يواجه شعبنا الفلسطيني مرحلة نوعية جديدة في الهجمة الإسرائيلية العدوانية مع عبور الانتفاضة إلى عامها الرابع، وبتغطية أمريكية سواء بالحرب المفتوحة على المقاومة، أو بتوسيع نطاق مشروع الضم والاستيطان بالجدران العنصرية العازلة وغلاف القدس وغيره، إضافة للقرار المبدئي بإبعاد الرئيس عرفات وذلك بهدف خلق واقع سياسي وميداني، ضمن المحاولات المتواصلة للحكومة الائتلاف اليميني الصهيوني لفرض حلها الانتقالي طويل الأمد، فالحكومة الإسرائيلية استخدمت كل قوة جيش الاحتلال الإسرائيلي وجربت جميع الخيارات العسكرية ولم تنجح في إخماد الانتفاضة أو تصفية المقاومة، رغم نقاط الضعف الفلسطينية الداخلية والثغرات والحصار الإقليمي الدولي، هذا يعود إلى الصمود الأسطوري لشعبنا رغم ضخامة تضحياته وشدة معاناته، وهو ما مكن الانتفاضة من تحقيق إنجازات هامة وأحداث أسوأ أزمة أمنية واقتصادية وأخلاقية وسياسية تشهدها إسرائيل، مما دفعها لمحاولة تهريب الأزمات التي تعيشها حكومة شارون بسبب عجزها عن كسر إرادة الشعب الفلسطيني وانتفاضته ومقاومته بالعدوان على سوريا والتهديدات المستمرة لها بغطاء أمريكي. وما تعيشه الإدارة الأمريكية من مأزق متفاقم بفعل المقاومة العراقية الباسلة لقواتها المحتلة، لذلك تلجأ الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية لتصدير أزماتها إلى الخارج بالتهديد والعدوان وبالخروج عن مبادئ القانون الدولي، وجعل نفسها قاضياً بديلاً عن الشرعية الدولية والدليل الصارخ على ذلك القانون الخاص بمحاسبة سوريا.
إن وهم إعادة تشكيل المنطقة جذرياً بما يعزز الهيمنة الأمريكية، وتكون فيها إسرائيل السيد، تعترضه عقبات جديدة، بفعل تصاعد المقاومة في فلسطين والعراق. والممانعة التي تبديها بعض الأنظمة بدرجات متفاوتة لاستراتيجية التغيير الجذري المدارة أمريكياً والتي تمسها. ونظراً لأن خيار الانتفاضة هو الطريق نحو الحرية والاستقلال والعودة، فهذا يتطلب مواجهة التحديات والمخاطر وتقليص التضحيات، وتحصين الانتفاضة ومعالجة جوانب الضعف والثغرات في بنيتها واستراتيجيتها لإفشال سياسة شارون الرامية إلى فرض حل تصفوي للحقوق الوطنية الفلسطينية، ومواجهة الضغوط الإسرائيلية الأمريكية.
فالرؤى المتباينة في الصف الفلسطيني لتكتيك إدارة الصراع وأشكال العمل والنضال شكلت ثغرة كبيرة تستفيد منها الحكومة الإسرائيلية إلى أبعد الحدود. والثغرة الأهم ما زال يشكلها واقع ابتعاد الشريحة المتنفذة في السلطة عن اعتماد سياسة تتقدم على طريق الوحدة الوطنية بأفق وبرنامج القواسم المشتركة للخروج من الأزمة العميقة داخل البيت الفلسطيني، وصولاً إلى إعادة بناء استراتيجية وطنية موحدة ببرنامج سياسي موحد واتباع نهج موحد للمقاومة، وتعميق الطابع الشعبي الديمقراطي المنظم للانتفاضة وتشكيل قيادة وطنية موحدة تضم الجميع وتشركهم في صنع القرار الوطني، وإقامة حكومة اتحاد وطني بما يعزز مقومات الصمود لشعبنا في مواجهة العدوان من خلال خطة وطنية للإصلاح والتغيير الديمقراطي.
إن حكومة الطوارئ انتهت إلى طريق مسدود، وهي لم تكمل شهراً واحداً من عمرها، لأنها تعبير عن رغبة المتنفذين في السلطة لاحتكارها من جديد، وقبلها كانت استقالة حكومة أبو مازن بعد فترة قصيرة من تشكيلها، وكل ذلك ناجم عن الأزمة المزمنة التي تعاني منها مؤسسات السلطة والتي ترجع بالأساس إلى الطابع الفردي لآلية صنع القرار الفلسطيني ولا يمكن حل هذه الأزمة الآن بحكومة فئوية ضيقة أو موسعة يشكلها الأخ أبو العلاء من جديد، إذا استمر نفس النهج الذي تسبب في تفاقم الأزمة.
