|
رئيس بونابرتي أم لحود ثانٍ؟!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2154 - 2008 / 1 / 8 - 11:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مع أنَّ مصطلح "خريطة الطريق" ظلَّ مفتقِراً إلى تجربة سياسية عملية تغري بتعميم استعماله فإنَّ رئيس "كتلة المستقبل" النيابية اللبنانية، وزعيم "الأكثرية (البرلمانية)" في لبنان سعد الحريري سارع إلى وصف "الخطة العربية" لحل أزمة الرئاسة في لبنان بأنَّها "خريطة طريق عربية". وأحسبُ أنَّ هذا الوصف يمكن أن يفيد في جَعْل المرء يغلِّب، في موقفه من "الخطَّة" وتوقُّعه لنتائجها النهائية العملية، شعوره بالتشاؤم على شعوره بالتفاؤل.
"لا غالب ولا مغلوب".. هذا هو دائماً الشعار الذي يتوافق الزعماء اللبنانيون على ترديده عندما يتوافقون على حلٍّ لأزمة عصفت بلبنان وشعبه، وتمخَّضت عن كثير من المعاناة والمآسي والكوارث.. وعن (في آخر المطاف) إعادة بناء النظام السياسي ذاته والذي ينطوي دوماً على بذور أزمات جديدة لا تقلُّ عنفاً وضراوة.
إنَّها، إذا ما نجحت، وعلى ضخامة حجم "إذا"، يمكن أن تكون "خريطة طريق" إلى قيام "حُكْم بونابرتي" في لبنان، فاشتداد الصراع بين المعسكرين مع استعصاء حسمه لمصلحة هذا المعسكر أو ذاك، ابتنى لقائد الجيش العماد ميشال سليمان "قوَّة سياسية سلبية"، يمكن أن يبتني منها "حكومة بونابرتية" إذا ما أصبح رئيساً للجمهورية، يتمتَّع بصلاحيات وسلطات تفوق تلك التي منحها لمنصب رئيس الجمهورية "اتِّفاق الطائف"، فهذا "الرئيس التوافقي"، والذي يحظى الآن بكثير من الإكراه (الدولي والإقليمي والعربي) على قبوله لبنانياً، هو وحده، وبحسب بنود "الخطة العربية"، الذي يملك حق النقض (الفيتو).
وبحسب المعيار السياسي الطائفي للربح والخسارة في الصراع اللبناني يمكن القول إنَّ الطائفة المارونية، التي بلغت منتهى الضعف في قوَّتها السياسية بعد، وبسبب، "الفراغ الرئاسي"، هي "الرابح الأكبر"، فالرئيس الماروني الجديد (العماد سليمان) يملك كثيراً من "القوَّة السياسية السلبية"؛ وقد منحته "الخطة العربية" سلطة البت والحسم في داخل "حكومة الوحدة الوطنية" إذا ما قُيِّضَ لها أن ترى النور.
ولا شكَّ في أنَّ فؤاد السنيورة سيكون من كبار الخاسرين سياسياً إذا ما نجح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في إنجاز "اتٍِّفاق فوري" بين "الأكثرية" و"المعارضة" على تأليف "حكومة الوحدة الوطنية". وربمَّا يأتي تأليفها بما يُوحِّد "الرأس" و"الرقبة" في شخص واحد هو سعد الحريري، الذي ظلَّ زمناً طويلاً "الرقبة" التي تحرِّك "الرأس"، أي السنيورة. ويبدو أنَّ الاختبار الأوَّل الذي سيجريه عمرو موسى سيكون لِمَا أظهرته إدارة الرئيس بوش من انحياز قوي إلى السنيورة حتى في مواجهة الحريري.
"المعسكران" مدعوَّان الآن بموجب "الخطة العربية" إلى أن ينتخبا "فوراً"، عبر المجلس النيابي، الذي "مفتاحه" بيد بري، الذي رحَّب بـ "الخطة" ووافق عليها، ميشال سليمان؛ ولكنَّ السؤال الذي ينبغي لزيارة عمرو موسى الوشيكة لبيروت أن تجيب عنه هو الآتي: هل يغدو العماد سليمان رئيساً للجمهورية قبل توصُّل زعماء "الأكثرية" و"المعارضة" إلى "اتِّفاق فوري" على تأليف "حكومة وحدة وطنية"، يملك فيها "الرئيس سليمان" وحده سلطة الحَكَم والفيصل بين الطرفين، طرف "الأكثرية (النيابية)" الذي لا يملك في الحكومة الجديدة "غالبية الثلثين"، وطرف "الأقلية (النيابية)" الذي لم يُلبَّ طلبه الحصول على "الثلث (الحكومي) المعطِّل أو الضامِن"؟ ومن هذا السؤال يتفرَّع سؤال آخر لا يقلُّ أهمية هو: هل يمكن أن تتألَّف "حكومة وحدة وطنية" قبل توصُّل الطرفين المتصارعين إلى اتِّفاق (ولو في شكل مبدئي) على قانون جديد للانتخابات النيابية؟ إنَّ أخشى ما نخشاه هو أن تُنفَّذ "الخطة العربية" بما يؤدِّي إلى انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية على أن تغدو "إدارة الأزمة اللبنانية" هي كل عمله.
