|
حدود وسدود لا تصان الا بتحرير العراق وكسر قيود احتلاله !
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2146 - 2007 / 12 / 31 - 02:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
عندما يفشل الامريكان في فرض مشروعهم عبر عملية الاحتلال التقليدية المعروفة ، فانهم سوف لن يوفروا وسيلة من الوسائل الا ويستخدموها لتحقيق اهدافهم ، بمعزل عن تبعات اضرارها على البشر والحجر في الارض المحتلة ، هكذا كان الامر في فيتنام وكمبوديا ولاووس ، وقبلها في جنون وفنون مشاركتهم الاحلالية في الحرب العالمية الثانية ، حيث ساهموا وببرغماتية مجرمة فجة بازاحة النازية ، والفاشية ، والعسكرية اليابانية ، ليس لانهم اكثر فضيلة منها بل ليحلوا محلها ويتربعوا على تركتها ، ويتجاوزوها بخلق اسس قاعدة انطلاقتهم العولمية الجديدة نحو امبراطورية مستفردة بالارض وما عليها ، عبر تدحرج مرحلي في مستويات التغلغل الاقتصادي والاستثماري والتبشيري ، الى مستويات شاملة من التغلغل العسكري المباشر ! كانوا رواد التاريخ البشري بالمطلق في تجريب اقذر سلاح ، واخطره فتكا وشمولا ، ولم يكن العالم وقتها يعرف له مثيلا ، انه السلاح الذري ، الذي قذفته غربان امريكا المتعطشة لرؤية الانكسار في عيون الاخرين ، حيث قصف الطيران الامريكي المتجبر هيروشيما ونكازاكي ، وجعلهما يتمرغلان بعواصف الجحيم الاسود ، حيث قيل وقتها تهكما كانت هنا هيروشيما وهناك نكازاكي ، فكانت وقتها اول جريمة متوالدة ضد الانسانية وبيئتها ، جريمة ابادة شاملة مازالت اثارها مستمرة بفضل الاشعاعات النووية الغير قابلة للاندثار الا بمرور ازمان فلكية عليها ، اما ما حصل في فيتنام فانه وصمة عار بجبين العسكرية الامريكية الجبانة ، كان وقتها لوجود القطب السوفياتي دوره في الحد من الاجرام الحربي والارهابي الامريكي بحيث اثناه عن استخدام السلاح النووي ، ومع ذلك لم تدع امريكا سلاحا محرما ووحشيا الا واستخدمته ضد الشعب الفيتنامي الاعزل ، والذي لم يرتكب بحق امريكا اي ذنب تعاقبه عليه سوى انه لا يريدها ان تحتل بلاده ، نابالم ، قنابل فراغية ، قنابل فسفورية ، اسلحة كيمياوية وبيلوجية ، حرق لمزارع الرز ومخازنها ، تدمير الطرق والجسور، تدمير السدود لاغراق مساحات واسعة بالمياه لتكون حواجز طبيعية بوجه المقاومين وتحركاتهم ، تدمير محطات الكهرباء ، اشعال الفتن بين جنوبيي فيتنام وشمالييهم ، تجنيد المرتزقة للمشاركة في الحرب ، نشر الاوبئة في المناطق المحررة عبر قذائف جرثومية مؤثرة ،، ان سرد قائمة الجرائم الامريكية في فيتنام يطول بتفاصيله المقززة ، ولكننا اردنا هنا ان نبين حقيقة وحدة الجوهر في الحالتين الفيتنامية والعراقية ، فالاحتلال هو الاحتلال والحرب الامبريالية على الشعوب المتمردة هي هي ذاتها ، حتى في التكتيكات التي تجربها امريكا حاليا فالتشابه جلي رغم التطورا العالي لتكنيكها الحالي بفعل عوامل تراكم الخبرة وتزايد فعالية اجهزتها ! بمقاربة غير معقدة سنجد ان الامريكان بحصارهم الشامل على العراق الذي دام 13 عاما ، قد تعمدوا سياسة الموت البطيء لشعبه ، ومن اجل اضاعف مقاومته ، وكان نظام النفط مقابل الغذاء والدواء هو اكبر اهانة للادمية