|
بحثا عن المناقبية في العمل السياسي
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 2153 - 2008 / 1 / 7 - 11:33
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
وأخيرا نجح "المؤتلفون" تحت راية ما أصبح شهيرا باسم " إعلان دمشق" عقد المجلس الوطني للإعلان في دورته الأولى في أوائل شهر كانون الأول من عام 2007، وانتخب قيادات جديد لهيكلية جديدة لـ "تنظيم" إعلان دمشق، الذي أصبح يشكل أهم الأطر التنظيمية السياسية لقوى المعارضة السورية في الداخل. إن مجرد أن يجتمع هذا العدد الكبير من قوى المعارضة السورية في دمشق تحت أنظار وسمع قوى الأمن لهو في حد ذاته إنجاز مهم لا يضاهيه في أهميته سوى اجتماع دير الزور قبل ذلك بنحو سنتين ونصف السنة. وإذ نسجل للمؤتمر نجاحه في استكمال أعماله وانتخاب قيادات تنظيم" الإعلان"، وإصدار بيان يعرض فيه التوجهات المشتركة لقوى الإعلان ومواقفها من القضايا التي تهم سورية كما يراها المؤتمرون، فإننا في الوقت ذاته لا يمكننا أن نتجاهل هشاشة تماسك التحالف القائم بين قوى الإعلان الرئيسة والتي كادت أن تفجر المؤتمر من داخله، أو هي في طريقها لتفجير التحالف ذاته من خلال خروج القوى الرئيسة فيه عليه، بدعاوى مختلفة ليس أقلها دعوى التجييش والتكتل ضد هذه القوى في داخل المؤتمر من أجل إبعادها بطريقة "ديمقراطية" عن الوصول إلى هيئاته القيادية. وبطبيعة الحال وكما هو حال الانشقاقات السياسية في سورية، يحتاج أي انشقاق إلى تبريرات سياسية وأيديولوجية، وهي وافرة جدا في المواقف الفكرية والسياسية لقوى الإعلان التي سوف نحاول في هذه المقالة تتبع بعضا منها، وهي أكثر من وافرة في المناخ العام السائد في سورية، من حيث الافتقار إلى النضج السياسي كأحد مفاعيل الاستبداد المزمن في الحياة الاجتماعية والسياسية السورية، وعدم أصالة وتأصل الديمقراطية في السلوك السياسي، و افتقار الفواعل السياسية بصورة عامة إلى المناقبية السياسية. والمناقبية التي نقصدها ليست نوع من الرهبنة، بل تطابق الفعل مع القول، وتوافق الموقف الفكري مع الموقف السياسي، والشفافية والمصداقية في العمل السياسي، والإقرار بالاختلاف والحق فيه والحق بالدفاع عنه كمبدأ موجه لمجمل الحياة السياسية. المناقبية بهذا المعنى هي احد العوامل الحاسمة في تكوين المناخ السياسي الجاذب للعمل الوطني الديمقراطي المعارض للاستبداد في سورية، وبغيابها تكون السياسة مجرد شعوذة، ويكون العمل السياسي المعارض مجرد دعوة استبدالية للاستبداد وليس نقضا له. مرة أخرى نسجل باحترام وإيجابية نجاح قوى إعلان دمشق عقد المجلس الوطني للإعلان في دورته الأولى، ونأمل أن لا تكون الأخيرة، ونسجل للمجلس الوطني نجاحه في إصدار الوثيقة الهامة جدا عن أعماله، والتي سوف نناقشها في هذه المقالة بحثا عن المناقبية في العمل السياسي الوطني المعارض. في مقدمة "البيان" عن أعمال المؤتمر الذي صدر بدون عنوان له نقرأ: يرى(المجلس) " أن الأخطار الداخلية والخارجية باتت تهدد السلامة الوطنية ومستقبل البلاد" وهو استشعار صائب تكاد تتفق عليه جميع القوى السياسية في البلد من كان منها في موقع المعارضة أو الموالاة بدرجات ليست مختلفة كثيرا. وتتفق قوى المعارضة أيضا على أن "حالة الاستبداد