سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2155 - 2008 / 1 / 9 - 11:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقول السيد الصدر:
" إن شدة حركة الانتاج وقوتها, بدافع من الحرص على كثرة الربح
من ناحية, ومن ناحية أخرى انخفاض المستوى المعيشي لكثير من المواطنين,
بدافع من الشره المادي للفئة الرأسمالية, ومغالبتها للعامة على حقوقها
بأساليبها النفعية, التي تجعل المواطنين عاجزين عن شراء المنتجات
واستهلاكها ـ كل ذلك يجعل كبار المنتجين في حاجة ماسة إلى أسواق جديدة
لبيع المنتجات الفائضة فيها, وإيجاد تلك الأسواق يعني التفكير في بلاد
جديدة." فلسفتنا ص 23.
و هكذا فإن ما اصطلح عليه بالحديث عن "انخفاض المستوى المعيشي" لم يكن قط السبب الوحيد في صراع الدول الصناعية الغربية على المستعمرات ، كنماذج على ذلك لم تكن المملكة الإسبانية و البرتغالية و ألمانيا أو روسيا القيصرية دولا ديمقراطية ، ففترة الصراع على المستعمرات لم تكن قد شهدت اكتمال و نضوج الديمقراطية ، و في عصرنا الحالي فإن الغرب يستفيد من ثروات الآخرين ليس عبر الغزو أو ما كان يُسمّى "الاستعمار" ، بل عبر الحاجة الطبيعية ، بمعنى أن الآخرين هم دوما في حاجة لتسويق ثرواتهم الطبيعية و الصناعية ، مما سيخلق اكتمالا اقتصاديا دون أن تُطلق رصاصة واحدة ، كما أن دخول الغرب إلى دول العالم الثالث الفقير لم يكن كل ما فيه سلبيا ـ اللهم إلا في نظر الإسلاميين ـ فلو لا التحول الصناعي و الديمقراطي ما كان للشرق الإسلامي أن يُفكر و لو حتى مجرد تفكير في مراجعة الخلل في أنظمته السياسية ، بل و حتى الفقهية.
بل إن أكبر نظام رأسمالي في العالم "الولايات المتحدة الأمريكية" لم يُعرف عنها أنها كانت أو أصبحت دولة "إستعمارية" و كانت على الأكثر دولة شبه منعزلة حتى بداية الحرب العالمية الثانية ، و هذا الاستنتاج ـ أن كُلّ دولة رأسمالية لا بُدّ أن تكون استعمارية ـ يحصل للمفكر حينما يدرس المسائل و يحكم عليها من الجانب المادّي فقط ، بل إن هناك دورا كبيرا للدين في هذه الدول ، و هذا مالا يتناهى إلى عقولنا إذا حكمنا على الغرب من خلال نتاجاته الاقتصادية فقط أو عبر إنتاجه السينمائي و الدرامي.
كما أن هناك نظرية سائدة بين المفكرين الإسلاميين مفادها أن الغرب توسع و استعمر البلدان بفعل سيادة "النظم الديمقراطية الرأسمالية" ، بينما الواقع معكوس تماما ، إذ كان تعامل الغرب مع الآخر من خلال ما سمّي بـ"الحروب الصليبية" أو استعمار البلدان خلال القرون الوسطى ، هذه الاحتكاكات جعلت الغرب يدرس هذه الشعوب و يفهم و يستوعب ثقافاتها و أديانها مما خلق تطورا على مراحل نتج منها ظهور العلمانية أو مفهوم "الحكومة المحايدة" التي لا تتحيّز باتجاه أي دين أو قومية.
يقول السيد الصدر:
" وهكذا تدرس المسألة بذهنية مادية خالصة. ومن الطبيعي لمثل هذه
الذهنية التي لم يرتكز نظامها على القيم الروحية والخلقية, ولم يتعرف مذهبها الاجتماعي بغاية إلا إسعاد هذه الحياة المحدودة بمختلف المتع والشهوات...
ان ترى في هذين السببين مبرراً ومسوغاً منطقياً للاعتداء على البلاد الآمنة, وانتهاك كرامتها والسيطرة على مقدراتها ومواردها الطبيعية الكبرى واستغلال ثرواتها لترويج البضائع الفائضة. فكل ذلك أمر معقول وجائز في عرف
المصالح الفردية التي يقوم على أساسها النظام الرأسمالي والاقتصاد الحر.
وينطلق من هنا عملاق المادة يغزو ويحارب, ويقيد ويكبل, ويستعمر ويستثمر, إرضاء للشهوات وإشباعاً للرغبات.
فانظر ماذا قاست الانسانية من ويلات هذا النظام, باعتباره مادياً في
روحه وصياغته وأساليبه وأهدافه, وإن لم يكن مركزاً على فلسفة محددة تتفق
مع تلك الروح والصياغة, وتنسجم مع هذه الأساليب والأهداف كما المعنا إليه؟!!" فلسفتنا ص 23.
