سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2147 - 2008 / 1 / 1 - 08:19
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
إن المؤهِّل الحضاري الّذي يحدثنا عنه هنا و الّذي يسمّيه "عبادة الله" لا يعني إلا "نظرية هذه المجموعة و فهمها الخاص للإسلام"! إن قطب يُذكِّرُنا بشخصيّة محمّد بن عبد الوهاب "مؤسِّس المذهب الوهابي" الّذي رآى آن ذاك أن المسلمين انقطعت صلتهم بالإسلام كدين ، و كان يعني و بكُل معنى الكلمة أن المسلمين "كُفّار مشركون يعبدون الأصنام و هم يستحقون القتل" ، لقد أكمل قطب و رسَّخَ هذه النظرية الإرهابية و صاغها في قالب منطقي شاعري كئيب ، نجده يقول:
" لا بد إذن من مؤهل آخر لقيادة البشرية - غير الإبداع المادي - ولن يكون هذا المؤهل سوى " العقيدة " و " المنهج " الذي يسمح للبشرية أن تحتفظ بنتاج العبقرية المادية ، تحت إشراف تصور آخر يلبِّي حاجة الفطرة كما يلبيِّها الإبداع المادي ، وأن تتمثل العقيدة والمنهج في تجمع إنساني . أي في مجتمع مسلم" معالم ص 5.
إنّ محاولة إلغاء الواقع بفعل "تصوُّر" يُشير بالفعل إلى أنّ هذا المجتمع الّذي يُزمع قطب و منظِّروا القاعدة ـ فتحي يكن ـ أُسامة بن لادن ـ أيمَن الظواهري ـ تحقيقهُ على الأرض ليس سوى فهما خاصّا بهم لا يمتُّ لأي تجربة بأي صلة ، و المثير للإهتمام أيضا هنا هو أن هؤلاء نصَّبوا أنفُسهم وكلاء عن الأنبياء و البشرية ليقرِّروا ما هو الطريق الأنسب لهذه البشريّة ، و الأخطر في الأمر هو أن هذا التيار الوهّابي يبدو و كأنّه جاء فقط ليهدم الحضارة و الحداثة و التطور ، و أن العالم كُلّه مُسخَّر فقط لمجموعة صغيرة تحتكر فهم الإسلام و الأديان و العالم:
" هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية .. وهي الحاكمية .. إنها تسند الحاكمية إلى البشر ، فتجعل بعضهم لبعض أرباباً ، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى ، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم ، والشرائع والقوانين ، والأنظمة والأوضاع ، بمعزل عن منهج الله للحياة ، وفيما لم يأذن به الله .. فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله اعتداء على عباده .. وما مهانة " الإنسان " عامة في الأنظمة الجماعية ، وما ظلم " الأفراد " والشعوب بسيطرة رأس المال والاستعمار في النظم " الرأسمالية " إلا أثرًا من آثار الاعتداء على سلطان الله ، وإنكار الكرامة التي قررها الله للإنسان !" معالم ص 5 – 6.
إن الحاكمية الإلهية و حسب تعبير قطب تنحصر في فهم فئة من المسلمين لمصطلح "الحاكمية" ، و هي بالأحرى مستوحاة من عقلية "الخوارج" الّذين كانوا يرفعون شعار "لا حُكم إلاّ لله" و لا يعتقدون إلا بإسقاط الدولة و الحاكم و أن من الممكن خلق مجتمع جديد من خلال الإرهاب أوّلا و الفوضى ثانيا ، و فرض هذا الفهم على الآخر "المسلمين الّذين لا يؤمنون بهذه النظرية – المسيحي – اليهودي – الملحد" هو بحدِّ ذاته مؤشِّر على الأفلاس الأخلاقي و الثقافي و حتى العقلي ، فعن أي كرامة إنسانيّة يتحدث قطب و هو ينوي و منذ الصفحات الأولى لنظريِّته السوداويّة أن يُدمِّر كل مُنجَزات البشرية و ماذا سيكون بقي للإنسان إذا دمَّر آلاف الأعوام من التّقدم و العقل و الحكمة مقابِل حياة يقضيها في طقوس و حركات بلهاء وسط أكوام الآلام و الدُّموع ، إنّ هؤلاء و بقدر ما يكرهون الحضارة ـ كونها مادّيّة ـ يكرهون الله لأنّه خلق الإنسان شهوانيّا مادّيّا ، إن شعار "الكرامة الإنسانيّة" الذي يلوِّح به قطب هنا ليس إلا كلمات جوفاء لا معنى لها و لا تختلف عن شعار "الحريّة" الّذي رفعه البعثيّون ـ و كذلك يفعل كل القوميِّين ـ و كان نتيجته أنهم قتلوا الحريّة و أعطوا الطاغية الحريّة الكامِلة في تصريف الأمور ، و لا أعتقد أنّ هذا التّفسير و الفهم القبيح للإسلام سيستمر طويلا.
