|
بلعين .... والكفاح الجماهيري
طلعت الصفدى
الحوار المتمدن-العدد: 2159 - 2008 / 1 / 13 - 05:45
المحور:
القضية الفلسطينية
يواصل اهالى قرية بلعين بإصرار، وبعناد منقطع النظير ، المرأة الفلسطينية ، والمزارعون، والفلاحون، والعمال، والمثقفون ، وبإسناد من مجموعات المتضامنين الأجانب ، احتجاجهم ونضالاتهم الجماهيرية الأسبوعية ، ضد سياسة نهب الأرض ، وإقامة جدار الفصل العنصري الذي يلتهم جزءا كبيرا من أراضيهم ويهدد حياتهم ووجودهم على أرضهم ، ويحيل حياتهم إلى جحيم ودمار ، والتي استطاعت بتنظيمها العالي ، وبإرادتها الصلبة ، وبقيادتها الجماعية ، وبلجنتها الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان ، أن تستصدر قرارا من المحكمة العليا الإسرائيلية في أيلول الماضي بهدم الجدار ، وبإعادة أكثر من ألف دونم من هذه الاراضى إلى أصحابها الشرعيين بفعل كفاحها الجماهيري الذي استقطب تأييد جزءا من الرأي العام العالمي ، دون أن يستفز وسائل الإعلام الجماهيرية الصحافية والإذاعية ، وفى مقدمتها تليفزيون وفضائية فلسطين إلا عبر نشرات إخبارية موجزة ومقتضبة ، ودون تسليط الضوء على أهمية هذا النموذج من المقاومة الشعبية ، وجسدت قرية بلعين ، بالفعل والعمل مقولة القائد والشاعر الشيوعي توفيق زياد " الأرض والفلاح والإصرار اقانيم ثلاث لا تقهر، لا تقهر " .
هذا النموذج من الكفاح الجماهيري لا يعيره اهتماما أصحاب الشعارات النارية ، والكلمات الجوفاء في الصمود والمقاومة ، ويعتبرونه أداة نضالية غير مجدية في مقاومة الاحتلال ، أو في التصدي للطغم القمعية المعادية للديمقراطية ، والعدالة الاجتماعية ، وفى مواجهة مظاهر استغلال الإنسان لأخيه الإنسان . هذا النموذج الذي أثبت جدواه وفعاليته في العديد من البلدان التي تعرضت للاحتلال الاجنبى ، وفى إحداث التغيير، والثورة الاجتماعية ، والتصدي للحكومات الرجعية والقمعية ضد شعوبها ، واعتبر رافعة حقيقية في الدفاع عن الوطن ، وحقوق الإنسان ، وهو أحد أشكال النضال السياسي والاقتصادي والفكري.
وإذا كان البعض لا يروق له هذا النموذج من الكفاح الجماهيري ، ويستخف به لاعتبارات خاصة ، أو لجهل في نجاعته الكفاحية ، ويحاول أن يضعه في تعارض مع الفعل العسكري والعنيف ، ويحاول أن يفرض شكلا مقاوما وحيدا ،فان العمل العسكري كأرقى أشكال العمل السياسي يحتاج لمقدمات ، ومناخات داخلية ملائمة ، يكون تتويجا لها ، وبضرورة توفر الشروط الموضوعية والذاتية لاستخدامه . وإذا كان قانون المقاومة يعمل بمجرد تواجد القوات الغازية على الأرض ، فانه يحتاج لنضالات جماهيرية وشعبية لإنجاح المقاومة ، وتحقيق الأهداف " في ظل ظروف معينة ، يكون العنف ضروريا ومفيدا ، إلا أن هناك ظروفا لا يمكن للعنف في ظلها أن يؤتى ثماره " لينين.
لقد أثبتت تجارب الشعوب ، وحركات التحرر في العالم ، التي خضعت بلدانها للاحتلال الاجنبى ، أن النضال الجماهيري ، يوفر إمكانيات واسعة في مواجهة العدو المسلح والقمعي والقادر على البطش وإرهاب المواطنين ، وملاحقة المناضلين ، عبر مساهمته في تشجيع انخراط أوسع مشاركة حقيقية للجماهير الشعبية ، وكافة الفئات الاجتماعية ذات المصلحة في التخلص من الاحتلال ، وفى استمرار النضال والكفاح ضده ، وفى نفس الوقت يسمح للقيادة باستخدام كافة الطاقات المتوفرة ، وبشكل فعال ونشط ، وهادف ، ومعرقل لتحركات العدو ، ويسمح بتطوير أدوات النضال المختلفة .
إن هذا النموذج من العمل الجماهيري والشعبي ليس وليد المرحلة الحالية في التاريخ الفلسطيني ، بل هو جزء من تاريخ البشرية ، في نضالاتها المختلفة ، وفى فلسطين ضد الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية والقوى الرجعية ، وضد الظلم والقهر الوطني والطبقي ، وكان دائما أداة حقيقية في الصراع الطبقي ضد المستغلين والديكتاتوريين ، ومقدمة لثورات اجتماعية ، وانتفاضات مسلحة .
