|
اليمين العنصري يزلزل فرنسا وجوسبان يغادر السباق والسياسة
سامي كليب
الحوار المتمدن-العدد: 109 - 2002 / 4 / 22 - 16:48
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لوبان يفجّر المشهد السياسي والرئاسة مضمونة لشيراك
لعل غالبية الفرنسيين لم تغمض جفونها أمس فالزلزال الذي ضرب الطبقة السياسية في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فتح أمام الفرنسيين أزمة المشهد المدوّي لحال انقسامهم السياسي. ويمكن تصوير الزلزال السياسي كالتالي: وصول زعيم اليمين المتطرف جان ماري لوبان الى الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية التي ستجري في الخامس من أيار، وذلك الى جانب الرئيس جاك شيراك، بعدما أظهرت النتائج غير النهائية حتى وقت متأخر من ليل أمس، هزيمة مرشح الحزب الاشتراكي ليونيل جوسبان بحلوله في المرتبة الثالثة في النتائج التي تم فرزها. ولم يتأخر الاشتراكيون طويلا، وأعلن المتحدث باسم الحزب الاشتراكي فانسان بايون ان حزبه قرر دعم الرئيس المحافظ جاك شيراك في الدورة الثانية ((ضد كره الأجانب والعنصرية التي يمثلها لوبان))، وذلك بعدما أعلن جوسبان اعتزاله العمل السياسي بسبب ((الصاعقة)) التي وقعت والتي وصفها بأنها ((علامة مقلقة بالنسبة لفرنسا وديموقراطيتها)). وقال جوسبان أمام أنصاره ((انني أتحمل مسؤولية هذه الهزيمة كاملة وسأستخلص النتائج باعتزال السياسة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية)). وحث جوسبان حزبه الاشتراكي على ان يبدأ الاستعداد للانتخابات البرلمانية في حزيران. لكنه على عكس غيره من الزعماء الاشتراكيين لم يطالب أنصاره بالتصويت لمصلحة شيراك في جولة الإعادة نكاية في لوبان. أما شيراك، الذي عارض طويلا توجهات لوبان المعادية للمهاجرين، فقد دعا من جانبه الفرنسيين الى الدفاع عن قيم البلاد. وقال ان مستقبل فرنسا وما تتمتع به من قيم الاحترام والتسامح تضعهما نتائج الانتخابات موضع التساؤل، وأضاف لأنصاره ((اليوم القضية هي وحدتنا الوطنية.. قيم الجمهورية التي نرتبط بها نحن الفرنسيين بشدة)). وتابع ((ان القضية هي مستقبل فرنسا.. قضية فكرتنا عن البلاد وتقاليدها الإنسانية العظيمة ودعوتها العالمية.. القضية أيضا هي قدرتنا على العيش معاً واحترام بعضنا البعض)). ولعل زعيم حزب البيئة الخضر نويل مامير كان أفضل من وصف الزلزال السياسي بقوله ((ان فرنسا تعيش أخطر أزمة سياسية منذ الحرب العالمية الثانية)). وتشكل هذه النتائج سابقة في التاريخ الفرنسي الحديث حيث لم تعرف البلاد في تاريخها وصول أي مرشح يميني متطرف الى الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، لكن الأكيد هو ان شيراك سيفوز في 5 أيار المقبل بالرئاسة ليبقى 5 سنوات أخرى. ومن غير المعروف بعد ما إذا كانت الرئاسة المقبلة ستكون محكومة أيضا بالتعايش، ذلك ان اليسار المهزوم دعا للتعويض عن الهزيمة بالتصويت الكبير في الانتخابات التشريعية التي ستلي مباشرة الرئاسية. وأما أسباب الفشل والدروس التي يمكن استخلاصها من هذه النتائج فهي