لا يخفى على أحد أن شرط تطور الصحافة الجادة و تألقها هو الحرية، إلا أن هذه الحرية أضحت اليوم تقزم بالمغرب استنادا على خلفيات تارة تتقمص شكل المس بالمقدسات و تارة أخرى شكل الإشادة بالإرهاب.
و قد وصل تضييق الخناق على الصحافة المستقلة و الحرة بالمغرب درجة أصبح معها العام و الخاص يتساءل : لماذا كشرت الدولة عن أنيابها لافتراس الصحفيين؟ أم أن هذه الصحافة أضحت تهدد سيادة الدولة؟
و الغريب في الأمر أن الصحافة المستقلة و الحرة بالمغرب هي الأكثر استهدافا، خلافا لما كان في السابق، عندما لم تكن موجودة بعد، حيث كانت الصحافة الحزبية المعارضة هي المستهدفة.
و يبدو حاليا بالمغرب أن الصحافة المستقلة و الحرة الجادة هي التي أضحت تضطلع بدور المعارضة الفعلية للحكومة، و ذلك لكونها تلعب دور الفاعل المدني الذي يرصد مظاهر الانتهاك و الانتكاسة، رغم أن واقع هذه الصحافة في غالبيتها لازال مزريا مادامت، خلافا للصحافة الحزبية، لا تستفيد لا من الدعم
المالي الممنوح من طرف الدولة و لا من الإشهار أو من كل ما يساهم في تأهيلها ماديا و تطويرها و ضمان استمراريتها بطريقة مريحة كما هو الحال لبعض الصحف الحزبية التي تصدر منذ عدة سنين خلت رغم أن مبيعاتها لا تكاد تفت المائة أو المائتين من الأعداد. علما أن الدعم الممنوح لها يقتطع اقتطاعا من جوع أغلب فئات الشعب المغربي.
و لقد لعبت الصحافة المستقلة و الحرة الجادة، في السنوات الأخيرة، دورا حيويا و غير مسبوق في الكشف عن ملفات الفساد الكبرى التي عرفها المغرب، و قد يعود إليها الفضل في دعم اتجاه الكشف و تسليط الأضواء على مناطق الظلام إلى درجة أن أهمية الصحيفة بالمغرب أصبحت تقاس بمدى دورها و قدرتها على كشف المستور و جرأتها في تسليط الأضواء عليه.
إلا أنه لازال البعض يعتقد أن المغرب في حاجة لصحافة مواطنة تساهم في التربية السياسية للمواطن، لاسيما و أن الدولة مجبولة على محاولة تهميش كل من يسير في اتجاه معارضتها سواء كانت صحيفة أو حزبا أو جمعية، لذلك يبدو أن الصحافة المستقلة و الحرة الجادة بالمغرب ما زال عليها أن تتحمل ضريبة لجرأتها التي قد تصد بسهولة إلى السجن في انتظار غد أفضل.