أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - بهجت عباس - كيمياء العنف















المزيد.....

كيمياء العنف


بهجت عباس

الحوار المتمدن-العدد: 664 - 2003 / 11 / 26 - 04:21
المحور: الطب , والعلوم
    


   يمكن أنْ يـُعرَّف العنف بأنه الإعتداء على الآخرين، سواء أكان ماديّـاً (جسديّـا)ً أو معنـويّـاً ( كلاميـاً )، وهو موجود في البشر منذ أن فتك قابيل بأخيه هابيل. ولكنَّ شعوب العالم تتباين فيه من حيث النسبة والشدة والنوع. والعنف ليس من شيمة الإنسان، فبعض الناس يتصرف كحمامة سلام والبعض قد يكون وحشاً مفترساً. ولما كان الناس مخـتلفين في هذا الأمر، فما سبب هذا الإختلاف؟ أهو ظروف البيئة إجتماعياً واقتصادياً وسياسياً أم هو التركيب البيولوجي؟ أم مزيج من الإثنين اللذين لا ينفصلان؟ لماذا يهتاج بعض الناس مثلا لقراءة موضوع ضد عقيدته فيسهر الليالي مضحياً بصحته ووقته جاهداً لدحضه وقد يكون الرد عليه عنفاً في الخطاب؟ بينما لا يبالي الآخرون به، بل يعتبرونه حريةَ رأي أو إحداثَ بـلـبلة أو مجـرَّدَ هراء ؟ فما دمنا مختلفين في النظرة إلى الأشياء، في تقبلـِّها أو تحملـِّها، ألسنا إذاً مختلفين في داخلنا ؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما سبـُبه؟ إذا عرفنا أنَّ الدماغ يسيطر على العاطفة والتفكير والكلام، وأنَّ هذه السيطرة تتم بواسطة مواد كيميائية تفرزها خلاياه العصبية وتؤدي فعلها، يتبين الدور التي تقوم به هذه الخلايا أو الجينات التي تفرز هذه المواد إستجابة لظروف البيئة أو نتيجة تعاملها معها. ولما كانت هذه المواد التي تـُسمّى النواقـل العصبية  neurotransmitters، متخصصة ويُـقـدّر عددها بخمسمئة ناقل، يكون ثمة 500 مجموعة من الخلايا العصبية موجودة في الدماغ. وتنتقل هذه النواقل من خلية إلى أخرى بواسطة فجوات خلوية synapses. وأهمها، والذي هو موضوع المقال، هو أدرينالين (إبينفرين)، نورأدرينالين، دوبامين وسيروتونين التي تلعب دوراً هاماً في ضغط الدم والسيطرة على العاطفة. ولكنْ ثمة خميرة ( بروتين ) في الدماغ تنظـِّم عمل هذه النواقل وتسمـّى مونوأمين أوكسيديس monoamine oxidase التي تحطِّم الأدرينالين ونورأدرينالين وسيروتونين وتحوّ ُلها إلى مواد َّغيرِ فعّـالة. وقد و ُجـد حديثاً أنَّ هذه الخميرة تلعب دوراً كبيراً في تصرف الإنسان، وخصوصاً العنف، حسب كميتها الموجودة في الدماغ. فقد وجد الدكتور هانز برونر ( هولندا ) في السبعينات من القرن الماضي عائلة تمـيَّـزَ رجالـُها الثمانية بالعنف، فقد اغتصب واحد منهم أ ُخته وطعن حارس السجن، وآخـر استعمل سيارته لدهس رئيسه الذي وبـّخه لكسله، واثنان آخران قاما بحرق بعض المباني. أمّـا الإناث من هذه العائلة فلم تقم أيّ ٌ منهن بأي عنف. فدرس الأساس الجيني، وبعد ثلاثين عاماً من أبحاثه وبالتعاون مع زاندرا بريكفيلد ( مساشوسيت ) وجد أنها تنطبق على جين يقع على الذراع الطويل للكرموسوم X في الذكـر، وأنّ كلا ّمن الرجال الثمانية يملك نسخة من هذا الجين بحالة متغيـِّرة ( مـُشـوَّهـة ) mutated، أيْ غير فعالة، وبمعنى آخر، إنّ هذا الجين لا ينتج الخميرة مـونوأمين أوكسيديس. ولما كان التركيب الجيني الجنسي للرجل XY ، لذا يوجد هذا الجين بنسخة واحدة ويورث من الأم فقط. أما الأنثى، فهي تملك نسختين لتركيبها الجيني XX ، وإذا كان أحد الجينين متغيراً (عاطلاً)، فالجين الثاني يعوِّض في الإنتاج، لكونه مـُتنحيّـاً ( يغطّي الجين ُالصحيح الجين َالعاطل )

وفي حالات نادرة أن ترث الأنثى نسختين عاطلتين من هذا الجين، فإن ورثت، فالعنف يكون ديدنها. وقد تبيّـن من دراسات قام بها باحثون أخرون مثل أفشالوم كاسبي من معهد لندن للأمراض النفسية سنة 2002 أنَّ بعض الأولاد الذين يُساء إليهم في طفولتهم ينشأون طبيعياً إذا كانوا يحملون الجين غيرَ المشوّه، وبعضهم يكون عنيفاً في تصرفاته إذا كان الجين الذي يحمله مشوهاً. وهذا يعني أن ثمة اختلافاً ( جينيّـاً )، فالأشخاص الذين لديهم كمية كبيرة من البروتين مونوأمين أوكسيديس يكونون ( مـُحصَّـنين ) من العنف، والذين هم بفعالية واطئة من هذا البروتين، إذا أ ُسيئ إليهم في طفولتهم، يكونون أقـلَّ امتزاجاً بالمجتمع وأربعَ مرات أكثرَ عنفاً ومسؤولية عن حوادث الإغتصاب والسرقة والإعتداءات، وبمعنى آخر، إنّ الإساءة إلى الطفل ليست كافية، فيجب أن يكون ثمة جين واطئ الفعالية، كما أنَّ هذا الأخير ليس كافياً وحده للعنف، بل يجب أن تكون إساءة مصاحبة له.

