الشعوب المناضلة والتواقة للحرية،هي التي لا تقبل المذلة والهوان ولا تنام على الظلم ولا تقبل تجاوز الغير، ولا تنحني قامات أبنائها أبدا لجبروت الطغاة ، فتجد سفر أبناءها مليئة بالبطولات أرضها المقدسة مخضبة بدماء الشهداء ،وتراثها مليئة بالمآثر ومطرزة بمئات الملاحم الخالدة ، فالشعب الكردي أحد هذه الشعوب (( يريد حريته ولا يعتدي على حريات الآخرين، ويرفض الإرهاب بأي شكل من الأشكال سواء كان بثوب علماني أو ثوب ديني ، بل يقاومه من اجل الوازن وتحقيق الديمقراطية والسلام والأمن والاستقرار في المنطقة))أ. فقرات الكثير من ملاحم نضال الشعب الكردي ضد المحتلين وصلابتهم أمام شراسة العدو عبر سنوات كفاحهم من اجل الحرية والاستقلال، وسير عظمائهم من الأبطال الشهداء الذين قدموا أرواحهم الغالية قربانا في مذابح عشق الأرض ، وللأسف لقد اطلعت عن طريق بعض المواقع على بعض البيانات الصادرة من الأحزاب الكردية حول تورط بعض ضعاف النفوس من أعضاء الأحزاب الكردية والعراقية بالعمل لصالح الجهات الأمنية للنظام السابق، فلنقل تلك الأوراق النتنة لبعض من خانوا شرف المقاومة الطويلة و سنين الكفاح . وبعدما اطلعت على بعض الكتابات المنشورة حول الملفات الأمنية استوقفتني حكمةٌ صينيةٌ مشهورة و التي اختصرت لي الكثير من المعاني الخفيّة في بضع كلمات بليغة بأنها (( من السهل تجنب الرمح ولكن ليس السيف المخبوء)). فأثبتت تجارب الأيام وبكل وضوح وجلاء وبالأدلة القاطعة ماضي بعض الذين تشدقوا صباح مساء بالوطنية والمثالية العالية، وارتباط تلك الحفنة من تجار دماء شهداء الحركة التحررية الكردية مع الأجهزة القمعية للنظام الفاشي المقبور وفضح علاقاتهم السِّرية وتعاونهم المخلص معهم،من خلال العديد من الأضابير والملفات الأمنية القذرة التي وقعت في أيدي بعض الأحزاب والقوي الوطنية، وبالأخص أسماء أعضاء بارزين في بعض تلك الأحزاب ، وليسوا بأناس عاديين أو من البسطاء حتى يغفر لهم، أو من الذين كانوا في دهاليز السجون المظلمة فاعترفوا على أنفسهم أو على تنظيمهم الحزبي في لحظة الضعف النفسي والبدني أو لعدم تحملهم لأساليب تعذيب الفاشية الوحشية، بل وان بعضاً من أصحاب تلك الأقنعة الرمادية المزيفة من هم كانوا في مراكز قريبة و في مواقع حساسة جداً من صُنّاع القرار السياسي الكردي ومن المطّلعين على أسرار وخفايا تنظيمات الأحزاب الفاعلة في الحركة الكردية ، وكانت عندهم معرفة كاملة ومعلومات دقيقة بأسماء تنظيمات الداخل، وأصحاب الأسماء المستعارة، ولا يمكن أن يتصور أي سياسي محنك يوماً ما بأنهم في علاقة سرية ووثيقة مع قتلة أبناء شعبهم ومرتكبي مجازر أمتهم المنكوبة بالحروب والدمار ، ولا اصدق نفسي أيضا هل أنني فعلا ًفي كابوس زنزانة الماضي أم أعيش الواقع المُّر، وتذكرتُ كيفَ كنت اعصر أصابعي النحيفة والخالية من الأظافر من هول المصيبة، عندما كانوا يأخذون صديقينا الصامد ليلاً ليتلقى وجبة تعذيبه اليومية بيد الجلادين حتى الموت تحت التعذيب، أو انتزاع الاعتراف القسري منه وإجباره وهو في الغيبوبة على توقيع ورقة الإعدام. وما كنت أتصور أبدا هذا العمل المشين من