مرة أخرى يثبت لنا بعض مثقفينا وأدبائنا الكرام بأن ثقافتهم هذه أنما هي مبنية ومرتكزة على أساس واهي واحد لا غير وهو الكره لأمريكا و لحضارتها التي ملأت الآفاق و التي لا يوجد بيت في العالم و منها بيوت هؤلاء المثقفين ألا وفيه أختراع من أختارعات وأبداعات هذه الحضارة أو أكثر ولكن للأسف فأن أغلب هؤلاء المثقفين أخذتهم العزة بالأثم فصاروا وهم يدّعون الثقافة ويعدّون أنفسهم من النخبة التي من المفترض أن تقود الأمة يرون الحق و الصواب ويحيدون عنهما حتى أصبحت حياتهم و حياة شعوبهم مشروع فشل يحكمه الباطل وكله أخطاء في أخطاء .
ففي أحد الأستطلاعات التي تجريها بعض وسائل الأعلام حول المسلسلات الرمضانية تبين بأن مسلسل " الليل وآخره " قد جاء في المرتبة الأولى من ناحية البعد الدرامي للمسلسل .. في حين أعتُبر مسلسل " العمة نور " الأسوء من بين مسلسلات رمضان وقيل بأن الصحافة المصرية ( للأسف ) أتفقت على مهاجمة المسلسل لأنها لم تر فيه أي بعد درامي متجاوزة وبأجحاف البعد الأجتماعي الكبير والمهم والحساس للمسلسل بالأضافة لأحتوائه على بعد درامي وأن كان بسيطاً .
وكان السَبّاق في الهجوم على هذا المسلسل الناقد أشرف بيومي والذي أعتبََر العمل تافه ولا يحمل مضموناً ووصف بطلته بأنها تنصح بمنطق أخلاقي لا مكان له في مجتمعنا في محاولة منها لنقل قيم أمريكية دخيلة على مجتمعنا أضافة لما يحمله هذا أيضاً من أهانة لنا .
وبعيداً عن توجهات الأستاذ بيومي المعروفة و المفضوحة والتي لا نريد أن نخوض فيها الآن فأن المسلسل ليس بالصورة التي وصفه بها الأستاذ والذي بوصفه ناقداً عليه أن لا يرمي الكلام على عواهنه فالعمل ليس تافهاً كما يدعي لأن فيه من الأفكار المطروحة الكثير و فيه من الأبداع في التمثيل الكثير متمثلاً بشخص الفنان الكبيرالمتجدد والمتألق دوماً عبد الرحمن أبو زهرة بالأضافة الى تألق النجمة فادية عبد الغني في دور الأم البسيطة و لا ننسى الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد والتي تؤدي دورها في المسلسل ببراعة وأتقان كبيرين على عكس ما يصفها به الأستاذ بيومي .
أولاً أود أن أتسائل .. ما دخل القيم الأمريكية بتشجيع بطلة المسلسل الحاصلة على شهادة الدكتوراه في التربية من أمريكا لأبناء أخيها على الدرس و المثابرة و تحديد أهدافهم في الحياة بدل العيش على هامشها كما وجدتهم بعد عودتها من أمريكا وكما هو وللأسف حال غالبية الشباب في مجتمعاتنا بسبب اسلوب التربية والتعليم الخاطيء والذي لا نرى من الأستاذ بيومي و صحبه أي مبادرة لأصلاحه أو تغييره بل على العكس نراه وأمثاله يقفون حجر عثرة بوجه أي خطوة أو مبادرة للأصلاح بحجة الحفاظ على قيم وعادات مجتمعنا من الغزو الثقافي الغربي وهو بكل تأكيد كلام حق يراد به باطل .
وأي قيم أمريكية دخيلة هذه التي يحاول المسلسل وكما يدعي الأستاذ أدخالها الى مجتمعنا ! .. على العكس فأن المسلسل يشخص و ينقد و يحاول معالجة القيم الدخيلة حقاً على مجتمعنا والتي ساهم في أدخالها وترسيخها في هذا المجتمع جيل الأستاذ بيومي ( جيل الستينات والسبعينات ) والذي لم يأخذ من الحضارة الغربية والأمريكية حينها سوى القشور تاركاً ما فيها من تطور و رقي في ميادين العلوم والفنون والثقافة وفي أساليب التربية والتعليم والتي أوصلت المجتمعات الغربية الى ماهي عليه الآن من قوة و رفعة.. لذلك نجد مجتمعاتنا مليئة بالمرضى والمتخلفين والمتطرفين بسبب أسلوب التربية والتعليم الخاطيء المتبع في أغلب الدول العربية والأسلامية .