في عصرنا المتحضر ، وباعتراف الامريكان والامم المتحدة ـ لاول مرة في التاريخ يعامل شعب كلاجيء بارضه ، ويجري الادعاء بأغاثته بأمواله ـ ! كان هذا النظام السادي فرصة لاتعوض للشركات الامريكية وحليفاتها لنهب قوت شعب العراق في اضخم فضيحة سرقة وفساد سمع عنها البشر ! ثم جاءت الحرب لتستكمل على البقية ، حيث يقوم الاحتلال الامريكي ، وبشكل مباشر ، في التصرف بالعراق وشعبه وثرواته كما كانت عهود الانتداب بل تجاوزتها امريكا الى محاولة جعل العراق وقفا صرفا لها ولاحتكاراتها التي يزداد نهمها كلما اكلت وافترست ! هدموا الطرق والجسور ومحطات الكهرباء ، هدموا المعامل وهياكلها الارتكازية ـ الاسمدة ، ومعمل البتروكيميائيات في البصرة ، والحديد الاسفنجي فيها ، اضافة الى مجمع الاسكندرية الصناعي ، ومعمل الادوية في سامراء ، والزجاج في الرمادي ، بل لم يدعوا مؤسسة الا وخربوها مثل مؤسسة الطاقة الذرية ، مؤسسة التصنيع العسكري ، مؤسسة البحوث الجامعية ، مركز ابوغريب للبحوث الزراعية والحيوانية ، وتواصلوا بتخريبهم حتى فعلوا الافاعيل لتخريب اهم ثروة لا تعوض ـ العقول العراقية ـ فانهارت نظم التعليم والصحة والخدمات ، انهارت الدولة بأكملها ، جعلوها خردة يتناوب عليها المهربون والجهلة والاذناب ، خلعوا العلماء والدكاترة الحقيقيين ، والمهندسين الافذاذ والاساتذة المشهود لهم بالاهلية ، بين قتل ، وازاحة ، وتعجيز ، وترهيب وترغيب ، وتهجير ، ولم يبقى منهم الا ماندر ، وجاءوا بمزوري الشهادات والافاقين والعملاء والصناع ووضعوهم محلهم ، فاصبح ما يمكن انقاذه واصلاحه وهم لا رجاء فيه ، وهو المطلوب امريكيا !
الحدود والسدود دليل اخر على الخراب الشامل:
الاساسات في بناء الدول المتجاورة مترابطة ويسند بعضها الاخر ، واذا انهار اساس ما فان الجيران سيتأثرون به وكذلك اساساتهم ، اما اذا انهارت كل جدران بيت الدولة على رؤوس اهلها فان الجيران سيصابون بالهلع وسيصيبهم من المصاب الاذى ـ غبارا ، وانكشافا ، وشقوقا ، وتطيرا ، واهتزازا ـ والحدود خطوط تماس اذا اصابها التيار فانها ستكهرب بعضها الاخر ، ووضع الحدود الخارجية للدول يعكس قوة حدودها الداخلية ، اي متانة مؤسساتها وجاهزيتها وحيويتها وقدرتها على حماية مواطنيها داخل حدودها الدولية ، والحدود هي سدود ايضا بوجه الارتجال وبوجه الفوضى الخلاقة وغيرها ، وكذلك السدود فهي حواجز لتنظيم مناسيب طوفان الغرائز الطبيعية للبشر وغرائز الطبيعة العمياء ، في حالة وفرتها المدمرة كالفضيان ، والشحة والجفاف في حالة الانقطاع ! عندما احتل العراق وتبعثرت دولته انهارت حدوده الدولية كما انهارت حدوده الداخلية كالقوانين والنظام والامن وكل المؤسساتها الفاعلة ، وانطلق عنان غرائز عسف الاحتلال الامريكي ، ومايقابلها من غرائز عنف المقاومة العراقية شديدة البأس والمراس ، مناضلة وبصلابة وبظروف شديدة التعقيد والصعوبة لاستعادة الحدود والسدود الداخلية والخارجية المستباحة على طول البلاد وعرضها ومطاردة المحتل الذي يفجر بالعباد قنابل الموت السريعة والبطيئة . لقد سرق البنك المركزي العراقي بكل احتياطياته مع كل بنوك ومصارف الرافدين وبوقت واحد من قبل عصابات احمد الجلبي عراب