|
هل ستنتقل جماعة العدل والإحسان من الأبواب المفتوحة إلى المواجهة المفتوحة ؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2150 - 2008 / 1 / 4 - 11:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا شك أن جماعة العدل والإحسان تغير مناوراتها وتنوعها تبعا للظرفية السياسية المحلية والدولية . هدفها في ذلك هو إحداث كوات في صرح النظام تؤدي إلى التصدعات التي تراهن عليها الجماعة . ومن ثم الانقضاض على الحكم . فالجماعة واضحة في اختياراتها المرحلية والإستراتيجية . وهي بصدد الإعداد المتواصل لتنفيذ اختياراتها التي يتضمنها كتاب "المنهاج" الذي هو بمثابة دستور الجماعة وفيه يقرر الشيخ ياسين ( نبرز بمشروعنا ، ونعلنه ، ونحارب دونه بأساليب السياسة ما انفتح لنا فجوة ، وبكل الأساليب إن اضطهدنا )(ص 27 المنهاج ) . وحتى تقطع الطريق أمام كل طامع في إشراك الجماعة في الحياة السياسية ، يجزم مرشدها بالتالي ( ليكن واضحا جليا أننا لا نخطب ود الأنظمة الفاسدة الكاذبة الخاطئة . وليكن واضحا أن خطة بعض المترددين من فلول الحركة الإسلامية المتكسرين إلى مصالحة مع المزورين ليست خطتنا )(ص 571 العدل ) . إذن خيار العمل السياسي السلمي والديمقراطي ترفضه الجماعة كليا لأنه لا يخدم إستراتيجيتها في السيطرة على السلطة . لهذا اختار الشيخ لجماعته أسلوب "القومة" بدل النضال الديمقراطي الذي لن يقوض أركان النظام بقدر ما سيعضده و "يرمم صدعه" . في حين أن "القومة" تستبعد خيار المصالحة وتتبنى ـ في المقابل ـ خيار "المقاومة" بكل الأساليب بما فيها حمل السلاح ، كما يقرر الشيخ نفسه ( مقاومة الظلم حتى الموت ولو نشرا بالمناشير .. ثم مقاطعة الظالمين : لا نواكلهم ولا نشاربهم ولا نجالسهم . وهذه هي الصيغة المثلى للقومة . فلو قدرنا أن نتجنب استعمال السلاح ضد الأنظمة الفاسدة ، ونقاطعها حتى تشل حركتها ، ويسقط سلطانها ، وترذل كلمتها )(ص 36 رجال القومة والإصلاح). من هنا نفهم سعي الجماعة إلى عزل الملك عن الشعب والقوى الحية مستعملة كل أساليب التكفير والتحريض والاتهام . فكلما بادر الملك إلى استنهاض الهمم ووضع كل الأطراف السياسية والمدنية أمام مسئولياتها الوطنية كما جاء في خطاب العرش 2007 ( نجدد التأكيد أن الجميع مسئول على تحرير الطاقات الخلاقة والمتنورة للشباب واستثمارها في الأعمال الخيرة ، بدل تركها لقمة سائغة للظلاميين ) ؛ فإن الجماعة تنازع الملك الاستناد إلى فئات الشعب وقواه الفاعلة ، لا من أجل الانخراط في مشاريع التنمية ومسلسل بناء الديمقراطية ، ولكن بهدف تجييشها ضد النظام ضمن خطة عزله . إذ جاء في الوثيقة التوجيه/ التحذير التالي (نحن أيها الشرفاء أمام مأساة حقيقية، فأمننا أصبح مهددا بكل جوانبه: الجسدي والروحي والخلقي، على الجميع أن يتحمل مسؤوليته بكل شجاعة ووضوح، من علماء أُسكتُوا -إلا من رحم ربك- تحت صولة الحكم القُرُونِيِّ الوِرَاثِي، وأهل الدعوة والفاعلين السياسيين والاقتصاديين وعموم الأمة وكل من لهم غيرة على هذا البلد) . إذن فالجماعة لا ترى سبيلا للإصلاح إلا بقلب النظام وتغيير أسسه . إذ في الوقت الذي يدعو فيه الملك جميع المواطنين للتصدي للفساد والمفسدين ، كما جاء في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب 2007 ( يتعين