|
الفساد قوانين ام تشهير؟!
محمد كامل الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 2145 - 2007 / 12 / 30 - 12:25
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
لم يثر موضوعا جدلا واسعا بين العراقيين كما يفعل موضوع الفساد! حيث تظهر كل اليوم التصريحات التي تلعن الفساد و الفاسدين و تصف الفساد على انه مرض مستشري كما تم الاستشهاد بتقرير منظمة الشفافية العالمية التي احتل العراق ذيل القائمة التي اصدرتها في ترتيب الدول من حيث استشراء مستوى الفساد فيها. و لعل الخطوة الاولى لوصف علاج هذا المرض هي البدء بالتساؤل عن سبب احتلال العراق ذيل القائمة حيث جاء بالمرتبة الثالثة قبل الاخيرة ؟ فكيف استطاعت منظمة الشفافية تقييم مستوى الفساد في العراق و هي لا تمارس نشاطها في العراق حيث لا يوجد مكاتب تابعة لها في العراق كما لا تملك المنظمة سبيلا الى السجلات المالية للوزارات العراقية المختلفة و صرفياتها؟ فما هو الاساس الذي اعتمده منظمة الشفافية لوضع العراق في هذا الترتيب؟ إن الاساس الذي اعتمدته منظمة الشفافية هو افتقاد العراق لنظام مالي عصري يقوم على فصل الصلاحيات الادارية عن الصلاحيات المالية يّمكن العراق من التعاقد على تجهيز السلع و الخدمات التي يحتاجها. ان الاسلوب المالي لتجهيز دوائر الدولة مثلا بالسلع و الخدمات يقوم على ارسال لجنة مشتريات من ثلاثة اشخاص تقوم بتقرير نوعية المادة المشراة و سعرها و مكان شراءها وصلاحيات هذه اللجنة تصل الى حد مائة مليون دينار؟ فهل تضم هذه اللجنة انبياء و ملائكة ؟ ان اي موظف يصل راتبه الى مائة خمسون الف شهريا سيرحب بفرصة الحصول على " دخل اضافي" من جراء مشاركته في هذه اللجنة ! و سيجد الاف التبريرات لذلك : الا يكفي ان ادور على اقدمي منذ الصباح بحثا عن كرسي ام حاسبة او مكتب ؟ ثم انها اموال الدولة ...حصتي من النفط!!!! اما البائع فلا يهمه سوى قبض ثمن بضاعته!!! أن هذه الحالة يمكن ان تحدث في اي بلد في العالم بمعنى ان البلدان التي حصلت على ترتيب متقدم في مستوى الشفافية السائد في مؤسساتها طبقا لتقريرمنظمة الشفافية لا يعيش فيها انبياء معصمون يقدسون الامانة و النزاهة و يذوبونا حبا في بلادهم. انهم اناس عاديون سيفعلون "نفس الشيئ" لو اتيحت لهم الفرصة لكن الانظمة القانونية المالية و المحاسبية تقف عائقا كبيرا امامهم بل تكاد تجعل مهمتهم مستحيلة! ارجو ان لا يتصور القارئ الكريم اني اتحدث عن كندا و امريكا و اوربا فمن الدول المتقدمة قطر و الاردن بل حتى سوريا جاء ترتيبها متقدما على العراق!! فالنظام المالي العراقي مازال بدائيا في كثير من جوانبه يرجع في مجمله الى قوانين الدولة العثمانية و يستند على تعليمات وزارة المالية و التعليمات هي ادنى درجات التشريع يستطيع رئيس قسم اصدارها و تغييرها كما لا يترتب جزاء على مخالفتها بل تخضع للعقوبة الادارية التقديرية. تفتقد قوانين الدولة العراقية ايضا الى جانب الارشاد و التوجيه القانوني بمعنى تقديم الخبرة و المساعدة القانونية لدوائر الدولة لتطبيق القوانين المالية و الالتزام بها و هذا توجيه تلتزم به كل دول العالم تقربيا! فهدف القانون ليس العقاب بل هو تطبيق القانون و الألتزام بمواده و احكامه و اللغة القانونية معقدة و تظهر الحاجة الى المشورة القانونية بشكل دائم ان لم يكن يومي . في عام 2004 تلقى الرئيس بوش تمثالا من الذهب الخالص هدية من نظيره الصيني و في اليوم الثاني لتسلمه الهدية تلقى معها رسالة من هيئة الضرائب الامريكية تعلّمه انه من حقه قبول الهدية و لكن عليه دفع ضربية قانونية تساوي 100% من قيمة الهدية أو