أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسين الحاج صالح - بعد دكتاتورية صدام ديمقراطية فسيفسائية في العراق















المزيد.....

بعد دكتاتورية صدام ديمقراطية فسيفسائية في العراق


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 664 - 2003 / 11 / 26 - 04:32
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الكلام الأميركي عن الديمقراطية والتعددية في العراق ذو تمحور إثني وليس سياسي. فهم يتحدثون عن العراق كمجتمع متعدد إثنيا وعن ضرورة تمثيل كافة فئات وعناصر المجتمع العراقي في حكم عراق ما بعد صدام. والفئات والعناصر المقصودة هي عُصب أو روابط أولية جمعية، أي عشائر وطوائف وإثنيات، أكثر مما هي أحزاب سياسية أو تيارات أيديولوجية.
والأرجح أن هذا التمحور متولد عن التقاء عنصرين: المنظور الفسيفسائي الاستشراقي عن المجتمعات العربية و"الشرق أوسطية" الذي يشكل "اللاشعور السياسي" للمخططين الأميركيين، ومن جهة أخرى ضعف الأحزاب السياسية العراقية المضمونة الولاء أميركيا. فالأحزاب الأميركانية مصطنعة والأحزاب غير المصطنعة ليست أميركانية. ورغم أن الأحزاب الأخيرة كالشيوعي والدعوة أحزاب ضعيفة بدورها إلا أن ضعفها يعود إلى ما تعرضت له من دمار على يد نظام صدام حسين لا إلى هزال جذورها في المجتمع العراقي ولا إلى ضعف جذورها التاريخية. أما ضعف الأحزاب الأميركانية فيعود إلى اصطناعيتها وكونها في الأصل اختراعات أميركية لا تستطيع البقاء على قيد الحياة دون الدعم الأميركي والمال الأميركي والغطاء السياسي الأميركي.[1]
ستحكم هذه الواقعة، أعني افتقار الأميركيين إلى مساندة حزب أو أحزاب وطنية عراقية، طبيعة علاقتهم بالعراق في مرحلة ما بعد صدام. وبالخصوص ستكون لها الكلمة الفصل في تحديد وجهة هذه العلاقة: علاقة أقرب إلى الاحتلال والتبعية أم إلى الصداقة والتفاهم. فلو استطاع الأميركيون بناء علاقات ثقة مع قوى حقيقة داخل العراق لأمكنهم بالتدريج تخفيف الطابع الاحتلالي لسيطرتهم، ولربما أضحت هذه العلاقة دعامة للاستقرار العراقي. لكن المانع في وجه علاقة من هذا النوع هيكلي وتكويني، وتشترك في صنعه عوامل ثقافية وسياسية وتاريخية. ومجمل هذه العوامل التي لا يمكن التعبير عنها دون استخدام كلمات البترول وإسرائيل والإسلام وتاريخ الاستعمار الغربي والسيطرة الأمريكية، ومنها دور الولايات المتحدة في حربي الخليج الأولى والثانية، "تبرمج" العلاقة العراقية الأمريكية على تنافر قد يتحول إلى عداء أكثر مما على التفاهم والثقة. والأرجح أن برنامج العداء سيبدأ تفعيله بعد انصرام "مرحلة انتقالية"، مرحلة الصدمة والاحتلال إن جاز التعبير. ويمكن لأي حادث خطير أن يحول العداء إلى مواجهة خصوصا إن التقى مع مشاعر الاستبعاد عند هذه القوة السياسية أو تلك.
تحدد خيار الحرب الأميركي أصلا بثلاثة عناصر: ما يملكه العراق من ثروة وما هو عليه من ضعف ونوعية نظام حكمه. وبينما قامت الثروة بدور "السببية الفاعلة" أو الجاذبة، والضعف بما قد نسميه السببية "المهوّنة"، أي المضعفة لدواعي التردد والإقدام على العمل لدى الأميركيين (بعد 4 ايام من 11 أيلول برر بول وولفويتز فكرة هجوم على العراق بقوله إن القيام بذلك ممكن ومضمون)، فإن نوعية نظام صدام حسين  قد قللت من الوساوس والترددات الأخلاقية بقدر ما سهِّلت صنع "قضية عادلة" ضد نظام حكمه. ولا شك كذلك أن ما عليه العراق من "حضارة" (بالمعنى الهنتنغتوني للكلمة،أي ثقافة ودين) قد لعب دورا مسهلا ايضا وذلك عبر خفض عتبة الاقتناع في الغرب بعدالة القضية الأميركية ضد العراق، وخصوصا بعد 11 ايلول وما ترتب عليه من احتلال المسلمين الدور الشاغر للشيطان. ولم يمكن تقنيع هذا العنصر الأخير، "الحضاري"، إلا بأبلسة مكثفة ومطلقة، انصبت على شخص حاكم العراق سيئ الذكر. هنا لم يعد الرمز الهتلري كافيا؛ فتلبية الأذواق المتنوعة في الغرب وتوسيع القاعدة الثقافية والرمزية للجبهة الداخلية المؤيدة للحرب استدعت أيضا جعل صدام نسخة نووية من صلاح الدين  Nuclear Saladin حسب هايدي كنغستون (جيروزاليم بوست، 21/10/2002). ترى ألا يمكن أن نرى في أبلسة صدام إسقاطا على شخص مفرد بعينه لهوامات جماعية غربية عميقة الجذور حول العالم الإسلامي ؟
 
