|
مجتمع الايتام والآرامل!!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2150 - 2008 / 1 / 4 - 11:17
المحور:
حقوق الانسان
على من يقع اللوم في محنة الطفولة العراقية ومحنة الأرامل العراقيات واللاجئات والمهجرات، اللواتي يقتلن أو يُقتل أزواجهن وأحبتهن في ظل صمت يكاد يكون عالمياً حتى من جانب منظمات حقوق الإنسان بما فيها العربية أيضاً، التي لا تعرف أن أعداد الأيتام وصلت إلى خمسة ملايين وأن عدد الأرامل بلغ مليوناً؟! في يونيو 2007 تم اكتشاف فضيحة أحد الملاجئ في بغداد وُجِد أطفاله الـ24 عُراة ممدين مع قاذوراتهم على الأرض، يعانون سوء التغذية وغدت صورتهم أقرب إلى الأشباح، ووعدت الحكومة بتحقيق سريع ومحاسبة المسؤولين، ومثل كلّ المرّات لا أحد يسمع بالنتيجة ولا يعرف ماذا جرى؟ المعلومات المتوافرة عن أطفال الملاجئ أن أغلبيتهم الساحقة فقدوا آباءهم في فترات متقاربة وفي ظروف العنف والإرهاب بعد الاحتلال، وأن الحكومة تتكفل بـ469 ملجأ للأطفال، وهي نسبة تصل إلى %0.5، وقد لجأت الحكومة أخيراً إلى إغلاق الملاجئ الخاصة بسبب سوء الأداء والصعوبات التي تواجهها، وزاد هذا الأمر من تعقيدات الحالة القائمة في المؤسسات الحكومية في ظروف الإهمال والتقصير وغياب الرعاية الصحية والاجتماعية، ناهيكم عن الفساد الإداري والمالي. وقبل أيام قليلة كشفت مفوضية النزاهة عن وجود خمسة ملايين يتيم حسب الإحصاءات الرسمية كما قالت، ودعت الحكومة والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني إلى مواصلة دعم الطفولة اليتيمة ووضع برامج تشريعية ومؤسسية لمساعدة الطفل اليتيم. وكانت بعض المعلومات الصحافية والحقوقية التي توافرت لدى بعض المنظمات الدولية، قد أشارت إلى وجود نحو مليون أرملة في العراق بينهن أكثر من 300 ألف أرملة في بغداد لوحدها، الأمر الذي يزيد من صورة المجتمع العراقي قتامة، ولعل هذه الأرقام ضاعفت من معاناة العراقيين بعد الاحتلال، في حين أن أعداداً قاربت المليون ضحية كانت حصيلة الحرب العراقية-الإيرانية 1980-1988 ونحو مليونين كانوا ضحايا الحصار الدولي ما بين عام 1990-2003 بعد العقوبات الدولية التي اتخذت بحق العراق إثر غزو قواته للكويت في 2 أغسطس 1990، تلك العقوبات التي لم تلغ بل إنها تفاقمت مع مرور الأيام وطيلة ثلاثة عشر عاماً على نحو كان أقرب إلى تشريع القسوة على المستوى الدولي، ومعاقبة شعب أعزل بكامله، من دون وجه حق قانوني، حتى إن ارتكب حكامه انتهاكاً سافراً وصارخاً لقواعد القانون الدولي. وكانت المفوضية العليا للاجئين قد أعلنت وجود أكثر من 4 ملايين لاجئ عراقي، أغلبيتهم الساحقة في سورية والأردن (ما يزيد على مليونين) وأن هناك نازحين داخل البلاد ما يقارب هذا الرقم، ورغم ما قيل عن تحسّن الوضع الأمني في الشهرين الأخيرين، وأن هناك «عودة معاكسة» للاجئين العراقيين إلى الوطن، فإن أعداد اللاجئين الذين عادوا كما كشفت عنه مصادر المفوضية العليا للاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر لم تصل إلى %1، بسبب القوانين الصارمة لدول الجوار بخصوص سمات الدخول والإقامة ونفاد مدخرات الأغلبية الساحقة منهم. الوجه الآخر للمعاناة العراقية يتجلى بوجود أكثر من 48 ألف معتقل حسب الإحصاءات الرسمية التي ذكرتها وزارة حقوق الإنسان، على لسان الوزيرة وجدان ميخائيل التي ذكرت أن نحو 25 ألفاً منهم مازالوا محتجزين في السجون الأميركية (التي زاد عددها على 36 سجناً في العراق)، أما البقية الباقية فهم معتقلون لدى الحكومة العراقية وترددت الأنباء عن احتمال صدور عفو عام، لكن أحد أقطاب الحكومة صرّح بأنه لم يتم التوصل في اللجنة الرباعية «القائدة» التي تضم حزب الدعوة الإسلامي والمجلس الإسلامي الأعلى وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني إلى صيغة اتفاق كامل، ولم يتمخض النقاش في التوصل إلى اتفاق بشأن العفو العام، مما زاد التذمر في الكثير من الأوساط السياسية والشعبية، في حين ظلّ شعار المصالحة الوطنية لحكومة نوري المالكي مرفوعاً. هكذا تبدو صورة بغداد والعراق، كئيبة ومكفهرّة، حيث مشاهد الأيتام والأرامل، واللاجئين والمعتقلين، وضحايا الحروب والحصار، وكأننا أمام أحد أفلام الرعب لـ«ألفريد هتشكوك». مجتمع يعيش شظف العيش وتُسرق ثرواته