المستمرة لعقود طويلة" هي المسؤولة بصورة رئيسة عن تردي الأوضاع في البلد وتهيئة المناخات الملائمة لتفاقمها، من قبيل التسلط الأمني، والحؤول دون ممارسة الشعب لحريته في أطر سياسية واجتماعية منظمة ومسؤولة واستمرار العمل بإعلان حالة الطوارئ والعديد من القوانين الاستثنائية، على الرغم من وجود دستور دائم في البلاد. إن تشخيص البيان لمصدر الأخطار الداخلية، وتحديد المسؤولية عنها في مقدمة البيان هو أمر صائب، ولا يشكل مسألة خلاف بين قوى المعارضة الوطنية. من جهة أخرى يتجاهل البيان في مقدمته تشخيص مصدر الأخطار الخارجية، ولا يحدد بالتالي المسؤول عنها، مع أنها شديدة الخطورة على الكيان السياسي السوري، وكان للموقف منها دور رئيس في اصطفاف قوى المعارضة في الداخل في ثلاث مجموعات على الأقل بدت واضحة في لقاء دير الزور في الشهر الخامس من عام 2005، وفي انشقاق لجان إحياء المجتمع المدني، وفي وثائق إعلان دمشق وتوضيحاته، وفي الوثيقة ذاتها التي صدرت عن المجلس الوطني لإعلان دمشق. المجموعة الأولى والنشيطة نسبيا لا ترى أية أخطار خارجية تهدد سورية، بل على العكس ترى في المتغيرات الدولية، وخصوصا المتغيرات في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العامل الحاسم في دعم قضية الديمقراطية. ويذهب بعض المتطرفين من هذا الاتجاه، ممن هم مقيمون في الخارج أساسا، إلى المجاهرة في طلب التدخل الأمريكي المباشر في سوريا لإسقاط النظام القائم، في حين لا يرى الباقون أية غضاضة في تصعيد الضغوطات الخارجية على سورية، وحصارها اقتصاديا ودبلوماسيا على الرغم من الآثار الكارثية لذلك على الشعب السوري، في الوقت الذي يجني النظام وحده مكاسب هذا الحصار والضغط لتشديد القبضة الأمنية وتأجيل الإصلاحات التي تحدث عنها بغض النظر عن درجة مصداقيته في تبنيها. يتفرع عن هذا الموقف السياسي الرئيس مواقف أخرى مكملة من قبيل تأييد السياسات الأمريكية في العراق، وفي فلسطبن، وفي لبنان، والوقوف إلى جانب القوى المحلية المتساوقة مع هذه السياسات. وإذا كانت نتائج الاحتلال الأمريكي للعراق بعد أكثر من ثلاث سنوات قد أحرجت الخطاب السياسي للمنطوين في إطار هذا الاتجاه لجهة المجاهرة بالدور التحريري الديمقراطي لأمريكا في المنطقة، فأخذ يتقي ذلك من خلال تكريس ازدواجية فاضحة: في العلن يتم نقد السياسة الأمريكية بطريقة دبلوماسية، أما في الخطاب اليومي وفي الأحاديث "الهادئة" فيتم تبنيها إيجابيا بدعوى أن الخارج( الأمريكي) هو الذي يلعب الدور الحاسم في إنجاز التغيير الداخلي في سورية، وان الرهان على قوى التغيير الداخلي يقارب الوهم. الثابت الذي لا يتغير في الخطاب السياسي لقوى هذا الاتجاه الذين يحلو لهم تعريف أنفسهم بأنهم قوى "ليبرالية"، وفي ذلك كما نعتقد سوء فهم لفكرة الليبرالية ذاتها، هو الموقف من النظام ومن سياساته بصورة عامة وتفصيلية، بحيث أصبحت تتحدد مواقفهم السياسية بدلالته بصورة تتسم بالكراهية القبلية، بعيدا عن التفكير السياسي الرصين. وبناء عليه، وكمثال لا أكثر، يصبح "حسن نصر الله" مثل "ابن لادن" لأنه لا يطالب بالديمقراطية في سورية، ويصبح الجنرال ميشيل عون "مرتداً" لأنه لم يعد ينتقد سورية بحدة، وتصبح المعارضة اللبنانية كلها مدانة لأنها تحولت