وهذا إنَّما يعني أن يصبح العماد سليمان رئيساً للجمهورية مع استمرار حكومة السنيورة في تصريف الأعمال حتى اتِّفاق زعماء "الأكثرية" و"المعارضة" على تأليف "حكومة وحدة وطنية"، فإذا اتَّفقوا، على صعوبة ذلك، تتحوَّل الحكومة الجديدة إلى مسرح للنزاع بين الطرفين، فلا تقرِّر شيئاً إلاَّ عَبْر توافُق متعذَر بين وزراء الطرفين، أو عَبْر رئيس الجمهورية بما يتمتَّع به من سلطة "الترجيح"، أو سلطة الحَكَم والفيصل بين الطرفين. وغني عن البيان أنَّ ممارسة رئيس الجمهورية لهذه السلطة لن ينزل، دائماً، بردا وسلاما على هذا الطرف أو ذاك، ولا حتى على الرئيس ذاته الذي سيُتَّهم بالانحياز إلى طرف ضد طرف.
عمرو موسى يمكن أن ينجح في مساعيه لإنجاح "الخطة العربية" إذا ما استطاع، أوَّلاً، أن يَحْمِل الطرفين المتصارعين على الاتِّفاق من حيث المبدأ والأساس على قانون جديد للانتخابات النيابية، وعلى موعد إجرائها، فتغيير "ميزان القوى البرلماني" يمكن ويجب أن يكون المَدْخَل إلى حلٍّ نهائي للأزمة اللبنانية. وانطلاقاً من هذا الاتِّفاق (المبدئي) يصبح ممكناً وسهلاً تنصيب العماد سليمان رئيساً للجمهورية، ثمَّ تأليف "حكومة وحدة وطنية"، تؤدِّي عملها، وتستمر فيه، بحسب "الخطة العربية"، حتى تُجرى الانتخابات النيابية (وِفْق قانونها الجديد الذي يُتَّفق عليه نهائياً ضِمْن تلك الحكومة) وتتألَّف، وِفْق نتائجها، حكومة جديدة، لا يعود فيها الرئيس سليمان يملك تلك الصلاحيات والسلطات الإضافية التي منحتها له "الخطة العربية".
إنَّ تنصيب العماد سليمان رئيسا للجمهورية لن يكون مدخلاً إلى حلٍّ نهائي للأزمة اللبنانية إلاَّ إذا سبقه، أو اقترن به، التوصُّل إلى اتِّفاق (مبدئي) على الانتخابات النيابية، قانوناً وموعداً.
كلا الطرفين المتصارعين، واللذين بسبب اشتداد صراعهما مع تعذُّر حسمه لمصلحة أحدهما أصبح العماد سليمان يتمتَّع بهذا القدر الكبير من "القوَّة السياسية السلبية"، يخشى الآن عواقب "سلطة الترجيح" التي منحتها "الخطة العربية" لـ "الرئيس سليمان"، فمن الوجهة العملية، لن تتمكَّن "حكومة الوحدة الوطنية"، إذا ما قامت، من اتِّخاذ أي قرار مصيري إلاَّ إذا جاء القرار على شكل اقتراح يقترحه أحد الطرفين المتصارعين، فيتبنَّاه "الرئيس سليمان"، فيغدوا قراراً حكومياً.
لعبة "الأكثرية" الآن إنَّما تستهدف عقد جلسة للمجلس النيابي يُنْتَخَبُ فيها العماد سليمان رئيساً للجمهورية، وأن تستمر حكومة السنيورة بوصفها حكومة تسيير أعمال إلى أجل غير مسمَّى. أمَّا لعبة "المعارضة"، والتي عنوانها الكبير "طلب توضيحات"، فتستهدف التوصُّل إلى اتِّفاق يؤسِّس لانتخابات نيابية (قريبة) تجرى في طريقة تسمح لها، أو قد تسمح لها، بالتحوُّل من أقلية إلى أكثرية نيابية.
ويكفي أن نرى ما تُظْهِره هذه اللعبة وتلك من حجم الصراع وضراوته حتى يتأكَّد لنا أنَّ "الخطة العربية" يمكن أن تفشل حتى في تنصيب سليمان رئيساً للجمهورية، واستمرار "الفراغ الرئاسي" بالتالي، أو أن تنجح فحسب في جَعْل "الرئيس سليمان" مديراً للأزمة اللبنانية حتى تتحوَّل ملفَّات إقليمية عدة من لونها الرمادي إلى اللون الأسود أو الأبيض.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-بقرة بوش- لن يَحْلبها غير إسرائيل!
-
-الحُجَّاج- مشكلة تُحل بتعاون الفلسطينيين ومصر
-
-الإعلاميُّ- و-الحاكِم- عندنا!
-
اللعب الإسرائيلي على الحَبْلين الفلسطينيين!
-
عاصمة -الغلاء العربي-!
-
فساد ثقافي وتربوي!
-
-متى- و-أين-.. فيزيائياً وفلسفياً
-
هل أعاد بوش السيف إلى غمده في مواجهة إيران؟!
-
-تسونامي- السنة الجديدة!
-
ولكم في -قِصَّة إبليس- حِكْمَة يا أولي الألباب!
-
قنوط رايس!
-
قرار صبُّ الزيت على نار التضخم!
-
هل تريدون مزيداً من -الإيضاحات- الإسرائيلية؟!
-
-التقرير-.. مسمار دُقَّ في نعش!
-
بعضٌ من جوانب صورة الكون في مرآة -النسبية-
-
حتى لا ينفجر -لغم أنابوليس- بالفلسطينيين!
-
رِفْقاً بحاويات القمامة!
-
كيف للسلام أن يَحْضُر في غياب -المفاوض العربي-؟!
-
بعضٌ مما سنراه ونسمعه اليوم!
-
قرار -قطع الشكِّ باليقين-!
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|