أرجاعها!!! حاول الرئيس بوش افهام هيئة الضرائب انها هدية لا اكثر إلا انه استلم نفس الجواب فما كان منه ألا ان ارجعها فلا يمكنه دفع قيمتها!!!! ان هيئة الضرائب لم تشّهر بالرئيس بوش باعتباره مرتشي َقبِل هدية ثمنية و الكثير من ابناء شعبه يموتون جوعا – و هذه حقيقة فالاف الامريكيين يموتون جوعا – بل قدمت له المشورة القانونية السليمة بناء على خبرتها الطويلة و مهنيتها العالية فاذا كان هو الرئيس فهذا لا يعني مطلقا انه خبير بكل القوانين و الانظمة. إن الرقابة تعني اولا و اخيرا خلق فرص و ليس فرصة واحدة لتطبيق القانون و احترامه بعيدا عن التشهير و التسقيط لسبب بسيط ان التشهير و التسقيط لن يؤدي الى احترام القانون و الحيلولة دون ارتكاب جرائم الفساد فكل شخص يستطيع ان يجد سبيلا لتفادي التشهير او للرد عليه كما لا يمكن التصور ان الهيئة الرقابية ستشهر بالاف الناس فحتى لو كان تعداد السكان في دولة معينة يصل نصف مليون مثلا فعلى اقل تقدير هناك عشرة الاف منهم مرتشون او لصوص عندها لن يكفي البحر مددا للتشهير!!! و قد شهرت النزاهة بالكثيرين فهل تغير ترتيب العراق من حيث مستوى الفساد!؟ فمنظمة الشفافية العالمية لم تجد في العراق اجراءات و قوانين فاعلة بل وجدت حملة شعواء للتشهير و التسقيط !!!! ان كل الدول التي جاءت في المقدمة من حيث شفافية اجراءتها لا تشن حملات تسقيط و تشهير – ضاربة عرض الحائط بابسط قواعد القانون- بل تعمد الى تطبيق القواعد القانونية سواء في مرحلة الردع عن ارتكاب جرائم الفساد او العقاب عليها. و عند استنفاذ فرص تطبيق القانون يصار الى العقوبة التي تبدأ بالتحقق من الواقعة و التثبت منها قانونا بالمستمسكات و الوثائق وصولا الى تجريمها و العقاب عليها و هنا تظهر اهمية و جود قانون يبين الجرائم و يحدد العقوبات فمن القضايا التي اعتبرتها النزاهة جرائم هي قضية ارسال مائة و خمسون شيخا و طاعنا في السن الى الحج باعتباره هدرا للمال العام !!!! لقد عجزت النزاهة عن ايجاد المادة القانونية التي تحّرم ارسال العجزة الى الحج كما اربكت العمل في دوائر الدولة فلم يّعد احد يعرف ما هو "الحلال" و ما هو" الحرام" قانونا !! فمثلا لم تتعرض النزاهة مطلقا على حج الوزراء والمسؤولين بل ان رئيس الوزراء الجعفري – و كان نائبا لرئيس الجمهورية في وقتها- ارسل في نفس العام طائرتين كاملتين للحج من اقاربه و اصدقاءه على نفقة الدولة دونما اعتراض بسيط من النزاهة و عندما اصبح رئيسا للوزراء صرف مكافاة قدرها خمسون الف دولار لكل وزير يحج!!! فما هو الحرام قانونا في هذه الحالة؟ هل هو الحج؟ طيب لقد حج المسؤولون و استلموا مكافاة حجهم من المال العام علما ان صاحب المال العام "الشعب" لم ينتفع من حجهم بشيئ ؟ ام ارسال العجزة للحج ؟ ام ارسال العجزة للحج من قبل حكومة علاوي؟؟ و لعل مما يحتسب للمالكي في هذا الاطار منعه وزراءه من الحج !! تجدر الاشارة الى ان مفتي مصر اعتبر حج المسؤولين على نفقة الدولة حرام مشبها اياه بالحج بمال غير طاهر!!! فلا يبدو منطقيا التقرب الى الله باموال الشعب! لقد بدت النزاهة في سلوكها هذا جاهلة لابسط اسس عمل الدولة حيث توفر الدول خدمات متنوعة من ميزانيتها العامة للمسنين والعجزة من نقل و ادوية و تمريض ومرة اخرى ارجو ان لا يتصور القارئ اني اتحدث فقط عن كندا و امريكا و اوربا فمن الدول الرائدة قطر والبحرين وتصل الى حد ارسال ممرضة الى البيت على نفقة الدولة!!!! ومع هذا اين هي المشورة القانونية التي ابدتها النزاهة في هذا الاطار؟ لقد تم استحصال موافقة رئيس هيئة الحج دونما اعتراض من النزاهة لما يزيد عن ستة اشهر فاذا كان هناك خلل او تقصير فالنزاهة تتحمل الجزء الاكبر منه لعدم اعترضها عليه حال وقوعه كما ان القول ان النزاهة لا تعلم غير مقبول فقد نشر الخبر في الصحف و اذا كانت النزاهة لا تعلم فمن يعلم اذنا؟؟ ان سلوك النزاهة ادى الى تحويل انظار الراي العام و اشغاله بقضايا وهمية و اتاحة فرصة ذهبية للصوص الكبار للانفراد بالغنيمة !!! فما الذي تحقق على ارض الواقع من التشهير بالاخرين خاصة الابرياء ما الذي تحقق من التشهير السيدة ليلى عبد اللطيف وغيرها؟ لا شيئ سوى الاساءة. هذا بغض النظر عن كلفة ارسال مائة ونيف مسنا الى الحج على حساب الدولة و التي لا تتجاوز الف او الفي دولار فهذه الكلفة لا يمكن ان تعادل او تتجاوز مكافاة واحدة من التي صرفها الدكتور الجعفري للوزير الذي يحج!!!! من ناحية اخرى فالنزاهة تعيب على الاخرين تصرفا معينا ثم تقوم هي نفسها بارتكابه؛ لقد عاب القاضي راضي على السيدة ليلى عبد اللطيف توظيفها لاخاها مديرا لمكتبها و اعتبر ذلك هدرا للمال العام و جريمة فساد طيب ها هو يوظف ابنة اخته ضمن طاقمه ترافقه في سفره انظر مقالة الاستاذ عزيز خيون العراق هيئة نزاهة و جيوش جرارة للفساد حيث يشير في المقال الى انه التقى القاضي راضي مع ابنة اخته التي ترافقه كنوع من الحماية؟! http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&issue=10361&article=414623 كما ان عائلة القاضي راضي باكملها سافرت معه الى الولايات المتحدة فيما بدى على انه ايفاد رسمي انتهى بطالب اللجوء! طيب َمن دفع تذاكر السفر الى الولايات المتحدة هيئة النزاهة- المال العام- ام القاضي راضي من ماله الخاص؟
ان الشفافية تعني الاشهار و الاعلان؛ بمعنى ان المواطن يعرف ما هي الاجراءات المتبعة في شراء و تجهيز الخدمات كما يعرف المبالغ المصروفة على كل قطاع و اسلوب الصرف و التجهيز. ان المواطن العراقي لا يعرف شيئا فالعقود و التجهيزات و الاجراءات المتبعة في تحصيلها لا تنشر في وسائل الاعلام او في المواقع الرسمية للوزارات والمؤسسات. كما ان المواطن لا يعرف طرق التجهيز لا يعرف شيئا بالمطلق فكل الامور غامضة بالنسبة له لا يعرف كم يصرف على قطاع التعليم و الصحة و الخدمات وغيرها و لا يعرف كيف يتم ذلك؟؟ و هي مهمة تتوزع بين البرلمان الذي يناقش الميزانية و الحكومة التي تعلن هذه الامور و توضحها! فاتباع اجراءات شفافة معناه اتباع اجراءات و اضحة للجميع لموظفي الدائرة نفسها من خلال مشاركتهم بها و للمواطنين من خلال اطلاعهم عليها. إن هذه الاسس القانونية هي التي تستند عليها منظمة الشفافية العالمية و غيرها من المؤسسات لتصنيف الدول من حيث سنها لقوانين مالية تجعل مهمة الاستيلاء على المال العام صعبة و معقدة كما توفر لمؤسسات الدولة خدمة النصح و الارشاد القانوني و تتبع اجراءات قانونية –بعيدا عن التشهير و الأثارة – لمكافحة الفساد المالي والاداري.
#محمد_كامل_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا سيحدث الآن بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت
...
-
ماذا قال الأعداء والأصدقاء و-الحياديون- في مذكرات اعتقال نتن
...
-
بايدن يدين بشدة مذكرات اعتقال نتنياهو وجالانت
-
رئيس وزراء ايرلندا: اوامر الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين ا
...
-
بوليتيكو: -حقا صادم-.. جماعات حقوق الإنسان تنتقد قرار بايدن
...
-
منظمة حقوقية تشيد بمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائي
...
-
بايدن يعلق على إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتني
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|