على الجميع التصدي ، بروح المواطنة وقوة القانون ، للعابثين بالانتخابات والمتاجرين بالأصوات لإفسادها بالمال الحرام والغش والتدليس والتزوير .. فمحاربة الرشوة والفساد واستغلال النفوذ وإقطاعيات الريع وتوزيع الغنائم مسئولية الجميع .. غايتنا المثلى توسيع المشاركة الشعبية في التنمية ) ؛ ترد الجماعة في وثيقتها بالتالي ( إن الحديث عن تخليق المجتمع عامة، والحياة السياسية خاصة، لا معنى له إن لم نتحدث بوضوح وصدق عن تخليق "الرعاة" أولا، فالإرادة السياسية - المفتاح المرجو لحل أزماتنا- هي أساسا فعل أخلاقي بأعلى معاني الأخلاق وأسماها في العمل والممارسة والواقع).والسؤال الذي يطرح نفسه على الجميع وخاصة على الذين أوَّلُوا وثيقة الجماعة على أنها تطور إيجابي في اتجاه المصالحة مع النظام اعتبارا لما توحي به عبارة "تخليق "الرعاة" ، ليبقى السؤال هو : هل تؤمن جماعة العدل والإحسان بإمكانية إصلاح النظام و"تخليق الرعاة" ؟ الجواب حملته" مذكرة إلى من يهمه الأمر" كالتالي ( مستنقعنا المغربي أَسِنَ ماؤه وفاحت رائحة عطنه ، فلا نطمع في أن تنجح "إشارات" صغيرة هنا وهناك في تجفيف مائه الراكد وتفريغ وحله العفن)(ص24) . لذا يرى الشيخ أنه مهما حاول النظام إصلاح نفسه ( سيظل السوس ينخر في جسم النظام ، وبعد الضربة المفاجئة ، ستتوالى الانتكاسات وخيبات الأمل)(ص 23 مذكرة .) . وما دام الأمر كذلك ، يجزم الشيخ ( فلا أمل في الإفلات من طوفان يوشك أن يحل )(ص 23 مذكرة إلى من يهمه الأمر) . لهذا لا يرى بديلا عن القضاء على نظام الحكم القائم ( لا تفن عمرك في التأسف على الثمار السامة ، بل اقطع شجرتها يفن معها السم . لا يمكن أن ننتظر من الأفراد ، ولا الجمعيات ، أن تقوم بواجبها في الأمر والنهي ، ولا أن يكون لذلك معنى ، ما دام روح المنكر وجسده ، وينبوعه ، ولحمته وسداه بيننا ، ألا وهو الحكم الفاجر الكافر )(ص 394 المنهاج) . ومن أجل بلوغ غاية عزل النظام والتحريض ضد الملك ، جاءت الوثيقة تكرس الاتهامات المغرضة ضد النظام والدولة بمحاربة الدين ونشر الفسوق كالتالي (ومن محاربة للدين والتدين والدعوة إليهما، عبر نشر الرذيلة وفتح بيوت الدعارة على مصراعيها وإغلاق بيوت القرآن وطرد المواطنين من بيوتهم التي يفتحونها في وجه الدعوة) ..وليست المرة الأولى التي تفتري الجماعة مثل هكذا افتراءات . فكتب الشيخ وتصريحات قادة الجماعة مليئة بأقذعها . ب ـ أما ما يتعلق بالمعيش اليومي فإن الجماعة استندت إلى الإحصاءات الرسمية حول الفقر والتهميش ، ونسب التضخم والنمو لتبرر بها عداءها للنظام ودعوتها لحشد القوة لهدّ أركان ملكه . علما أن المعطيات المتعلق بالأوضاع المعيشية لم تعد سرا ولا حكرا ، بل باتت معروفة بأدق التفاصيل . ومما يجعل الجماعة ووثيقتها في موقف أشد حرجا ، ليس فقط أن الدولة هي من مول الدراسات والأبحاث لتشريح الوضعية العامة حتى تضع كل الأطراف السياسية والمدنية أمام الحقيقة وفي مواجهتها ـ وتقرير الخمسينية أحد الدلائل ـ بل إن الملك نفسه دعا في خطاب العرش 2007 إلى التالي( وهنا أقول : كفى من مجرد التشخيص النظري للأوضاع ، ولمكامن الاختلالات . فلدينا من الدراسات الموضوعية التي أنجزتها الهيئات والمؤسسات ما يشفي الغليل . ولم يبق أمامنا إلا اقتراح برامج قابلة للإنجاز ) . إذ المطلوب هو اقتراح الحلول الناجعة . لهذا ألقى الملك بمسئولية التصدي للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية باقتراح البرامج والحلول على كل الفاعلين : الدولة ، الأحزاب ، المجتمع المدني . ففي الخطاب الذي افتتح به الدورة التشريعية الثامنة يوم 12/10/2007 ، جاء فيه ( فعلى الجميع أن ينكب على تحقيق ما هو أهم بالنسبة للمواطن. ألا وهو، بكل بساطة، عيش حر كريم قوامه: وطن موحد.