|
نقد العقل المسلم الحلقة الحادية و العشرون
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2149 - 2008 / 1 / 3 - 12:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن أبغض شيء إلى قطب و القاعدة هو "العقل" و استخدام المنطق و إعمال الذّهن ، يقول قطب: " وخطأ أي خطأ - بالقياس إلى الإسلام - أن تتبلور العقيدة في صورة " نظرية " مجردة للدراسة الذهنية .. المعرفية الثقافية .. بل خطر أي خطر كذلك . إن القرآن لم يقض ثلاثة عشر عاماً كاملة في بناء العقيدة بسبب أنه كان يتنزل للمرة الأولى .. كلا ! فلو أراد الله لأنزل هذا القرآن جملة واحدة ، ثم ترك أصحابه يدرسونه ثلاثة عشر عاماً ، أو أكثر أو أقل ، حتى يستوعبوا " النظرية الإسلامية " . ولكن الله - سبحانه - كان يريد أمراً آخر ، كان يريد منهجاً معيناً متفرداً . كان يريد بناء جماعة وبناء حركة وبناء عقيدة في وقت واحد" معالم ص 34. و من الواضح أنّ قطب يعتبر حديث القرآن و النبي محمد عن "العقل" و "أولي الألباب ـ العقول" هو محض هراء و أكاذيب لا صلة لها بالواقع ، و تذكّرت و أنا أقرأ عبارات قطب شعارا من شعارات "حزب البعث الدكتاتوري" الّذي كان يُردّد: نفِّذ و لا تناقش"! فالطاعة العمياء هي الأساس الأول لهذا المنهج التفجيري ، و نحن نطرح هنا سؤالا: إذا لم يكن الإسلام خاضعا للذهن و العقل و المنطق ؟! فكيف تسنّى لجيل النبي محمد و لقطب و جماعته أن يعرفوا أنّ الإسلام حقّ أو باطل ؟! الأكيد أنهم لا يملكون هذا الجواب لأنهم بمجرد أن يعترفوا و لو بدور بسيط للعقل فإن نظريّتهم تنهار في الحال ، و لأنهم يؤمنون فقط بـ"العقيدة المهيمنة" فمن الطبيعي أن يرفضوا أي دور للعقل أو الحوار ، حتى مع المسلمين ، فالشيعة و المعتزلة و الخوارج و الأحمدية القاديانية هم مجموعة "كفّار"! ينتظرون في طابور الاختيار بين "الذّبح أو الإسلام"! هذا فضلا عن اليهود و المسيحيين و البوذيين و .. إلخ ، بمعنى أن بضعة ملايين فقط من البشرية ستتمكن من الحياة في ظل النظرية ، بينما يُرسل 6 مليار إنسان إلى الموت!. إن كلمات "الواقعية" ، "الحياة" ، "الحركة" و "الحراك الإجتماعي" الّتي يرددها قطب ، ليست إلا كلمات لا علاقة لها بالمعاني ، فبمجرد أن رفض "الذهن" و "العقل" ألغى أي فارق حقيقي بين دينه و أديان الآخرين ، و تكون النتيجة أن البشرية ستفنى لو فكر اليهود و المسيحيون و البوذيون في صياغة أديانهم على نمط هذه النظرية الّتي تؤمن بدون الرّجوع إلى أي أُسس عقلانية و فرض قناعاتها بالقوة لا بالعقل و الحكمة ، بل ستحل المصيبة بالمسلمين لأن الشرق و الغرب يملكان مئات القنابل النووية الّتي ستمحو هذه الشعوب في غضون ساعات ، يقول قطب: " إن التصور الإٍسلامي للألوهية ، وللوجود الكوني ، وللحياة ، وللإنسان .. تصور شامل كامل . ولكنه كذلك تصور واقعي إيجابي . وهو يكره - بطبيعته - أن يتمثل في مجرد تصور ذهني معرفي ، لأن هذا يخالف طبيعته وغايته . ويجب أن يتمثل في أناسى ، وفي تنظيم حي ، وفي حركة واقعية .. وطريقته في التكون أن ينمو من خلال الأناسى والتنظيم الحي والحركة الواقعية ، حتى يكتمل نظرياً في نفس الوقت الذي يكتمل فيه واقعياً - ولا ينفصل في صورة " النظرية " بل يظل ممثلاً في صورة " الواقع " الحركي .." معالم ص 36. هرب قطب من "العقل" و "المنطق" إلى "عقل و منطق" آخر هو بالتالي نقيض النقيض ، إذ وجد أن اللا عقلية ستعني أنه لا فارق بينه و بين أيّ حيوان ، فلجأ مرة أُخرى إلى "تصوّر" ، و طبعا لم يستخدم كلمة "منطق" الّتي يكرهها ، و هذا التصور لا يُفهَم إلا على أنه "ضد العقل" أو "منطق اللا منطق" ، كما أن إسلامه هو ضد كل ما يحترم "الآخر" ، و كأن قطب و أتباعه أرادوا أن يقوموا بدور "الله" فيزيلوا الآخرين ـ مع أن الله تحاور مع الشيطان حسب القرآن و أعطاه مهلة لآلاف السنين ـ و بالتالي ينعكس "توحيد الأُلوهية" على "توحيد الحكومة و العقيدة" ، و من الطبيعي أن تنقسم هذه التنظيمات الإسلاموية و تقتل بعضها البعض ـ أفغانستان مثالا ـ لأن كل أحد منهم يعتبر نفسه وكيلا لله