إلى حوامل داخلية للسياسات السورية الإيرانية على حد زعمهم، وتصبح المقاومة في فلسطين مدانة لأنها تحظى بدعم سورية، وأدينت قبل ذلك المقاومة العراقية الوطنية وحملت مسؤولية فشل أمريكا في تحقيق الديمقراطية في العراق. والأخطر من ذلك بناء المواقف الفكرية لقوى هذا الاتجاه بما يتساوق مع الأطروحات الفكرية الأمريكية الصهيونية في المحصلة والمآل، فالفكرة القومية العربية تصبح فكرة "قومجية"، في استثناء متناقض مع فكرة "قومية الأقليات"، فكرة "الوطنية والمواطنة" تصبح فكرة "مكونات"، فكرة " التضامن العربي" تصبح فكرة "سورية أولا"، بل " وأخيرا "، فكرة " المقاومة ضد الاحتلال" تصبح فكرة " الإرهاب"، فكرة "تحرير الأرض" تصبح فكرة "التخلي عن جزء منها" في سبيل السلام المزعوم..الخ. حتى فكرة الديمقراطية التي تضمنتها الوثيقة الصادرة عن المجلس الوطني للإعلان وعرضتها بصورة جيدة على شكل مبادئ، هي في الأحاديث " الهادئة" لدى قوى فاعلة في إعلان دمشق عبارة عن ديمقراطية "مكونات" تقوم على التوافق بين هذه المكونات، في تعميم للنموذج اللبناني، وكذلك للنموذج العراقي المنشود. ديمقراطية من هذا النوع تؤسس على الطوائف والمذاهب والأقليات القومية لا يمكنها أن تكون ديمقراطية جامعة للكل الوطني، على أساس فكرة المواطنة، لا يمكنها أن "تعزز اللحمة الوطنية" بل تفتتها، لا يمكنها أن " تنبذ العنف وسياسات الإقصاء" بل تؤسس للعنف والإقصاء. وأكثر من ذلك ديمقراطية من هذا النوع تتناقض مع "فكرة التنمية" ومع فكرة "بناء الدولة المدنية الحديثة" التي وردت في وثيقة المجلس معروضة بصورة صحيحة وجيدة. التناقض يبلغ مداه الأقصى لدى قوى أساسية في "إعلان دمشق " بين ما تضمنته الفقرة التي تنص على أن " سورية جزء من الوطن العربي، ارتبط به في الماضي وفي الحاضر وسوف يرتبط مستقبلا.." التي وردت في الوثيقة إياها، وبين المواقف التي تعبر عنها بعض قوى الإعلان ،في الحوارات " الهادئة"، وهو تناقض من عيار تبني التوضيحات على وثيقة الإعلان الأولى من الناحية الرسمية، واعتبارها ارتدادا عليه في الوقت ذاته،لكن في الأحاديث "الهادئة". كيف يمكن الجمع بين هذا النص المشار إليه مع أنه لا يرقى للقول بأن "الشعب السوري جزء من الأمة العربية"، الذي لا توافق عليه قوى أساسية وفاعلة في " الإعلان "، وبين المطالبة " بسورية أولاً"، وبعزل سورية عن قضايا المنطقة وخصوصا القضية الفلسطينية، وقضية احتلال أمريكا للعراق، وعن ما يجري في لبنان..الخ. في الجهة "المقابلة" تقف مجموعة أخرى من المعارضين يحلو لها التعريف بنفسها باسم المعارضة "الوطنية الديمقراطية"، يكاد يكون الموقف من الخارج هو البوصلة التي توجه عملها في الحقل السياسي. الخارج هنا شر مستطير، هو الخطر كله، وفي تخصيصه وتكثيفه من قبلهم، يتماها مع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة. وفق هذا المنطق تصبح العولمة مشروع أمريكي للهيمنة، وتصبح المتغيرات الدولية التي ساهمت في دفع قضايا الحرية والديمقراطية إلى مقدمة الأجندة الدولية، وفي العمل السياسي الداخلي في كل بلد، وبطبيعة الحال في سورية، نوع من الاستجابة لسيطرة المشروع الأمريكي للهيمنة. في المواقف المتطرفة "يسارا" لأغلب قوى " الوطنيون الديمقراطيون" يبدو