فاطمه قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 2149 - 2008 / 1 / 3 - 11:36
المحور:
القضية الفلسطينية
خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس مساء يوم الاثنين , في الذكرى الثالثة والأربعين لانطلاقة فتح التي هي انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة ,هو خطاب شديد الهدوء والموضوعية , وشديد الصدق والشجاعة , خاطب فيه الرئيس أبو مازن شعبه الفلسطيني بكل شفافية ووضوح , ووجه من خلاله رسائل من السهل قراءتها , رسائل للشعب والقيادة الإسرائيلية ,وللأشقاء العرب , وللمجتمع الدولي ,
أولا : مبادرة لاستئناف الحوار الوطني , وهو حوار ممكن وليس مستحيلا , وضروري وليس ترفا , وفرصة إنقاذ وحيدة للمشروع الوطني الفلسطيني وإنقاذ لكل الفصائل والقوى الفلسطينية بما فيها حماس من استمرار التداعيات الخطيرة جدا للوضع القائم حاليا .
ثانيا : وتأكيدا على الثوابت الفلسطينية ,ليس بصفتها مواقف للتسجيل , ولا شعارات للمزايدة , بل لان الثوابت الفلسطينية هي خلاصة المصلحة الوطنية , وهي لحمنا الحي الذي بدونه لا يصبح لنا وجود .
ثالثا: وتأكيدا على الشرعيات الوطنية والعربية والدولية حيث أن هذه الشرعيات هي الحاضنة الوطنية والعربية والدولية, حيث أن هذه الشرعيات هي الحاضنة التي توفر لنا الحياة والبقاء.
رابعا: ودعوة إلى الانتخابات المبكرة, لإعادة إدماج كل المفردات الموجودة في الساحة في نسيج النظام السياسي الفلسطيني.
خامسا : وتأكيدا على دوران عجلة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بداية بخطوة قريبة هي اجتماع المجلس المركزي للمنظمة , والتحضير لعقد دورة المجلس المركزي للمنظمة , والتحضير لعقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني , مع التأكيد على أن أبواب المجلس الوطني مفتوحة لجميع الراغبين للمشاركة .
هذا الخطاب السياسي الهادئ , وامتزن , والذي لايتجاهل احد , والذي يمنح الفرصة للجميع , يحتاج إلى قراءة مسئولة , وهادئة , ومتزنة , وأنا على يقين أن الدوائر المسئولة في العالم من حولنا تدرس هذا الخطاب بعناية فائقة , فمن أين جاء الانفعال , ومن أين جاء الخطأ ؟
التطورات الدموية التي حدثت في قطاع غزة من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه مساء يوم الاثنين , كانت هي الرد السلبي على خطاب الرئيس ! بل أن تلك التطورات الدموية التي سقط خلالها قتلى وجرحى , وأحرقت فيها بيوت ومنازل , وارتكبت فيها ممارسات حادة مهينة لضمير شعبنا , ومهينة لصورته التي رسمها ببطولاته , ولصموده النبيل , وجرحه المكابر , وجوعه العفيف , وصبره العظيم , ممارسات مثلما جرى مع الأخ المناضل إبراهيم أبو النجا , أمين سر لجنة المتابعة العليا , وعضو القيادة العليا لحرة فتح في قطاع غزه , والذي كان لسنوات طويلة الغطاء الوطني لكل الفصائل الإسلامية والوطنية حين اختطفه مسلحون من بيته بقوة السلاح , واقتادوه تحت جنح الظلام إلى مكان مجهول , ثم حلقوا له بعض شعر رأسه وشاربيه , ثم أعادوه والقوا به قرب بيته ! ليس إبراهيم أبو النجا وحده الذي تعرض للاهانة , بل أن كل فلسطين أهينت بما جرى له .
وكل المناضلين بكل أجيالهم شعروا أنهم اقتيدوا مثله معصومي الأعين , والقي بهم إلى قارعة الطريق , بل أن كل من هو في موقع المسئولية في كل الفصائل بلا استثناء شعروا بان هذا العمل لا يجعل احد يكسب شيئا, بل الجميع يخسرون بدون استثناء , لان القرار لم يعد في أيديهم بل القرار ضدهم ومفروض عليهم , وإنهم مهما قالوا وعادوا القول , ليسوا سوى شهداء الزور , يوافقون او يسكتون او يغضون الطرف او يصمتون على فعل ليس لهم به علم وليس لهم فيه مصلحة , وليس لهم من ورائه أي احترام .