أمن واستقرار. تعليم جيد. تربية صالحة. شغل منتج . اقتصاد تنافسي. سكن لائق . تغطية صحية. إدارة فعالة ونزيهة. قضاء عادل ومستقل. كرامة موفورة. ومواطنة كاملة، حقوقا وواجبات) . فهل جماعة العدل والإحسان قادرة على الانخراط في الحياة السياسية وتقديم الحلول الممكنة ؟ وهل يستقيم انخراطها في المؤسسات الدستورية مع العقائد المذهبية التي تأسست عليها ؟ وهل العمل من داخل مؤسسات الدولة يخدم الإستراتيجية الانقلابية للجماعة ؟ إن الجواب الأولي نأخذه من مقال لأحد أعضاء الجماعة ـ سعيد مولاي التاج ـ كالتالي ( ماذا يمكن أن تضيف الجماعة إلى اللعبة السياسية إن تحول جزء منها إلى العمل السياسي حسب عرفهم وحسب الشروط الحالية دستوريا وسياسيا، سوى أن تصير خزانا لتدجين وتجميد آلاف من الأعضاء والمنتمين وتقديمهم رعايا مطيعين لسلطة شمولية أوليغارشية مستبدة حسب قواميسكم البائدة، والسؤال الأهم ماذا فعلتم وأنتم المناضلون الأشاوس بعد أن وصلتم إلى كراسي الحكم في المغرب، نجيب نحن البسطاء من أبناء هذا الشعب أنكم لم تزيدوا الشعب إلا تفقيرا والوضع إلا تأزيما وأطلتم عمر نظام بدأ يعاني أعراض السكتة ) . إنه التجسيد الحرفي لعقيدة الشيخ التي تستعجل زوال النظام وتحث على هدم أركانه ( ليكن واضحا أننا لسنا نرمي لترميم صدع الأنظمة المنهارة معنويا ، المنتظرة ساعتها ليجرفها الطوفان .. يندك ما كان يظنه الغافلون عن الله الجاهلون بسنته في القرى الظالم أهلها حصونا منيعة وقلاعا حصينة ، وتندثر وتغرق )(ص576 العدل). لهذا ظلت الوثيقة سجينة إستراتيجية الانقلاب التي تتبناها جماعة العدل والإحسان . وللحديث بقية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول مراجعات المتطرفين
-
المسعى الانقلابي لجماعة العدل والإحسان .
-
هل حقا الدولة تستهدف جماعة العدل والإحسان ؟
-
الحوار المتمدن ساحة للحرية وضوء في آخر النفق .
-
من يبيع المغرب بالملايين ومن يبيعه بالملاليم .
-
محاربة الإرهاب تبدأ من عقائده .
-
الإنتربول وشروط مكافحة الإرهاب .
-
السعودية والمقاربة الشمولية لمواجهة الإرهاب .
-
المنهجية الديمقراطية إستراتيجية لم تبلغ بعد مداها .
-
الأحزاب السياسية ورهان الملكية الدستورية .
-
أية ديمقراطية لأية ملكية ؟
-
هل أحزاب الأغلبية تحترم -المنهجية الديمقراطية- ؟
-
الأخ الحنفي : الشمس لا يحجبها الغربال .
-
المنهجية الديمقراطية كل لا يتجزأ .
-
فوز الهمة وفشل بن جلون أية دلالة ؟
-
بين إدريسين يتشكل المغرب الجديد
-
الأوصياء على الدين أول من يخرق تعاليمه.
-
تداول الأدوار أم تغيير المواقف؟
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(2)
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(1)
المزيد.....
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|