أن العالم لم يحصل فيه شيء إيجابي بعد سقوط المعسكر السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، بل مجرد تعزيز الرأسمالية المتوحشة لمواقعها في العالم، وانبساط الهيمنة الأمريكية عليه. وبناء على ذلك فإن المهمة الرئيسة التي ينبغي أن يتمحور حولها النضال السياسي في هذه المرحلة، حسب وجهة النظر هذه، تتكثف في ضرورة العمل ضد هذا الغول المتوحش القادم، حتى ولو كان ذلك على حساب تأجيل البحث الجدي بالقضايا الداخلية المتعلقة بإنجاز التغيير الديمقراطي، وما يرتبط به ويمهد له من إلغاء حالة الطوارئ، وجميع القوانين الاستثنائية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين وإغلاق هذا الملف نهائيا، والسماح بحرية الرأي والتنظيم السياسي، مع أنها جميعها من الشروط الضرورية للنجاح في مقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني للهيمنة على المنطقة. وبطبيعة الحال يتشدد "الوطنيون الديمقراطيون" في دفاعهم عن المقاومة في العراق وفي فلسطين وفي لبنان، في تساوق شعبوي لافت، وتصبح " المقاومة" عند أغلبهم "الخيار الوحيد" لتحرير الأراضي المحتلة، في رفض صريح للخيارات السياسية الممكنة بل الضرورية في حالات معينة، وهي عموما ضرورية في النهاية. وفي المواقف المتطرفة "يمينا" لبعض قوى " الوطنيون الديمقراطيون" يصبح الاستبداد"وطنيا"، و"ممانعا" ؛ أي مقاوما وفق التوصيف العام للمقاومة المعتمد رسميا، وبالتالي لا يجوز إحراجه من خلال مطالبته بإجراء إصلاحات عميقة في بنية نظامه، وفي الحياة السياسية والاقتصادية للبلد، والاكتفاء بمراقبة ما يقوم به من "إصلاحات" شكلية، أو "نقدها" بصورة مضبوطة، مع أنها في جوهرها ليست أكثر من إجراءات لتعزيز استمرار الحالة السابقة بصورة أكثر تشدداً. وإذا كان "الليبراليون" يتمحورون حول قضايا التغيير الديمقراطي في الداخل بصورة رئيسة، معولين في إنجاز ذلك على تأثير المتغيرات الخارجية في الداخل الوطني، فإن " الوطنيين الديمقراطيين" يتمحورون حول قضايا الخارج، وبالتحديد قضايا مقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني، معولين على دور المقاومة والممانعة في تحقيق ذلك. لا ضير من وجهة نظر "الليبراليين" السوريين في الداخل من ممارسة التقية في الموقف من السياسات الأمريكية والغربية عموما تجاه المنطقة، أي ممارسة النقد لها، مراعاة للمزاج العام، فيما يشبه العتب لا أكثر، في حين يتم تأييدها فعليا، بل إقامة الروابط والتحالفات السياسية مع القوى العربية والإقليمية الداعمة لها، وتشكيل مجموعات عمل في الخارج لتأليب الخارج ودفعه للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية بذريعة الضغط على النظام الاستبدادي لدفعه للتغيير، بل للسقوط بغض النظر عن العواقب المحتملة لهذا السقوط. من جهة أخرى لا يضير" الوطنيين الديمقراطيين" ممارسة التقية في الموقف من الاستبداد ومن قضايا التغيير الوطني الديمقراطي الداخلية الملحة والضرورية، والاكتفاء بتوجيه النقد "العاتب" له، والتعويض عن ذلك بنقد المشكلات الاجتماعية وانتشار الفساد وضيق الحال الاقتصادية لكن بما لا يهدد أسس الاستبداد ذاته. قد يتصور البعض في ضوء التحديد السابق لواقع حال المعارضة السورية في الداخل، وهو