 وليست هذه الخميرة وحدها مسبِّبة للعنف، إذ أنَّ أوكسيد النتريك NO الذي اكتشفه دكتور سنايدر وزملاؤه ( جامعة جون هوبكنز ) سنة 1993 يلعب دوراً في السيطرة على العنف في الفأر والشمبانزي، ولربما في الإنسان لتشابه الجين الذي ينتجه. ففقدانه سبّب عنفاً وهياجاً في الفأر. وأما الناقلان العصبيان دوبامين وسيروتونين المسؤولان عن المرح والإنبساط في الإنسان، فقلة وجودهما أو عدمه في الدماغ يسبّب الكآبة التي قد تؤدي في بعض الأحوال إلى الإنتحار.

 ويمكن القول إنَّ بعض الأشخاص أكثـرُ عنفـاً من الآخرين. هذه حقيقة. ويمكن لظاهرة العنف هذه أن يسيطر عليها جين واحد فقط يتفاعل مع ظروف البيئة، وهذا يعني أن كلَّـنا يحمل " جين العنف " – ولكنّ الباحثين شخّصوا تغيـّراً جينياً بسيطاً يؤدي إلى الإنفجار. على أنَّ هذا الإنفجار لا يحدث إلاّ إذا كان ثمة دوافع أو حوافـز. ورغم هذا، فللإنفجار أسباب أخرى، سياسية واقتصادية واجتماعية لست بصدد الخوض في أغوارها، لأنَّ ثمة من يجيد السباحة في تيـارها، وإنّ

ما ذكرت هـو من الناحية العلمية فقط، وهذا لا يعني إلقاء اللوم على (الجينات) في الأعمال الإجرامية التي يقوم بها الإرهابيون في العراق والتي يذهب ضحيتها المواطنون الأبرياء، إذ أنَّها نتيجة التخطيط الإستعماري في الماضي الذي نتج عنه تلويث العراق أبديـاً ( سيُصاب 44% من ساكـني العراق بالسرطان في نهاية هذا العقد نتيجة اليورانيوم المستنفد، حسب تقدير الخبراء، إذا لم تُتخذ الإجراءات الفورية – أ ُنظر ترجمة مقال مجلة العالمي الجديد " للكاتب" في جريدة الوفاق اللندنية الصادرة في 9 كانون الأول 1999 )  هذا من ناحية، وتشجيع بعض دول الجوار الخائفة من انهيار أنظمتها، على إدامة عدم الإستقرار من ناحية أخرى. أمّـا الكتاب والصحفيون العرب الذين فقدوا امتـيازاتِهم ومصالحَهم الشخصية من انهيار أبشع نظام دموي، أو أولـئـك الذين تبدَّدت أحلامهم وخابت آمالهم لواقع لم يكن في حسبانهم، فقد (نشف) الدوبامين والسيروتين لديهم، فكان عنف الخطاب، ولا سبيل إلى إعادة مادتـيْ المرح والإنبساط إليهم إلاّ بإعادة الماضي أو القناعة بالواقع الذي لا يسـرّ، ورحم اله المتنبي حيث قال:

أعيدوا صباحي فَهْـوَ عند الكَـواعـبِ

ورُد ّوا رقـادي فَهْـوَ لحظُ الحبائـبِ

فإنَّ نهـاري لَـيـلة ٌمـُدلـَهِـمَّـة ٌ

على مقـلةٍ من فَـقـْدِكمْ في غَـياهـبِ    



#بهجت_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوقف كـلَّ السّـاعات - العراق مـلـوّثـاً
- هل يحقق إستـنساخ الفَرس دولة نساء بلا رجال ؟
- فياغرا
- إنتـقام
- الحزب
- الطبع والتطبع والجينات
- الميتاكوندريا بيت طاقة الخلية مصدرها المرأة فقط
- هلْ تفسر الخلية الجرثومية طبيعة العدوان في الإنسان؟
- أنـشودة العـراق الحـزيـن
- خيبة الأحلام
- الجينات والعنف
- شجرة الأنساب أم الأوهام ؟
- الفتى عند الغدير
- مصرع ثورة 14 تموز


المزيد.....




- مخدر الماجيك المشروم.. تأثيرات على القلب تصل للغيبوبة وتهدي ...
- هل العالم مستعد لنطاق وسرعة ثروة الذكاء الاصطناعي؟ رئيس -غوغ ...
- أطباء ألمان يقترحون البديل.. الفحص اليدوي غير فعال لكشف سرطا ...
- مع انخفاض درجات الحرارة.. اعرف مخاطر قلة شرب المياه فى الشتا ...
- مخدر المشروم المستحدث.. يسبب الهلوسة وارتفاع ضغط الدم وتدمير ...
- مفاوضات شاقة للوصول لمعاهدة عالمية ضد التلوث البلاستيكي
- أشهر الأمراض الوراثية عند الأطفال وأهمية التشخيص المبكر للوق ...
- التقاط صور دقيقة لنجم -يحتضر- للمرة الأولى
- تجمع الأطباء الفلسطينيين بأوروبا يدعم طلبة الطب في غزة
- لولو الشطورة تقدم أغاني جديدة..تردد قناة وناسة كيدز على الأق ...


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - بهجت عباس - كيمياء العنف