ندوتنا ستنتهي وهي الثالثة، حول المهام السياسية، النقاش معظمه تمركز على هذه النقطة.
أولاً: ماذا نعني بأوراق العمل؟ أوراق العمل لم نقدمها كوثائق للتعديل والإقرار، كان المقصود منها تحفيزالنقاش، كما قلنا منذ البداية، من أجل تحديد القواسم المتفق عليها والمختلف عليها. وهذا ماجرى، هذا سيسمح لنا في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، التي لاتمثل تيار قاسيون فقط، بل تيار قاسيون هو جزء منها، فيها ممثلون عن أهم حزب في سورية الذي هو حزب التاركين، فيها رفاق ممثلون ـ كانوا ومازالوا في فصائل أخرى ـ موجودون الآن في لجان التنسيق وفي اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين. ومن خلال هذا النقاش الذي سيجمل في الاجتماع الوطني الثالث سنتقدم خطوة إلى الأمام، نحن في الأفق نسير نحو مؤتمر توحيدي أو عمل توحيدي، لذلك فإن هذه الأوراق ستتحول إلى شيء آخر، سنخرج بشيء آخر جديد، الآن نفكر بوثيقة سياسية، ورقة سياسية هي بمثابة مسودة برنامج أو عمود فقري لبرنامج يضع كل هذه القضايا التي اتفقنا عليها، ويمكن أن تكون هذه مهمة الاجتماع الوطني الثالث الذي حان موعد انعقاده في نهاية العام.كل هذا النقاش مفيد كي نعرف أين وصلنا من الوحدة التي تكلم عنها الرفاق ومازال الموضوع قيد النقاش، والتي ليس المقصود بها جمع حسابي للفصائل الموجودة من (فوق لتحت) الوحدة التي نتكلم عنها تعني إعادة بناء حركتنا الشيوعية السورية من (تحت لفوق)، إعادة بنائها فكرياً وسياسياً وجماهيرياً وتنظيمياً وأخلاقياً، وإعادة بناء هذه الحركة يتطلب عملاً جدياً وطويلاً.
توجهنا لقيادات جميع الفصائل كي نعرف رأيهم، الرفيقة أم عمار لاتريد الحوار قطعاً، الرفيق رياض الترك، قال إنه ليس معنياً بوحدة الشيوعيين السوريين، اليوم هو مشغول بوحدة القوى الديمقراطية، الرفيق يوسف الفيصل أرسل وفداً لمرة واحدة ولم يرسله ثانية. لذلك نعود ونقول بأن موضوعة الوحدة من (تحت لفوق) تؤكدها الحياة وهذا ما أقره الاجتماع الوطني الثاني.
نحن لن نستثني أحداً من فوق، إلا إذا استثنى أحد نفسه، وهذه مشكلته. ولن نستطيع إجبار أحد.
في الحالة الانعطافية التي تمر بها المنطقة، يجري عملياً تكوين الفضاء السياسي، هناك بنى ستنهار وبنى ستنشأ.
وعملياً، لايريد البعض أن تكون هناك حركة شيوعية، لذلك علينا توقع الكثير من المفاجآت، ولذلك فإن وجود حركة شيوعية جدية معاصرة قادرة على تحمل مهام المرحلة الانعطافية هذه هي قضية مصيرية نتحمل نحن مسؤوليتها في نهاية المطاف.
إن المجتمع بحاجة إلى حزب ثوري، حزب ماركسي، حزب الطبقة العاملة، حزب الكادحين، نحن عندنا فرصة تاريخية، وعلينا التقاط هذه اللحظة لإعادة بناء الحركة عبر عملية التوحيد، و إذا ذهبت هذه اللحظة سيأتي من بعدنا من يستطيع إعادة بناء الحركة الثورية الشيوعية في بلادنا، و لكن إذا قمنا نحن بهذه العملية، سنقوم بها بأقل وقت ممكن وخسائر ممكنة وآلام ممكنة، وأعتقد بأن هذا واجبنا، وهذا ما يفرضه الوضع العام، في المنطقة يوجد انعطاف جار وذكرنا ذلك في وثائقنا.
مرحلة المد للقوى الإمبريالية التي بدأت منذ فترة الستينات، تتذكرون مذابح (أندونيسيا والعراق) انتهت، ومرحلة الجزر بانهيار الاتحاد السوفييتي والاشتراكية أيضاً انتهت، اليوم نشهد انعطافاً، الَجزْر يتحول إلى مد ، والمد السابق يتحول إلى جزر، لذلك نحن محكومون بالوحدة.