تحديد قد تعين لدينا من خلال المقارنة بين ما تنص عليه في وثائقها، وبين ما تتحدث عنه في أحاديثها " الهادئة" أي في النقاشات التي تجري في الغرف المغلقة، و المماحكات التي كانت تجري في سياق إعداد الوثائق السياسية التي صدرت عنها، وكذلك من خلال ملاحظة سلوكها السياسي اليومي، أن المشتركات بينها قليلة جدا، وأنها قد تخندقت بصورة نهائية، في حين أن واقع الحال يقول غير ذلك. 1- لا اختلاف جدي بين أطراف المعارضة السورية في الداخل إذا ما نظر إليها من خلال وثائقها السياسية المعلنة، فمواقفها من قضايا الاستبداد ومن قضايا التغيير الوطني الديمقراطية وحتى من القضايا المرتبطة بالخارج تكاد تكون متطابقة. فمن يقرأ البيان الصادر عن المؤتمر الوطني لإعلان دمشق، والوثيقة التأسيسية لإعلان دمشق مع التوضيحات عليها، والوثيقة الأساسية للديمقراطيين الاجتماعيين، ووثيقة الإعلان الصادرة عن لقاء دير الزور، والوثيقة الأساسية للجنة العمل الوطني الديمقراطي في اللاذقية، والوثيقة الأساسية لتحالف اليسار الماركسي وغيرها من الوثائق يلاحظ وكأنها تصدر عن روحية واحدة، يشاركها في ذلك أغلب ما كتبه المثقفون السوريون خلال السنوات الماضية. 2- لا اختلاف جدي أيضا بين أطراف المعارضة السورية في الداخل من ناحية سلوكها السياسي، فجميعها للآسف أدوات قديمة تفتقر إلى المناقبية السياسية، تسعى إلى تسجيل المواقف السياسية أكثر من التأسيس لمنهج اتخاذ المواقف السياسية، تمارس التقية في أطروحاتها السياسية، ويمارس أغلبها السياسة كفن للعب وليس كعلم، تفتقر إلى الثقة بنفسها وفيما بينها، وتفتقر أيضا إلى روح التضامن وروح الحوار، تبدو أسيرة المواقف الجاهزة، لم تستطع التخلص بعد من شخصنة العمل السياسي..الخ. 3- لا اختلاف جدي أيضا بين أطراف المعارضة السورية في الداخل من حيث اشتغالها على العناوين والشعارات، بدلا من البرامج والرؤى الشاملة. مثلا تتحدث المعارضة السورية عن الأخطار التي تهدد سورية، لكنها لا تبين بالتفصيل ما هي هذه الأخطار وما هي طبيعتها وأولوياتها، جميعها تتحدث عن ضرورة التغير السلمي المتدرج، لكنها لا تبين كيف يمكن تحقيق ذلك، جميعها تتحدث عن ضرورة وضع دستور ديمقراطي للبلاد، أو تعديل الدستور القائم، لكنها لا تقدم مقترحاتها في هذا المجال. الكل في المعارضة يتحدث عن ضرورة وضع قانون عصري للأحزاب والنقابات و تنظيمات المجتمع الأهلي والمدني..الخ، لكنها لا تعرض بدائل مقترحة من قبلها. تفتقر المعارضة السورية في الداخل بجميع أطيافها إلى رؤى واضحة في مجال الإصلاح الاقتصادي والإداري والقضائي... ، وفي مجال بناء الدولة الديمقراطية القوية، وفي الموقف من أحزاب السلطة.الخ. قد يقول قائل وما جدوى تفصيل القول في جميع هذه المسائل التي هي من اختصاص جمعية تأسيسية أو سلطة ديمقراطية، أي أنها من الأمور التي ينبغي معالجتها تاليا بعد الظفر بالحريات السياسية وبناء الدولة الديمقراطية. غير أن هذا القول مردود عليه من ثلاث جهات: من جهة ثمة حاجة لخلق تمايز عما يعرضه الاستبداد ويفرضه بالقوة، وعما تطرحه بعض القوى"المعارضة" السورية في الخارج، ومن جهة ثانية ثمة حاجة ماسة لخلق ثقافة بديلة لثقافة الاستبداد، ومن جهة ثالثة ثمة حاجة لرؤيا تفصيلية وواضحة في هذه المسائل، لزوم العمل الدعاوي والتعبوي الجماهيري. بكلام آخر ثمة ضرورة ملحة لتحديد الهوية الوطنية الديمقراطية للمعارضة السورية في الداخل وهي لا تكون بدون الوضوح والشفافية في المسائل التي ذكرناها، فهي من جملة ما يؤسس للمناقبية في العمل السياسي التي نحن بأمس الحاجة إليها في سورية. 