يصف الأستاذ الناقد وكمل ذكرنا طرح المسلسل بالمهين لنا ولا أعلم حقيقة أي أهانة في طرح سلبيات المجتمع لتشخيصها و وضع الحلول لها بدلاً من نكرانها وتجاوزها والتغاضي عنها ! .. في الحقيقة أرى أن من العيب على الأستاذ بيومي وهو ناقد مخضرم و ليس مبتديء تقييم المسلسل بهذه السطحية فمجتمعاتنا مليئة بشخصيات كالتي قدمها المسلسل .. فالشباب المُحبط بسبب البطالة والذي يقضي نصف ربيع عمره في الدراسة والنصف الآخر بأنتظار تعيينات القوى العاملة موجود في مجتمعنا.. ونموذج العائلة الغنية التي ينحرف أبنائها أو يضيعون بسبب أهمال الأهل نتيجة أنشغال الأب عن بيته بالعمل والنزوات و الأم بالتفاهات والترّهات موجود أيضاً في مجتمعنا .. كما أن نموذج الأساتذة والمعلمين الذين نسوا بأنهم مربين قبل أن يكونوا أساتذة ومعلمين والذين أصبح كل همهم هو جمع المال عن طريق العمل الروتيني أو الدروس الخصوصية أو المدارس الأهلية موجود أيضاً في مجتمعنا .. هذا بالأضافة الى العديد من النماذج الواقعية والموجودة في المجتمع والتي يقدمها المسلسل بأسلوب درامي شبه كوميدي جميل لأبرازها والتنبيه اليها .. وكل هذه التماذج تحتاج الى علاج سريع و فوري و عملي و ليس الى تنظير طوباوي ممن أستعذبوا التأخر والجهل والتخلف وهو ما يحاول المسلسل الأشارة اليه من خلال شخصية البطلة والتي يحتاج مجتمعنا الى الكثير من أمثالها أن أراد النهوض و التطور .
ولكن يبدو بأن كره الأستاذ بيومي لأمريكا و حقده الذي يحمله على الحضارة الأمريكية والذي نلمسه دائماً في حديثه وتصريحاته قد طغيا على الأنصاف والأعتدال والحيادية التي يجب أن يتصف بها أي ناقد والتي للأسف لم نلمسها في نقد الأستاذ بيومي للمسلسل .
لقد قالت العمة نور في أحد حواراتها في المسلسل مع أبنة أخيها وهي تحاول نصحها وتوجيهها الى الطريق الصحيح والبداية الصحيحة لحياة أي أنسان سَوي :
" أن كل أنسان لا بد وأن يحدد ويمتلك ثلاثة مقومات يجب أن تكون جزئاً من شخصيته ليعيش بشكل طبيعي و يشعر بأنه أنسان له قيمة وله هدف في هذه الحياة يسعى من أجله وهي ( الشهادة ) و ( الصنعة ) و ( الهواية ) " ولتوضيح الموضوع أضافت " على سبيل المثال أنا دكتورة في التربية وصبّاغة جدران من الطراز الأول ولدي العديد من الهوايات كالرياضة والقرائة وغيرها " .
