أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية؟















المزيد.....

من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2149 - 2008 / 1 / 3 - 12:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بحكم تجربتها المكونة كبلد كان مركز النشاط الانفصالي العربي عن العثمانيين، والنواة المفترضة للمملكة العربية التي كان يؤمل أن تمتد من جبال طوروس إلى بحر العرب ومن المتوسط الشرقي إلى الخليج، ولدت سورية في السياسة وعاشت فيها. وفي هذا البلد القلق يطال الوجه التنازعي للسياسة كيانه بالذات، فلا يترك حيزا لوجهها الوفاقي أو الصانع للإجماع. والكيان السوري "مصطنع". هكذا كان يراه أهله. ويحيل الاصطناع هذا إلى واحد من أصلين "طبيعيبن"، "الوطن العربي"، أو العشائر والطوائف والملل والإثنيات. ولطالما كانت سياسة السوريين توقا إلى "الطبيعي"، وليست اضطلاعا جديا باصطناع كيان بلدهم والعمل على تطبيعه. وسواء تمثل "الطبيعي" في الطائفة والعشيرة كما في زمن الانتداب الفرنسي، أو في الوطن العربي بعد الاستقلال، فقد كانت سورية في الحالين بلدا يريد التخلص من نفسه.
البلد مصطنع فعلا. مثل أكثر بلاد الأرض على أية حال. وهو بالفعل مفصول ارتجاليا عن محيط جغرافي وبشري وثقافي واقتصادي كان مندرجا فيه حتى قبل أقل من قرن من اليوم. لكن بالمقابل وحدة سورية ذاتها صنعية. كانت حلب مندمجة في محيط أناضولي وعراقي، ودمشق في محيط حجازي وفلسطيني. ولم يكون كسب قضية الوحدة السورية، وكانت من أبرز شواغل النخبة الوطنية أيام الانتداب الفرنسي، بديهيا كما نميل إلى تخيله اليوم.
ومن تجربتها المكونة كبلد قلق الكيان (تعرض لقصقصة عدة مرات) وقلق التكوين الاجتماعي (متعدد دينيا وإثنيا ومذهبيا) وقلق الموقع (بين تركيا وريثة بني عثمان وإسرائيل اليهودية وحليفة الغرب) غرقت سورية في فائض سياسي، أودى بها إلى حالة من عدم الاستقرار دامت نحو ربع قرن.
لكن هذا البلد المثلث القلق والمصطخب سياسيا "مستقر" منذ 38 عاما في ظل "ملك" واحد موصول، لم يؤثر به غياب مؤسس "الملك" ذاته. كيف جرى ذلك؟
بعدة طرق. من بينها بناء ائتلاف اجتماعي واسع القاعدة نسبيا في مرحلة تأسيس النظام. ومنها، بالعكس، بناء أجهزة إكراه ضخمة ومنتشرة، تولت القيام بجباية جائرة للسياسة من السوريين الذين لا يقر لهم قرار. لكن قد يكون الحدث الأهم في هذه الحيثية هو التدخل السوري في لبنان عام 1976. فق أتاح للسلطة السورية لعبا على مستوى القمة الإقليمية والدولية، وكان مصدر فوائض مادية وسياسية للنظام قللت من اعتماده على الداخل الاجتماعي المحلي. هنا غدت سوريا لاعبا سياسيا أساسيا بعد أن كانت ملعبا يلعب فيها أهلها والأشقاء والأصدقاء والأعداء. نُزِحت السياسة منها، ودخلت في السياسة كطرف واحد يتشخص في رئيسها.
في هذه الفترة دخل تعبير نزع السياسة من المجتمع وإعادة السياسة إلى المجتمع إلى أدبيات المعارضين السوريين. وأظنه استخدم لأول مرة في بيان ناقد للنظام أصدره "التجمع الوطني الديمقراطي" (ائتلاف معارض، يساري وقومي عربي كان حديث التشكل وقتها) في مطلع ربيع 1980.
انتقل اللااستقرار هنا من داخل البلد إلى محيطه الإقليمي. وانتهت الانقلابات في سورية فيما غدت شريكا في انقلابات المنطقة و"الصراع على الشرق الوسط" حسب الكاتب البريطاني باتريك سيل. وانطوى زمن الغرق في السياسة وحل محله زمن الجفاف السياسي.