4-تشترك المعارضة السورية في الداخل بطابعها الوطني، فالتمايزات بينها في الرؤى السياسية، وفي المواقف العملية لا تزال في إطار وجهات النظر المشروعة والمبررة، فهي لا ترقى إلى مستوى "العمالة" أو "الخيانة" التي يستسهل استخدامها للأسف الشديد في اللغة " السياسية" السائدة في سورية ضد هذا الطرف أو ذاك. فجميعها حريصة على السلامة الوطنية، وتنبذ العنف والإرهاب، وتريد تغييرا متدرجا وسلميا لا يقصي أحدا، يقوي سوريا ولا يضعفها، يحولها إلى واحة للحرية والديمقراطية والتقدم والازدهار. المعارضة الداخلية في سورية لا ترضى لبلدها ما رضاه بعض العراقيين لبلدهم، وترفض التدخل العسكري في شؤون سوريا..الخ. وإذ نتحدث عن المعارضة السورية في الداخل بصورة الجمع، فإننا لا نحكم عليها بدلالة فرد أو مجموعة أفراد هنا أو هناك، يمكن أن تشذ عن الحالة العامة الغالبة في هذا الموقف أو ذاك. في ختام هذا المقال بقي علينا أن نشير إلى الفئة الثالثة من المعارضة السورية التي يفترض بها أن تجمع بين إيجابيات الفئتين السابقتين، أي بين إيجابيات من يدعون أنفسهم بـ"الليبراليين"، وإيجابيات من يدعون أنفسهم بـ"الوطنيين الديمقراطيين"، وينبغي أن تتمايز في الحقل السياسي بمناقبية عالية سواء في المواقف والرؤى السياسية أو في السلوك السياسي اليومي، وان تشتغل على برامج سياسية واقتصادية واجتماعية..الخ، وليس على شعارات عامة تفتقر إلى التحديد والتعيين، هذه الفئة كما هو واضح لا تزال في وضعية افتراضية، مع أن عناصرها موجودون في جميع أطياف المعارضة السورية في الداخل، وبين المشتغلين في الحقل الثقافي والمهتمين بالشأن العام. وإذا كان التنوع في المعارضة السورية في الداخل يزيدها قوة وغنى، فوجود تيار وطني ديمقراطية حقيقي وفاعل يعبر عن هذه الحالة الافتراضية سوف يشكل إضافة نوعية للعمل السياسي الوطني الديمقراطي المعارض، وعامل قوة ومناعة لسورية في مواجهة الأخطار الخارجية والداخلية على حد سواء.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الليبرالية الجديدة
-
في الاختلاف والتسامح والحرية والحوار....أو في العلمانية والد
...
-
العنف واللاعنف في التاريخ
-
مؤشرات الحكم الرشيد في الدول العربية
-
الحكم الرشيد – الشفافية والمساءلة.
-
الحكم الرشيد - سيادة القانون
-
الحكم الرشيد-المشاركة
-
مبادئ الحكم الرشيد
-
البيعة الثانية والأمنيات الأولى
-
التحليل السياسي بلغة طائفية
-
أمريكا لا تريد الديمقراطية في الوطن العربي
-
الكراهية المؤسسة للسياسة
-
السقوط في الهاوية
-
ثقافة الخوف
-
المعارضة السورية ومزاد الإعلانات
-
بمثابة مشروع برنامج سياسي
-
سورية تودع عاما صعبا وتستقبل عاما أصعباً
-
عبد الحليم خدام: الفضيحة غير المتوقعة للنظام السوري
-
سورية للجميع: هل الجميع فعلا لسورية؟
-
الاصلاح في سورية- ضروراته ومعيقاته
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|