بهذه الكلمات البسيطة لخصت العمة نور متطلبات الشخصية السوية للأنسان والتي نادراً ما نجدها في مجتمعاتنا اللهم ألا ما رحم ربي بالأضافة الى نفر قليل ممن درسوا في الغرب و قضوا فترة شبابهم و فترة تكوين شخصيتهم هناك مما ساعد على تطبُّعهم بهذه الصفات الحميدة والتي بقوا ملتزمين بها حتى بعد عودتهم الى بلدانهم لأنهم وجدوا أنها الأصلح والأصح وما يجري عندنا هو الخطأ .. فأسلوب التربية الخاطيء في مجتمعاتنا والذي يتركز خطابه على التغني بأمجاد الماضي وأستنهاض القيم الأصيلة وغيرها من هذه الترّهات زرع فينا ثقافة الغرور والأستعلاء فالكثير من العرب والمسلمين ممن يعيش في الغرب لا يستوعب على سبيل المثال فكرة أن يعمل صبّاغاً أو نادلاً أو منظفاً في حال عدم أستطاعته الحصول على عمل بأختصاصه الذي درسه في المعهد أو الجامعة في حين أن هذا الشيء عادي في الغرب وجزء من أساسيات الشخصية هناك لذا تجد بروفيسوراً أو عالماً كان قد عمل أثناء فترة دراسته الأولية بل وحتى العليا نادلاً في أحد المطاعم أو صبّاغاً باليومية أو عامل تنظيف في أحدى الشركات من أجل أن يوفر أجور دراسته .. فالأنسان في الغرب لا يستوعب فكرة أن يعيش بدون عمل رغم قوانين الضمان الأجتماعي الرائعة التي سنّتها الدول الغربية لمواطنيها في حين نرى الأنسان في مجتمعاتنا والذي يخبره دينه بأن ( العمل عبادة ) كسول .. غيرمنتج .. يقضي يومه في الترّهات والقيل والقال ولايبحث عن فرصة العمل بل ينتظرالفرصة والعمل الى أن تأتي اليه بنفسها .
وفي رأيي كان من الممكن أن يصبح المسلسل أكثر مقاربة للواقع لو أنه أنتهى بيأس البطلة و فشلها في أصلاح محيط المجتمع الذي عاشت فيه رغم أن النهايه كانت جيدة ومدروسة .. فهذا المحيط والذي كان ممثلاً في المسلسل ببيت أخيها وأفراد أسرته بالأضافة الى أفراد أسرة مدير المدرسة الأهلية التي عملت فيها لفترة يمثل نموذجاً مصغراً لمجتمع أكبر ميئوس منه لأننا في الحقيقة مجتمعات ( خربانة ) و( منتهية الصلاحية ) لا ينفعها ولا يصلحها لا العمة نور و لا مليون عمة نور .. فما الذي بأمكان العمة نور أن تفعله لأصلاح هكذا مجتمع ؟ .. وما لفائدة حتى لو نجحت العمة نور في ترسيخ أسلوب تربية صحيح وسليم في داخل البيت أذا كان كل شيء خارج البيت يسير بشكل خاطيء من الشارع الى المدرسة الى الجامعة الى مكان العمل .. كل شيء غلط وخاطيء ويسير بشكل معكوس في مجتمعاتنا فالقوانين أغلبها غلط وأساليب التربية غلط و بنية مؤسساتنا السياسية والأجتماعية غلط في غلط .
لقد كشف هذا مسلسل " العمة نور " عورة مجتمعاتنا التي تعيش على هامش الحياة بما فيها من تخلف وضياع وتأخر عن ركب الشعوب المتحظرة والبشرية جمعاء .. لذا ليس غريباً أن يتعرض المسلسل لهذا الهجوم من بعض ما يسمى بمثقفي العرب وهم في الحقيقة مؤخري و مخلّفي العرب فهم و بدلاً من أن يقوموا بتوعية النشأ الجديد بشكل صحيح و سوي .. و بدلاً من أن يزرعوا فيهم قيم المحبة والأحترام للآخر .. و بدلاً من أن يكونوا في طليعة الداعين للتجديد و لنبذ القيم والعادات البالية والخاطئة في المجتمع نراهم على العكس يدفعون الشباب و النشأ الجديد الى التطرف و الضياع و الى التمسك بعادات مجتمعه الخاطئة والتي هي في الأغلب ما أنزل الله بها من سلطان بحجة الحفاظ على قيمنا و خصوصيتنا و ثقافتنا و حمايتها من القيم الغربية الدخيلة .. علماً بأن مجتمعاتنا هذه قد أخذت على الأعم السيء من عادات المجتمعات الغربية و تركت ما يفيد منها و هو ما يحاول المسلسل التنبيه والأشارة أليه و بقوة .. و لكن و للأسف فأن لكل زمان ظلاميوه و رجعيوه و من هاجم المسلسل هم و بكل تأكيد من هؤلاء .