التالية: ان اليمين المتطرف بات واقعا خطيرا في فرنسا ذلك ان أصوات لوبان وتلك التي حصل عليها رفيقه المنشق عنه برونو ميغري تكاد تصل الى 20 في المئة، وقد دعا ميغري للتصويت لرفيقه السابق في الدورة المقبلة. وهكذا تصبح فرنسا الدولة الأكثر احتضانا للتطرف في محيطها الأوروبي، وهذا ما قد يفرض تعبئة كبيرة في الانتخابات التشريعية المقبلة لقطع الطريق على لوبان ورفاقه في احتلال أغلبية برلمانية. ان شخصية جوسبان وهشاشة برنامجه الانتخابي الذي ركز على الأمن لعبا دورا معطلا لتقدمه، خصوصا ان تركيز المرشحين الاشتراكي والديغولي على ((الأمن)) جعل الصاحب الأصيل لهذا الشعار أي جان ماري لوبان يقطف ثمرته في ظل وضع عالمي يضع الأمن ومحاربة الإرهاب عنوانا لإيديولوجيات مطالع القرن. الامتناع عن التصويت في الدورة الأولى هذه والذي كاد يقارب 29 في المئة محدثا سابقة في تاريخ الانتخابات، ساهم في هزيمة جوسبان وهشاشة اليسار، بحيث بدا ان أكثر المتحمسين للتصويت كانوا لصالح التطرف. تشتت أصوات اليسار واليمين على عدة مرشحين ساهم في إضعاف نسب المرشحين الديغولي والاشتراكي بشكل كبير وقتل جوسبان، ولكنه لم يساهم في رفع مستوى أولئك المرشحين، فمثلا جان بيار شوفنمان لم يحصد أكثر من 3،5 في المئة رغم انه كان يبدو في بداية الحملة الانتخابية كالرجل الثالث، والحزب الشيوعي حصد نتيجة أسوأ من هزيلة بمعدل 6،3 وتقدمت عليه مرشحة حزب ((الكفاح العمالي)) السيدة آرليت لاغييه بما يقارب 3،6 في المئة (محسنة قليلا نسبتها السابقة). تبين ان الفرنسيين، وخلافا لنظرائهم الأوروبيين، غير متحمسين لتيارات الوسط، لكنهم لا يستبعدون هذا التيار تماما. يثبت الفرنسيون مرة جديدة انهم يصوتون انتقاما وليس تأييدا فهم يعاقبون جوسبان على عمله الحكومي الذي استمر 5 سنوات، تماما كما عاقبوا شيراك، فالنتيجة التي حصل عليها رئيس الدولة ليست هي الأخرى كبيرة الأهمية قياسا بما كان يحصل عليه المرشحون للرئاسة سابقا. ان الإعلام الفرنسي انهزم هو الآخر حيث ان كل المعركة التي كان يخوضها ضد لوبان لم تؤد الى نتيجة. ورغم ان كل الدلائل تشير الى ان شيراك سيبقى رئيسا للجمهورية بعد الدورة الثانية بعد جمع كل أصوات اليمين التي تفرقت تماما كما تفرقت أصوات اليسار في الدورة الأولى هذه فالأهم هو معرفة ما ستؤول إليه الانتخابات التشريعية، فهل تبقى فرنسا في ظل التعايش بين رئيس يميني وأغلبية برلمانية يسارية، أم ان اليمين سيتقدم بشكل خطير أيضا في الانتخابات التشريعية، ولذلك فإن المعركة الحقيقية بدأت هذا الصباح وسوف تستمر وتستعر مع اقتراب الانتخابات التشريعية. ومن المرجح ان يحصد شيراك في الدورة الثانية نسبة كبيرة من الأصوات بحيث سيكون الفارق بينه وبين لوبان كبيرا جدا إذا ما صبت كل أصوات اليمين وجزء من اليسار في صالح سيد الأليزيه. وبعد الإعلان عن النتائج الأولية اعترف الحزب الاشتراكي بهزيمته النكراء، حيث قال الناطق باسمه فرانسوا هولاند ((قابلت جوسبان قبل قليل ونحن حزينان لهذه النتائج التي لم ينتظرها أحد، فإذا كانت نتائج شيراك