نحن محكومون بإعادة بناء حركتنا، وهذه عملية موضوعية.
هناك سؤالً بسيطً: لو أن قادتنا الذين نختلف حول تقييمهم ـ كل واحد له عواطف تجاه فلان أو فلان ـ استطاعوا تنفيذ البرامح الموضوعة أمامنا ووصلوا بنا إلى الاشتراكية، كيف كان سيكون موقفنا منهم الآن؟ هل كنا تحدثنا عنهم كما يتحدث البعض الآن؟
أعتقد أننا كنا علقنا صورهم في هذه القاعة من أولهم لآخرهم. هذه هي الإشكالية التي نناقشها الآن، وفي النهاية يجب أن لا نضع المشكلة في إطار أشخاص، هذا تصغير للمشكلة، و القضية أكبر من ذلك، وأوراق العمل تعالج هذه القضايا والمواضيع، لذلك فإن النقاش الذي جرى منذ فتح النقاش إلى الآن هام جداً، علينا أن نخرج منه باستنتاجات ضرورية وأهم الاستنتاجات الضرورية:
- قلنا في السبعينات، لو انطلقنا في موقفنا من الوضع الداخلي لكنا في المعارضة، هذا الكلام قلناه بوجود الاتحاد السوفييتي ضمن منطق ذلك العصر، وكانت مهمة الشيوعيين أن يحافظوا على سورية في معسكر العداء للإمبريالية الأمريكية لأنهم كانوا يظنون أنهم هكذا يؤدون واجبهم الأممي، القضية كانت هكذا ببساطة.
ومن منطق ذلك العصر لم يكن خطأً واليوم وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي انتقلنا إلى مستوى آخر وأصبحنا نقول أن القضية الوطنية والقضية الاقتصادية ـ الاجتماعية والقضية الديمقراطية كلها أوجه للعملة نفسها، نقول إنه لا يمكن فصلها عن بعضها في الممارسة العملية. أما كيف سيحوّل الواقع وهذه الممارسة هذه القضية أو تلك إلى فعل، هذه قضية أخرى.
■ الديمقراطية ليست طرح شعار، بل هي إيجاد تلك القوى وتوازن تلك القوى التي تمكن من تحقيق هذه الشعارات.
الديمقراطية لا تستجدى بل تنتزع ضمن توازن قوى ملموس اجتماعياً عبر النضال الوطني والطبقي، هذا ما نعمل لتوفيره اليوم، لذلك فإن مقياس الوطنية ليس هو المقياس نفسه منذ عشرين عاماً، ماهو مقياس الوطنية قبل خمسين عاماً أيام الاحتلال الفرنسي؟ كان الجلاء الكامل دون قيد أو شرط. وفي الخمسينات، الوقوف مع الاتحاد السوفييتي ضد المعاهدات والأحلاف، وفي السبعينات أيضاً الوقوف مع الاتحاد السوفييتي، دون أن ندرك ماذا يحدث تحت، أما المقياس اليوم فهو الوقوف ضد الأمريكان والصهيونية، هذا صحيح، أما كيف نقف ضد مخططاتها الاقتصادية والاجتماعية في الداخل التي تحاول أن تؤمن سبل انتصار مشروعهم؟ هذا يكون بالوقوف في الداخل مع حركة الجماهير التي تحاول أن تتأهل لإيقاف مشروعهم، لذلك نعتقد بأن هذا الإنجاز غير مسبوق في أوراق العمل والورقة السياسية منها خاصة.
إن المهام الوطنية العامة، بمعنى مواجهة إسرائيل العدوانية والاحتلال، والمهام الاقتصادية ـ الاجتماعية بمعنى لقمة الشعب، والديمقراطية بمعنى حق التعبير بالأشكال المختلفة جميعها اندمجت ولا يمكن فصلها عن بعضها بعضاً وهذا ما يجعلنا نتميز عن قوتين هامتين موجودتين في الساحة، الأولى قوى السوق وهي أيضاً تريد الديمقراطية وتتحدث عن الديمقراطية، لكنها تريد ديمقراطية أخرى غير الديمقراطية التي نريدها نحن وليست بالشكل الذي نفهمه نحن.