... والديمقراطية؟
أي موقع تحتله الديمقراطية عند تقاطع الثروة والضعف ودمار المجتمع المدني العراقي و"صدام الحضارات"؟
الأميركيون محتاجون بالفعل لإقامة نظام سياسي تعددي في العراق تأكيدا ل"التزامهم الديمقراطي" من جهة، وضمانا لاستقرار مصالحهم من جهة أخرى. ما الذي يمكن أن يفعلوه إذن؟ أو ما هي الصورة المرجحة للنظام السياسي العراقي بعد صدام على ضوء محددات السياسة الأمريكية وحاجاتها؟
نرجح، بالنظر إلى التمحور الإثني للتصور الأميركي لمجتمعات "الشرق الأوسط"، أن العراق سيحكم بنظام تمثيلي إثني، أو نوع من نظام المحاصصة السياسية على قاعدة إثنية ودينية وطائفية. ولا شك أن اللاشعور السياسي الاستشراقي هو الذي يطل برأسه في إعلان حاكم العراق الأميركي جاي غارنر عن رغبته بأن تكون الحكومة العراقية الجديدة "فسيفساء" تضم كل العناصر العراقية (الحياة، 24/4/2003). هذا النوع من التمثيل الانعكاسي، أو التمثيل الساكن بتعبير غسان سلامة، يضمن التعددية لكنه مرتبط بطبيعته بإضعاف السلطة المركزية، ويتعارض مع الوظائف القيادية والتغييرية للدولة. سنكون، إذا صح هذا التقدير، حيال سلطة متعددة الرؤوس الصغيرة، وبالتالي ثقيلة الحركة وشبه مشلولة، الأمر الذي يستدعي أن تتلقى دفعات محركة متكررة من الإصبع الأمريكية. ثم أن تنافس الرؤيسات في السلطة الجديدة سيجعل من الأميركيين قوة توازن دائمة بينها ومرجعية مشتركة لها.
قد تكون الصورة العامة لنظام الحكم العراقي الآتي مزيجا من "حصحصة" سياسية وخصخصة اقتصادية ونزع عروبة العراق أو ردها إلى المستوى الإثني كما في دول الخليج. وبينما تتيح "الحصحصة" للأميركيين الهيمنة على نظام توزيع الحصص السياسية والإشراف على التحالفات التي قد تنشأ في كنفه، فإنه سيراعى أن تتيح الخصخصة للشركات الأميركية أن تكون "الأكثر تساويا" بين الشركات الغربية "المتساوية" المتنافسة على الغنيمة العراقية. وتحت قناع نزع بعثية العراق يراد إجراء عملية تحويل ثقافي بعيدة المدى مضمونها الفعلي معاداة العرب وحذف الشؤون العربية من الأجندة العراقية (مستفيدين هنا بلا شك من كابوسية الترجمة الصدامية لهذا المشروع).
جاء الأمريكيون إلى العراق ليبقوا. لكن ليس من الضروري أن يكون الاحتلال هو صيغة بقائهم. سيحتفظون بلا شك بعدد من القواعد والتسهيلات العسكرية، على السُنّة الخليجية والبلقانية والقزوينية والأفغانية. وسيضعون أيديهم على البترول العراقي لا كهدف بحد ذاته ولكن لاستخدام سلاح البترول للتحكم بهامش مساومة أي خصوم محتملين وبالخصوص الصين، أي كوسيلة (بين وسائل أخرى) ل"تأمين" القرن الحادي والعشرين قرنا أميركيا. وسيشرف الأميركيون كذلك على علاقات العراق الخارجية، وفي المركز منها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وربما تصنيع تحالفات إقليمية فتية تخفض من مرتبة (ولا تلغي) التحالفات الأميركية الأقدم، أي التحالفات الخليجية أو التحالف المصري.
ليست هذه الترجيحات تنبؤات مستقبلية ولا هي رجم بالغيب. فهي خطط ونيات أميركية متداولة بكثرة، ثم أنها تنسجم تماما مع سوابق ومصالح السياسة الأميركية في المنطقة. ومؤداها المشترك تحويل كبير للسيادة العليا للدولة العراقية إلى الجهة الأميركية، الراعية والمشرفة. هذا التحويل عنصر الجوهري في العلاقة الامبراطورية، أما نهب الثروات الاستعماري فيندرج ضمن هذه العلاقة الامبراطورية. وأن يكون العراق بلدا غنيا فأمر من شأنه أن يقرب الوصاية الأميركية عليه من صيغة الاستعمار البريطاني لكل من الهند ومصر. ولعلنا لا نخطئ إلا أقل الخطأ إذا بنينا على هذه الخلفية توقعاتنا للديمقراطية العراقية الموعودة.
 

