|
التقليد الأعمى طريق حياتنا :
عزيز العرباوي
الحوار المتمدن-العدد: 2145 - 2007 / 12 / 30 - 12:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تعد الثقافة أرقى المكتسبات المعنوية للعقل ، حيث تكون المرآة العاكسة للأفعال والأقوال والسلوكات المتكررة داخل المجتمع الإنساني ، وكذلك عند الشعور بمواجهة التطورات المختلفة واليومية في نطاق العلاقات والروابط القائمة بين أفراد المجتمع . لذا يمكننا أن نعتبرها سلوكا مكتسبا في فترة معينة من عمر الفرد ، إن لم نقل خلال عمره المفترض عيشه . وانطلاقا من هنا ، فكل فرد داخل مجتمع كيفما كانت تركيبته ووضعيته يمكنه أن يكتسب هذه الثقافة ذهنيا من خلال موضوعات وقضايا وإشكاليات ومواقف وأفكار وأقوال وأفعال وسلوكات تختلف موضوعاتها وتوجهاتها ، فهناك الثقافة الاستهلاكية ، والإنتاجية ،والإبداعية ،والعلمية ، والرياضية ، والنفسية ، والسلوكية ، والاجتماعية ،...إلخ . إذ يصبح على الفرد الذي يطلب هذه الثقافات أن يختار مجالا أو موضوعا ليتميز فيه ويصبح مضرب المثل في هذا النوع المختار . ولكن أيمكننا أن نطلق على أنفسنا مثقفين ؟ وهل الثقافة صفة لكل من أتقن مجالا أو موضوعة أو أغفل أو أهمل الثقافات الأخرى ؟ ومتى يمكننا أن نطلق على أي مجتمع يأنه مثقف ومتثاقف ؟ هذه الأسئلة قد تكون صعبة الإجابة بحكم عدم تخصصنا في المجال المعرفي هذا أو بحكم عدم قدرتنا على تحديد معالم الثقافة المكتملة أو التي يمكن أن نحكم على المجتمع بالمثقف ، وقد يصل الأمر بهذه الأسئلة إلى إلغائها وترك أمر الحكم إلى حين ، أو إلى المختصين بحكم إلمامهم بالموضوع أكثر من خلال دراسات وأبحاث ميدانية ، ولكن هذا لا يمنع من أن نقارب الموضوع برؤية متواضعة تكون منطلقا ودعوة لهؤلاء الدارسين للقيام بتحليل وبحث لهذه المسألة المعقدة . كثيرا ما نسمع في الشارع أو في الملتقيات أو في الإعلام أن أحدا مثقفا بحكم تخصصه في موضوع من المواضيع أو مجال معرفي ما . وقد يصل الأمر إلى اعتباره مفكرا وسيد زمانه في هذا المجال المعرفي بحكم إتقانه للمعارف والأفكار والنظريات التي تؤطر هذا المجال . وغالبا ما ننساق وراء هذا المفكر المدعي لنجعله قدوتنا في الثقافة والعلم والحياة أيضا ، فنقلده في تسريحة شعره ، وفي طريقة كلامه ، ونحفظ أقواله ، ونتبنى مواقفه حتى ولو كانت مدمرة . وأكبر مثال على هذا هم أتباع شيوخ الجماعات الإسلامية ومريدي أسياد الفتاوي ، وزوار كهوف الإرهابيين والقتلة ...وهذا الأمر لا ينطبق فقط على هذا النوع من شبه المفكرين والمثقفين والعلماء ، بل حتى على المجرمين وفناني الدعارة ومطربي الزمان الرديء ، فيصبح التقليد الأعمى هو الثقافة السائدة والمنتشرة بين أفراد المجتمع الذين تنقصهم تجربة الحياة . لقد أصبح التقليد الأعمى هو السائد في مجتمعاتنا العربية ، فالفتاة تقلد فنانة البورنو ، والشباب يقلد ممثلي العنف والجهل واللاأخلاق ، ويحفظ أغاني الرداءة والتفاهة ، والطفل يحاكي شخصيات الرسوم المتحركة الميالة إلى العنف ، لينتج في الأخير شخصا متشبعا بالعنف والتشدد والحقد ...إلى غير ذلك من سلوكات مريضة تمرض المجتمع وأفراده . وعلى هذا فإن الأخذ بالتقليد في التعامل الثقافي والتشبع الفكري والسلوكي يؤدي إلى نتائج سلبية ومدمرة ، وما يدخل في عدادها من أساليب المغالاة والتطرف والتشدد والجريمة والإباحية ... والتعصب الذي يظهر على بعض الأفراد والجماعات في المجتمعات العربية اليوم ، هو أحد أخطر نتائج هذا التقليد الذي صار موضة تهدد قيمنا المجتمعية العربية والإسلامية . ونشير إلى أن قلة الاهتمام بالفرد داخل المجتمع العربي ثقافيا واجتماعيا ونفسيا واقتصاديا يدفع البعض إلى قتل كبته وضعفه وانكساره داخل مجتمعه بطرق غير مقبولة وخارجة عن المباديء والقيم التي سمع بها وحاول مقاربتها عند أفراد أسرته ومجتمع الآخرين . وعلى هذا فكلنا نقلد ، عامة وخاصة ، مثقفون وغير مثقفين ، أي نتعامل مع الغير المتقدم والمثقف أكثر منا باستعمالات ما ينتج ويبدع ، بل نعمل بكل جهد لقتل ملكات الإبداع عندنا بالخروج عن القيم والأخلاق التي تحكمنا ، إما بالتعاطي للمخدرات وما شابهها ، أو إما بالتشبع بالفكر المتشدد والمتطرف الذي يحارب التقدم ، ويقف حجرة عثرة أمام انطلاقتنا إلى الأمام المزدهر والمتقدم . وقد أبدع لنا الغرب الكثير من الطرق والوسائل لنصلح من شأننا كما استفاد هو من علمنا وفكرنا قبل أن يصبح على ما هو عليه الآن ، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك . فأين نحن من تاريخنا العظيم ؟ لقد ولدت ثقافة التقليد لدى المجتمعات العربية بكل أطيافها مشكلات نفسية واجتماعية وحتى بعض الأخطاء في تربية الإنسان العربي وتربية عقله على عملية الانتقاء الأفضل مادام هذا العقل العربي مجمدا مؤقتا . وقد أظهرت الكثير من الدراسات هذه المشكلة ، بحيث وضحت بأن أسباب ضعف التحصيل الدراسي وعدم القابلية للتعلم الذاتي خاصة كانت وراء إنتاج هذه الثقافة ، استنادا إلى مميزات واضحة ودفينة في الشخصية العربية على العموم والتي تعيش في أوضاع الكبت والحظر والفقر والجهل وقلة الحيلة وضعف الموارد ....إلخ. وبشكل عام ، فإن إنقاذ الوضع يكون بخلق ثقافة جديدة يكون أساسها الخلق والإبداع المعتمدين على الجهد والعمل المواصل ونكران الذات لبناء مجتمع مثقف منتج لا ينتظر حسنات الآخرين وفضلاتهم . ونحن هنا لا ندعو إلى مقاطعة الآخر ، ولكن التعامل والشراكة معه بحيث تكون هذه الأخيرة مسألة متميزة لا تفضل طرفا على آخر ، وتكون وسيلة لتحقيق الرفاهية والتقدم للإنسان أجمع بدون تمييز أو عنصرية حسب اللون أو الجنس أو الثقافة ... فهل نحن مستعدون لهذا يا عرب ؟
#عزيز_العرباوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغزو الإعلامي الغربي وبعض الأبواق المبررة له :
-
الكونغريس الأمريكي يرقص على إيقاع النفاق :
-
سيرة ..... : قصة قصيرة :
-
هيفاء وهبي تؤمن على جسدها وأغنياء العرب يمولون :
-
الشاعر والسماء
-
- أول المنفى - مجموعة شعرية لعلي العلوي : استنجاد الموت والم
...
-
أشهر حكومة في تاريخ المغرب :
-
المثقف والإرهاب :
-
التجديد الديني ومستقبل الإسلام :
-
- مدين لقاتلتي بالحياة - لسعيد التاشفيني : نقد ... :
-
الشبكة العلائقية العائلية وورطة عباس الفاسي : رأي :
-
النفاق المشروع عند صاحب العصمة : شعر
-
” بيت لا تفتح نوافذه ” لهشام بن الشاوي :الرثاء المفعم بالألم
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|