أحد الرفاق عضو مكتب سياسي (فصيل رياض الترك) قال: «تلك الديمقراطية التي تلغي مكاسب الطبقة العاملة هي ديكتاتورية» وبذلك خالف موقف أمينه الأول الذي يرى أن الأفق هو التوجه إلى الديمقراطية بأفق ليبرالي.
هناك وجهات نظر في هذا الموضوع، ومن جهة أخرى هناك أحزاب في الجبهة مازالت إلى جانب صيغة السبعينات التي لم تستطع رؤية الأمور في تطورها اللاحق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
نحن سنتفاعل مع كل من يتفق معنا على جزء من برنامجنا، وكلما اتفقنا أكثر يكون أفضل، وبرنامجنا المتكامل يميزنا عن غيرنا.
هناك قوتان اجتماعيتان تمثلان تمثيلاً صافياً القوى في البلد، هما غرفة تجارة دمشق واتحاد غرف التجارة تمثل قوى السوق من جهة، والطرح الذي تمثله اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين الذي هو نقيض لقوى السوق و الذي يمثل الطبقة العاملة والكادحين من جهة أخرى. أما القوى الأخرى كلها بدون استثناء، فيوجد فيها حزبين أي اتجاهين، بمعنى البرنامج وبالمعنى الفكري والاقتصادي ـ الاجتماعي.
اليوم في سورية يجري فرز ومانسميه إعادة تكوين الفضاء السياسي والبنية من جديد،ومن هنا تأتي أهمية وجودنا والسير سريعاً نحو موضوع الوحدة ليس كما في السابق (بوسة شوارب) الوحدة ضرورة سياسية وستحصل لأن الواقع يريدها، ومازلنا موجودين، وستكون هناك صعوبات ، ولكن ليس هناك من عمل كبير بدون صعوبات يجب اجتيازها.
■ وأخيراً البرجوازية الوطنية هل هي موجودة؟
نعم هي موجودة، أما ماهو وزنها فعلياً؟ هذا يحتاج إلى بحث.
هناك برجوازية طفيلية ولها وزن هائل جداً، وقوتها هائلة جداً وهي موجودة فعلياً ورسمياً خارج منطقة القرار. أما البرجوازية البيروقراطية فقسم كبير منها متحالف مع البرجوازية الطفيلية أيضاً.
البرجوازية الوطنية التي تعمل في مجال الإنتاج، ماهو تأثيرها فعلياً؟ هي موجودة لكن نحتاج إلى دراسة لمجتمعنا، نحن نتحدث عنها وينبغي أن تكون حليفاً لنا، لكن ماهو وزنها اليوم، الذي يمكن أن يصب في المعركة، يجب أن لا نتجاهله ولكن أيضاً ينبغي أن لا نبني آمالاً كبيرة عليه،.
وأخيراً،الانقسامات. بدأت منذ السبعينات وحتى الآن، وكل انقسام هو تجزيء، وكان من الضروري شخصنة التجزيء، لذلك كان كل انقسام يسمى بأسماء رؤوسه، وكل انقسام يرجع وينقسم ثانية، هذه أدوات الانقسام.
فن التوحيد له أدوات أخرى تختلف نهائياً عن فن الانقسام، شخصنة الحالة التي نحن فيها المقصود منه إعاقة تطورها، ونحن ماضون بالعكس، ماضون باتجاه التوحيد، شخصنة حالتنا المقصود به تضييق وتصغير طيف تأثيرها، لذلك نحن ضد شخصنة الحالة، نحن نستكشف أدوات التوحيد، وكل شخص مهما كان قوياً وفعالاً لا يمكن أن يكون طيفه مثل طيف فكرة قوية، لذلك فإن الفكرة هي التي تجمع، وبالعكس الأشخاص في حالتنا طيفهم يحد من الحالة.
لذلك نحن ضد الشخصنة، ليس لأننا لا نريد أن يتحدث الناس عنا وعن وجوهنا، بل لأننا ننطلق من رؤية واقعية. الوحدة ضرورية من أجل تنفيذ مهامنا السياسية الموضوعة أمامنا وسنصل لها عاجلاً أم آجلاً بدعمكم وتعاونكم جميعاً.
■■ الكلمة الختامية التي ألقيت في الندوة المركزية الثالثة للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، والتي أقيمت في محافظة الحسكة بتاريخ 17/10/2003/، تحت عنوان:«المهام السياسية الأساسية»: