أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشار السبيعي - من الرماد تأتي الحياة...عبرة لمن إعتبر














المزيد.....

من الرماد تأتي الحياة...عبرة لمن إعتبر


بشار السبيعي

الحوار المتمدن-العدد: 2148 - 2008 / 1 / 2 - 04:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كنت جالساً البارحة مساءً أمام التلفاز لأشاهد أخر الأخبار المسائية تُبَثُ مباشرة من إستديوهات المحطة الأمريكية المشهورة ن ب سي (NBC)، ليلفت إنتباهي خبر جعلني أكثر إيماناً بقدرة الشعب الأمريكي على تحمل النكبات الإنسانية التي تهز كيان هذا البلد من فترة إلى إخرى وتعود لتصنع إيماناً جديداً عند الشعب الأمريكي في فكرة الوطن الأمريكي والمواطنة. كان أخر خبر في نشرة الأخبار المسائية ولكن ثقل المحتوى و المضمون جعلني بلاشعور أتحسرعلى كل من يظن أن الولايات المتحدة في إنهيار أخلاقي و حضاري وإقتصادي وأن عصرها قد فات وولى.

عنوان التقرير الإخباري كان "Living Monument " أو "نصب تذكاري حياتي" . تحدث التقرير عن إستخدام أكثر من 24 طون من الحديد الذي جُمعَ من حُطامِ مركز التجارة العالمية في نيويورك بعد مأساة الحادي عشر من إيلول لِيُصْهَرَ من جديد في ولاية لويزيانا الجنوبية لإستخدامه في إعادة بناء الأسطول الحربي للقوات البحرية الأمريكة وتحديداً تجديد بناء السفينة الحربية USS New York التي سيتم تدشينها في غضون الأشهر القادمة. إنتصب الشعر في ظهري وكاد الدمع أن يغرق جفني طوال مدة التقرير التي لم تزيد عن بضع دقائق، عندما سمعت كلام العاملين في المشروع. فقد قال أحدهم "عندما نأتي إلى هنا للعمل، تمتلكنا المشاعر لأننا ندري أن هذا الحديد الذي نعمل به لبناء هذه السفينة قد تلوث بدماء إخواننا وأخواتنا الأبرياء"....وقال أخر " هذا العمل هو بمثابة رسالة للعالم، فنحن اليوم نكتب للعالم لنقول له أن أمريكا لن تخضع لقوى الشر والإرهاب ولن يستطيع أحد من أن يمنعنا من العودة". السفينة نفسها كانت قد أُستعملت لعدة أشهر بعد إعصار "كاترينا" عام 2005 لإسكان العمال والمشردين من منازلهم من ماسببه ذلك الإعصار من أضرار بشرية و مادية لمدينة نيوأورليانز في نفس الولاية.

جلست غارقاً في أفكاري وصدى كلمات العمال تجوب في ذهني. إنتابني شعور بالأسف والحزن في نفس الوقت. أسف على وطني الأم سوريا وبلاد العرب أجمعها، و حزناً على أرواح الأبرياء الذي يسقطون يومياً في العراق وفلسطين ولبنان نتيجة الفكر الظلامي والرجعي الذي لايزال ينبت في شوارع عواصم وأقطار البلدان العربية. كيف أصبحت البلدان العربية فريسة الغوغائين والديكتاتورية؟ كيف يمكن أن نزرع روح الوطنية والتفاني عند المواطن العربي؟ كيف نستطيع أن نعزز روح التفادي والحب للوطن في أنفسنا لنصنع المعجزات في بلادنا؟ كيف نتخلص من أنانيتنا لنوقظ روح التضحية الوطنية في قلوب شبابنا؟... أسئلة كثيرة وضعتني في غيبوبة من الأسى وجعلتني في حالة من الإنحباط الفكري والمعنوي لامثيل لها.

حدثني صديق عمل أمريكي كان من رفاقي لفترة الغذاء اليومية خلال عملي في إحدى الشركات الأمريكية مجيباً على سؤالي، كيف أستطاعت الولايات المتحدة أن تفوز في الحرب العالمية الثانية مع الحلفاء ضد النازية والإمبراطورية اليابانية أنذاك مع العلم أن اليابان كانت قد إتخذت من المقاتلين الإنتحاريين "الكاماكازي" وسيلة أنهكت الأسطول الحربي الأمريكي وألحقت به خسائر فادحة؟!.. جاوبني صديقي الذي كان قد فقد والده في الحرب نفسها عندما كان طفلاً و بدون أي تردد أو تفكير، فقال لي: "لقد إستطعنا أن نفوزعليهم في سباق التصنيع. فإنني أذكر أنه لم يبق ربة منزل أو مواطن لم يجد عملاً في مصانع المعدات الحربية بكل أشكالها وأنواعها. فقد كنا نصنع السفن والطائرات والدبابات الحربية أسرع من أي قطر في العالم وأسرع من اليابانيين والألمانيين أنفسهم. فكانت كل طائرة حربية تسقط لنا كنا ننتج ثلاثة أو أربع منها في نفس اليوم وكذلك الأسلحة والمدافع و السفن والدبابات، حتى أتى وقت القنبلة الذرية التي كانت القشة التي أنهكت ظهر الجمل."

العمل الدؤوب والشريف هم من صفات حضارة إرتقت في أهدافها وتعالت في إنسانيتها. الحياة أصبحت من مقدساتها والعلم والمعرفة أصبحوا محرابها. كرامة المواطن مربط خيلها وحماية الضعفاء والمظلومين من شيمها. العدل والقضاء أسسها والخير والعطاء من صفاتها.

يدور الجدل في دوائر الحلقات الفكرية والنظرية في الوطن العربي عن أسباب إنحطاط ذلك الوطن وعدم إستطاعته في تخطي العواقب والمحن التي تعرقل مساره في مسيرة الحضارة والتمدن. ونسمع ألاف الأراء و النقد والتنظير السياسي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي والأيديولوجي الذي ينهك عقول عباقرة العالم عن السبب الرئيسي الذي يقف في طريق التقدم والإزدهار الحضاري للعالم العربي. والجواب يكمن أمام أعيننا في تجربة العالم المتحضر الغربي الذي أصبح اليوم في طليعة العلم والمعرفة وأعطى ومازال يعطي العالم مزيداً من الأمثلة التي إن إعتبرنا بها لكانت فائدة على شعوبنا وأبناء أوطاننا. فمالذي نفعله في صدد ذلك؟

تسعة عشر فرداً من أبناء الوطن العربي، حملوا معهم أفكاراً ومعتقدات ناتجة عن حضارتهم ومجتمعاتهم المريضة، أَمنٌوا أنهم بعملهم الإنتحاري سيسقطوا حضارة الإثم والعدوان وسيذهبوا بعدها لجنات خالقهم معززيين ومكرمين. لم يعرفوا أن ماشربوه من الحقد والكراهية سيعود عليهم وعلى أمثالهم مرة أخرى متمثلاً بسفينة حربية جديدة، حديدها أتى من حطام مافعلته أيديهم وماأنتجه كرههم ليكون شعلة الفكر والحرية، وليشعل النور في تلك الزوايا من أوطانهم المنتجة لهم، ليُذِهِبَ ظلام أفكارهم الرجعية ويودي بها في مزبلة التاريخ.



#بشار_السبيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعارضة السورية والأقلام المأجورة...
- خطوة إيجابية في مستقبل المعارضة السورية...
- هذه الأوقات التي تمتحن قلوب الرجال
- الموضوعية في نقد الديانات الإبراهيمية
- لما تستغرب؟ فهم لايعرفون بديل
- الصلاة شفاء من كل داء
- الفتاة العربية و غشاء البكارة
- وفاء سلطان و العقل العربي الإسلامي
- ضجيج عربي


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشار السبيعي - من الرماد تأتي الحياة...عبرة لمن إعتبر