بعض الرموز الزائفة وتعاقدهم الرخيص على بيع ارض آبائهم وأجدادهم وسنوات كفاح إخوانهم مقابل لا شئ سوى انهم ارتضوا بان يكونوا مع خونة شعبهم وجلادي أمتهم، وان اقترافهم لمثل هذا العارلا يمكن لشعبنا الكردي الصامد أن ينساه لهم ابد الدهر حتى وان اعترفوا أمام محكمة الشعب بأنهم نادمين وآسفين بما فعلوه بحق ضحايا شهداء حلبجة و الأنفال ومواكب الشهداء من مناضلي حركتنا التحررية الكردية، و نطالب من الجهات المعنية بشؤون هذا الموضوع الحساس والحيوي أن تأمر من خلال اللجان القانونية واللجان المنبثقة في البرلمان الكردستاني التحقيق الفوري والدقيق في مسالة ملفاتهم القذرة وإحالة الذين يثبت عليهم تلك التهم إلى المحاكم المختصة لينالوا جزائهم العادل وفق القانون وما اقترفوه من إثم وخيانة بحق شعبهم، وبحق أبناء شهداء سنوات نضال الكرد ضد المحتلين وحسم جميع التساؤلات والأقوال والظنون لدى الناس،وقطع دابر الشكوك والدعايات المغرضة والعشوائية من تدنيس ماضي ونضال الكثير من أعضاء وكوادر الأحزاب الكردية والعراقية الفاعلة في الساحة، ، ولقد أتجاب الأستاذ المناضل مسعود البارزاني وبكل وضوح وحزم على سؤال الصحفي الكردي شيرزاد عبد الرحمن حول تعاون بعض أعضاء بارزين في الحزبين الكرديين مع الأجهزة الأمنية للنظام السابق فهل تم اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبلهم بأنه ( نعم هناك تساؤلات كثيرة حيث وقعت العديد من الأضبارات والملفات في أيدي الأحزاب والقوى العراقية ومن ضمنها حزبنا وقد اصدر المكتب السياسي للحزب بيانا حول الموضوع وكيفية التعامل معه من خلال لجنة برلمانية والحزب يجري تحقيقه ومن يثبت عليه ذلك سينال جزاءه حسب القانون*)ب. ولقد صدر قبل أيام بيانا مشتركاً من البرلمان الكردستاني في اربيل حول تورط بعض الأسماء والكوادر من كلا الجانبين مع الأجهزة الأمنية، وتشكيل اللجان التحقيقية من أعضاء البرلمان ومن قياديي كلا الحزبين في حسم موضوع الملفات.وبعد إثبات تورط تلك العناصر يجب أن تعلن كل الأحزاب الكردية ( والعراقية بأنها مستعدةٌ للنظر في أي معلومة موثقة حول عناصرها القيادية وأنها لا تخجل من مساءلة كوادرها إذا أثبتت الوثائق انهم فعلاً قد تورطوا وتلوثوا وتعاونوا مع النظام في ذبح شعبهم العراقي وأنها ستنزل بهم العقوبات العادلة..)ت وان هذا الموضوع بالرغم من خطورته وأهميته إلا انه اشغل الكرد والساحة السياسية الكردية برمتها نوعاً ما عن قضيتها الرئيسية وبالأخص في مسالة التصويت والمساهمة في ترسيخ مبدأ الفيدرالية عبر النقاش والحوار مع لجان صيانة الدستور،وقضية توحيد الإدارتين في إدارة كردية موحدة وفاعلة في وجه المطامع الإقليمية والمساهمة الجادة في عملية البناء والأعمار في عموم المدن الكردستانية، والسعي من اجل جعل الخطاب الكردي موحدا وشاملاً وجريئاً في طرح بعض المسائل الحيوية والجوهرية التي ناضلت من اجلها كل الحركات الوطنية الكردية، ومعبراً بصدق عن تطلعات وطموح الإنسان الكردي المناضل والمقاوم منذ معاهدة سيفر لحد هذه اللحظة كل أشكال الإبادة والتطهير العرقي ومحو الوجود الكردي في كردستان.