الاحتلال الاول ، وتوالت عمليات تجاوز الحدود كل الحدود والحواجز والموانع ، المتحف العراقي ، متحف الفن التشكيلي ، دار المخطوطات العراقية ، وكل غال ونفيس وخفيف من محتويات المؤسسات والمعامل والدوائر تحت اشراف مدروس من مقاولي العملية السياسية الظاهرين والمستورين ، وهربت عبر الحدود الى الجارة المتربصة ايران اسرار البلاد وكنوزها ، كما هرب ويهرب النفط اليها يوميا ، كما هرب المحتلون ماوقعت عليه ايديهم ، لقد هربوا البلاد كلها الى حدودهم وهججوا الناس على الفرار ! عوقب النخل وعوقبت الارض والماء والسماء ، والعراقي المتشبث بارضه ، عوقب التاريخ ، وعوقبت الثقافة والفنون ، عوقبت السدود ـ سد الموصل ، سد دوكان ، سد دربنديخان ، سد الثرثار ، سدة الهندية ، سدة الكوت ـ حتى الشرائع والسدود الصغيرة لم تسلم من عقابهم ، قتلوا واجتثوا من يصونها وسرقوا الاموال المخصصة لصيانتها ، وخربوا المؤسسات التي تراقب عملها ، ثم راحوا يلوحون بامكانية تفجيرها لتغمر المناطق العاصية بالماء المخزون في احواضها ، وكان سد الموصل الذي يعتبر من السدود الاستراتيجية لتوزيع المياه الداخلة الى دجلة العراق اهم سد ، لا يهمل الاهمال ، فهو بحاجة دائمة للمراقبة والصيانة واول صرخة صدحت من المهندسين العراقيين الذين عملوا به سابقا تنذر بالمخاطر من الاهمال المتعمد . لقد قالها احد شيوخ عشائر الموصل الاصلاء : في بلاد لا حسيب او رقيب فيها ، بلاد الفوضى الشاملة سيكون مصير كل سدودها مصير سد مأرب ! بلاد لا يصونها ويصون حدودها المنتهكة كل يوم ، وسدودها المهملة والمهددة بالتدميرغير الغيارى من مقاوميها الذين يكسرون قيود المحتلين واحدا بعد الاخر بحيث اجبروه على تغيير تكتيكاته وجعلوه يتخبط ويتناقض بخطواته ، جعلوه ينشد التراجع متوسلا احتواء المقاومين ومساومتهم باعتلاء سدة الحكم ، لكن صناديد المقاومة سيفوتون عليه الفرصة لينتزعوا منه عراقا كامل السيادة والعزة والقوة والقدرة على اعادة بناء نفسه ، لينطلق العراق مجددا في بناء وصيانة حدوده وسدوده حتى ينعم اهله بالامان كل الامان والاستقلال كل الاستقلال قولا وفعلا .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مواقف راقصة للوقفان السني والشيعي في عراق اليوم !
-
حالة الامن والمرأة العراقية !
-
المتاهات والبدايات الصحيحة
-
التحسن الامني في العراق اشاعة رخيصة وباهتة !
-
لماذا الحاجة الامريكية الى اتفاقية عسكرية طويلة الامد مع الع
...
-
الغياب ممنوع والعذر مرفوع والرزق على أنا بوليس !
-
مقاومة الاحتلال وعمليته السياسية لاتؤتي ثمارها بالمساومات !
-
سلامة العراق سلامة لكل جيرانه !
-
المثقف الاعور !
-
وعد بلفور ووعيد هتلر!
-
التطور اللاراسمالي بين الخرافة الفعلية والامكانية النظرية !
-
وصفة مجربة :
-
عفاريت السيد والباشا والاغا والخانم والخاتون!
-
الناقص والزائد في ضرب العراق وتقسيمه !
-
من حزازير المنطقة الخضراء في رمضان
-
نار سوريا ولا جنة امريكا في العراق !
-
الامارات العراقية غير المتحدة !
-
احزاب وعصبيات غير متمدنة ؟
-
من الذي على رأسه ريشة في عراق اليوم ؟
-
الطواعين !
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|