*********************************
[1]هامش وحيد: تقول جماعة الأزمات الدولية (إنترناشنال كرايزز غروب، ومقرها في بلجيكا) في تقرير لها نشر في 23/12/2002 إن العراقيين يميزون بين المعارضة" التاريخية"، أي التي لها "جذور حقيقة في البلد مثل الشيوعيين والأكراد وبعض الإسلاميين" وبين المعارضة "الزائفة" التي ولدت في أعقاب حرب الخليج الثانية، وتشمل "المؤتمر الوطني العراقي والميثاق الوطني العراقي والضباط العراقيين الأحرار". ويلخص التقرير المعنون: أصوات من الشارع العراقي، الشعور العراقي العام حيال هؤلاء المعارضين كالتالي: "إن المعارضة العراقية في المنفى نسخة طبق الأصل من أولئك الذين يحكمونا الآن...الفرق الوحيد هو أن الأخيرين قد شبعوا من سلبنا طوال الأعوام الثلاثين الماضية. أما أولئك الذين سيأتون مع الأمريكيين فسيكونون نهمين جدا". www.crisisweb.org. وبعد الغزو والاحتلال تتوارد الأخبار عن عدم ثقة العراقيين بممثليهم المستوردين.
 



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدام الحضارات: صراع طائفي على الصعيد العالمي
- ماكبث بغداد...وإخوته
- أزمة الإبداع في الثقافة العربية المعاصرة
- السلطة والتبعية -تحالف- الأمير والأميركان
- الإرهاب العربي-: بعض الأصول والمحددات
- احتلال من باطن نظام إقليمي جديد في -الشرق الأوسط-؟
- ندوة حول الارهاب وعالم ما بعد 11 ايلول - المشاركون: د. صادق ...
- الشــرط الإرهــابي تمزق معنى العالم
- تغيير الأنظمة- و-إعادة رسم الخرائط
- المعارضة السورية والعلاقات السورية اللبنانية
- ديمقراطية بالوكالة
- الشــرط الإرهــابي تمزق معنى العالم
- التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟
- رياض سيف والإصلاح السوري
- الفلسطيني الذي فجّر الهويات
- السلطة و... التوبة
- السياسة المبدئية والسلطة والدستور
- الاستبداد والطغيان تأملات سياسية
- المكاسب العالمية من المساواة
- سورية وعراق ما بعد صدام: التفاعلات الإيديولوجية لسقوط نظام ا ...


المزيد.....




- بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط ...
- بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا ...
- مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا ...
- كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف ...
- ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن ...
- معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان ...
- المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان.. ...
- إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه ...
- في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو ...
- السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسين الحاج صالح - بعد دكتاتورية صدام ديمقراطية فسيفسائية في العراق