الحقيقة أن الدول الديمقراطية هي آخر الدول التي تشنّ الحروب ضد الآخرين و هي لا تفعل ذلك إلا إذا كان هناك تهديد محدق ، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تدخل الحرب العالمية الثانية إلى جانب بريطانيا ضد ألمانيا و اليابان إلا عندما تعرضت لتهديد دولتين دكتاتوريتين ، الإمبراطورية اليابانية و ألمانيا النازية اللتان أعلنتا عن نيّتهما على كل مقومات الأنظمة الديمقراطية ، و لا أعرف ما الذي يقصده العلامة الصدر بعبارة "البلاد الآمنة" هل كان يقصد "الإمبراطورية العثمانية" التي لم يكن لها همُّ سوى جمع الضرائب من الشعب الجائع و بناء التكايا و الجوامع !! أم كان يعني بلادا أخرى لم نسمع عنها ربّما !! و إذا كان طرف ما يريد أن يستشهد باستعمار بريطانيا للهند و يعزو تخلف الهنود إلى البريطانيين ، فهو استشهاد غير ناجح لأن هناك أسبابا أخرى إضافية لتخلف الهند من بعض النواحي و أنا ها هنا لست بصدد تبرئة البريطانيين كليا ، إذ لا تخلو سياسة من أخطاء ، لكن الديانتين "الهندوس ـ المؤمنون بالطبقية" و "المسلمون الذين يتعاطون بالعنف" هما أحد أهم أسباب التخلف الهندي ، و لو لم تكن بريطانيا هي التي تحكم شبه القارة الهندية ، لما كانت الهند لتصبح ديمقراطية و هي ذلك البلد المعروف بتعدده الإثني و الديني.
إن هذا هو غاية الانتقاد الذي قدم له السيد الصدر تجاه الديمقراطية الرأسمالية و هي لا تكاد تُقارن بالقسم الأكبر من الكتاب "فلسفتنا" و الذي دحض فيه الشيوعية و ركيزتها الإشتراكية ، و نعم ما فعل في هذا الجانب ، و لكن هناك نقاط أُخرى أوردها في كتابه "اقتصادنا" حول نوع العلاقة بين ما يُسمّى "العالم الإسلامي" و "الدول الصناعية الأوربية" حدّدها في النقاط التّالية:
" الأول: التبعية السياسية التي تمثلت في ممارسة الشعوب الأوروبية الراقية
اقتصادياً حكم الشعوب المتخلفة بصورة مباشرة.
الثاني: التبعية الاقتصادية التي رافقت قيام كيانات حكومية مستقلة
من الناحية السياسية في البلاد المتخلفة وعبرت عن نفسها في فسح المجال
للاقتصاد الأوروبي لكي يلعب على مسرح تلك البلاد بأشكال مختلفة ويستثمر
موادها الأولية ويملأ فراغاتها برؤوس أموال أجنبية و يحتكر عدداً من مرافق
الحياة الاقتصادية فيها بحجة تمرين أبناء البلاد المتخلفين على تحمل أعباء
التطوير الاقتصادي لبلادهم.
الثالث: التبعية في المنهج التي مارستها تجارب عديدة في داخل العالم
الإسلامي حاولت أن تستقل سياسياً وتتخلص من سيطرة الاقتصاد الأوروبي
اقتصادياً وأخذت تفكر في الاعتماد على قدرتها الذاتية في تطوير اقتصادها
والتغلب على تخلفها غير أنها لم تستطع أن تخرج في فهمها لطبيعة المشكلة التي
يجسدها تخلفها الاقتصادي عن إطار الفهم الأوروبي لها فوجدت نفسها
مدعوة لاختيار نفس المنهج الذي سلكه الإنسان الأوروبي في بنائه الشامخ
لاقتصاده الحديث" ـ إقتصادنا ص 4.
من المعروف أن الإقتصاد و التبادل التجاري لا يعرفان شيئا من مسئلة مراعاة الفوارق بين دول ذات اقتصاديّات ضخمة و أسواعريضة و دول أُخرى بالكاد لديها شيء إسمه إقتصاد أو لنقل: أنها تعيش في عصر "ما قبل الإقتصاد"!! بالتالي فهي ستكون تابعة ، سواء تعمد الأقوياء ذلك أم لا ! فقبل أن تحصل أي دولة على اقتصاد قوي حقيقي ، عليها أن تسارع في إصلاح أنظمتها السياسية و الثقافية ، فاليابان أيام الإمبراطورية غيَّر كثيرا من آلياته الاجتماعية و التربوية ليصبح في مصاف الدول الكبرى ، لكنه كان إمبراطورية دكتاتورية فسارع الخراب إليها.
من هنا نجد أن لوم الغرب و تحميله أسباب تخلف العالم الإسلامي ليس موضوعيا ، خصوصا و أن الأهم ، لفهم أسباب التخلف ، هو مراجعة التركيبة الجيو سياسية و المنظومة الفقهية التي عاشها المسلمون و حولها إلى تقليد أعمى غير قابل للنقد أو التغيير "أن روح التحري كانت عصب الحياة في عصر الاسلام الذهبي بين حوالي 750 و 1250 ميلادية. وفي العراق ، قلب الامبراطورية الاسلامية ، كان المسيحيون يعملون جنبا الى جنب مع المسلمين لترجمة الفلسفة الاغريقية واحيائها. وفي اسبانيا ، الطرف الغربي لمشارف الاسلام ، قام المسلمون بتطوير ما يسميه مؤرخ من جامعة يال "ثقافة تسامح" مع اليهود" الخلل في الإسلام ـ إرشاد منجي ص 54. و لو استمرت تلك المناهج العقلانية لرأينا علاقة مختلفة بين الشرق الإسلامي المتطور و الغرب المتطور ، لكن ما حدث هو العكس.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