وهذه المسالة تحذيرا:
تعيدنا إلى بيت القصيد , إلى السؤال الأخطر , من هم هؤلاء الذين يعطلون القرار , ويفسدون الأمور , ويخترقون الحالة , ويرفضون الحوار , ويريدون للوضع أن يبقى هكذا , من سيء إلى أسوأ ,ومن استغلال إسرائيلي للوضع إلى استغلال أبشع , ومن جراح تستعصي على الشفاء , ومن مصالحة وطنية مطلوبة إلى عداوة وحقد وبغضاء ؟ ومن وحده في وجه الاحتلال إلى فرقة تخدم الاحتلال ؟
في السنوات الأخيرة :
انتشرت في المنطقة من حولنا , ظاهرة الثلث المعطل , او الثلث المقرر , وهذه الظاهرة ملخصها أن القوى الإقليمية يلزمها في كل الأحوال أوراق تلعب بها , فتقوم هذه القوى الإقليمية بمد يدها لتحصل على هذه الأوراق المطلوبة , وحتى لا تتيح لهذه الأوراق أن تفلت من يدها , فإنها تهيئ لها , وتشجعها , وتدفعها إلى أن تغرق بالدماء والأخطاء والخطايا بحيث لا تكون بحال من الأحوال قادرة على العودة إلى نبعها الأول , إلى شعبها , وحماية شعبها , ومصلحة شعبها , بحيث أن هذه القوى المحلية التي تصبح أوراقا في يد التجاذبات الإقليمية , تفقد القدرة في نهاية المطاف على الخروج من اللعبة , تفقد حقها في قرارها المستقل , تفقد صلاحيتها في أن ترى الأمور بعيونها هي بل تظل ترى الاموربعيون غيرها , الذين يستخدمونها لمصالحهم حتى لو كانت هذه المصالح تجعل القوى المحلية خارج صفها الوطني , او خارج حدود المصلحة الوطنية .
ظاهرة الثلث المعطل , او القرار المعطل , تتجذر في المنطقة من حولنا , في العراق , في افغانستان , في لبنان , وعندنا أيضا في فلسطين , انظروا كيف كرسي الرئاسة في لبنان ما زال فارغا , وانه لم يعد احد يرغب في الحديث مع اللبنانيين داخل لبنان , بل الحديث مع أللبنانين عبر عواصم قريبة وبعيدة !
وانظروا ماذا يجري في العراق, الموت في كل مدن العراق, ومحافظاته, والحديث يجري في عواصم قريبة وبعيدة !
ثم انظروا ماذا يحدث عندنا , بعد كل جولة دموية إسرائيلية تحدث عندنا جولة دموية فلسطينية , وكأننا نغسل بالدماء التي سفكنا ها بأنفسنا أيدي الاسرائيليه من الدماء التي سفكوها بأيديهم !شيء في غاية القسوة , شيء يذكرنا بحكايات العبث والجنون , أن نذبح بعضنا حتى يصبح صراخنا في وجه الاحتلال بلا مصداقية وبلا طائل ,
لماذا في فلسطين نفشل بالحوار ؟
لماذا نستمر بالانقسام المدمر ؟
لماذا في فلسطين يعطى الفرصة للآخرين لكي يقايضوا بعضهم علينا ؟
أين هي المشكلة ,
وكيف نكسر هذه الحالة التي كسرت أنوفنا وظهورنا, وتكاد تقضي على مشروعنا الوطني ؟
شروط ضد الشروط , وردات أفعال ضد ردود الأفعال , وبراعة متناهية في التدمير , وفشل كامل في التعمير , وكل أشيائنا الصغيرة اصبحت قضايا استثنائية تحتاج أن ندفع مقابلها أثمان باهظة سفر الحجاج , عودة الحجاج , علاج طفل , شاحنة مليئة بالطحين , صرف هوية لواحد من شريحة البدون , إعادة عالق وإخراج عالق , إفراج عن طفل أسير وعودة طفل مبعدي ! كل هذه التفاصيل التراجيدية التي تحدث أمام أعيننا, وفي حياتنا ومن دمنا ندفع فواتيرها الباهظة, وكل هذا لا يجعلنا نأخذ المبادرة ونتحرر من لعبة الاستخدام المهين ؟
الثلث المعطل ليس ثلثنا ,
والقرار المعطل ليس قرارنا , والاشتراط المعجز ليس اشتراطنا ,
والانقلاب المقسم ليس انقلابنا ,
إنما نحن من يدفع الثمن واه ما أبشع وأقسى الثمن.
#فاطمه_قاسم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