على حالها وهي ليست مشرفة لرئيس في السلطة، إلا اننا أصبنا بالصدمة، هذه صدمة لبلادنا، هذه هزيمة لليسار ولجوسبان هزيمة قاسية وغير عادلة، والتي سببها انعدام الأمن وتشتت أصوات اليسار)). ومن جانبه قال أحد أبرز أركان حملة شيراك وهو النائب نيكولا ساركوزي ان ((اليسار يتحمل سبب هزيمة جوسبان، لأنه لم يقم بشيء في خلال السنوات الخمس السابقة وبالتالي انها مفاجأة سعيدة لنا، انها ثمرة عمل المناضلين، وقد بدأنا الإعداد للدورة الثانية حيث ان هناك 3 مراحل أولهما الدورة الأولى والثانية ثم تليها الانتخابات التشريعية)). أما أمين عام الحزب الشيوعي روبير هو الذي يعتبر أيضا من بين المهزومين حيث لم يحقق حزبه أكثر من 6،3 في المئة فقد ندب هو الآخر حظ اليسار وقال ((ان هذه النتائج تعبير عن الحزن والغضب، انا متأثر جدا كما كل الشيوعيين، وإذا كان مهما بالنسبة لنا ما حصل اليوم فإن الأهم هو التعب والغضب وانعدام الرضى، فللمرة الأولى يصل مرشح اليمين المتطرف الى الدورة الثانية، انه أمر كوارثي بالنسبة لفرنسا، ويمكن ان نشرح ذلك بارتفاع عدد الممتنعين عن التصويت وبمضمون ومستوى الحملة الانتخابية هذه هزيمة يسارية واضحة للحكومة، وان قوى الديموقراطية أمام مشكلة ضخمة، فرنسا لا تستأهل هذا التراجع)). وإذا كان الاشتراكي حمل بعض حلفائه من متطرفي اليسار جزءا من المسؤولية عن الهزيمة حيث توزعت الأصوات وتشتتت، فإن زعيمة هذا اليسار المتطرف السيدة آرليت لاغييه قالت ان خطيئة جوسبان تكمن في انه أدار ظهره منذ بداية هذه الحملة للقوى العمالية الحقيقية وتوجه بخطابه نحو يمين الوسط فخدع العمال، وإذ اننا لا ندعو للتصويت لشيراك في الدورة الثانية فإننا نريد هزيمة لوبان وهذا يتحقق على المستوى الاجتماعي، وليس عبر الاعتماد على السياسة الأمنية اننا نستطيع ان نرد أفكار لوبان ونهزمها)). ومهما كانت طبيعة الفائز أو المهزوم في المرحلتين المقبلتين، فإن فرنسا انزلقت امس الى أسوأ مرحلة في تاريخها الحديث، وسيكون مشهد شيراك في المناظرة المتلفزة المعتادة مع لوبان مثيرا للضحك ولكن للقلق أيضا خصوصا ان الزعيم الديغولي كان رفض دائما التحالف أو حتى التحادث (علنا) مع الزعيم اليميني المتطرف. في ما يلي النتائج غير النهائية التي حققها بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية في الجولة الأولى التي جرت أمس: جاك شيراك (الرئيس اليميني) 61،19% جان ماري لوبان (الجبهة الوطنية المتطرفة) 13،17% ليونيل جوسبان (الاشتراكي) 99،15% فرنسوا بايرو (وسط) 87،6% آرليت لاغييه (تروتسكية) 9،5% جان بيار شوفنمان 29،5% نويل مامير (مدافع عن البيئة) 21،5% أوليفييه بوزانسينو (تروتسكي) 3،4% جان سان جوس (يمين) 34،4% آلان مادلان (يمين ليبرالي) 88،3% روبير هو (الحزب الشيوعي) 39،3% برونو ميغريه (يمين متطرف) 4،2%
©2002 جريدة السفير
#سامي_كليب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية فرنسية تشكّك بهجمات 11 أيلول البنتاغون لم ينفجر بفعل ا
...
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|