إن حكومة أبو العلاء تسير إلى مزيد من الأزمات التي تؤذي الجميع، في الوقت الذي يواجه فيه شعبنا أشرس هجمة عدوانية إسرائيلية، وفي الوقت الذي يجب أن تتجه فيه كل الأنظار وتعبأ كل الجهود لمواجهة وإفشال أهداف الحرب الإسرائيلية المفتوحة على شعبنا.
إن الصراع الفئوي على الصلاحيات والنفوذ داخل السلطة، أساء كثيراً لقضية شعبنا وتضحياته العظيمة، وأسهم في لفت الأنظار عما يتعرض له من جرائم حرب إسرائيلية، ليس من مصلحة شعبنا الدخول في هذه المعارك الجانبية بل محاصرتها وإنهائها، فالوقت ليس وقت اقتسام كعكة السلطة والصراع على ذلك، بينما شعبنا يعاني مرارة وآلام العدوان والهجمة الاستيطانية الواسعة، ولا مخرج سوى نهج التفرد والانفراد، فالمعالجة الوطنية الشاملة هي القادرة على رسم الحلول وصيانة حق شعبنا في الانتفاضة ومقاومة الاحتلال، وإعادة بناء المؤسسات في السلطة و م. ت. ف. على أسس ديمقراطية لأن إحلال الأفراد مكان المؤسسات لا يولد سوى هذه الصراعات غير المبدئية.
ومن المهم أن نذكر هنا بأن جوانب الخلل الكبيرة في بنية الإدارات والمؤسسات المدنية والعسكرية للسلطة تفاقمت بعد عملية السور الواقي والتي أصابها العدوان بالتفكك والشلل.
إن وقف تآكل النظام السياسي الفلسطيني ومنع انهياره مهمة لم تتوقف دعوات الإصلاح عن المطالبة بها منذ زمن بعيد بالنسبة لـ م. ت. ف. وبالنسبة للسلطة منذ تشكيلها، ومع تصاعد العدوان ارتفعت من جديد أصوات القوى الوطنية والإسلامية وهيئات المجتمع المدني تطالب بإصلاح أوضاع السلطة كمهمة راهنة وعاجلة، مع ملاحظة أن الإصلاح يجب أن يركز على إعطاء الأولوية لمقاومة الاحتلال وحماية وحدة الشعب في الداخل والخارج، الإصلاح يجب أن يكون شاملاً على الصعيد المالي والإداري والقضائي، ومكافحة الفساد ومحاربة الاحتكارات ومعالجة الفوضى والتجاوزات وسيادة القانون وإصلاح النظام القضائي وإعادة بناء أجهزة الأمن لحماية الوطن والمواطن وسيادة القانون، وإنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي لمعالجة مشكلات الفقر والبطالة وإزالة أضرار العدوان وسن قانون انتخابي ديمقراطي عصري.
وبالنسبة لـ م. ت. ف. فإنه يجب أن تكون هناك إصلاحات واسعة بالمجلس الوطني وتقليص عضويته إلى عضوية تعطيه الفاعلية، وشكل تمثيل أفضل للفصائل والمنظمات الشعبية الفلسطينية والهيئات والفعاليات الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك المجلس التشريعي إلى أن تتوفر شروط إعادة انتخابه وإعادة بناء جميع هيئات ومؤسسات م. ت. ف. على أسس انتخابية ديمقراطية بالتلازم مع تفعيل الهيئات القيادية للمنظمة خاصة اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وإعادة بناء الائتلاف الوطني داخل هاتين المؤسستين بمساهمة جميع القوى الوطنية والإسلامية والشخصيات الفاعلة، من خلال قيادة وطنية موحدة تضم جميع القوى الحية ومشاركتها في صنع القرار الوطني.
من هنا نجدد دعوتنا إلى حوار وطني فلسطيني ـ فلسطيني شامل لا يكون خاضعاً لضغط الوقت الذي تفرضه مشاورات تشكيل الحكومة. المطلوب حوار شامل يهدف إلى بناء حكومة وحدة وطنية ائتلافية وبرنامج سياسي موحد أساسه القواسم المشتركة، وبرنامج معلن للإصلاح الديمقراطي الشامل، وقانون انتخابات جديد وفق مبدأ التمثيل النسبي، وإجراء انتخابات تشريعية وبلدية جديدة، ومحاربة الفساد والبطالة والجوع، وذلك كجزء من عملية شاملة لتعزيز الوحدة الوطنية شرط صمودنا في وجه العدوان الإسرائيلي الغاشم والدموي.
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين