % من الناتج الداخلي الاجمالي.
- إن كلمة إصلاح في المغرب لا تعني بالنسبة للموظفين والطبقة العاملة وعموم الكادحين في جميع المجالات وخاصة في المجال الضريبي سوى تكريس مزيد من الحيف ومزيد من اتساع الفوارق الطبقية ومحاباة أكبر للرأسمال المحلي والأجنبي.
فالنظام الجبائي المغربي لا تقوم أهدافه على تحقيق العدالة الجبائية وتقليص الفوارق الاجتماعية بل يسعى إلى تكريس المزيد من هذه الفوارق الطبقية وظرب الحقوق الإقتصادية والإجتماعية.

على سبيل الخاتمة
يبدوا من خلال ما سبق تطويع الرأسمالية للأداة المالية لخدمة مصالحها، فسياسة الميزانية تشتغل لصالح رأس المال بكل وقاحة، فقد تم مؤخرا منح هدية كبيرة للرأس المال من خلال تخفيض الضريبة على الشركات من 35 % إلى 30 % والذي لن تستفيد منه سوى الشركات متعددة الاستيطان كما يتم تخفيض الضريبة على مؤسسات التمويل من 39,6 % إلى 37 % في افق تخفيضه في السنة المقبلة نحو 35 % بينما يتم تضريب المداخيل الصغرى والمتوسطة بشكل قوي سواء عبر الضريبة على الدخل أو عبر الضرائب على الإنفاق، فمن جهة تتقلص الأجور بسبب ارتفاع الضريبة على المداخيل الصغرى والمتوسطة ومن جهة أخرى ترتفع الأسعار نتيجة ارتفاع معدلات الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على السلع والخدمات الأساسية.
وإذا كانت الطبقات الكادحة هي أكبر ممول لمداخيل الميزانية من خلال ارتفاع المعدلات الضريبية المفروضة على مداخيلها، فإن هذه الطبقات هي الأقل استفادة من النفقات العمومية، بل أن هذه النفقات تستهدف تقليص الإنفاق الاجتماعي خصوصا على مستوى التعليم والصحة العموميين إضافة إلى العطالة المتفاحشة وعدم إيجاد الشغل القار لأبناء الطبقة العاملة، بينما يتوسع الإنفاق على القطاعات الإدارية والأمنية.
وعواقب هذه السياسات تبقى واضحة للجميع، فبينما يحقق رأس المال أرباحا خيالية، يذهب جزء كبير منها نحو المراكز الرأسمالية العالمية عبر تحويل عائدات رأس المال المستثمر من طرف الشركات متعددة الإستيطان أو عبر خدمة الدين العمومي وجزء آخر يغتني به التحالف الطبقي الحاكم والرأسمال المحلي، في المقابل يتزايد تدهور الأحوال الاجتماعية لعموم الجماهير الشعبية الكادحة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال أنه بتزامن مع تنفيذ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يتنازل موقع المغرب في سلم التنمية البشرية من 123 إلى 126.
إن سياسة الميزانية في المغرب تفتقد إذن لأية مصداقية ذلك أن العقد الاجتماعي المفترض والذي يجب أن يقوم بين مختلف أفراد هذا الشعب على أساس من التضامن الاجتماعي نجذه يضرب بكل قوة من طرف رأس المال الذي يشدد استغلال الطبقات الكادحة المستغلة.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحركات الاحتجاجية في المغرب ضد السياسات الاقتصادية والاجتما ...
- القانون المالي لسنة 2008 في خدمة الأغنياء
- أي أفق لتنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية في ال ...
- لم نتلق أي تحذيرات بالتراجع عن تنظيم الوقفات
- قافلة التضامن مع ساكنة مدينة صفرو وقرية البهاليل
- نجاح احتجاج فروع الجمعية المغربية لحقوق الانسان بالرباط سلا ...
- الغلاء استغلال إضافي للطبقة الكادحة من طرف الرأسمال
- ويستمر النضال ضد الغلاء وتدهور الخدمات العمومية
- ماذا بعد المقاطعة العارمة للانتخابات المخزنية؟
- الانعكاسات الوخيمة للغلاء على الشعب المغربي
- المنتخبون في المغرب لا يملكون السلطة لتنفيذ برامجهم الانتخاب ...
- من حقنا أن نشكك في نتائج الانتخابات المعلن عن نسبها المائوية ...
- معركة الشعب ضد الغلاء وتدهور الخدمات العمومية في واد والطبقة ...
- لنصنع تاريخنا من جديد أيها المناضلون
- أين كانت الأحزاب المغربية وقت الزيادة في المواد الاستهلاكية؟
- انفجار حركة الاحتجاج على غلاء الأسعار وتدهور الخدمات العمومي ...
- الديمقراطية الحقيقية هي الكفيلة بوقف تبذير المال العام
- المقدس هو الشعب
- الكثير من المسئولين في المغرب كانوا يتطلعون إلى فوز اليمين ا ...
- معارك حقوقية لا تنتهي؟


المزيد.....




- أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
- قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب ...
- انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ ...
- مصر.. ارتفاع أرصدة الذهب بالبنك المركزي
- مصر.. توجيهات من السيسي بشأن محطة الضبعة النووية
- الموازنة المالية تخضع لتعديلات سياسية واقتصادية في جلسة البر ...
- شبح ترامب يهدد الاقتصاد الألماني ويعرضه لمخاطر تجارية
- فايننشال تايمز: الدولار القوي يضغط على ديون الأسواق الناشئة ...
- وزير الاقتصاد الايراني يشارك في مؤتمر الاستثمار العالمي بالس ...
- بلومبيرغ: ماليزيا تقدم نموذجا للصين لتحقيق نمو مستدام بنسبة ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - سياسة الميزانية والهروب إلى الأمام