أعود أقول قبل ختام موضوع ملفات أصحاب الأقنعة الرمادية والكالحة ،لأُسمِعَكم وأُسْمِعَ كل أبناء العالم الحر هذا الحوار القصير الذي جرى بين شاب كردي من إحدى التنظيمات الكردية المحضورة في عام 1986 والمعتقل في سجن الموصل الرهيب وبين أمه المناضلة التي حولتها مرارة الأيام وسهر الليالي لبقايا هيكل عظمي وهلاكها من ابتزاز دوائر الأمن الجائرة لها بدفع الرشاوى والإتاوات من اجل لقاء ابنها الوحيد، وبدافع قلب الأم وغريزة الأمومة لوحيدها توسلت بكل حرقة من جلاّد عفن وأرعن ويترحم مصيبتها بان تُقَبِّل ابنها قُبْلةً أبدية وقبل أن تفرقهما الموت ولكنَ ذلك الجلاّد الوحش يأبى كل توسلات تلك الأم المسكينة والمفجوعة ويلطم بكل قوة على وجهها ، ولم يتحمل ذلك الشاب الغيور مشهد إهانة أمه فيبصق بكل ما أوتى من قوة في وجهه اللعين مخاطبا أمه بأدب جم أماه بالله عليكِ كيف تتوسلين من هؤلاء الحقراء أما َتَرْين تلك الأفواج من الشباب والشابات من مناضلي كردستاننا العزيزة كيف يزفون بألوان دمائهم الزكية في عرس الشهادة لكردستان وبنشيد ( ئه ي ره قيب هه ر ماوه قومي كورد زبان ..عاشت كردستان .. عاشت كردستان. الموت للخونة )وما تمر لحظات حتى تسمع الأم وعلى بُعِد أمتار أصوات رصاص الجبناء، وهي تغرق في بحر ذكريات ماضي ولدها البار والوفي لتراب كردستان، وساعة ولادتها ببسمة جميلة كجمال ربوع كردستان في غياب الأب المناضل في سجون القتلة. فتُبّاً للخيانة ولرائحتها النتنة كيفما كانت وأينما فاحت، فالخيانة رائحتها كريهة وكما وصفته الكاتب يوسف أبو الفوز في مقالة له في موقع البرلمان العراقيث. فالخيانة جُرْمٌ لا تقبل أبدا الصّفحَ والغفران. الخيانةُ هدمٌ وردمٌ لقواعد الوفاء فلا تستقيم الثقة ثانية معها بالنسيان، الخيانة نفاقُ لعنةٌ ومَرارّةٌ خطيئةٌ أبدية لا تمحيها صلوات الثقلين، قاسيةٌ موحشةٌ كالكوابيس تقض مضاجع الشهداء، الخيانة خيانة مهما تنوعت المسميات وكبٌرت الدواعي والأسباب،فهي هي سواء في البيت والعمل اوفي ساحات القتال، ولقد قرأنا الكثير من تاريخ الحروب وغدر الملوك والسلاطين وتجار المبادئ الزائفة ووقفنا على العديد من فصول جرائم الخونة مع بني جلدتهم، ولقد لعنهم التاريخ بعد فضح أوراقهم النتنة، ووصمهم الزمن لأعمالهم المشينة وصمة مخزية بلا زوال مهما تبدلت الأقوام ومضت الأيام. و اتفق مع الكاتب العراقي الأستاذ عصام حسن*4 في طلبه من تلك الأحزاب العراقية التي اخترقتها المخابرات بان يمتلكوا الشجاعة في مواجهة الشعب بالحقيقة وبصدق وشفافية( وعندما تمتلك أحزابنا هذه الشجاعة وتواجه الشعب بصدق وشفافية فان الجماهير العراقية ستتعاون مع هذه الأحزاب وربما سيتسع صدرها للتغاضي عن هذه الأخطاء طالما تم الاعتراف بها والتخلص من أسبابها) ولنقرأ نحن ونفهم ذاتنا جيداً في لحظة المكاشفة الصادقة بعيداً عن سطوة العواطف.
عبد الحكيم نديم
السويد
الهوامش
أ?- -قضية الكردية بين الحلول الإسلامية والعلمانية والدولية - د. خالد يونس خالد ط2 السويد 2003.
ب?- الحوار الصحفي الذي أجراه الصحفي شيرزاد عبد الرحمن في اربيل مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وعضو مجلس الحكم الانتقالي العراقي الأستاذ المناضل مسعود البرزاني في 10 – 11 –2003
ت?- الاختراق المخابراتي لبعض الأحزاب العراقية – للكاتب العراقي عصام حسن مقال منشور في جريدة السياسة الكويتية 12 ت2 2003 .
ث?- عن الخيانة والشماتة وما حول ذلك للكاتب العراقي يوسف أبو الفوز مقال منشور في موقع البرلمان العراقي 8-11- 2003.
ج?- الاختراق المخابراتي لبعض الأحزاب العراقية – للكاتب العراقي عصام حسن نفس المصدر.