يسعنا القول، تاليا، إن السوريين اهتدوا إلى حلين للفائض السياسي المتولد من تجربتهم المكونة واصطناع وطنهم. الأول هو محاولة تجاوز اصطناع البلد بالتخلص منه و"العودة إلى الطبيعة"، سواء أخذت هذه شكل عروبيا كما في عهدي فيصل الأول وجمال عبد لناصر، أو شكلا طائفيا كما في أيام الانتداب الفرنسي. أما الثاني فهو إغلاق الملعب السوري والخروج إلى اللعب في الحي المجاور بالتفاهم مع كبار اللاعبين الدوليين.
وكما لم يجد السوريون "الطبيعة" التي عادوا إليها لا في حكم فيصل الأول الذي لعب في الوقت المستقطع بين شوطين، عثماني وفرنسي، وبرعاية بريطانية، ولا في الكيانات الطائفية التي عاشت اصطناعيا بفضل الفرنسيين لا بفضل طبيعيتها المفترضة، ولا في دولة الوحدة بين 1958، التي كانت هروبا من السياسة ومواجهة النفس، انقلب عليه سوريون بعد ثلاث سنوات ونصف؛ كذلك لم يكن اللعب في الجوار وبين الكبار آمنا. سيظهر ذلك في عام 2005 حين أقصي اللاعب السوري تحت التهديد بالقوة من الملعب اللبناني.
في التسعين من عمرها اليوم، لعله يتعين اليوم التفكير في صيغة جديدة للسياسة في سورية، تغلب وجهها الإجماعي على وجهها النزاعي. كيف يمكن فتح الملعب الداخلي مع تجنب عدم الاستقرار والانقلابات ودخول اللاعبين الخارجيين، وفي الوقت نفسه ضمان دور إقليمي مستقل لا يخضع لأجندات اللاعبين الكبار؟ كيف يتسنى ترطيب المجتمع السوري بشيء من الماء السياسي، وفي الوقت نفسه الخوض بثبات في المياه الإقليمية المضطربة؟ أية صيغة لنظام سوري جديد بحيث لا تكون السياسة كلها في البلد أو كلها خارجه؟ كيف السبيل إلى صيغة ثالثة تتجنب حياة سياسية مقترنة بعدم الاستقرار وإن تكن نشطة، أو نظاما يخمد أنفاس الحياة العامة وإن كان "مستقرا"؟
إن الإجابة الطائفية محرمة قطعا. ولا يبدو أنه ثمة ديناميات سياسية وفكرية ودولية واقتصادية تزكي الإجابة العربية في المديين القصير والمتوسط. والدور الإقليمي الهيمني مرهون برضا كبار غير وديين. الديمقراطية؟ لكن كيف لا تنزلق هذه إلى صيغة انفلات سياسي وعدم استقرار قد يدفع إلى الترحم على الدكتاتورية؟ دون توضيح ذلك تبقى الفكرة الديمقراطية بالكاد احتجاجا على الاستبداد.
هذه في تقديرنا أكبر مسائل التفكير السياسي في سورية اليوم. وهي مسألة أساسية أيضا أن أجل صوغ تصور أوضح لوطنية سورية ديمقراطية داخليا ونشطة إقليميا. سورية ليست سويسرا ولا يسعها أن تكون غير متنبهة إلى ما يجري حولها في منطقة عميقة التدويل، يتمتع فيها الأميركيون والإسرائيليون بحرية تامة في الحركة؛ وهي بالمثل لا تضمن لذاتها تطورا متوازنا إن انخرطت في الجيوسياسي تاركة الاجتماعي الداخلي للمخابرات.
مرة أخرى هذا هو موضوع السياسة. ولعله يمكن تلخيصه في كيفية بناء إجماع وطني، فكري ومؤسسي، يحد من التنازع السياسي أو يضبط مجراه في أقنية محددة. وهو ما ينحل أيضا في سبل معالجة أزمة الهيمنة المتأصلة والمتجددة التي تعاني منها سورية، وتحلها مرة بالتقلب والانقلاب المستمر ومرة بالإكراه والقسر.
ولعلنا بالتدرب على التفكير في سياسة سورية نتجاوز رثاثة سياسية متأصلة، نظرية وعملية، تسمنا منذ نشأ كياننا قبل تسعين عاما، كما سبق أن لاحظ ت.أ. لورنس، صاحب فيصل ومؤلف "أعمدة الحكمة السبعة".






#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
- في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
- في نقد الردح والردح الذاتي


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية؟