فالعمل الجماهيري والعمل المسلح أسلوبان نضاليان لكل منهما مقوماته وأهدافه ، وسماته التي يتمتع بها ، ومرحلته التاريخية المعبر عنها ، أسلوب يتعلق بعنصري الحركة الزمان والمكان ، واللجوء لهذا الأسلوب أو ذاك ، أو الدمج بينهما مرهون بطبيعة الأهداف الإستراتيجية والتكتيكية ، وبموازين القوى ، وبالقوى المحركة الأساسية للثورة الوطنية التحررية ، أو الثورة الاجتماعية ، وبالحلفاء ، وبمواقع الإسناد والدعم المحلية والدولية ، وان عملية الدمج ما بين الأسلوبين تحددها طبيعة المرحلة ومهامها ، والتي تتطلب وضع الخلاف أو التعارض بينهما جانبا ، فعملية التزاوج بينهما تصبح مهمة فهم طبيعة الصراع وأشكاله المختلفة .
العمل السياسي والكفاح الجماهيري هما رديفا للكفاح المسلح ، ومكملا له ، وإذا كانت الانتفاضة الأولى عام 1987 شكلت النموذج الساطع لنجاعة العمل الجماهيري والشعبي ، وبين قدرة الجماهير على مواجهة الاحتلال ، وأساليبه القمعية والوحشية المختلفة ، وعززت من ثقة الجماهير بقوتها ، وقدرتها ، ومشاركة القطاعات والفئات الاجتماعية المختلفة ، ودورها الايجابي في مقارعة المحتلين ، فان انتفاضة الأقصى عام 2000 لم تنجح في الجمع ما بين النموذجين ، بل وتصارعتا فيما بينهما ، مما ألحقت ضررا كبيرا ، وقادت إلى تراجع دور الجماهير الشعبية في الانتفاضة ، وتحولت الانتفاضة من انتفاضة شعبية وجماهيرية بإشكالها الكفاحية إلى مجموعات مسلحة ، فقدت بهذا بعدها الشعبي ، والجماهيري مما أضعفها ، وسمح للاحتلال بتنفيذ كافة أساليب الإرهاب لإجهاضها وإضعافها ، وسهل عملية ملاحقة المناضلين واصطيادهم ، وإحداث خسائر بشرية ومادية في صفوف الشعب الفلسطيني.
وإذا كانت المعركة الحقيقية في الضفة الغربية على الأرض الفلسطينية ، حيث المستوطنين والمستوطنات ، ونهب الاراضى ، وتهويد القدس ، وإقامة الجدار العنصري ، وعزل المدن والقرى والبلدات عن بعضها ، ومنع الشعب الفلسطيني من التواصل ، وعزله عن بعضه البعض ، والاستفراد بكل تجمع سكاني على حدة ، فهذه لا يمكن مواجهتها إلا بخطة كفاحية جماهيرية ، تستقطب كل فئات وشرائح شعبنا ، حتى لا يشعر المستوطنون بطعم الراحة ، وبضرورة أن يعيشوا في حالة من الخوف والقلق على مصيرهم طالما بقوا على الاراضى المصادرة من أصحابها الشرعيين ، ويتأكد لهم تصميم شعبنا على مقاومة الاحتلال ، وإزالة المستوطنات ، وإصراره على الدفاع عن أرضه ووجوده ، وهذه ليست مهمة قرية بلعين الصامدة لوحدها بل هي مهمة كل المدن ، والقرى والبلدات التي تتعرض بشكل مباشر أو غير مباشر لقطعان المستوطنين ، والتي تتطلب إعادة الاعتبار للكفاح الشعبي والجماهيري ، والاستفادة من تجربة بلعين الرائدة ، وباستنهاض كل القوى الوطنية ومكونات المجتمع المدني لمواجهة سياسة الاحتلال والاستيطان ، ونهب الأرض ، وإقامة المستوطنات والاعتداءات المتكررة على حياة الشعب الفلسطيني ،والعمل على استجلاب المزيد من المتضامنين من دول العالم لفضح السياسة العدوانية والتوسعية المعادية للسلام والأمن في المنطقة .
#طلعت_الصفدى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن أي ديمقراطية تتحدثون...؟؟؟
-
جرائم الشرف... من المسئول؟؟؟
-
لم يرتضها لحماره... فارتضاها لشعبه...!!!
-
هل تعلمنا الدرس .. من شيخ المناضلين د. حيدر عبد الشافي؟؟؟
-
تهنئة من القلب والفكر..!!
-
لماذا يا غزة؟؟؟؟
-
في غزة... أبو عمار يبعث حيا...!!!
-
- أنا بوليس - ....!!!!! I AM POLICE -….!!!! -
-
انتبهوا.. انتبهوا..لا تظلموا الشيعة فانهم من عروبتنا !!!!
-
مؤتمر الخريف... عوامل النجاح والفشل...!!!
-
الزحف على الأقدام .... أرحم منكم !!!
-
يا نساء الوطن الفلسطينى ..أين كتائبكن المسلحة ...؟؟؟؟
-
حى الشجاعية بغزة... وصناعة القهر الظلامى
-
عن أطفال من غزة .... يعشقون الزعتر والحجر
-
لا دين للإرهاب .. ولا وطن له...!!!
-
بلدية غزة بين إهمال الحكومة... وقهر المجتمع!!!
-
يا حكومة فياض... كفى استهتارا بجنود الشعب...!!!
-
لا لنقابات السلطان
-
ليس دفاعا عنهم... بل دفاعا عن حرية العبادة...!!!
-
ترجل الفارس.. وبقى شامخا !!! شاهد على محطات ذات معنى ، ومغزى
...
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|