|
الديناميات السياسية في مشروع الحكم الذاتي
منير لخضر
الحوار المتمدن-العدد: 2152 - 2008 / 1 / 6 - 10:41
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
منذ أن أعلن المغرب عن ارادته في استرجاع الصحراء المغربية الموجودة تحت الاحتلال الاسباني فقد واجه معارضة ليس فقط من طرف اسبانيا - الدولة المحتلة – ولكن ايضا من طرف موريتانيا التي اعتبرها القرار الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 20 شتنبر 1966 طرفا معينا بتصفية الاستعمار في المنطقة الى جانب المغرب . علاوة على ذلك . فقد برزت تدريجيا معارضة الجزائر التي اعتبرت دائما نفسها مهتمة بما يجري في المنطقة وبسبب غياب مطالب ترابية مباشرة لديها. فان الجزائر ستتحرك عبر ما سمي بالبوليزاريو . وامام هذه الاشكال من المعارضة فان عمل الدبلوماسية المغربية سيظل مرهونا بهذا الملف . الذي سيطرح عبر عدة واجهات .افريقية .عدم الانحياز . هيئة الامم المتحدة . فعبر هذه المسارب فقد ظل المغرب القوي بحضوره في الصحراء يسعى الى تحييد خصومه بدءا من اسبانيا ومرورا بموريتانيا باستثناء الجزائر التي ظلت متشبثة بمواقفها الى حد يمكن القول معه ان قضية الصحراء ستشكل قطب الرحى في تحرك الدبلوماسية الجزائرية التي استخدمت بحنكة الياتها وتراكماتها لاذاية المغرب ومنع كل تسوية لا ترضيها في المنطقة.(1) منذ ذالك الوقت فقد تجاذبت قضية الصحراء عدة خيارات حلول تراوحت بين خيار الوحدة والسيادة الوطنية التي دافع عنه المغرب كخيار لا رجعة فيه في فترة سياسية معينة معززا بشبه اجتماع وطني حول هذا الموقف . وبين خيار الانفصال والاستقلال وبناء " الجمهورية العربية الصحراوية الاشتراكية " (R.A.S.D) الذي دافعت عنه جبهة البوليساريووحليفتها التقليدية الجزائر ومجموعة الدول التي كانت تدور في فلك المعسكر الشرقي. وبين هذا الحل وذاك ظهرت حلولا اخرى حاولت في الغالب التوفيق بين هذين
1/ الحسان بوقنطار . السياسة العربية للمملكة المغربية .مركز الدراسات العربي-الأوربي .بحوث إستراتيجية (4) الطبعة الأولى .باريس 1997 رص120 . 121.
الطرفين المتناقضين. فبدخول منظمة الوحدة الافريقية على الخط ظهر خيار الاستفتاء الذي قبله المغرب في قمة نيروبي 1982 . لكنه سيفشل نظرا لعدة اسباب موضوعية وتنظيمية . لكن هيئة الامم المتحدة واصلت جهودها من اجل حث الطرفين على ايجاد حل سلمي للقضية واستطاعت ان تدفع بالطرفان الى توقيع معاهدة وقف اطلاق النار وقبول وجود قوات اممية (المينورسو ) تراقب هذا الوقف سنة 1988 . ثم ظهر مخطط بيكر الاول او الاتفاق الاطار (2001) الذي قبله المغرب ورفضته جبهة البوليساريو مدعومة بحليفتها الجزائر . فمخطط بيكر الثاني (2003) الذي اقترح فترة " للحكم الذاتي " تمتد خمس سنوات يعقبها استفتاء لتقرير المصير لم يتم قبوله من طرف المغرب . الى جانب الخيار الذي طرحته الجزائر المتعلق بتقسيم الصحراء بينها وبين المغرب . والذي عد حسب المتتبعين انه ابان عن النوايا الحقيقية للجزائر بالمنطقة وانها تسعى لتحقيق مصالح جيواستراجية اقليمية اكثر مما تتشبث "بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره "كمبدأ . ففي ظل هذا الانسداد الذي تعرفه هذه القضية يكون المغرب قد فتح بتقديمه مقترح الحكم الذاتي صفحة جديدة في ملف الصحراء هذه المرة بمبادرة منه قصد تحريك ذلك الملف في اتجاه يرجى ان يثمر نتائج ايجابية . وصولا الى تحقيق المرغوب. وهو منعطف اخر مثل منعطف نيروبي ومثل وقف اطلاق النار ومخطط التسوية ومقترحات بيكر (2). تتكون هذه "المبادرة المغربية للتفاوض بشان نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء" كما قدمها المغرب الى الامين العام الاممي من رسالة تقديم او ديباجية وثلاثة محاور . المحور الاول يؤكد التزام المغرب بحل سياسي نهائي والمحور الثاني يسرد العناصر الاساسية للمقترح المغربي والمحور الثالث يبين كيفية اجراء الموافقة وتطبيق مشروع الحكم الذاتي .