إن ما أسماه قطب بـ"حق وضع التصورات و القيم" الّتي يسندها إلى الله وحده ، هو فهم مبسط للأمور و الأكثر سذاجة ، فالنّص الدّيني نفسه "القرآن و الحديث" يحملان معاني متعددة و متناقضة و حتى متضاربة ، و إذا ما تمعّنّا في هذا فمن سيكون "الشخص أو الجهة" الّتي ستقرر أن هذا المعنى أو ذاك هو المقصود في الكلمات الإلهيّة! و بمجرد أن يفعلوا ذلك ، كأن يحصر حقُّ التفسير و الشرح في "آل سعود" أو "آل لادن" أو "آل الظواهري"! فإننا سنعود إلى المربع الأول ، بمعنى إسناد إسقاط الكلمات على المعاني من قِبَل جهة بشرية ، و إذا كان النّبي محمد إستطاع أن لا يَظلم أحدا بفضل الوحي! فمن أين لهم بوحي مماثل؟! و لا أستبعد أن يفعلوا شيئا مماثلا في مستقبل الأيام لتجاوز هذا الإشكال.
يقول قطب:
" وفي هذا يتفرد المنهج الإسلامي .. فالناس في كل نظام غير النظام الإسلامي ، يعبد بعضهم بعضًا – في صورة من الصور - وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعًا من عبادة بعضهم لبعض ، بعبادة الله وحده ، والتلقي من الله وحده ، والخضوع لله وحده .
وهذا هو مفترق الطريق .. وهذا كذلك هو التصور الجديد الذي نملك إعطاءه للبشرية - هو وسائر ما يترتب عليه من آثار عميقة في الحياة البشرية الواقعية - وهذا هو الرصيد الذي لا تملكه البشرية ، لأنه ليس من " منتجات " الحضـارة الغربية ، وليس من منتجات العبقرية الأوروبية ! شرقية كانت أو غربية" معالم ص6.
إنّ هذا التبسيط لنظرية "ستحكم البشريّة"!! حسب هذا العقل المريض ، هو خلق عبودية بشعة تحت شعار "العبودية لله" ، و كما أسلفنا ، فإن حياة الغربيين و مواطني الأنظمة الديمقراطية ليست محصورة في شهوات الجنس و الطعام كما يظن قطب و أمثاله ، و قد فعلوا ذلك و بفعل حياة الكبت و الممنوعات الّتي عاشوها ، فالغربيون ـ الأمريكيون خصوصا ـ يهتمون بالحياة الرُّوحية و الخدمة الدّينيّة ، لكن هذا يتمّ طبعا في إيطار الحرية البشرية ، إن البحث عن قِيَم بديلة لتلك السائدة في الغرب هو بحث في الفراغ و العدم ، و محكوم على هذه المحاولة بالفشل الذّريع ، إن رفع شعار "الحريّة" الّذي يروِّج له قطب و أمثاله كبديل لمفهوم الحريّة السائد في الغرب و جنوب شرق آسيا ، ليس سوى شعار فارغ يخفي تحته ذلك الكُفر الحقيقي ـ إحتكار تفسير النّص ـ و هو الأمر الّذي سيجعل من قطب ، بن لادن ، الظواهري و القرضاوي كبدلاء عن الله ، فما دام التفسير جاهزا لتوجيه النّص المقدس فذلك يعني ـ حسب نظرية قطب و القاعدة ـ أن الله بعزّتِه و جلاله لا يعدو كونه جنديّا في صفوف الإنتحاريين و المفجّرين.
و من الطبيعي ها هنا أن قطب و جماعته لن يجدوا "نموذجا" واقعيا لما يسمّونه المثال أو النموذج إلا في العودة إلى سيرة "الصحابة" ، و هي كما ترى عزيزي القاريء مجرد إعادة تقليد مرّة أُخرى لما يعيشه العالم الإسلامي من إستغراق في الماضويّة ، إن جيل الصحابة هو أكثر الأجيال إنحطاطا و إثارة للجدل ، و لكن ماذا نفعل مع من ينظر إلى الأشياء بعين واحدة !! فالصحابة لعنوا بعضهم البعض "فقد كفّرت عائشةُ عثمانا و لعن معاويةُ عليَ بن أبي طالب على المنابر ـ أنظر: عائشة أم المؤمنين لمرتضى العسكري و الحقيقة الغائبة لفرج فودة" ثم قتلوا بعضهم بعضا ـ قُتل عثمان ثم حرب الجمل و صفّين و قتل الحسين و آله ذبحا و حرق الكعبة و استباحة المدينة من قِبَل جيش يزيد و اعتداءه و اغتصاب جنوده لبنات المدينة ـ و هذا اختصار سريع جدا لأخلاق جيل الصحابة الذي يستشهدون به دوما.
أنظر إلى نمط هذا التفكير ، يقول قطب:
" كان القرآن وحده إذن هو النبع الذي يستقون منه ، ويتكيفون به ، ويتخرجون عليه ، ولم يكن ذلك كذلك لأنه لم يكن للبشرية يومها حضارة ، ولا ثقافة ، ولا علم ، ولا مؤلفات ، ولا دراسات .. كلا ! فقد كانت هناك حضارة الرومان وثقافتها وكتبها وقانونها الذي ما تزال أوروبا تعيش عليه ، أو على امتداده . وكانت هناك مخلفات الحضارة الإغريقية ومنطقها وفلسفتها وفنها ، وهو ما يزال ينبوع التفكير الغربي حتى اليوم . وكانت هناك حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها كذلك . وحضارات أخـرى قاصية ودانية : حضارة الهند وحضارة الصين إلخ.." معالم ص 10.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