و محيطا بالحقيقة الكاملة. لكن لغة قطب لم تنجو من صيغة التّشكيك ، و هو لم يشعر بها ، فكلمة "تصوُّر" هي أضعف مدلولا من كلمة "نظرية" أو "منطق" ، فالتّصوُّر هو نوع من الظن بمعنى أنه "جزئي" ، و يحدث التّناقض حينما يصف قطب هذا "التّصوُّر الإسلامي"! بأنه: شامل كامل.." و هذا يُناقض مفهوم و مدلول كلمة "تصوُّر" ، إنها و بشكل أوضح كلمات "شاعر" خيالي ، يريد أن يحوّل أوهامه إلى واقع ، و قطب يضع نفسه في ضمن هذه "النخبة الرّبّانيّة" الّتي تفكر بالمنهج الإلهي الشّامل و الكامل ، يقول: " إن وظيفة المنهج الرباني أن يعطينا - نحن أصحاب الدعوة الإسلامية - منهجاً خاصاً للتفكير ، نبرأ به من رواسب مناهج التفكير الجاهلية السائدة في الأرض ، والتي تضغط على عقولنا ، وتترسب في ثقافتنا .. فإذا نحن أردنا أن نتناول هذا الدين بمنهج تفكير غريب عن طبيعته ، من مناهج التفكير الجاهلية الغالبة ، كنا قد أبطلنا وظيفته التي جاء ليؤديها للبشرية ، وحرمنا أنفسنا فرصة الخلاص من ضغط المنهج الجاهلي السائد في عصرنا ، وفرصة الخلاص من رواسبه في عقولنا وتكويننا" معالم ص 38. فقطب و من على شاكلته ، هم وحدهم المهيمنون و الوكلاء و المفسِّرون لدين الله و للنبي و لا يحق لأحدٍ أن يعترض حينها ، لأنّ كل ما هو غير هذا المنهج هو باطل و واجب القتل و الإبادة و السحق ، إنّ فكر الهيمنة و السَّيطرة هو لُبُّ و خُلاصة هذه النظريّة ، من هنا فلا مجال أبدا للحوار أو التّفاهُم مع هذا الخط الّذي لا يفهم إلا أمرا واحدا و أُسلوبا واحدا هو "العنف و الصراع" إلى أن يُدمِّر العالم أو يُدَمِّرهُ العالم ، و قُطب يريد من النّاس أن يُجسِّدوا "العقيدة" حتّى قبل أن يعرفوها ، و هذا نقيض الواقع و المنطق و كُلّ النظريات الفكرية ، بل إن إستدلاله بنزول القرآن على فترات ينفي نظريّته و لا يُثبتها ، بمعنى أن هذا القرآن الّذي نزل على فترات: { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } [ الإسراء : 106 ] And (it is) a Quran which We have divided (into parts), in order that you might recite it to men at intervals. And We have revealed it by stages. sorah of Israe 106. هو لغرض "الإستيعاب العقلي" و ليس العكس. إن أول كلمات تراثيّة يستشهد بها قطب في كتابه ، هي كلمات "إبن قيِّم الجوزيّة" أحد مؤسسي الفكر الإرهابي السلفي ، و ذلك في فصل كتبه عن "الجِهاد" معالم ص 50 و من خلال هذا الفصل يتضح أنّ غاية النظرية و نهايتها تتلخص في كلمتين "الإسلام أو القتال"! بالتّالي و كما قلنا سابقا أن لا فائدة من الحوار مع هؤلاء ، بل على العالم المتحضر حربهم بالفكر و السّلاح إلى أن يتم القضاء عليهم.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد العقل المسلم الحلقة العشرون
-
نقد العقل المسلم الحلقة التاسعة عشرة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثامنة عشرة
-
نقد العقل المسلم الحلقة السابعة عشرة
-
نقد العقل المسلم الحلقة السادسة عشرة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الخامسة عشرة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الرابعة عشرة الإسلام و الإرهاب ..
...
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثالثة عشرة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثانية عشرة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الحادية عشرة
-
نقد العقل المسلم الحلقة العاشرة
-
نقد العقل المسلم الحلقة التاسعة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثامنة
-
نقد العقل المسلم الحلقة السابعة
-
نقد العقل المسلم الحلقة السادسة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الخامسة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الرابعة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثالثة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثانية
-
نقد العقل المسلم الحلقة الأولى
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|