وصروحه الثقافية والأثرية، وتهاجر عقوله وأدمغته المفكّرة، ويُقتل علماؤه وأكاديميوه، ويُختطف أطباؤه ومثقفوه، وتحكمه قواعد العنف والإرهاب والتكفير والتأثيم، بدل سلطة القانون وسيادة العدالة، ناهيكم عن استفحال ظاهرة الميليشيات والتقاسم الوظيفي، وتعليم يتردى وأمية تتفشى ومذهبية وطائفية تستشري وانقسامات مجتمعية تتم تغذيتها بواسطة أمراء الطوائف. هذه اللوحة السوداوية الحزينة طبعت بغداد والعراق منذ أكثر من ربع قرن حين سيق المجتمع في حرب عبثية لا مبرر لها على الإطلاق وهُدرت طاقات وبُددت أموال وسقط ضحايا، وحين أعقب تلك الكارثة مغامرة رعناء بغزو الكويت، واستمر مسلسل العقوبات من دون رحمة لشعب أعزل اجترح عذابات لا حدود لها. كان «الوعد» الذي لم يحمل برهاناً على الإطلاق بنعيم الديموقراطية وربيع الحرية، ورغم أن هناك من روّج له وساهم في تجميله، فإن الصورة كانت منذ البداية تزداد وضوحاً: خطايا وأخطاء وتخبطات، مشاريع لتطييف وتمذهب وتديين المجتمع والدولة، انعكست بدستور حمل تلك الألوان والمذاقات، وتشظى المجتمع إلى مرجعيات جزئية، تقسيمية، مذهبية وإثنية وعشائرية وجهوية بعد حل مؤسسات الدولة خصوصاً القوات المسلحة، وفقاً لنظرية «الفوضى الخلاّقة». أريد التفكيك ومن ثم البناء حسب التبرير، لكن الأمر ازداد سوءًا، فالخطايا والأخطاء طاولت المحتل نفسه، وسقط أكثر من 3893 قتيلاً من القوات الأميركية طيلة السنوات الأربع ونيّف ونحو 26 ألف جريح حسب الإحصاءات الرسمية للمسجلّين في إطار القوات المسلحة الأميركية، إضافة إلى أعداد أخرى من قوات التحالف «المتعددة الجنسيات»، أما غير المسجلين من طالبي الإقامة «الغرين كارد» أو الجنسية أو المتعاونين (كمرتزقة) مثل الشركات الأمنية كبلاك ووتر مثلاً، فإنهم ليسوا ضمن قائمة الإصابات، وربما تزيد أعدادهم على أعداد القتلى والجرحى «الرسميين». هل ندخل العام الجديد وأطفال العراق وأيتامه وأرامله ينتظرون سانتا كلوز «بابا نويل» ليحمل لهم الهدايا، بالسلام والطمأنينة والتقدم، أم أن الصورة ستستمر باستمرار الاحتلال والإرهاب والطائفية والميليشيات والمفخخات والتفجيرات وأعمال الخطف؟ لا يمكن لأي مجتمع فيه هذا العدد من الأيتام والأرامل واللاجئين والمعتقلين أن تسميّه مجتمعاً طبيعياً، إن لم يكن منكوباً وعليلاً ويعاني أمراضاً نفسية واجتماعية شتى، وإذا أضفنا هجرة الطبقة الوسطى التي تلعب دوراً مهماً في عملية البناء في كل المجتمعات، فمن سيتصدى لدورها والعلماء والأكاديميون يقتلون والأطباء يطاردون والمثقفون يتبخرون الواحد بعد الآخر وتنطفئ أرواحهم في الوطن والمنفى؟! على من يقع اللوم في محنة الطفولة العراقية ومحنة الأرامل العراقيات واللاجئات والمهجرات، اللواتي يقتلن أو يُقتل أزواجهن وأحبتهن في ظل صمت يكاد يكون عالمياً حتى من جانب منظمات حقوق الإنسان بما فيها العربية أيضاً، التي لم تقل سوى كلام نبرته أقرب إلى الصمت في مأساة مستمرة، في حين أنها «تثرثر» بكل شيء، سوى أنها لا تعرف أن أعداد الأيتام وصلت إلى خمسة ملايين وأن عدد الأرامل بلغ مليوناً؟! * كاتب ومفكر عربي رقم العدد: 175 الاحد 23 ديسمبر 2007 ,13 ذو الحجة 1428 [email protected]
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللاجئون العراقيون: مسؤولية من!؟..
-
شهادة حية على التعذيب في سجن ابو غريب
-
الاقليات والحقوق الثقافية
-
المساءلة والحقيقة في تجارب العدالة الانتقالية
-
التنوّع الثقافي والشعية الدولية !!
-
التنوّع الثقافي: الاقرار والانكار !
-
بعد 90 عاماً: هل تعتذر بريطانيا عن وعد بلفور ؟!
-
الديمقراطية : أزمة وعي أم أزمة ثقافة ؟
-
دارفور وتجارة الاطفال
-
المعرفة وحرث البحر
-
واشنطن بين حليفين لدودين
-
بلفور العراقي: حامل لوعد أم حامل لبرهان
-
التنوع الثقافي في المجتمعات العربية - مصدر غنى أم فتيل أزمات
...
-
وجه آخر للتراجيديا العراقية: الطفولة المنسية!
-
نهاية الديمقراطية
-
المؤتمر الدولي ومهمات الوسيط الدولي توني بلير
-
هامش على هوامش آرا خاجادور
-
العراق .. بين التنظير والتشطير .. !!
-
هامش على هوامش آرا خاجادور في شؤون وشجون الحركة الشيوعية !
-
الذئاب الرمادية والحصانة القضائية
المزيد.....
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|