2/ محمد العربي المساري . مقترح الحكم الذاتي .. الحل ليس غدا . دفاتر سياسية. العدد 91. ماي 2007 ص 04.
إذن ما هو الاطار الاساسي لهذه المبادرة ؟ وماهي الاجهزة السياسية التي تقترحها ؟ وهل ينسجم هذا المشروع مع المعايير الدولية للحكم الذاتي (الكونية السياسية ) ام هناك خصوصية تطبع هذه المبادرة ( الخصوصية السياسية ) ؟ ثم ما هي الافاق الديموقراطية التي يمكن ان تفتحها هذه المبادرة للمغرب في اطار استكمال عناصر الانتقال الديموقراطي المنشود ؟. ستحاول هذه المساهمة استجلاء اهم الديناميات السياسية التي ترتبط ب "المبادرة المغربية للتفاوض بشان نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء "،على المستويات التالية: الاطار السياسي للمبادرة ،الاجهزة السياسية للمبادرة، والآفاق الديمقراطية للمبادرة . ونظرا لكون الموضوع يتعلق بالدولة والقرار العام وبنظام الحكم اساسا فانه يصعب تناوله من زاوية تخصص علمي واحد ولذلك تستحضر هذه المساهمة العديد من الحقول العلمية كعلم السياسة، علم الادارة ،علم الاجتماع، الانترويولوجيا،والفلسفة السياسية... وذالك وفق مقاربة نسقية تحاول رصد التفاعلات والديناميات السياسية الحاصلة بين السلطة السياسة المركزية كنسق عام والسلطات المقترحة كنسق فرعي . لمعالجة هذا الموضوع تقترح هذه المحاولة الخطة التالية : * 1- الاطار السياسي للمبادرة : الحل السياسي المتفاوض عليه. * 2- الاجهزة السياسية للمبادرة : ثنائية الحداثة والتقليد. * 3- الافاق الديموقراطية للمبادرة : ملامح دولة الجهات. 1- الإطار السياسي للمبادرة : الحل السياسي المتفاوض عليه تؤكد المبادرة على أن المغرب وتلبية لنداءات مجلس الأمن منذ 2004 و الذي ما فتئ فيها هذا الأخير يحث الأطراف المعنية و دول المنطقة للتعاون مع الأمم المتحدة لوضع حدا للمأزق و لإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي يرضي جميع الأطراف.فان المغرب يتقدم بهذا المقترح الرامي إلى منح كافة الصحراويين سواء الموجدين في الداخل أو الخارج مكانتهم اللائقة,حيث سيتولون تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيأت تشريعية و تنفيذية و قضائية تتمتع باختصاصات حصرية ,فيما الدولة ستتمتع باختصاصاتها في ميادين السيادة لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية و الاختصاصات الدستورية من خلال الملك باعتباره أمير المؤمنين. كما تشير المبادرة أنه و بهدف توفير أفضل الظروف للشروع في مسار للتفاوض والحوار كفيل بأن يمضي لحل سياسي مقبول من طرف الجميع,فإن المبادرة تتعلق بنظام حكم ذاتي منبثق عن مفاوضات تخضع لاستشارة إستفتائية للسكان المعنيين على أساس مبدأ تقرير المصير و لأحكام ميثاق الأمم المتحدة. 2- الأجهزة السياسية للمبادرة : ثنائية الحداثة والتقليد. تستعرض المبادرة العناصر الأساسية للتصور المغربي في مسألة منح الحكم الذاتي للصحراء. حيث تضم اختصاصات جهة الصحراء.خاصة في الميادين التالية: الإدارة, التجارة, الصناعة, السياحة السياسة الضريبية المحلية البنيات التحتية النقل السكن التربية الصحة التشغيل الرياضة الضمان الاجتماعي الرعاية الاجتماعية ثم الثقافية, وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى الدور و الصلاحيات الواسعة التي منحت للهيآت و المؤسسات المحلية,سواء تعلق الأمر بالبرلمان أو الحكومة المحلية أو حتى القضاء...المبادرة أشارت في ما يخص الموارد المالية للجهة على الخصوص إلى: العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية المرصودة للجهة و كذا جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة من استغلال موارد الجهة إضافة إلى الموارد الأساسية المخصصة في إطار التضامن الوطني و كذا عائدات ممتلكات الجهة في نفس المحور تخصص المبادرة جانبا لتحديد هيآت الجهة و اختصاصاتها و تضم على الخصوص برلمان الحكم الذاتي للصحراء,سلطة تنفيذية في جهة الحكم الذاتي,المحاكم التي بالإمكان أن يحدثها البرلمان الجهوي و ذلك لجهة البث في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيآت المختصة و التي كما تشير لذلك المبادرة تصدر أحكامها بكامل الاستقلالية و باسم الملك. إلى جانب هذه المفاهيم ذات الحمولة الحداثية،نجد مفاهيم أخرى مقابلة ذات حمولة تقليدية من قبيل الشورى و البيعة. فما هي حقيقة الشورى؟ الشورى في اللغة هي مطلق الاستخراج، والمعنى الفقهي العام للشورى و التشاور: ( هو استخراج الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب الأمور للحق) و أصلها في القرآن الكريم و في سيرة الرسول و أحاديثه. و لما كانت الشورى مفضية إلى تعدد الآراء و الاجتهادات، و تنوعها و اختلافها ، فإن الرسول و خلفائه الراشدين عدوا رأي الأكثرية راجحا على رأي الأقلية. غير أن بعض التيارات يرفضون الديمقراطية مطلقا، و يعدونها مبدأ دخيلا، لا صلة له بالإسلام، لأنها تحتكم للأكثرية، و ترى رأيها ملزما، و الإسلام في نظرهم لا يعتد بهذه الوسيلة. و هذا الكلام مردود على قائله، و هو قائم على الغلط و المغالطة، سيما إذا تحدثنا عن أكثرية فاضلة في مجتمع مسلم. أما البيعة فالمقصود منها أن يجتمع أولو الأمر من رجال الدولة وأعيان الأمة، فيجيلون النظر و يتبادلون الرأي و المشورة ممن يصلح للملك من بعده طبق الشروط المنصوص عليها في كتب الفقه الإسلامي، فإذا اختاروه و انعقد عليه إجماعهم عقدوا له البيعة. أما إذا كان المرشح للملك معهودا له بالأمر في حياة سلفه، أو إذا كان وصل إلى الملك قهرا و غلابا فإن البيعة تكون مجرد تزكية أخذ من قبل أو مجرد تسليم بأمر واقع ليس له من دافع جمعا للكلمة و اجتنابا لإراقة الدماء.
III الآفاق الديمقراطية: نحو دولة الجهات على مستوى مسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي و تفعيله تؤكد المبادرة على وجه التحديد، على أن نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر ضمن استشارة ديمقراطية، أساسه الشرعية الدولية، و ميثاق الأمم المتحدة و قرارات الجمعية العامة و مجلس الأمن، وهو ما يعتبر بمثابة ممارسة حرة للسكان المعنيين بحقهم في تقرير المصير، المبادرة ومن خلال هدا المحور تتحدث عن مراجعة الدستور المغربي و إدراج " نظام الحكم الذاتي" فيه كما تتحدث عن إجراءات أخرى تهم إدماج الأشخاص حال عودتهم، و إصدار عفو شامل و نزع السلاح وغيره. إن النجاح في تطبيق فكرة الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية سيأخذ لا محالة حجما وطنيا و ستمتد مساحته لتشمل موضوع الحكم الذاتي بالأطلس و بشمال المغرب و بجهات أخرى لا تختلف في خصوصياتها عن الأقاليم الصحراوية. و على الدولة من جانبها أن تؤسس لإطار تناقش فيه إلى جانب الفاعلين السياسيين هذا الموضوع كما على الفاعلين السياسيين أن يحددوا موقفهم بجرأة و صراحة وأن يلجوا حلبة النقاش و الاقتراح بوضوح. سيكون من الخطأ القاتل أن نجعل من الحكم الذاتي في الصحراء حلا لأزمة بعينها بدل تعميم التجربة على باقي الأقاليم و عبر إحداث إصلاح عميق في شكل النظام المغربي عبر توافقات. تضمن للدولة الاستقرار و للملكية و الاستمرار، لا يمكن فهم حل الحكم الذاتي سواء في الصحراء أو على مستوى باقي الأقاليم و عبر إصلاحات دستورية و سياسية لا تشرك سكان هذه المناطق و تفسح المجال لظهور قيادات و زعامات محلية تضمن تمثيلية قادرة على التوافق، التجربة الإسبانية على سبيل المثال انطلقت من حوارين موازيين حوار محلي/ محلي و حوار وطني/ محلي انتهى بالتوافق على دستور 1978 الذي لا يزال أساسا للتعديلات المقترحة في القوانين الأساسية لجهات إسبانية اليوم، بما فيها الأكثر جدلا ( القانون الأساسي لكطالونيا المعروض على البرلمان).
سيكون من الخطأ و القصور في التحليل كذلك أن يعتقد أصحاب القرار في المغرب بأن المبادرة ستقف عند حدود الأقاليم الجنوبية، بقدر ما ستكون أساسا لتفجير موضوع الإصلاحات الدستورية و السياسية و ستنتقل بموجبها من إصلاحات دستورية تنطلق من شكل الحكم الوطني إلى إصلاحات دستورية تنطلق و تنتهي عند أشكال حكم جهوية يقوم عليها وبموجبها نظام الحكم الوطني، أي أن يستمد هذا الأخير سلطاته من سلطات الحكم الذاتي مع الاحتفاظ بدور التنسيق و التمثيل و السيادة.
#منير_لخضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخلفية الفكرية لمشروع -الشرق الأوسط الكبير-:رؤية نقدية
-
النظام العالمي والجيوبوليتيك:رؤية نقدية
-
أدب السجون و مقاومة الاستبداد السياسي بالمغرب
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|